فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد رويت في هذه القصة أخبار مخلوطة، فإياك أن تتسرب إلى نفسك منها أغلوطة، فلا تصْغغِ ذهنك إلى ما ألصقه أهل القصص بهذه الآية من تبسيط في حال النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر زيدًا بإمساك زوجه، فإن ذلك من مختلقات القصاصين؛ فإما أن يكون ذلك اختلافًا من القصاص لتزيين القصة، وإما أن يكون كله أو بعضه من أراجيف المنافقين وبهتانهم فتلقفه القصاص وهو الذي نجزم به.
ومما يدل لذلك أنك لا تجد فيما يؤثر من أقوال السلف في تفسير هذه الآية أثرًا مسندًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى زيد أو إلى زينب أو إلى أحد من الصحابة رجالهم ونسائهم، ولكنها كلها قصص وأخبار وقيل وقال.
ولسوء فهم الآية كبر أمرها على بعض المسلمين واستفزّت كثيرًا من الملاحدة وأعداء الإسلام من أهل الكتاب.
وقد تصدى أبو بكر بن العربي في الأحكام لوهن أسانيدها وكذلك عياض في الشفاء.
والآن نريد أن ننقل مجرى الكلام إلى التسليم بوقوع ما روي من الأخبار الواهية السند لكي لا نترك في هذه الآية مهواة لأحد.
ومجموع القصة من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بيت زيد يسأل عنه فرأى زينب متفضلة، وقيل رفعتْ الريحُ ستار البيت فرأى النبي عليه الصلاة والسلام زينب فجأة على غير قصد فأعجبه حسنها وسبَّح للَّه، وأن زينب علمت أنه وقعت منه موقع الاستحسان وأن زيدًا علم ذلك وأنه أحب أن يطلقها ليؤثر بها مولاه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال له: {أمسك عليك زوجك} وهو يودّ طلاقها في قلبه ويعلم أنها صائرة زوجًا له.
وعلى تفاوت أسانيده في الوهن أُلقي إلى الناس في القصة فانتُقل غَثه وسمينه، وتُحُمِّل خِفه ورزينه، فأخذ منه كلٌّ ما وسعه فهمُه ودينه، ولو كان كله واقعًا لما كان فيه مغمز في مقام النبوءة.
فأما رؤيته زينب في بيت زيد إن كانت عن عمد فذلك أنه استأذن في بيت زيد، فإن الاستئذان واجب فلا شك أنه رأى وجهها وأعجبته ولا أحسب ذلك لأن النساء لم يكُنَّ يستْرنَ وجوههن قال تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] أي الوجه والكفين وزيد كان من أشد الناس اتصالًا بالنبي، وزينبُ كانت ابنةَ عمته وزوجَ مولاه ومتبنّاه، فكانت مختلطة بأهله، وهو الذي زوجها زيدًا، فلا يصح أن يكون ما رآها إلا حين جاء بيتَ زيد، وإن كانت الريح رفعت الستر فرأى من محاسنها وزينتها ما لم يكن يراه من قبلُ، فكذلك لا عَجب فيه لأن رؤية الفُجأة لا مؤاخذة عليها، وحصولَ الاستحسان عقب النظر الذي ليس بحرام أمر قهري لا يملك الإنسان صرفه عن نفسه، وهل استحسان ذات المرأة إلا كاستحسان الرياض والجنّات والزهور والخيل ونحو ذلك مما سماه الله زينة إذا لم يتبعه النظار نظرة.
وأما ما خطر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم من مودة تزوجها فإن وقع فما هو بخطب جليل لأنه خاطر لا يملك المرء صرفه عن نفسه وقد علمت أن قوله: {وتخشى الناس} ليس بلوم، وأن قوله: {والله أحق أن تخشاه} ليس فيه لوم ولا توبيخ على عدم خشية الله ولكنه تأكيد لعدم الاكتراث بخشية الناس.
وإنما تظهر مجالات النفوس في ميادين الفُتوة بمقدار مصابرتها على الكمال في مقاومة ما ينشأ عن تلك المَرائِي من ضعف في النفوس وخور العزائم وكفاك دليلًا على تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المقام وهو أفضل من ترسخ قدمه في أمثاله أنه لم يزل يراجع زيدًا في إمساك زوجه مشيرًا عليه بما فيه خير له وزيد يرى ذلك إشارةً ونصحًا لا أمرًا وشرعًا.
ولو صح أن زيدًا علم مودة النبي صلى الله عليه وسلم تزوج زينب فطلقها زيد لذلك دون أمر من النبي عليه الصلاة والسلام ولا التماس لما كان عجبًا فإنهم كانوا يؤثرون النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسهم، وقد تنازل له دِحية الكلبي عن صفية بنت حُيَي بعد أن صارت له في سهمه من مغانم خَيبر، وقد عرض سعد بن الربيع على عبد الرحمان بن عوف أن يتنازل له عن إحدى زوجتيه يختارها للمؤاخاة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما.
وأما إشارة النبي عليه الصلاة والسلام على زيد بإمساك زوجه مع علمه بأنها ستصير زوجة له فهو أداء لواجب أمانة الاستنصاح والاستشارة، وقد يشير المرء بالشيء يعلمه مصلحةً وهو يوقن أن إشارته لا تمتثل.
والتخليط بين الحالين تخليط بين التصرف المستند لما تقتضيه ظواهر الأحوال وبين ما في علم اللَّه في الباطن، وأشبه مقام به مقام موسى مع الخضر في القضايا الثلاث.
وليس هذا من خائنة الأعين، كما توهمه من لا يُحسن، لأن خائنة الأعين المذمومة ما كانت من الخيانة والكيد.
وليس هو أيضًا من الكذب لأن قول النبي عليه الصلاة والسّلام لزيد {أمسك عليك زوجك واتق الله} لا يناقض رغبته في تزوجها وإنما يناقضه لو قال: إنّي أُحب أن تمسك زوجك، إذ لا يخفى أن الاستشارة طلب النظر فيما هو صلاح للمستشير لا ما هو صلاح للمستشار.
ومن حق المستشار إعلام المستشير بما هو صلاح له في نظر المشير، وإن كان صلاح المشير في خلافه، فضلًا على كون ما في هذه القصة إنما هو تخالُف بين النصيحة وبين ما علمه الناصح من أن نصحه لا يؤثّر.
فإن قلت: فما معنى ما روي في الصحيح عن عائشة أنها قالت: لو كان رسول الله كاتمًا شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك} الآية.
قلت: أرادت أن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في تزوج زينب أو إعلام الله إياه بذلك كان سرًا في نفسه لم يطلع عليه أحدٌ إذ لم يؤمر بتبليغه إلى أحد.
وعلى ذلك السر انبنى ما صدر منه لزيد من قوله: {أمسك عليك زوجك}.
فلما طلقها زيد ورام تزوجها علم أن المنافقين سيرجفون بالسوء، فلما أمره الله بذكر ذلك للأمة وتبليغ خَبره بلَّغه ولم يكتمه مع أنه ليس في كتمه تعطيل شرع ولا نقص مصلحة، فلو كان كاتمًا لكتم هذه الآية التي هي حكاية سر في نفسه وبينه وبين ربّه تعالى، ولكنه لما كان وحيًا بلّغه لأنه مأمور بتبليغ كل ما أنزل إليه.
واعلم أن للحقائق نِصابها، وللتصرفات موانعها وأسبابَها، وأن الناس قد تمتلكهم العوائد، فتحول بينهم وبين إدراك الفوائد، فإذا تفشَّت أحوال في عاداتهم استحسنوها ولو ساءت، وإذا ندرت المحامد دافعوها إذا رامت مداخلة عقولهم وشاءت، وكل ذلك من تحريف الفطرة عن وضعها، والمباعدة بين الحقائق وشرعها.
ولما جاء الإسلام أخذ يغزو تلك الجيوش ليقلعها من أقاصيها، وينزلها من صياصيها، فالحسن المشروع ما تشهد الفطرة لحسنه، والقبيح الممنوع الذي أماتته الشريعة وأمرت بدفنه.
{فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زوجناكها لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا}.
تفريع على جملة {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} الآية، وقد طوي كلام يدل عليه السياق، وتقديره: فلم يقبل منك ما أشرت عليه ولم يمسكها.
ومعنى {قضى} استوفى وأتم.
واسم {زيد} إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقال: فلما قضى منها وطرًا، أي قضى الذي أنعم الله وأنعمت عليه، فعدل عن مقتضى الظاهر للتنويه بشأن زيد.
قال القرطبي: قال السهيلي: كان يقال له زيد بن محمد فلما نزع عنه هذا الشرف حين نزل {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] وعلم الله وحشته من ذلك شرّفه بخصيصة لم يكن يخص بها أحدًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهي أنه سماه في القرآن، ومن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم نوّه غاية التنويه. اهـ.
والوطر: الحاجة المهمة، والنهمة قال النابغة:
فمن يكن قد قضى من خَلة وطَرًا ** فإنني منككِ ما قَضَّيت أوطاري

والمعنى: فلما استتم زيد مدة معاشرة زينب فطلقها، أي فلما لم يبق له وطرٌ منها.
ومعنى {زوجناكها} أَذِنَّا لك بأن تتزوجها، وكانت زينب أيِّمًا فتزوجها الرسول عليه الصّلاة والسّلام برضاها.
وذكر أهل السِير: أنها زوّجها إياه أخوها أبو أحمد الضرير واسمه عبد بن جَحش، فلما أمره الله بتزوجها قال لزيد بن حارثة: ما أجد في نفسي أوثق منك فاخطُب زينب عليَّ، قال زيد: فجئتها فوليتها ظهري توقيرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت: يا زينب أرسل رسول الله يذكرك.
فقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أُوَامر ربي، وقامت إلى مسجدها وصلَّت صلاة الاستِخارة فرضيت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل فبنى بها.
وكانت زينب تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكنَّ آباؤكن وزوّجني ربّي.
وهذا يقتضي إن لم يتول أخوها أبو أحمد تزويجها فتكون هذه خصوصية للنبيء صلى الله عليه وسلم عند الذين يشترطون الولي في النكاح كالمالكيّة دون قول الحنفية.
ولم يذكر في الروايات أنّ النبي عليه الصلاة والسلام أصدقها فعدّه بعض أهل السير من خصوصياته صلى الله عليه وسلم فيكون في تزوُّجها خصوصيتان نبويّتان.
وأشار إلى حكمة هذا التزويج في إقامة الشريعة، وهي إبطال الحرج الذي كان يتحرجه أهل الجاهلية من أن يتزوج الرجل زوجة دَعِيِّه، فلما أبطله الله بالقول إذ قال: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} [الأحزاب: 4] أكد إبطاله بالفعل حتى لا يبقى أدنى أثر من الحرج أن يقول قائل: إن ذاك وإن صار حلالًا فينبغي التنزه عنه لأهل الكمال، فاحتيط لانتفاء ذلك بإيقاع التزوج بامرأة الدعيّ من أفضل الناس وهو النبي صلى الله عليه وسلم والجمع بين اللام وكي توكيد للتعليل كأنه يقول: ليست العلة غير ذلك، ودلت الآية على أن الأصل في الأحكام التشريعية أن تكون سواء بين النبي صلى الله عليه وسلم والأمة حتى يدل دليل على الخصوصية.
وجملة {وكان أمر الله مفعولًا} تذييل لجملة {زوجناكها}.
وأمر الله يجوز أن يراد به من أمر به من إباحة تزوج من كنّ حلائل الأدعياء، فهو بمعنى الأمر التشريعي فيه.
ومعنى {مفعولًا} أنه متّبع ممتثل فلا يتنزه أحد عنه، قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: 32].
ويجوز أن يراد الأمر التكويني وهو ما علم أنه يكون وقَدّر أسباب كونه، فيكون معنى {مفعولًا} واقعًا، والأمر من إطلاق السبب على المسبب، والمفعول هو المسبب.
وتزوُّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب من أمر الله بالمعنيين. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
جمعتْ هذه الآية أيضًا بين المذكر والمؤنث في {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36] فهي امتداد للآية السابقة، فهي تخدم ما قبلها، وتخدم أيضًا ما بعدها، وما به أصل السبب؛ لأنها نزلتْ في عبد الله بن جحش وأخته زينب، حين رفضا زواج زينب من زيد بن حارثة، فالمؤمن عبد الله بن جحش، والمؤمنة أخته زينب من حيث هما سبب لنزول الآية، وإلا فهي لجميع المؤمنين وجميع المؤمنات.
وسبق أنْ ذكرنا قصة زيد بن حارثة، وملخصها أنه سُرِق من أهله، وبِيع في سوق العبيد على أنه عبد، فاشتراه حكيم بن حزام، ثم وهبه للسيدة خديجة أم المؤمنين، فوهبته خديجة رضي الله عنها لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار مَوْليً لرسول الله.
وبينما هو ذات يوم بالسوق، إذ رآه جماعة من قومه فعرفوه، وأخبروا أباه أنه بالمدينة، فجاءه أبوه وأعمامه، وحكَوْا لرسول الله قصته، وطلبوا عودته معهم، فقال رسول الله: خيِّروه، فإن اختاركم فهنيئًا لك، وإن اختارني، فَمَا كان لي أنْ أُسْلِمه، فردَّ زيد وقال: والله ما كنت لأختار على رسول الله أحدًا.
فأراد سيدنا رسول الله أنْ يكافيء زيدًا على هذا التصرف، فنسبه إليه على عادة العرب في هذا الوقت، فسمَّاه زيد بن محمد.
فلما أراد الحق سبحانه أن ينهي هذه العادة، ومثلها عادة الظهار، نزل قوله سبحانه: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4].
فكما أن الرجل لا يكون له إلا قلب واحد، كذلك لا يكون له إلا أب واحد، وشاء الله أنْ يبدأ بمُتَبنَّي رسول الله؛ ليكون نموذجًا تطبيقيًا عمليًا أمام الناس، وكانت هذه الظاهرة يترتب عليها أنْ يرث المتبنَّي من المتبنِّي بعد موته، وأنْ تُحرم زوجة المتبنَّي أنْ يتزوجها المتبنِّي.
صحيح أن القضاء على هذه العادة قضاءٌ على نظام اجتماعي فاسد موجود في الجزيرة العربية، لكنه في الوقت نفسه دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنَّي كما يتبنَّى العرب، وأن الله تعالى أبطل من رسول الله هذا التصرّف؛ وهذا سيفتح الباب أمام معاندي رسول الله أنْ يَشْمتوا فيه، وأن تتناوله ألسنتهم؛ لذلك عالج الحق سبحانه هذه القضية علاج ربٍّ بإنفاذ الأمر في نُصْرة حبيب له، فلم يُشوِّه عمل الرسول، إنما جعل فِعْله عَدْلًا، وحكمه سبحانه أعدل، فقال: {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5].
والمعنى: إنْ كُنتم جعلتم من العدل والمحبة أنْ تكفلوا هؤلاء الأولاد، وأنْ تنسبوهم إليكم، فهذا عَدْل بشريٌّ، لكن حكم الله أعدل وأقْسَط، وشرفٌ لرسول الله أنْ يردَّ اللهُ حكمه إلى حكم ربه، وشرفٌ لرسول الله أن يكون له الأصل في المسألة، وأنه يحكُم، فيردّ الله حكمه إلى حكمه، فهذا تكريم لرسول الله.
فقوله تعالى: {هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5] يعني: أن فِعْل محمد كان قسْطًا وعَدْلًا بقانون البشر، وقد جاء محمد ليُغيِّر قوانين البشر بقوانين ربِّ البشر، وبهذا خرج سيدنا رسول الله من هذا المأزق.
أما زيد فقد عوَّضه الله عما لحقه من ضرر بسبب انتهاء نسبه إلى رسول الله، فصار زيد بن حارثة بعد أنْ كان زيد بن محمد، عوَّضه الله وأنصفه بأنْ جعله العَلَم الوحيد من صحابة رسول الله الذي ذُكر اسمه في القرآن الكريم بنصِّه وفصِّه، فقال سبحانه: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] فَخُلَد زيد في كتاب يُتْلى، ويُتعبد بتلاوته إلى يوم القيامة.
وعلاقة زيد بن حارثة بما نحن بصدده من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36] أنه تزوج من السيدة زينب بنت جحش، زوَّجه إياها رسول الله، وقد نزلتْ هذه الآية في زينب، وفي أخيها عبد الله.
ومعنى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36] معنى ما كان أي: أنه شيء بعيد، لا يمكن أنْ يَرِد على العقل، أي: أنه أمر مُسْتبعد غير مُتصوَّر، وكان المنفية تدل على جَحْد هذه المسألة، فالمؤمن والمؤمنة، ما دام أن الإيمان باشر قلبيهما لا يمكن أنْ يتركا أمر الله وحكمه، أو أمر رسوله إلى اختيارهما.