فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}.
فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ هِيَ الرَّحْمَةُ وَمِنْ الْعِبَادِ الدُّعَاءُ، قَالَ الْأَعْشَى: عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} قَالَ: إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ سَأَلُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ يُصَلِّي رَبُّك؟ فَكَأَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ فِي صَدْرِهِ، فَسَأَلَهُ فَأَوْحَى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ أَخْبِرْهُمْ أَنِّي أُصَلِّي وَأَنَّ صَلَاتِي: رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي.
فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَصْلِكُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ اشْتِمَالُ لَفْظِ الصَّلَاةِ عَلَى مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَالدُّعَاءِ جَمِيعًا.
قِيلَ لَهُ: هَذَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ، وَالصَّلَاةُ اسْمٌ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ، فَلَا يَمْتَنِعُ إرَادَةُ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ فِيمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ، قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} صَلَاةُ الضُّحَى وَصَلَاةُ الْعَصْرِ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} يعني زيد بن حارثة فإن المشركين قالوا إن محمد تزوج امرأة ابنه فأكذبه الله بقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُم} أي لم يكن أبًا لزيد.
{وَلكِن رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ} يعني آخرهم وينزل عيسى فيكون حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا فيقتل الدجال ويكسر الصليب وقد روى نعيم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرجُ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِن ثَلاَثِينَ كُلُّهُم يَزْعَمُ أَنَّهُ نَبِيٌ وَلا نَبِيَّ بَعْدِي» قال مقاتل بن سليمان ولم يجعل محمدًا أبا أحد من الرجال لأنه لو جعل له ابنًا لجعله نبيًا وليس بعده نبي قال الله: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ}.
قوله تعالى: {اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} فيه قولان:
أحدهما: ذاكروه بالقلب ذكرًا مستديمًا يؤدي إلى طاعته واجتناب معصيته.
الثاني: اذكروا الله باللسان ذكرًا كثيرًا، قاله السدي. وروى مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن عَجَزَ عَنِ اللَّيْلِ أَن يُكَابِدَهُ، وَجَبُنَ عَنِ العَدُوِّ أَن يُجَاهِدَهُ، وَبَخِلَ بِالمَالِ أَن يُنفِقَهُ فَلْيَكْثِرْ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ» وفي ذكره هنا وجهان:
أحدها: الدعاء له والرغبة إليه، قاله ابن جبير.
الثاني: الإقرار له بالربوبية والاعتراف له بالعبودية.
قوله: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلًا} قال قتادة صلاة: الصبح والعصر، قال الأخفش: والأصيل ما بين العصر والليل. وقال الكلبي: الأصيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وفي التسبيح هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه التسبيح الخاص الذي هو التنزيه.
الثاني: أنه الصلاة.
الثالث: أنه الدعاء، قاله جرير:
فلا تنس تسبيح الضُّحى إن يونسا ** دعا ربه فانتاشه حين سبحا

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلآئِكَتُهُ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ثناؤه، قاله أبو العالية.
الثاني: كرامته، قاله سفيان.
الثالث: رحمته، قاله الحسن.
الرابع: مغفرته، قاله ابن جبير.
وفي صلاة الملائكة قولان:
أحدهما أنه دعاؤهم، قاله أبو العالية.
الثاني: استغفارهم، قاله مقاتل بن حيان.
{لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: من الكفر إلى الإيمان، قاله مقاتل.
الثاني: من الضلالة إلى الهدى، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثالث: من النار إلى الجنة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ما كان محمَّدٌ أبا أحَد من رجالكم}.
قال المفسرون: لمَّا تزوَّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زينب، قال الناس: إِن محمدًا قد تزوَّج امرأة ابنه، فنزلت هذه الآية، والمعنى: ليس بأب لزيد فتَحْرُم عليه زوجته {ولكنْ رسولَ الله} قال الزجاج: من نصبه، فالمعنى: ولكن كان رسولَ الله، وكان خاتم النبيِّين؛ ومن رفعه، فالمعنى: ولكنْ هو رسولُ الله؛ ومن قرأ: {خاتِمَ} بكسر التاء، فمعناه: وختم النبيِّين؛ ومن فتحها، فالمعنى: آخِر النبيِّين.
قال ابن عباس: يريد: لو لم أَختِم به النبيِّين، لَجَعلتُ له ولدًا يكون بعده نبيًّا.
قوله تعالى: {اذْكُروا الله ذِكْرًا كثيرًا} قال مجاهد: هو أن لا ينساه أبدًا.
وقال ابن السائب: يقال: {ذِكْرًا كثيرًا} بالصلوات الخمس.
وقال مقاتل بن حيَّان: هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال: وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول ربُّكم: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه».
قوله تعالى: {وسَبِّحوه بُكْرةً وأَصيلًا} قال أبو عبيدة: الأصيل: ما بين العصر إِلى الليل.
وللمفسرين في هذا التسبيح قولان:
أحدهما: أنه الصلاة، واتفق أرباب هذا القول على أن المراد بالتسبيح بُكْرة: صلاةُ الفجر.
واختلفوا في صلاة الأصيل على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها صلاة العصر، قاله أبو العالية، وقتادة.
والثاني: أنها الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قاله ابن السائب.
والثالث: أنها الظهر والعصر، قاله مقاتل.
والقول الثاني: أنه التسبيح باللسان، وهو قول: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قُوَّة إِلاَّ بالله»، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {هو الذي يصلِّي عليكم وملائكتُه} في صلاة الله علينا خمسة أقوال:
أحدها: أنها رحمته، قاله الحسن.
والثاني: مغفرته، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: ثناؤه، قاله أبو العالية.
والرابع: كرامته، قاله سفيان.
والخامس: بَرَكَتُه، قاله أبو عبيدة.
وفي صلاة الملائكة قولان:
أحدهما: أنها دعاؤهم، قاله أبو العالية.
والثاني: استغفارهم، قاله مقاتل.
وفي الظُّلُمات والنُّور هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: الضَّلالة والهدى، قاله ابن زيد.
والثاني: الإِيمان والكفر، قاله مقاتل.
والثالث: الجنة والنار، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {تحيَّتُهم} الهاء والميم كناية عن المؤمنين.
فأما الهاء في قوله: {يَلْقَونه} ففيها قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الله عز وجل.
ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن معناه: تحيَّتُهم من الله يوم يَلْقَونه سلام.
وروى صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يسلِّم على أهل الجنة.
والثاني: تحيَّتُهم من الملائكة يوم يَلْقَون اللّهَ: سلامٌ، قاله مقاتل.
وقال أبو حمزة الثُّمالي: تسلِّم عليهم الملائكة يوم القيامة، وتبشِّرهم حين يخرجون من قبورهم.
والثالث: تحيَّتُهم بينهم يوم يلقون ربَّهم: سلام، وهو أن يُحيِّي بعضُهم بعضًا بالسلام، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
والقول الثاني: أن الهاء ترجع إِلى ملك الموت، وقد سبق ذِكْره في ذِكْر الملائكة.
قال ابن مسعود: إِذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له: ربُّك يقرئك السلام.
وقال البراء بن عازب: في قوله: {تحيَّتُهم يوم يَلْقَونه} قال: ملَك الموت، ليس مؤمن يقبض روحه إِلا سلَّم عليه.
فأما الأجر الكريم، فهو الحسن في الجنة. اهـ.

.قال القرطبي:

{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: لما تزوج زينب قال الناس: تزوّج امرأة ابنه؛ فنزلت الآية؛ أي ليس هو بابنه حتى تحرم عليه حليلته، ولكنه أبو أمّته في التبجيل والتعظيم، وأن نساءه عليهم حرام.
فأذهب الله بهذه الآية ما وقع في نفوس المنافقين وغيرهم، وأعلم أن محمدًا لم يكن أبا أحد من الرجال المعاصرين له في الحقيقة.
ولم يقصد بهذه الآية أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد، فقد ولد له ذكور: إبراهيم، والقاسم، والطيّب، والمطهّر؛ ولكن لم يعش له ابن حتى يصير رجلًا.
وأما الحسن والحسين فكانا طفلين، ولم يكونا رجلين معاصرَيْنِ له.
الثانية: قوله تعالى: {ولكن رَّسُولَ الله} قال الأخفش والفرّاء: أي ولكن كان رسول الله. وأجازا {ولكنْ رسولُ الله وخاتَمُ} بالرفع.
وكذلك قرأ ابن أبي عَبْلة وبعض الناس {ولكِنْ رسولُ اللَّهِ} بالرفع؛ على معنى هو رسول الله وخاتم النبيين.
وقرأت فرقة {ولكنّ} بتشديد النون، ونصب {رسول الله} على أنه اسم {لكنّ} والخبر محذوف.
{وَخَاتَمَ} قرأ عاصم وحده بفتح التاء، بمعنى أنهم به خُتموا؛ فهو كالخاتَم والطابَع لهم.
وقرأ الجمهور بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم؛ أي جاء آخرهم.
وقيل: الخاتم والخاتِم لغتان؛ مثل طابَع وطابِع، ودانَق ودانِق، وطابَق من اللحم وطابِق.
الثالثة: قال ابن عطية: هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمّة خَلَفًا وسلَفًا متلقّاةً على العموم التام مقتضية نصًّا أنه لا نبيّ بعده صلى الله عليه وسلم.
وما ذكره القاضي أبو الطيِّب في كتابه المسمّى بالهداية: من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف.
وما ذكره الغزالي في هذه الآية، وهذا المعنى في كتابه الذي سمّاه بالاقتصاد، إلحاد عندي، وتطرّق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوّة؛ فالحذرَ الحذَر منه! والله الهادي برحمته.
قلت: وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نبوّة بعدي إلا ما شاء الله» قال أبو عمر: يعني الرؤيا والله أعلم التي هي جزء منها؛ كما قال عليه السلام: «ليس يبقى بعدي من النبوّة إلا الرؤيا الصالحة» وقرأ ابن مسعود {من رجالكم ولكن نبيًّا ختم النبيين}.
قال الرُّمّاني: ختم به عليه الصلاة والسلام الاستصلاح، فمن لم يصلح به فميئوس من صلاحه.
قلت: ومن هذا المعنى قوله عليه السلام: «بعثت لأتمِّم مَكارم الأخلاق» وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلي ومَثَلُ الأنبياء كمَثَل رجل بنى دارًا فأتمها وأكملها إلا موضع لَبِنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبّون منها ويقولون لولا موضِعُ اللَّبِنة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا موضع اللّبِنة جئت فختمتُ الأنبياء» ونحوه عن أبي هريرة، «غير أنه قال: فأنا اللّبِنة وأنا خاتَم النبيين».
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)}.
أمر الله تعالى عباده بأن يذكروه ويشكروه، ويكثروا من ذلك على ما أنعم به عليهم.
وجعل تعالى ذلك دون حدّ لسهولته على العبد.
ولعظم الأجر فيه قال ابن عباس: لم يُعذر أحد في ترك ذكر الله إلا من غُلب على عقله.
وروى أبو سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون» وقيل: الذكر الكثير ما جرى على الإخلاص من القلب، والقليل ما يقع على حكم النفاق كالذكر باللسان.
{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} أي اشغلوا ألسنتكم في معظم أحوالكم بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير.
قال مجاهد: وهذه كلمات يقولهن الطاهر والمحدِث والجنب.
وقيل: ادعوه.
قال جرير:
فلا تنس تسبيح الضُّحى إن يوسفًا ** دَعَا ربّه فاختاره حين سبَّحا

وقيل: المراد صلوا لله بكرة وأصِيلًا؛ والصلاة تسمّى تسبيحًا.
وخص الفجر والمغرب والعشاء بالذكر لأنها أحق بالتحريض عليها، لاتصالها بأطراف الليل.
وقال قتادة والطبري: الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر.
والأصِيل: العشيّ وجمعه أصائل.
والأصُل بمعنى الأصيل، وجمعه آصال؛ قاله المبرد.
وقال غيره: أُصُل جمع أصيل؛ كرغيف ورغف.
وقد تقدم.
مسألة:
هذه الآية مدنيّة، فلا تعلّق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أوّلًا صلاتين في طرفي النهار.
والرواية بذلك ضعيفة فلا التفات إليها ولا معوّل عليها.
وقد مضى الكلام في كيفية فرض الصلاة وما للعلماء في ذلك في «سبحان» والحمد لله.
قوله تعالى: {هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} قال ابن عباس: لما نزل {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصّةً، وليس لنا فيه شيء؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قلت: وهذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم؛ ودليل على فضلها على سائر الأمم.
وقد قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].
والصلاة من الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه.
وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم؛ كما قال: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ} [غافر: 7] وسيأتي.
وفي الحديث: أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام؛ أيُصلّي ربك جل وعز؟ فأعظم ذلك؛ فأوحى الله جل وعز: «إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي» ذكره النحاس.
وقال ابن عطية: وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله، كيف صلاة الله على عباده. قال: «سُبُّوح قُدّوس رحمتي سبقت غضبي» واختلف في تأويل هذا القول؛ فقيل: إنه كلمة من كلام الله تعالى وهي صلاته على عباده.
وقيل: سُبُّوح قُدّوس من كلام محمد صلى الله عليه وسلم، وقدّمه بين يدي نطقه باللفظ الذي هو صلاة الله وهو «رحمتي سبقت غضبي» من حيث فهم من السائل أنه توهّم في صلاة الله على عباده وجهًا لا يليق بالله عز وجل؛ فقدّم التنزيه والتعظيم بين يدي إخباره.
قوله تعالى: {لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} أي من الضلالة إلى الهدى.
ومعنى هذا التثبيت على الهداية؛ لأنهم كانوا في وقت الخطاب على الهداية.
ثم أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيسًا لهم فقال: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا}.
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)}.
اختلف في الضمير الذي في {يَلْقَوْنَهُ} على من يعود؛ فقيل على الله تعالى، أي كان بالمؤمنين رحيمًا، فهو يؤمنهم من عذاب الله يوم القيامة.
وفي ذلك اليوم يلقونه.
و{تَحِيَّتُهُمْ} أي تحية بعضهم لبعض.
{سَلاَمٌ} أي سلامة لنا ولكم من عذاب الله.
وقيل: هذه التحية من الله تعالى؛ المعنى: فيسلّمهم من الآفات، أو يبشرهم بالأمن من المخافات {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} أي يوم القيامة بعد دخول الجنة.
قال معناه الزجاج؛ واستشهد بقوله جل وعز: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس: 10].
وقيل: {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} أي يومَ يلقَوْن مَلَك الموت؛ وقد ورد أنه لا يقبض روح مؤمن إلا سلّم عليه.
روي عن البَراء بن عازِب قال: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ} فيسلّم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه، لا يقبض روحه حتى يسلّم عليه. اهـ.