فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} أي على الحقيقةِ حيثُ يثبتُ بينَهُ وبينَهُ ما يثبتُ بينِ الوالدِ وولدِه من حُرمةِ المُصاهرة وغيرِها ولا ينتقضُ عمومُه بكونهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أبًا للطَّاهرِ والقاسمِ وإبراهيمَ لأنهم لم يبلغوا الحُلُمَ ولو بلغُوا لكانُوا رجالًا له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لا لَهمُ {ولكن رَّسُولَ الله} أي كانَ رسولًا لله وكلُّ رسولٍ أبُو أمَّتهِ لكنْ لا حقيقةً بل بمعنى أنَّه شفيقٌ ناصحٌ لهم وسببٌ لحياتِهم الأيديةِ وما زيدٌ إلا واحدٌ من رجالِكم الذين لا ولادَ بينُهم وبينَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فحكمه حكمُهم وليس للتبنِّي والادِّعاءِ حكمٌ سوى التَّقريبِ والاختصاصِ {وَخَاتَمَ النبيين} أي كان آخرَهم الذين خُتموا به. وقُرئ بكسر التَّاءِ أي كان خاتمِهم ويُؤيِّده قراءةُ ابن مسعودٍ ولكنْ نبيًا ختَم النبيِّينَ، وأيًّا ما كانَ فلو كانَ له ابنٌ بالغٌ لكان نبيًّا ولم يكنُ هو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتمَ النبيِّينَ كما يُروى أنَّه قالَ في إبراهيمَ حينَ تُوفِّي «لو عاشَ لكانَ نبيًّا» ولا يقدحُ فيه نزولُ عيسىَ بعدَهُ عليهما السَّلامُ لانَّ معنى كونِه خاتمَ النبيِّينَ أنَّه لا يُنبَّأُ بعدَهُ أحدٌ وعيسى ممَّن نُبِّىء قبلَه وحينَ ينزلُ إنَّما ينزلُ عاملًا على شريعةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُصلِّيًا إلى قبلتِه كأنَّه بعضُ أمَّتهِ {وَكَانَ الله بِكُلّ شيء عَلِيمًا} ومن جُملتهِ هذهِ الأحكامُ والحِكمُ التي بيَّنها لكُم وكنتمُ منها في شكَ مريبٍ.
{عَلِيمًا يا أيها الذين ءامَنُواْ اذكروا الله} بما هُو أهلُه من التَّهليلِ والتحميد والتَّمجيدِ والتقديس {ذِكْرًا كَثِيرًا} يعمُّ الأوقاتِ والأحوالَ {وَسَبّحُوهُ} ونزِّهوه عمَّا لا يليقُ به {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أي أوَّلَ النَّهارِ وآخرَه على أنَّ تخصيصَهُما بالذِّكرِ ليسَ لقصرِ التَّسبيحِ عليهما دُونَ سائرِ الأوقاتِ بل لإبانةِ فضلِهما على سائرِ الأوقاتِ لكونِهما مشهُودينِ كأفرادِ التَّسبيحِ من بينِ الأذكارِ مع اندراجهِ فيها لكونِه العُمدةَ فيها وقيل: كِلا الفعلينِ متوجهٌ إليهما كقولِك صُمْ وصَلِّ يومَ الجمعةِ وقيلَ: المرادُ بالتَّسبيحِ الصَّلاةُ.
{هُوَ الذي يُصَلّى عَلَيْكُمْ} الخ استئنافٌ جارٍ مجرى التَّعليلِ لما قبلَه من الأمرينِ فإنَّ صلاتَهُ تعالى عليهم مع عدمِ استحقاقِهم لها وغناهُ عن العالمينَ ممَّا يُوجبُ عليهم المُداومةَ علَى ما يستوجبُه تعالى علهم من ذكرِه تعالى وتسبيحِه تعالى: {وملائكته} عطفٌ على المستكنِّ في يصلِّي لمكانِ الفصلِ المغنيِّ عن التَّأكيدِ بالمنفصلِ لكنْ لا على أنْ يُرادَ بالصَّلاةِ الرَّحمةُ أوَّلًا والاستغفارُ ثانيًا فإنَّ استعمالَ اللَّفظِ الواحدِ في معنيينِ مُتغايرينِ ممَّا لا مساغَ له بل عَلى أنْ يُرادَ بهما معنى مجازيٌّ عامٌّ يكون كلا المعنيينِ فردًا حقيقيًا له وهو الاعتناءُ بما فيهِ خيرُهم وصلاحُ أمرِهم فإنَّ كُلًا منَ الرَّحمةِ والاستغفارِ فردٌ حقيقيٌّ له أو التَّرحُّمُ والانعطافُ المعنويُّ المأخوذُ من الصَّلاةِ المُشتملةِ على الانعطافِ الصُّوري الذي هو الرُّكوعُ والسُّجودُ. ولا ريبَ في أنَّ استغفارَ الملائكةِ ودعاءَهم للمؤمنينَ تَرحُّمٌ عليهم، وأمَّا أنَّ ذلك سببٌ للرَّحمةِ لكونِهم مُجابي الدَّعوةِ كما قيلَ فاعتبارُه ينزعُ إلى الجمعِ بينَ المعنيينِ المُتغايرينِ فتدبَّرْ {لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور} متعلق بيصلِّي أي يعتني بأمورِكم هو وملائكتُه ليخرجَكم بذلك من ظلماتِ المعصيةِ إلى نُور الطَّاعةِ. وقولُه تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا} اعتراضٌ مُقرر لمضمونِ ما قبله أي كانَ بكافَّة المُؤمنينَ الذين أنتُم مِن زُمرتِهم رحيمًا ولذلك يفعلُ بكم ما يفعلُ من الاعتناءِ بإصلاحِكم بالذَّاتِ وبالواسطةِ ويهديكم إلى الإيمانِ والطَّاعةِ أو كانَ بكُم رحيمًا على أنَّ المُؤمنين مُظهرٌ وُضعَ موضعَ المضمر مَدْحًا وإشعارًا بعلَّة الرَّحمةِ. وقولُه تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام} بيانٌ للأحكامِ الآجلةِ لرحمةِ الله تعالى بهم بعدَ بيانِ آثارها العاجلةِ التي هي الاعتناءُ بأمرِهم وهدايتُهم إلى الطَّاعةِ أي ما يُحيَّون به على أنَّه مصدرٌ أُضيفَ إلى مفعولِه يومَ لقائِه عند الموتِ أو عندَ البعثِ منَ القُبورِ أو عندَ دخولٍ الجنَّةِ تسليم عليهم منَ الله عزَّ وجَلَّ تعظيماٍ لهُم أو منَ الملائكةِ بشارةً لهم بالجنَّةِ أو تكرمة لهُم كما في قولِه تعالى: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ} أو إخبارٌ بالسَّلامةِ عن كلِّ مكروهٍ وآفةٍ. وقولُه تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} بيانٌ لأثارِ رحمتِه الفائضةِ عليهم بعدَ دُخولِ الجنَّةِ عقيبَ بيانِ آثارِ رحمتِه الواصلةِ إليهم قبلَ ذلكَ. ولعلَّ إيثارَ الجملةِ الفعليةِ على الإسمية المناسبة لما قبلها بأن يقال مثلًا: وأجرهم أجر كريم أو ولهم أجر كريم للمبالغة في التَّرغيبِ والتَّشويقِ إلى الموعُودِ ببيانِ أنَّ الأجرَ الذي هُو المقصدُ الأقصى مِنْ بينِ سائرِ آثارِ الرَّحمةِ موجودٌ بالفعلِ مهيئًا لهم معَ ما فيهِ من مُراعاةِ الفَواصلِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} رد لمنشأ خشيته صلى الله عليه وسلم الناس المعاتب عليها بقوله تعالى: {وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه} [الأحزاب: 7 3] وهو قولهم: إن محمدًا عليه الصلاة والسلام تزوج زوجة ابنه زيد بنفي كون زيد ابنه الذي يحرم نكاح زوجته عليه الصلاة والسلام على أبلغ وجه كما ستعرفه قريبًا إن شاء الله تعالى، والرجال جمع رجل بضم الجيم كما هو المشهور وسكونه وهو على ما في القاموس الذكر إذا احتلم وشب أو هو رجل ساعة يولد، وفي بعض ظواهر الآيات والأخبار ما هو مؤيد للثاني نحو قوله تعالى: {لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الولدان والاقربون} [النساء: 7] وقوله سبحانه: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كلالة} [النساء: 2 1] ونحو قوله عليه الصلاة والسلام: «فلأولى رجل ذكر» والبحث الذي ذكره بعض أجلة المتأخرين فيما ذكر من الأمثلة لا يدفع كون الظاهر منها ذلك عند المنصف، وقد يذكر لتأييد الأول قوله تعالى: {والمستضعفين مِنَ الرجال والنساء والولدان} [النساء: 5 7] فإن الرجال فيه للبالغين، وفيه بحث، نعم ظاهر كلام الزمخشري وهو إمام له قدم راسخة في اللغة وغيرها من العلوم العربية يدل على أن الرجل هو الذكر البالغ، وأيًا ما كان فإضافة رجال إلى ضمير المخاطبين باعتبار الولاد فإن أريد بالرجال الذكور البالغون فالمعنى ما كان محمد أبا أحد من أبنائكم أيها الناس الذكور البالغين الذين ولدتموهم، وإن أريد بهم الذكور مطلقًا فالمعنى ما كان محمد أبا أحد من أبنائكم الذين ولدتموهم مطلقًا كبارًا كانوا أو صغارًا.
والأب حقيقة لغوية في الوالد على ما يفهم من كلام كثير من اللغويين، والمراد بالأبوة المنفية هنا الأبوة الحقيقية الشرعية التي يترتب عليها أحكام الأبوة الحقيقية اللغوية من الإرث ووجوب النفقة وحرمة المصاهرة سواء كانت بالولادة أو بالرضاع أو بتبني من يولد مثله لمثله وهو مجهول النسب فحيث نفي كونه صلى الله عليه وسلم أبا أحد من رجالهم بأي طريق كانت الأبوة، ومن المعلوم أن زيدًا أحد من رجالهم تحقق نفي كونه عليه الصلاة والسلام أبا له مطلقًا، أما كونه صلى الله عليه وسلم ليس أبًا له بالولادة فمما لا نزاع فيه ولم يتوهم أحد خلافه، ومثله كونه عليه الصلاة والسلام ليس أبا له بالرضاع، وأما كونه صلى الله عليه وسلم ليس أبًا له بالتبني مع تحقق تبنيه عليه الصلاة والسلام فلأن الأبوة بالتبني التي نفيت إنما هي الأبوة الحقيقية الشرعية وما كان من التبني لا يستتبعها لتوقفها شرعًا على شرائط، منها كون المتبني مجهول النسب وذلك منتف في زيد فقد كان معروف النسب فيما بينهم، وقد تقدم لك أنه ابن حارثة، وتعميم نفي أبوته صلى الله عليه وسلم لأحد من رجالهم بحيث شمل نفي الأبوة بالولادة والأبوة بالرضاع والأبوة بالتبني مع أنه كلام في انتفاء الأوليين وإنما الكلام في انتفاء الأخيرة فقط إذ هي التي يزعمها من يقول: تزوج محمد عليه الصلاة والسلام زوجة ابنه للمبالغة في نفي الأبوة بالتبني التي زعموا ترتب أحكام الأبوة الحقيقية عليها بنظم ما خفي في سلك ما لا خفاء فيه أصلًا.
ولعل هذا هو السر في قوله سبحانه: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} دون ما كان محمد أبا أحد من الرجال أو ما كان محمد أبا أحد منكم، ولعله لهذا أيضًا صرح بنفي أبوته صلى الله عليه وسلم لأحد من رجالهم ليعلم منه نفي بنوة أحد من رجالهم له عليه الصلاة والسلام، ولم يعكس الحال بأن يصرح بنفي بنوة أحد من رجالهم له عليه الصلاة والسلام ليعلم نفي أبوته صلى الله عليه وسلم لأحد من رجالهم، ويؤتي بما بعد على وجه ينتظم مع ما قبل وبحمل الأبوة المنفية على الأبوة الحقيقية الشرعية ينحل إشكال في الآية وهو أن سياقها لنفي أبوته عليه الصلاة والسلام لزيد ليرد به على من يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم بتزوجه مطلقته فإن أريد بالأبوة الأبوة الحقيقية اللغوية وهي ما يكون بالولادة لم تلائم السياق ولم يحصل بها الرد المذكور مع أن هو المقصود إذ لم يكن أحد يزعم ويتوهم أنه صلى الله عليه وسلم كان أبا زيد بالولادة وإن أريد بها الأبوة المجازية التي تحقق بالتبني ونحوه فنفيها غير صحيح لأنه عليه الصلاة والسلام كان أبًا لزيد مجازًا لتبنيه إياه ولم يزل زيد يدعي بابن محمد صلى الله عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى: {ادعوهم لاِبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] فدعوه حينئذ بابن حارثة، ووجه انحلاله بما ذكرنا من أن المراد بالأبوة الأبوة الحقيقية الشرعية أن هذه الأبوة تكون بالولادة وبالرضاع وبالتبني بشرطه وهي بأنواعها غير متحققة في زيد، أما عدم تحققها بالنوعين الأولين فظاهر، وأما عدم تحققها بالنوع الأخير فلأن التبني وإن وقع إلا أن شرطه الذي به يستتبع الأبوة الحقيقية الشرعية مفقود كما علمت، وبجعل إضافة الرجال إلى ضمير المخاطبين باعتبار الولادة يندفع استشكال النفي المذكور بأنه عليه الصلاة والسلام قد ولد له عدة ذكور فكيف يصح النفي لأن من ولد له عليه الصلاة والسلام ليس مضافًا للمخاطبين باعتبار الولادة بل هو مضاف إليه صلى الله عليه وسلم باعتباره، ومن خص الرجال بالبالغين قال: لا ينتقض العموم بذلك لأن جميع من ولد له عليه الصلاة والسلام مات صغيرًا ولم يبلغ مبلغ الرجال، وقيل: لا إشكال في ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن له ابن يوم نزول الآية لأن السورة مدنية نزلت على ما نقل عن ابن الأثير في تاريخ الكامل السنة الخامسة من الهجرة وفيها تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب، ومن ولده له صلى الله عليه وسلم من الذكور ممن عدا إبراهيم فإنما ولد بمكة قبل الهجرة وتوفي فيها، وإبراهيم وإن ولد بالمدينة لكن ولد السنة الثامنة من الهجرة فلم يكن مولودًا يوم النزول بل بعده وهو كما ترى، وكما استشكل النفي بما ذكر استشكل بالحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أبًا لهما حقيقة شرعية، ولم يرتض بعضهم هنا الجواب بخروجهما بالإضافة لأن لهما نسبة إلى المخاطبين باعتبار الولادة لدخول علي كرم الله تعالى وجهه فيهم وهما ولداه، وارتضاه آخر بناء على أن الإضافة للاختصاص باعتبار الولادة ولا اختصاص للحسنين بعلي رضي الله تعالى عنهم باعتبارها لما أنهما ولدا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا لكن بالواسطة فإن قبل هذا فذاك وإلا فالجواب.
أما ما قيل من أن المراد بالرجال البالغون ولم يكونا رضي الله تعالى عنهما يوم النزول كذلك فإن الحسن رضي الله تعالى عنه ولد السنة الثالثة من الهجرة والحسين رضي الله تعالى عنه ولد السنة الرابعة منها لخمس خلون من شعبان وقد علقت به أمه عقب ولادة أخيه بخمسين ليلة أو أقل وكان النزول بعد ولادتهما على ما سمعت آنفًا، وأما ما قيل من أن المراد بالأب في الآية الأب الصلب ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أباهما كذلك فتدبر، وقيل: ليس المراد من الآية سوى نفي أبوته صلى الله عليه وسلم لأحد من الرجال بالتبني لتنتفي أبوته عليه الصلاة والسلام لزيد التي يزعمها المعترض كما يدل عليه سوق الآية الكريمة فكأنه قيل: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم كما زعمتم حيث قلتم إنه أبو زيد لتبنيه إياه وهي ساكتة عن نفي أبوته صلى الله عليه وسلم لأحد بالولادة أو بالرضاع وعن إثباتها فلا سؤال بمن ولد له صلى الله عليه وسلم من الذكور ولا بالحسنين رضي الله تعالى عنهم ولا جواب وإلى اختيار هذا يميل كلام أبي حيان والله تعالى أعلم.
واستدل بعض الشافعية بهذه الآية على أنه لا يجو أن يقال للنبي عليه الصلاة والسلام أبو المؤمنين حكاه صاحب الروضة ثم قال: ونص الشافعي عليه الرحمة على أنه يجوز أن يقال له صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين أي في الحرمة ونحوها، وقال الراغب بعد أن قال الأب الوالد ما نصه: ويسمى كل من كان سببًا في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبًا ولذلك سمي النبي صلى الله عليه وسلم أبا المؤمنين قال الله تعالى: {النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] وفي بعض القراآت {وَهُوَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال: لعلي كرم الله تعالى وجهه «أنا وأنت أبوا هذه الأمة» وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» اهـ فلا تغفل، وعلى جواز الإطلاق قالوا: إن قوله تعالى: {ولكن رَّسُولَ الله} استدراك من نفي كونه عليه الصلاة والسلام أبا أحد من رجالهم على وجه يقتضي حرمة المصاهرة ونحوها إلى إثبات كونه صلى الله عليه وسلم أبًا لكل واحد من الأمة فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وسلم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه الصلاة والسلام فإن كان رسول أب لأمته فيما يرجع إلى ذلك، وحاصله أنه استدراك من نفي الأبوة الحقيقية الشرعية التي يترتب عليها حرمة المصاهرة ونحوها إلى إثبات الأبوة المجازية اللغوية التي هي من شأن الرسول عليه الصلاة والسلام وتقتضي التوقير من جانبهم والشفقة من جانبه صلى الله عليه وسلم وقيل في توجيه الاستدراك أيضًا إنه لما نفيت أبوته صلى الله عليه وسلم لأحد من رجالهم مع اشتهار أن كل رسول أب لأمته ولذا قيل: إن لوطًا عليه السلام عنى بقوله: {هَؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 8 7] المؤمنات من أمته يتوهم نفي رسالته صلى الله عليه وسلم بناء على توهم التلازم بين الأبوة والرسالة فاستدرك بإثبات الرسالة تنبيهًا على أن الأبوة المنفية شيء والمثبتة للرسول شيء آخر، وأما قوله سبحانه: {وَخَاتَمَ النبيين} فقد قيل إنه جيء به ليشير إلى كمال نصحه وشفقته صلى الله عليه وسلم فيفيد أن أبوته عليه الصلاة والسلام للأمة المشار إليها بقوله تعالى: {ولكن رَّسُولَ الله} أبوة كاملة فوق أبوة سائر الرسول عليهم السلام لأممهم وذلك لأن الرسول الذي يكون بعده رسول ربما لا يبلغ في الشفقة غايتها وفي النصيحة نهايتها اتكالًا على من يأتي بعده كالوالد الحقيقي إذا علم أن لولده بعده من يقوم مقامه، وقيل: إنه جيء به للإشارة إلى امتداد تلك الأبوة المشار إليها بما قبل إلى يوم القيامة فكأنه قيل: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} بحيث تثبت بينه وبينه حرمة المصاهرة ولكن كان أبا كل واحد منكم وأبا أبنائكم وأبناء أبنائكم وهكذا إلى يوم القيامة بحيث يجب له عليكم وعلى من تناسل منكم احترامه وتوقيره ويجب عليه لكم ولمن تناسل منكم الشفقة والنصح الكامل، وقيل: إنه جيء به لدفع ما يتوهم من قوله تعالى: {مّن رّجَالِكُمْ} من أنه صلى الله عليه وسلم يكون أبا أحد من رجاله الذين ولدوا منه عليه الصلاة والسلام بأن يولد له ذكر فيعيش حتى يبلغ مبلغ الرجال وذلك لأن كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين يدل على أنه لا يعيش له ولد ذكر حتى يبلغ لأنه لو بلغ لكان منصبه أن يكون نبيًا فلا يكون هو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ويراد بالأب عليه الأب الصلب لئلا يعترض بالحسنين رضي الله تعالى عنهما، ودليل الشرطية ما رواه إبراهيم السدي عن أنس قال: كان إبراهيم يعني ابن النبي صلى الله عليه وسلم قد ملأ المهد ولو بقي لكان نبيًا لكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء عليهم السلام، وجاء نحوه في روايات أخر.