فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم أمر تعالى بكثرة ذكره، والعناية بشكره لما مَنّ به من هدايته، إلى نور شريعته حتى ينسى عار الكفر وجاهليته، بقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ} أي: بما هو أهله من صنوف التحميد والتمجيد: {ذِكْرًا كَثِيرًا} أي: يعم الأوقات والأحوال. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى لم بفرض على عباده فريضة، إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها. فقال تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103]، وقال: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} أي: يالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أي: في أول النهار وآخره، ليسري أثر التسبيح فيهما بقية النهار والليل؛ لأن ذكره وتسبيحع، يفيدان تنوير القلوب وقت خلوّها عن الأشغال.
قال الزمخشري: والتسبيح من جملة الذكر، وإنما اختصه من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة، ليبين فضله على سائر الأذكار، لأن معناه تنزيه ذاته، عما لا يجوز من الصفات والأفعال، ومثال فضله على غيره من الأذكار، فضل وصف العبد بالنزاهة من أدناس المعاصي، والطهر من أرجاس المآثم، على سائر أوصافه، من كثرة الصلاة والصيام، والتوفر على الطاعات كلها. ويجوز أن يريد بالذكر وإكثاره، تكثير الطاعات والإقبال على العبادات؛ فإن كل طاعة وكل خير، من جملة الذكر. ثم خص من ذلك التسبيح بكرةً وأصيلًا؛ وهي الصلاة في جميع أوقاتها؛ لفضل الصلاة على غيرها، أو صلاة الفجر والعشاءين؛ لأن أداءها أشق ومراعاتها أشد. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من الأمرين؛ فإن صلاته تعالى عليهم، مع عدم استحقاقهم لها وغناه عن العالمين، مما يوجب عليهم المداولة على ما يستوجبه تعالى عليهم من ذكره تعالى وتسبيحه. أفاده أبو السعود.
وقال ابن كثير: هذا تهييج إلى الذكر؛ أي: أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم؛ كقوله عز وجل: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 151- 152]. انتهى.
والصلاة: الرحمة والعطف. والمعنى: هو الذي يترحم عليكم ويترأف، حيث يدعوكم إلى الخير، ويأمركم بإكثار الذكر، والتوفر على الصلاة والطاعة: {لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ} أي: ظلمة الكفر والمعاصي والشبهات ومساوئ العادات: {إِلَى النُّورِ} أي: نور الإيمان والسنة والطاعة، ومحاسن الأخلاق: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} أي: حيث لم يتركهم يتخبطون في عمياء الضلالة والجهالة، بل أنار لهم السبل وأوضح لهم المعالم. وذكر الملائكة تنويهًا بشأنهم وشأن المؤمنين، وأن للملأ الأعلى عناية وعطفًا وترحمًا، بالاستغفار والدعاء والثناء على الجميل؛ كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 7- 9] الآية.
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} أي: يحيون يوم لقائه، بالموت أو الخروج من القبر أو دخول الجنة بسلام؛ تبشيرًا بالسلامة من كل مكروه وآفة، والإضافة إما من إضافة المصدر إلى المفعول، والمحيي لهم، إما الله جل جلاله، لقوله: {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]، تعظيمًا لهم وتفضلًا منه عليهم، كما تفضل عليهم بصنوف الإكرام، وإما الملائكة لآية: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23- 24]، أو من إضافة المصدر لفاعله؛ أي: تحية بعضهم بعضًا بالسلام، وقد يستدل له بآية: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس: 10]، {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} يعني الجنة وما حوته، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ} ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.
والمختار أنه لا يشترط في الإسلام معرفة أب النبي عليه السلام واسم جده بل يكفي فيه معرفة اسمه الشريف كما في هداية المريدين للمولى أخي لبي يقال فلان محمود إذا حمد ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة كما في المفردات.
قال الشيخ زكريا في شرح المقدمة الجزرية: هو البليغ في كونه محمودًا وهو الذي حمدت عقائده وأفعاله وأقواله وأخلاقه سماه به جده عبد المطلب بإلهام من الله في سابع ولادته فقيل له: لِمَ سميت محمدًا وليس من أسماء آبائك ولا قومك فقال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض وقد حقق الله وجاءه وتفاؤله فكان عليه السلام بخصاله المحبوبة وشمائله المرغوبة محمودًا عند الله وعند الملائكة المقربين وعند الأنبياء والمرسلين وعند أهل الأرض أجمعين وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمود عند كل عاقل.
وله ألف اسم كما أنتعالى ألف اسم وجميع أسمائه مشتقة من صفات قامت به توجب له المدح والكمال فله من كل وصف اسم ألا ترى أنه الماحي لأن الله محابه الكفر أي: سورته التي كانت قبل بعثه.
والحاشر لأنه الذي يحشر الناس على قدمه أي: على أثره وبعده.
والعاقب وهو الآتي عقيب الأنبياء.
وأشار بالميم إلى أنه الختام لأن مخرجها ختام المخارج وكذا إلى بعثته عند الأربعين.
قال الإمام النيسابوري كان من الاسم الشريف أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى كما أن محمد رسول الله اثنا عشر حرفًا مثل لا إله إلا الله وهو من أسرار المناسبة وكذا لفظ أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب لكمال مناسبتهم في أخلاقهم لتلك الحضرة المحمدية ولهذه المناسبة يلتقي نسبهم بنسبه.
فعليّ يلتقي نسبه في الأب الثاني.
وعثمان في الخامس.
وأبو بكر في السابع.
وعمر في التاسع.
ومحمد باعتبار البسط لا بحساب أبجد ثلاثمائة وثلاثة عشر مثل عدد المرسلين فإنك إذا أخذت في بسط الميمين والميم المدغم م ى م، حا، دال يظهر لك العدد المذكور.
وفي الحديث: «من ولد له مولود فسماه محمدًا حبًا لي وتبركًا باسمي كان هو ومولوده في الجنة» «ومن كان له ذو بطن فأجمع أن يسميه محمدًا رزقه الله غلامًا».
ومن كان لا يعيش له ولد فجعل عليه أن يسمي الولد المرزوق محمدًا عاش. ومن خصائصه البركة في الطعام الذي عليه مسمى باسم محمد وكذا المشاورة ونحوها وينبغي أن يعظم هذا الاسم وصاحبه.
وكان رجل في بني إسرائيل عصى الله مائة سنة ثم مات فأخذوه فألقوه في مزبلة فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أخرجه وصل عليه قال: يا رب إن بني إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائة سنة فأوحى الله إليه أنه هكذا إلا أنه كان كلما نشر التوراة ونظر إلى اسم محمد قبله ووضعه على عينيه فشكرت له ذلك وغفرت له وزوجته سبعين حوراء.
قال أهل التفسير لما نكح النبي عليه السلام زينب بعد انقضاء عدتها استطال لسان المنافقين وقالوا: كيف نكح زوجة ابنه لنفسه وكان من حكم العرب أن من تبنى ولدًا كان ولده من صلبه في التوريث وحرمة نكاح امرأته على الأب المتبني وأراد الله أن يغير هذا الحكم فأنزل {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ} {أَبَآ أَحَدٍ} درهي كس{مِّن رِّجَالِكُمْ} از مردان شما على الحقيقة يعني بالنسب والولادة حتى يثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ولا ينتقض عمومه بكونه أبًا للطاهر والقاسم وإبراهيم لأنهم لم يبلغوا الرجال لأن الرجل هو الذكر البالغ، ولو بلغوا لكانوا رجاله لا رجالهم وكذا الحسن والحسين رضي الله عنهما لأنهما ابنا النبي عليه السلام بشهادة لفظه عليه السلام على أنهما أيضًا لم يكونا رجلين حينئذٍ بل طفلين أو المقصود ولده خاصة لا ولد ولده.
قال في الأسئلة المقحمة: كان الله عالمًا في الأزل بأن لا يكون لذكور أولاد رسوله نسل ولا عقب وإنما يكون نسبه لإناث أولاده دون ذكرانهم فقال: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ} فعلى هذا كان الخبر من قبيل معجزاته على صدقه فإن المخبر عنه قد حصل كما أخبر وقد صدق الخبر انتهى وأبناء النبي عليه السلام على الصحيح ثلاثة: القاسم وبه يكنى إذ هو أول أولاده عاش سنتين ومات قبل البعثة بمكة، وعبد الله وهو الطيب الطاهر مات في الرضاع بعد البعثة ودفن بمكة وهما من خديجة رضي الله عنها، وإبراهيم من مارية القبطية ولد في ذي الحجة في ثمان من الهجرة عق عنه عليه السلام بكبشين يوم سابع ولاده وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدفن في الأرض ومات في الرضاع وهو ابن ثمانية عشرة شهرًا ودفن بالبقيع وجلس عليه السلام على شفير القبر ورش على قبره ماء وعلم على قبره بعلامة ولقنه وقال: «يا بني قل الله ربي ورسول الله أبي والإسلام ديني» ومن هاهنا ذهب بعضهم إلى أن الأطفال يسألون في القبر وأن العقل يكمل لهم فيسن تلقينهم وذهب جمع إلى أنهم لا يسألون وإن السؤال خاص بالمكلف.
قال السيوطي: لم يثبت في التلقين حديث صحيح ولا حسن بل حديثه ضعيف باتفاق جمهور المحدثين ولهذا ذهب جمهور الأمة إلا أن التلقين بدعة حسنة وآخر من أفتى بذلك عز الدين بن عبد السلام وإنما استحبه ابن الصلاح وتبعه النووي نظرًا إلى أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وحينئذٍ فقول الإمام السبكي حديث التلقين أي: تلقين النبي عليه السلام لابنه ليس له أصل أي: أصل صحيح أو حسن كذا في إنسان العيون وبقية الكلام في السؤال والتلقين سبق في سورة ابراهيم عليه السلام عند قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا} [إبراهيم: 27] الآية: {وَلَاكِن رَّسُولَ اللَّهِ} الرسول والمرسل بمعنى واحد من أرسلت فلانًا في رسالة فهو مرسل ورسول.
قال القهستاني الرسول فعول مبالغة مفعل بضم الميم وفتح العين بمعنى ذي رسالة اسم من الإرسال وفعول هذا لم يأت إلا نادرًا وعرفًا هو من بعث لتبليغ الأحكام ملكًا كان أو إنسانًا بخلاف النبي فإنه مختص بالإنسان وهذا الفرق هو المعول عليه انتهى.
والمعنى ولكن كان رسول الله وكل رسول الله أبو أمته لكن لا حقيقة بل بمعنى أنه شفيق ناصح لهم وسبب لحياتهم الأبدية واجب التوقير والطاعة له ولذا حرمت أزواجه عليه السلام على أمته حرمة أمهاتهم فإنه من باب التعظيم وما زيد بن حارثة إلا واحد من رجالكم الذين لا ولادة بينهم وبينه عليه السلام فحكمه حكمهم وليس للتبني والادعاء حكم سوى التقريب والاختصاص.
قال بعضهم: لم يسمه لنا أبًا لأنه لو سماه أبا لكان يحرم نكاح أولاده كما حرمت على الأمة نساؤه لكونهن أمهاتها أو لأنه لو سماه أبًا لكان يحرم عليه أن يتزوج من نساء أمته كما يحرم على الأب أن يتزوج بابنته وتزوج بنات أمته ليس بحرام.
{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} قرى عاصم بفتح التاء وهو آلة الختم بعمنى ما يختم به كالطابع بمعنى ما يطبع به.
والمعنى وكان آخرهم الذي ختموا به، وبالفارسية: مهر يغمبران يعنى بدو مهر كرده شد درنبوت ويغمبرانرا بدو ختم كرده اند وقرأ الباقون بكسر التاء أي: كان خاتمهم أي: فاعل الختم بالفارسية مهر كننده يغمبرانست وهو بالمعنى الأول أيضًا.
وفي المفردات: لأنه ختم النبوة أي: تممت بمجيئه وأيًا ما كان فلو كان له ابن بالغ لكان نبيًا ولم يكن هو عليه السلام خاتم النبيين كما يروى أنه في ابنه ابراهيم «لو عاش لكان نبيًا» وذلك لأن أولاد الرسل كانوا يرثون النبوة قبله من آباهم وكان ذلك من امتنان الله عليهم فكانت علماء أمته ورثته عليه السلام من جهة الولاية وانقطع إرث النبوة بختميته ولا يقدح في كونه خاتم النبيين نزول عيسى بعده لأن معنى كونه خاتم النبيين أنه لا ينبأ أحد بعده كما قال لعلي رضي الله عنه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» وعيسى ممن تنبأ قبله وحين ينزل إنما ينزل على شريعة محمد عليه السلام مصليًا إلى قبلته كأنه بعض أمته فلا يكون إليه وحي ولا نصب أحكام بل يكون خليفة رسول الله.
فإن قلت: قد روى أنه عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويزيد في الحلال ويرفع الجزية عن الكفرة فلا يقبل إلا الإسلام.
قلت: هذه من أحكام الشريعة المحمدية لكن ظهورها موقت بزمان عيسى وبالجملة قوله: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّانَ} يفيد زيادة الشفقة من جانبه والتعظيم من جهتهم لأن النبي الذي بعده نبي يجوز أن يترك شيئًا من النصيحة والبيان لأنها مستدركة من بعده وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى بهم من كل الوجوه.
{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمًا}.
فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي لشأنه ولا يعلم أحد سواه ذلك.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: هي نص على أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله فمن رحمة الله بالعباد إرسال محمد إليهم ثم من تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له وقد أخبر الله في كتابه ورسوله في السنة المتواترة عن أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده كذاب أفاك دجال ضال مضل ولو تخرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات فكلها محال وضلال عند أولي الألباب كما أجرى سبحانه على يدي الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله تعالى وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب ما جاء بها انتهى.
ولما نزل قوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} استغرب الكفار كون باب النبوة مسدودًا فضرب النبي عليه السلام لهذا مثلًا ليتقرر في نفوسهم وقال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين».
قال في بحر الكلام: وصنف من الروافض قالوا: بأن الأرض لا تخلو عن النبي والنبوة صارت ميراثًا لعلي وأولاده ويفرض على المسلمين طاعة علي وعلى كل من لا يرى إطاعته يكفر.
وقال أهل السنة والجماعة: لا نبي بعد نبينا لقوله تعالى: {وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وقوله عليه السلام: «لا نبي بعدي» ومن قال بعد نبينا نبي يكفر لأنه أنكر النص وكذلك لو شك فيه لأن الحجة تبين الحق من الباطل.
ومن ادعى النبوة بعد موت محمد لا يكون دعواه إلا باطلًا انتهى.
وتنبأ رجل في زمن أبي حنيفة وقال: أمهلوني حتى أجيء بالعلامات فقال أبو حنيفة: من طلب منه علامة فقد كفر لقوله عليه السلام: «لا نبي بعدي» كذا في مناقب الإمام.