فصل: قال الصابوني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم يمضي السياق القرآني في ربط القلوب بهذا المعنى الأخير، ووصلهم بالله الذي فرض على رسوله ما فرض، واختار للأمة المسلمة ما اختار؛ يريد بها الخير، والخروج من الظلمات إلى النور:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرًا كريمًا}.
وذكر الله اتصال القلب به، والاشتغال بمراقبته؛ وليس هو مجرد تحريك اللسان. وإقامة الصلاة ذكر لله. بل إنه وردت آثار تكاد تخصص الذكر بالصلاة:
روى أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الأعمش عن الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين، كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات».
وإن كان ذكر الله أشمل من الصلاة. فهو يشمل كل صورة يتذكر فيها العبد ربه، ويتصل به قلبه. سواء جهر بلسانه بهذا الذكر أم لم يجهر. والمقصود هو الاتصال المحرك الموحي على أية حال.
وإن القلب ليظل فارغًا أو لاهيًا أو حائرًا حتى يتصل بالله ويذكره ويأنس به. فإذا هو مليء جاد، قار، يعرف طريقه، ويعرف منهجه، ويعرف من أين وإلى أين ينقل خطاه!.
ومن هنا يحض القرآن كثيرًا، وتحض السنة كثيرًا، على ذكرا لله. ويربط القرآن بين هذا الذكر وبين الأوقات والأحوال التي يمر بها الإنسان، لتكون الأوقات والأحوال مذكرة بذكر الله ومنبهة إلى الاتصال به حتى لا يغفل القلب ولا ينسى:
{وسبحوه بكرة وأصيلًا}.
وفي البكرة والأصيل خاصة ما يستجيش القلوب إلى الاتصال بالله، مغير الأحوال، ومبدل الظلال؛ وهو باق لا يتغير ولا يتبدل، ولا يحول ولا يزول. وكل شيء سواه يتغير ويتبدل، ويدركه التحول والزوال.
وإلى جانب الأمر بذكر الله وتسبيحه، إشعار القلوب برحمة الله ورعايته، وعنايته بأمر الخلق وإرادة الخير لهم؛ وهو الغني عنهم، وهم الفقراء المحاويج، لرعايته وفضله:
{هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا}.
وتعالى الله، وجلت نعمته، وعظم فضله، وتضاعفت منته؛ وهو يذكر هؤلاء العباد الضعاف المحاويج الفانين، الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا بقاء لهم ولا قرار. يذكرهم، ويعنى بهم، ويصلي عليهم هو وملائكته، ويذكرهم بالخير في الملأ الأعلى فيتجاوب الوجود كله بذكرهم، «كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه».
ألا إنها لعظيمة لا يكاد الإدراك يتصورها. وهو يعلم أن هذه الأرض ومن عليها وما عليها إن هي إلا ذرة صغيرة زهيدة بالقياس إلى تلك الأفلاك الهائلة. وما الأفلاك وما فيها ومن فيها إلا بعض ملك الله الذي قال له: كن.
فكان!.
{وهو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور}.
ونور الله واحد متصل شامل؛ وما عداه ظلمات تتعدد وتختلف. وما يخرج الناس من نور الله إلا ليعيشوا في ظلمة من الظلمات، أو في الظلمات مجتمعة؛ وما ينقذهم من الظلام إلا نور الله الذي يشرق في قلوبهم، ويغمر أرواحهم، ويهديهم إلى فطرتهم. وهي فطرة هذا الوجود. ورحمة الله بهم وصلاة الملائكة ودعاؤها لهم، هي التي تخرجهم من الظلمات إلى النور حين تتفتح قلوبهم للإيمان: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}.
ذلك أمرهم في الدنيا دار العمل. فأما أمرهم في الآخرة دار الجزاء، فإن فضل الله لا يتخلى عنهم، ورحمته لا تتركهم؛ ولهم فيها الكرامة والحفاوة والأجر الكريم:
{تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرًا كريمًا}.
سلام من كل خوف، ومن كل تعب، ومن كل كد.. سلام يتلقونه من الله تحمله إليهم الملائكة. وهم يدخلون عليهم من كل باب، يبلغونهم التحية العلوية. إلى جانب ما أعد لهم من أجر كريم.. فيا له من تكريم!.
فهذا هو ربهم الذي يشرع لهم ويختار. فمن ذا الذي يكره هذا الاختيار؟!.
فأما النبي الذي يبلغهم اختيار الله لهم؛ ويحقق بسنته العملية ما اختاره الله وشرعه للعباد، فيلتفت السياق التفاتة كذلك إلى بيان وظيفته وفضله على المؤمنين في هذا المقام:
{يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلًا}.
فوظيفة النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أن يكون {شاهدًا} عليهم؛ فليعلموا بما يحسن هذه الشهادة التي لا تكذب ولا تزور، ولا تبدل، ولا تغير. وأن يكون {مبشرًا} لهم بما ينتظر العاملين من رحمة وغفران، ومن فضل وتكريم. وأن يكون {نذيرًا} للغافلين بما ينتظر المسيئين من عذاب ونكال، فلا يؤخذوا على غرة، ولا يعذبوا إلا بعد إنذار.
{وداعيًا إلى الله}. لا إلى دنيا، ولا إلى مجد، ولا إلى عزة قومية، ولا إلى عصبية جاهلية، ولا إلى مغنم، ولا إلى سلطان أو جاه. ولكن داعيًا إلى الله. في طريق واحد يصل إلى الله {بإذنه}. فما هو بمبتدع، ولا بمتطوع، ولا بقائل من عنده شيئًا. إنما هو إذن الله له وأمره لا يتعداه.
{وسراجًا منيرًا}. يجلو الظلمات، ويكشف الشبهات، وينير الطريق، نورًا هادئًا هاديًا كالسراج المنير في الظلمات.
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من النور. جاء بالتصور الواضح البين النير لهذا الوجود، ولعلاقة الوجود بالخالق، ولمكان الكائن الإنساني من هذا الوجود وخالقه، وللقيم التي يقوم عليها الوجود كله، ويقوم عليها وجود هذا الإنسان فيه؛ وللمنشأ والمصير، والهدف والغاية، والطريق والوسيلة.
في قول فصل لا شبهة فيه ولا غموض. وفي أسلوب يخاطب الفطرة خطابا مباشرا وينفذ إليها من أقرب السبل وأوسع الأبواب وأعمق المسالك والدروب!.
ويكرر ويفصل في وظيفة الرسول مسألة تبشير المؤمنين: «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا».
بعد ما أجملها في قوله: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا».. زيادة في بيان فضل اللّه ومنته على المؤمنين، الذين يشرع لهم على يدي هذا النبي، ما يئول بهم إلى البشرى والفضل الكبير.
وينهي هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بألا يطيع الكافرين والمنافقين، وألا يحفل أذاهم له وللمؤمنين، وأن يتوكل على اللّه وحده وهو بنصره كفيل:
{وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا}.
وهو ذات الخطاب الوارد في أول السورة، قبل ابتداء التشريع والتوجيه، والتنظيم الاجتماعي الجديد. بزيادة توجيه النبي صلى الله عليه وسلم ألا يحفل أذى الكافرين والمنافقين وألا يتقيه بطاعتهم في شيء أو الاعتماد عليهم في شيء. فاللّه وحده هو الوكيل «وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا».
وهكذا يطول التقديم والتعقيب على حادث زينب وزيد، وإحلال أزواج الأدعياء، والمثل الواقعي الذي كلفه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مما يشي بصعوبة هذا الأمر، وحاجة النفوس فيه إلى تثبيت اللّه وبيانه، وإلى الصلة باللّه والشعور بما في توجيهه من رحمة ورعاية. كي تتلقى ذلك الأمر بالرضى والقبول والتسليم. اهـ.

.قال الصابوني في الآيات السابقة:

{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا (49)}.
الطلاق قبل المساس:

.التحليل اللفظي:

{نكحتم} يطلق النكاح تارة ويراد به العقد، ويطلق تارة ويراد به الوطء. والمراد به هنا العقد باتفاق العلماء بدليل قوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن} وأصل النكاح في اللغة: الضم والجمع قال الشاعر:
ضممت إلى صدري معطر صدرها ** كما نكحت أم الغلام صبيها

قال القرطبي: النكاح حقيقة في الوطء. وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق إليه. ونظيره تسميتهم الخمر إثما لأنها سبب في اقتراف الإثم، ولم يرد لفظ النكاح في القرآن إلا في معنى العقد لأنه في معنى العقد لأنه في معنى الوطء، وهو من آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة، والمماسة، والقربان، والتغشي، والإتيان.
{المؤمنات} فيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يقع اختيار الأزواج على المؤمنات. وليس لفظ الإيمان في قوله: {المؤمنات} للقيد أو الشرط بل هو لمراعاة الغالب من حال المؤمنين أنهم لا يتزوجون إلا بمؤمنات، وهذا مما اتفق عليه الفقهاء ولو كان للقيد أو الشرط لكان حكم الكتابيات مختلفا عن حكم المؤمنات مع أن الحكم واحد.
قال الألوسي: وتخصيص المؤمنات مع عموم الحكم للكتابيات للتنبيه على أن المؤمن من شأنه أن يتخير لنطفته ولا ينكح إلا مؤمنة، وحاصله أنه لبيان الأحرى والأليق.
{تمسوهن} المراد بالمس هنا الجماع بإجماع الفقهاء. وقد اشتهرت الكناية به وبلفظ الملامسة والمماسة ونحوها في لسان الشرع عن الجماع، وهو كما أسلفنا من آداب القرآن لأن القرآن العظيم يتحاشى ذكر الألفاظ الفاحشة فيكني عنها مثل قوله تعالى: {أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء} [النساء: 43] وقوله تعالى: [المجادلة: 3] وهكذا كنى عن الجماع باللمس أو المماسة، ولو كان المراد في الآية حقيقة المس باليد وهي إلصاق اليد بالجسم للزمت العدة فيما لو طلقها بعد أمسها بيده من غير جماع ولا خلوة، ولم يقل بذلك أحد من الفقهاء.
{عدة} العدة في اللغة مأخوذة من العد لأن المرأة تعد الأيام التي تجلسها بعد طلاق زوجها لها أو وفاته، وهي شرعا: المدة التي تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبد، أو للتفجع على زوج مات.
{تعتدونها} أي تعدونها عليهن، أو تستوفون عددها عليهن، يقال: عد الدراهم فاعتدها أي استوفى عددها ومثله قولك: كلته فاكنلته، ووزنته فاتزنته.
{فمتعوهن} أي اعطوهن المتعة في الأصل ما يمتع به من مال أو ثياب، وقد حددها بعض الفقهاء بأنها قميص وخمار وملحفة والصحيح أن المتعة لا تختص بالكسوة بل هي في لسان الشرع: كل ما يعطيه الزوج لمطلقته ارضاء لها وتخفيفا من شدة وقع الطلاق عليها.
{وسرحوهن} أي طلقوهن، قال القرطبي: التسريح إرسال الشيء ومنه تسريح الشعر ليخلص البعض من البعض، وسرح الماشية: أرسلها.
وقال الألوسي: أصل التسريح أن ترعى الإبل السرح وهو شجر له ثمره ثم جعل لكل إرسال في الرعي ثم لكل إرسال وإخراج. والمراد هنا تركهن وعدم حبسهن في منزل الزوجية.
{سراحا جميلا} أي طلاقا بالمعروف فهو مثل قوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} [الطلاق: 2] وقوله كذلك {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229] والسراح الجميل يكون بالتلطف مع المطلقة بالقول، وترك أذاها، وعدم حرمانها مما وجب لها من حقوق، والإحسان إليها.

.المعنى الإجمالي:

يخاطب الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين فيقول: يا أيها الذين آمنوا إذا عقدتم عقد الزواج على المؤمنات وتزوجتموهن، ثم طلقتموهن من قبل أن تقربوهن فليس لكم عليهن حق في العدة تستوفون عددها عليهن لأنكم طلقتموهن قبل المساس وهذا لا يستلزم احتباس المرأة في البيت وجلوسها في العدة من أجل صيانة تسبكم لأنكم لم تعاشروهن فليس هناك احتمال للحمل، فالواجب عليكم أن تمتعوهن بدفع ما تطيب نفوسكم لأنكم لم تعاشروهن فليس هناك احتمال للحمل، فالواجب عليكم أن تمتعوهن بدفع ما تطيب نفوسكم لهن. وتكرموهن بشيء من المال أو الكسوة تطييبا لخاطرهن وتخفيفا لشدة وقع الطلاق عليهن وأن تفارقوهن بالمعروف فلا تؤذوهن بقول أو عمل، ولا تحرموهن مما وجب لهن عليكم من حقوق. فإن ذلك من مقتضى إيمانكم وطاعتكم لله عز وجل والله تعالى أعلم.

.وجه الارتباط بالآيات السابقة:

كان الحديث في الآيات السابقة عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يكن عليه من طاعة لله ورسوله، وزهد في الدنيا، وطهارة وكمال، لأنهن لسن كبقية النساء، والله تبارك وتعالى يريد لهن أن يحافظن على ذلك الشرف الرفيع وهو انتسابهن إلى رسول الله حيث أصبحن أمهات للمؤمنين وزوجات الرسول الطاهرات، وقد أعقب ذلك بذكر قصة زيد بن حارثة وتطليقه زينب رضي الله عنها التي تزوجها الرسول بعد ذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى وذلك لحكمة جليلة وهي إبطال بدعة التبني ثم جاء الخطاب هنا للمؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل المساس وكيف يجب على المؤمنين أن يفعلوا فيما إذا وقع منهم الطلاق قبل المعاشرة، وما هي الأحكام الشرعية التي ينبغي عليهم أن يتمسكوا بها في مثل هذه الأحوال، فهذا وجه الارتباط والله أعلم.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: قوله تعالى: {نكحتم المؤمنات} فيه إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يتخير لنطفته وأن ينكح المؤمنة الطاهرة، لأن إيمانها يجعلها تحافظ على عفتها ويحجزها عن الوقوع في الفاحشة والشر. فتصون عرض زوجها وتحفظه في حضرته وغيبته وصدق الله: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} [البقرة: 221].
اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {ثم طلقتموهن} التعبير بثم دون الفاء أو الواو، والعطف بها التراخي للإشارة إلى أن الطلاق ينبغي أن يكون بعد تريث وتفكير طويل، ولضرورة ملحة لأن الطلاق من الأمور التي يبغضها الله حيث فيه هدم وتحطيم للحياة الزوجية ولهذا قال بعض الفقهاء: إن الآية ترشد إلى أن الأصل في الطلاق الحظر، وأنه لا يباح إلا إذا فسدت الحياة الزوجية، ولم تفلح وسائل الإصلاح بين الزوجين.
والحكم واحد لا يختلف فيمن تزوج امرأة فطلقها على الفور، أو طلقها على التراخي.
اللطيفة الثالثة: قوله تعالى: {من قبل أن تمسوهن} كنى بالمس عن الجماع وهذا- كما أسلفنا- أدب من آداب القرآن، ينبغي على المسلم أن يتأدب به فيكنى عن كل شيء قبيح أو فاحش.
وما أجمل أدب الرسول حين قال للمرأة المطلقة المبتوتة التي جاءت تستأذنه في العودة إلى زوجها الأول: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك». اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {فما لكم عليهن من عدة} في إسناد العدة إلى الرجال إشارة إلى أنها حق للمطلق، فوجوب العدة على المرأة من أجل الحفاظ على نسب الإنسان فإن الرجل يغار على ولده، ويهمه ألا يسقى زرعه بماء غيره، ولكنها على المشهور ليست حقا خالصا للعبد، بل تعلق بها حق الشارع أيضا، فإن منع الفساد باختلاط الانساب من حق الشارع.
والصحيح أن وجوب العدة فيها حق الله، وحق العبد؛ ولهذا قال الفقهاء العدة تجب لحكم عديدة: لمعرفة براءة الرحم، وللتعبد، أو للتفجع فتدبره.

.وجوه القراءات:

1- قرأ الجمهور {من قبل أن تمسوهن} أي تقربوهن. وقرأ حمزة والكسائي {من قبل أن تماسوهن} بزيادة ألف، والمعنى واحد.
2- قرأ الجمهور {من عدة تعتدونها} بتشديد الدال من العد أي تستوفون عددها، من قولك: عد الدراهم فاعتدها أي استوفى عددها، وقرأ ابن كثير وغيره بتخفيف الدال {تعتدونها} قال الزمخشري: أي تعتدون فيها كقوله: ويوما شهدناه. والمراد بالاعتداء ما في قوله تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا} [البقرة: 231].
قال أبو حيان: المعنى تعتدون عليهن فيها، فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى ضمير العدة كقوله: ويوما شهدناه سليما وعامرا، أي شهدنا فيه.