فصل: الحكم الثاني: ما هي كفارة من أتى امرأة وهي حائض؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الثاني: ما هي كفارة من أتى امرأة وهي حائض؟

أجمع العلماء على حرمة إتيان المرأة في حالة الحيض، واختلفوا فيمن فعل ذلك ماذا يجب عليه؟
فقال الجمهور: مالك والشافعي وأبو حنيفة: يستغفر الله ولا شيء عليه سوى التوبة والاستغفار.
وقال أحمد: يتصدق بدينار أو نصف دينار، لحديث ابن عباس «عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: يتصدق بدينار أو بنصف دينار».
وقال بعض أهل الحديث: إن وطئ في الدم فعليه دينار، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار.
قال القرطبي: حجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة هذا الحديث عن ابن عباس، وأن مثله لا تقوم به حجة، وأن الذمة على البراءة.

.الحكم الثالث: ما هي مدة الحيض، وما هو أقله وأكثره؟

اختلف الفقهاء في مدة الحيض، ومقدار أقله وأكثره على أقوال:
الأول: قال أبو حنيفة والثوري: أٌله ثلاثة أيام، وأكثره عشرة.
الثاني: وقال الشافعي وأحمد: أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشرة يومًا.
الثالث: وقال مالك في المشهور عنه: لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره والعبرة بعادة النساء.
حجة أبو حنيفة: حديث أبي أمامة «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام» قال الجصاص: فإن صحّ هذا الحديث فلا معدل عنه لأحد.
واحتج الشافعي بحديث: «تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي» والشطر في اللغة النصف، فهذا يدل على أن الحيض قد يكون خمسة عشر يومًا.
أقول: ليس في الآية ما يدل على أقل مدة الحيض ولا أكثره، وإنما هو أمر اجتهادي يرجع فيه إلى كتب الفروع، وتعرف الأدلة من الأخبار والآثار فارجع إليها هناك والله يتولاك.

.الحكم الرابع: متى يحل قربان المرأة؟

دلّ قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ} على أنه لا يحل للرجل قربان المرأة في حالة الحيض حتى تطهر، وقد اختلف الفقهاء في الطهر ما هو؟
أ- فذهب أبو حنيفة: إلى أن المراد بالطهر انقطاع الدم، فإذا انقطع دم الحيض جاز للرجل أن يطأها قبل الغسل، إلاّ أنه إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام جاز وطؤها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة.
ب- وذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد إلى أن الطهر الذي يحل به الجماع، هو تطهرها بالماء كطهور الجنب، وأنها لا تحل حتى ينقطع الحيض وتغتسل بالماء.
ج- وذهب طاووس ومجاهد إلى أنه يكفي في حلّها أن تغسل فرجها وتتوضأ للصلاة.
وسبب الخلاف: أن الله تعالى قال: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} الأولى بالتخفيف، والثانية بالتشديد، وكلمة طَهُر يستعمل فيما لا كسب فيه للإنسان وهو انقطاع دم الحيض، وأمّا تطهّر فيستعمل فيما يكتسبه الإنسان بفعله وهو الاغتسال بالماء.
فحمل أبو حنيفة: {حتى يَطْهُرن} على انقطاع دم الحيض، وقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} على معنى فإذا انقطع دم الحيض، فاستعمل المشدّد بمعنى المخفّف.
وقال الجمهور معنى الآية: {ولا تقربوهنّ حتّى يغتسلن}، فإذا اغتسلن فأتوهن فاستعملوا المخفّف بمعنى المشدّد، واستدلوا بقراءة حمزة والكسائي {حتّى يطهّرَن} بالتشديد في الموضعين.
وقالوا: مما يدلّ على صحة قولنا أن الله عز وجل علّق الحكم فيها على شرطين:
أحدهما: انقطاع الدم وهو قوله تعالى: {حتى يطهُرْن} أي ينقطع عنهن الدم.
والثاني: الاغتسال بالماء، وهو قوله تعالى: {فإذا تطهّرن} أي اغتسلن.
فصار المجموع هو الغاية، وهذا مثل قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] فعلّق الحكم وهو جاز دفع الماء على شرطين: أحدهما: بلوغ النكاح، والثاني: إيناس الرشد، فلابد من توفرهما معًا.
الترجيح: أقول ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح لأن الله تعالى قد علّل ذلك بقوله: {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} وظاهر اللفظ يدل على أن المراد به الطهارة الحسية وهي الاغتسال بالماء. وهذا الذي رجحناه هو اختيار شيخ المفسّرين الطبري، والعلاّمة ابن العربي والشوكاني والله تعالى أعلم.

.الحكم الخامس: ماذا يحرم على المرأة الحيض؟

اتفق العلماء على أن المرأة الحائض يحمر عليها الصلاة، والصيام، والطواف، ودخول المسجد، ومسّ المصحف، وقراءة القرآن، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تطهر، وهذه الأحكام تعرف بالتفصيل من كتب الفقه، والأدلة عليها معروفة وهناك أحكام أخرى ضربنا صفحًا عنها لأنها لا تستنبط من الآية والله أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- وجوب اعتزال المرأة في حالة المحيض حتى تطه من حيضها.
2- إباحة إتيان المرأة بعد انقطاع الدم والاغتسال بالماء.
3- حرمة إتيان المرأة في الدبر لأنه ليس مكانًا للحرث.
4- جواز الاستمتاع بشتى الصور بعد أن يكون في محل نبات الولد.
5- التحذير من مخالفة أمر الله وارتكاب ما نهى عنه تعالى وحذّر.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
جعل الله تبارك وتعالى مكانًا لنسل الرجل، وأحلّ له إتيانها في جميع الأوقات إلا في بعض حالات تكون فيها المرأة متلبّسة بالعبادة كحالة الإحرام، والاعتكاف، والصيام، أو في حالة الطمث الحيض، وهي حالة تشبه المرض الحسيّ، لأنها حالة إلقاء البويضة الأنثوية التي لم تلقّح من رحم المرأة، وغالبًا ما تصحبها الآلام وتكون المرأة غير مستعدة نفسيًا لهذه المباشرة الجنسية، التي يقصد بها استمتاع كلٍ من الزوجين بالآخر.
ودم الحيض له رائحة كريهة بخلاف سائر الدماء، وذلك لأأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة، وهو دم فاسد، أسود، ثخين، محتدم شديد الحمرة- كما يعرّفه الفقهاء- ورؤية الدم تنفر الطبع، وتشمئز منها النفس، فكيف إذا اجتمعت معه هذه الأوصاف الخبيثة؟! فإتيان المرأة في مثل هذه الحالة، فيه ضرر عظيم يلحق بالمرأة، كما أن فيه ضررا على الرجل أيضًا، عبّر عنه القرآن الكريم الدقيق {قُلْ هُوَ أَذًى} وأيّ تعبير أبلغ من هذا التعبير المعجز؟!
وقد أثبت الطب الحديث الضرر الفادح الذي يلحق بالمرأة من جراء معاشرتها وإتيانهاه في حالة الطمث، فكثيرًا ما يختلط المني المقذوف من الرجل بهذه الدماء، ويتولد عن ذلك إلتهابات في عنق الرحم، أو في الرحم نفسه، أو يتعرض الجنين إلى التشوه إن قدّر هناك حمل، كما أن الرجل يتعرض لبعض الأضرار الجسمية، ولهذا ينصح الأطباء بالابتعاد عن المرأة في حالة العادة الشهرية حتى تطهر من طمثها، وفي ذلك أكبر برهان على حكمة الشريعة الغراء. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال ابن القيم:

إذا كان الله حرَّم الوطءَ في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظنُّ بالحشِّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جدًا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضًا: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دُبرها يفوِّتُ حقها، ولا يقضي وطَرَها، ولا يُحَصِّل مقصودها.
وأيضًا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدُّبُر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعًا.
وأيضًا: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهي عنه عقلاءُ الأطباء منِ الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوطءُ في الدُّبُر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كلَّ المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعى.
وأيضًا: يضر من وجه آخَر، وهو إحواجُه إلى حركات متعبةٍ جدًا لمخالفته للطبيعة.
وأيضًا: فإنه محل القذر والنَّجْوِ، فيستقبلُه الرَّجل بوجهه، ويُلابسه.
وأيضًا: فإنه يضرُّ بالمرأة جدًا، لأنه واردٌ غريب بعيدٌ عن الطباع، مُنافر لها غايةَ المنافرة.
وأيضًا: فإنه يُحِدثُ الهمَّ والغم، والنفرةَ عن الفاعل والمفعول.
وأيضًا: فإنه يُسَوِّدُ الوجه، ويُظلم الصدر، ويَطمِسُ نور القلب، ويكسو الوجه وحشةً تصير عليه كالسِّيماء يعرِفُها مَن له أدنى فراسة.
وأيضًا: فإنه يُوجب النُّفرة والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولابُدَّ.
وأيضًا: فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فسادًا لا يكادُ يُرجَى بعده صلاح، إلا أن يشاءَ الله بالتوبة النصوح.
وأيضًا: فإنه يُذهبُ بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضِدَّها. كما يُذهب بالمَوَدَّة بينهما، ويُبدلهما بها تباغضًا وتلاعُنًا.
وأيضًا: فإنه من أكبر أسباب زوال النِعَم، وحُلول النِقَم، فإنه يوجب اللَّعنةَ والمقتَ من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه، فأىُّ خير يرجوه بعد هذا، وأىُّ شر يأمنُه، وكيف حياة عبد قد حلَّتْ عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه.
وأيضًا: فإنه يُذهب بالحياءِ جملةً، والحياءُ هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلبُ، استحسَن القبيح، واستقبحَ الحسن، وحينئذٍ فقد استَحكَم فسادُه.
وأيضًا: فإنهُ يُحيل الطباعَ عما رَكَّبَها الله، ويُخرج الإنسانَ عن طبعه إلى طبع لم يُركِّب الله عليه شيئًا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نُكِسَ الطبعُ انتكس القلب، والعمل، والهدى، فيستطيبُ حينئذٍ الخبيثَ من الأعمال والهيئات، ويفسد حاله وعملُه وكلامه بغير اختياره.
وأيضًا: فإنه يُورِث مِنَ الوقاحة والجُرأة ما لا يُورثه سواه.
وأيضًا: فإنه يُورث مِنَ المهانة والسِّفال والحقَارة ما لا يورثه غيره.
وأيضًا: فإنه يكسو العبدَ مِن حُلَّة المقت والبغضاء، وازدراءِ الناس له، واحتقارِهم إيَّاه، واستصغارِهم له ما هو مشاهَدٌ بالحسِّ، فصلاة الله وسلامه على مَن سعادةُ الدنيا والآخرة في هَدْيِه واتباعِ ما جاء به، وهلاكُ الدنيا والآخرة في مخالفة هَدْيِه وما جاء به. اهـ.

.لطيفة في الفرق بين الحرث والزرع:

قال الراغب: الحرث إلقاء البذر وتهيئة الأرض، والزرع مراعاته وإنباته، ولذلك قال تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} أثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزرع. اهـ.