فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِذا نَكَحْتُم المُؤْمِنات}.
قال الزجاج: معنى {نَكَحْتُم} تزوَّجتم.
ومعنى {تَمَسَّوهُنَّ} تَقْربوهن.
وقرأ حمزة، والكسائي: {تُمَاسُّوهُنَّ} بألف.
قوله تعالى: {فما لكم عليهنَّ مِنْ عِدَّةٍ تعتدُّونها} أجمع العلماء أنه إِذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عِدَّة؛ وعندنا أن الخلوة توجب العِدَّه وتقرِّر الصَّداق، خلافًا للشافعي.
قوله تعالى: {فمتِّعوهُنَّ} المراد به من لم يُسمِّ لها مهرًا، لقوله في [البقرة: 236] {أو تَفْرِضوا لَهُنَّ فريضةً} وقد بيَّنَّا المتعة هنالك وكان سعيد بن المسيّب وقتادة يقولان: هذه الآية منسوخة بقوله: {فنِصْفُ ما فَرَضْتم} [البقرة: 237].
قوله تعالى: {وسَرِّحوهُنّ سَرَاحًا جميلًا} أي: من غير إِضرار.
وقال قتادة: هو طلاقها طاهرًا من غير جماع.
وقال القاضي أبو يعلي: الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق، لأنه قد ذكر الطلاق، وإِنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها، وأن عليه تخليتها من يده وحِباله.
فصل:
واختلف العلماء فيمن قال: إِن تزوجتُ فلانة فهي طالق، ثم تزوجها؛ فعندنا أنها لا تطلق، وهو قول ابن عباس، وعائشة، والشافعي، واستدل أصحابنا بهذه الآية، وأنه جعل الطلاق بَعد النكاح.
وقال سماك بن الفضل: النِّكاح عُقدة، والطلاق يَحُلُّها، فكيف يحلُّ عقدة لم تُعقد؟! فجُعل بهذه الكلمة قاضيًا على صنعاء.
وقال أبو حنيفة: ينعقد الطلاق، فإذا وُجد النكاح وقع.
وقال مالك: ينعقد ذلك في خصوص النساء، وهو إِذا كان في امرأة بعينها، ولا ينعقد في عمومهن.
فأما إِذا قال: إِن ملكتُ فلانًا فهو حُرّ، ففيه عن أحمد روايتان.
قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لكَ أزواجكَ}.
ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلَّها له، فقال: {أزواجَك اللاَّتي آتيتَ أُجورهُنَّ} أي: مهورهُنَّ، وهُنَّ اللَّواتي تزوَّجْتَهُنَّ بصداق {وما ملكتْ يمينُك} يعني الجواري {مِمَّا أفاء اللّهُ عليك} أي: ردَّ عليك من الكفار، كصفيَّة وجُوَيرية، فانه أعتقهما وتزوجهما {وبناتِ عمِّك وبناتِ عمَّاتك} يعني نساء قريش {وبتاتِ خالك وبناتِ خالاتك} يعني نساء بني زُهْرة {اللاَّتي هاجرن معك} إِلى المدينة.
قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا يدلُّ على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يَحِلَّ له نكاحها.
وقالت أُمُّ هانىء: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرتُ إِليه بعذر، ثم أنزل اللّهُ تعالى: {إِنَّا أَحللنا لك أزواجك} إِلى قوله: {اللاَّتي هاجَرْنَ معك} قالت: فلم أكن لأحَلَّ له، لأنِّي لم أُهاجِر معه، كنتُ من الطُّلَقاء؛ وهذا يدلُّ مِنْ مذهبها أنَّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر مَنْ لم تُهاجِر.
وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه.
وحكى الماوردي في ذلك قولين.
أحدهما: أن الهجرة شرط في إِحلال النساء له على الإِطلاق.
والثاني: أنه شرط في إِحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات.
قوله تعالى: {وامرأةً مؤمنةً} أي: وأَحلَلْنا لك امرأة مؤمنة {إِنْ وهبتْ نَفْسَها} لك، {إِن أراد النبيُّ أن يَستنكحها} أي: إِن آثر نكاحها {خالصةً لكَ} أي: خاصة.
قال الزجّاج: وإِنما قال: {إِن وهبتْ نَفْسَها للنبيِّ} ولم يقل: لك، لأنه لو قال: لك، جاز أن يُتوهَّم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العمِّ وبنات العمَّات.
{وخالصةً} منصوب على الحال.
وللمفسرين في معنى {خالصةً} ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المراة إِذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صَداقُها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب.
والثاني: أنَّ له أن يَنْكِحها بِلاَ وليّ ولا مَهْر دون غيره، قاله قتادة.
والثالث: خالصةً لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد.
وفي المرأة التي وهبتْ له نَفْسها أقوال:
أحدها: أُمّ شَريك.
والثاني: خولة بنت حكيم.
ولم يدخل بواحدة منهما.
وذكروا أن لبلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها.
قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له.
وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث؛ وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة.
والأول: أصح.
قوله تعالى: {قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنا عليهم} أي: على المؤمنين غيرك {في أزواجهم} وفيه قولان:
أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد.
والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إِلاَّ بوليّ وشاهدَين وصَدَاق، قاله قتادة.
قوله تعالى: {وما مَلَكَتْ أيمانُهم} أي: وما أَبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور.
قوله تعالى: {لِكَيْلا يكونَ عليكَ حَرَجٌ} هذا فيه تقديم؛ المعنى: أَحللْنا لك أزواجك، إِلى قوله: {خالصةً لك من دون المؤمنين} {لكيلا يكون عليك حرج}. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} لما جرت قصة زيد وتطليقه زينب، وكانت مدخولًا بها، وخطبها النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدّتها كما بيّناه خاطب الله المؤمنين بحكم الزوجة تطلق قبل البناء، وبيّن ذلك الحكم للأمة؛ فالمطلّقة إذا لم تكن ممسوسةً لا عدّة عليها بنص الكتاب وإجماع الأمّة على ذلك.
فإن دخل بها فعليها العدّة إجماعًا.
الثانية: النكاح حقيقة في الوطء، وتسمية العقد نكاحًا لملابسته له من حيث إنه طريق إليه.
ونظيره تسميتهم الخمر إثمًا لأنه سبب في اقتراف الإثم.
ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلا في معنى العقد، لأنه في معنى الوطء، وهو من آداب القرآن، الكناية عنه بلفظ: الملامسة والمماسّة والقُربان والتغشّي والإتيان.
الثالثة: استدل بعض العلماء بقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} وبمهلة ثُمَّ على أن الطلاق لا يكون إلا بعد نكاح، وأن من طلّق المرأة قبل نكاحها وإن عَيّنها، فإن ذلك لا يلزمه.
وقال هذا نَيِّفٌ على ثلاثين مِن صاحبٍ وتابِع وإمامٍ.
سَمّى البخاريّ منهم اثنين وعشرين.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق قبل نكاح» ومعناه: أن الطلاق لا يقع حتى يحصل النكاح.
قال حبيب بن أبي ثابت: سئل علي بن الحسين رضي الله عنهما عن رجل قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق؟ فقال: ليس بشيء؛ ذكر الله عز وجل النكاح قبل الطلاق.
وقالت طائفة من أهل العلم: إن طلاق المعيّنة الشخص أو القبيلة أو البلد لازم قبل النكاح؛ منهم مالك وجميع أصحابه، وجمع عظيم من علماء الأمة.
وقد مضى في براءة الكلام فيها ودليل الفريقين. والحمد لله.
فإذا قال: كل امرأة أتزوّجها طالق وكل عبد أشتريه حرّ؛ لم يلزمه شيء.
وإن قال: كلّ امرأة أتزوّجها إلى عشرين سنة، أو إن تزوّجت من بلد فلان أو من بني فلان فهي طالق، لزمه الطلاق ما لم يخف العَنَت على نفسه في طول السنين، أو يكون عمره في الغالب لا يبلغ ذلك، فله أن يتزوّج.
وإنما لم يلزمه الطلاق إذا عمّم لأنه ضّيق على نفسه المناكح، فلو منعناه ألاّ يتزوّج لحرِج وخيف عليه العنت.
وقد قال بعض أصحابنا: إنه إن وجد ما يتسرر به لم ينكِح؛ وليس بشيء، وذلك أن الضرورات والأعذار ترفع الأحكام، فيصير هذا من حيث الضرورة كمن لم يحلف، قاله ابن خُوَيْزِمَنْدَاد.
الرابعة: استدلّ داود ومن قال بقوله إن المطلقة الرجعية إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدّتها ثم فارقها قبل أن يَمَسها، أنه ليس عليها أن تتم عدّتها ولا عدّةً مستقبلة؛ لأنها مطلقة قبل الدخول بها.
وقال عطاء بن أبي رباح وفرقة: تمضي في عدّتها من طلاقها الأوّل وهو أحد قولي الشافعي؛ لأن طلاقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدّتها قبل أن يراجعها.
ومن طلّق امرأته في كل طُهر مرّة بنت ولم تستأنف.
وقال مالك: إذا فارقها قبل أن يمسها إنها لا تبني على ما مضى من عدّتها، وإنها تنشىء من يوم طلقها عدّة مستقبلة.
وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها.
وعلى هذا أكثر أهل العلم؛ لأنها في حكم الزوجات المدخول بهن في النفقة والسكنى وغير ذلك؛ ولذلك تستأنف العدّة من يوم طلقت، وهو قول جمهور فقهاء البصرة والكوفة ومكة والمدينة والشام.
وقال الثوريّ: أجمع الفقهاء عندنا على ذلك.
الخامسة: فلو كانت بائنة غير مبتوتة فتزوّجها في العدّة ثم طلّقها قبل الدخول فقد اختلفوا في ذلك أيضًا، فقال مالك والشافعيّ وزفر وعثمان البَتِّي: لها نصف الصداق وتتم بقية العدّة الأولى.
وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وابن شهاب.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثَّوريّ والأوزاعيّ: لها مهر كامل للنكاح الثاني وعدّة مستقبلة.
جعلوها في حكم المدخول بها لاعتدادها من مائه.
وقال داود: لها نصف الصداق، وليس عليها بقية العدّة الأولى ولا عدّة مستقبلة.
والأولى ما قاله مالك والشافعيّ، والله أعلم.
السادسة: هذه الآية مخصصة لقوله تعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} [البقرة: 228]، ولقوله: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4].
وقد مضى في البقرة، ومضى فيها الكلام في المُتعة، فأغنى عن الإعادة هنا.
{وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} فيه وجهان: أحدهما: أنه دفع المتعة بحسب المَيْسرة والعُسْرة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه طلاقها طاهرًا من غير جماع؛ قاله قتادة.
وقيل: فسرحوهنّ بعد الطلاق إلى أهلهنّ، فلا يجتمع الرجل والمطلّقة في موضع واحد.
السابعة: قوله تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ} قال سعيد: هي منسوخة بالآية التي في البقرة، وهي قوله: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أي فلم يذكر المتعة.
وقد مضى الكلام في هذا في البقرة مسوفى.
وقوله: {وَسَرِّحُوهُنَّ} طلّقوهنّ.
والتسريح كناية عن الطلاق عند أبي حنيفة، لأنه يستعمل في غيره فيحتاج إلى النية.
وعند الشافعي صريح.
وقد مضى في البقرة القول فيه فلا معنى للإعادة.
{جَمِيلًا} سُنّة، غير بِدْعة.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}.
فيه تسع عشرة مسألة:
الأولى: روى السّدّي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني؛ ثم أنزل الله تعالى: {إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَاءَ الله عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قالت: فلم أكن أحل له؛ لأني لم أهاجر، كنت من الطُّلقاء.
خرّجه أبو عيسى وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قال ابن العربيّ: وهو ضعيف جدًا، ولم يأتِ هذا الحديث من طريق صحيح يُحتجّ بها.