فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأيضًا في الانتقال من الأفراد إلى الجمع في جانبي العمومة والخئولة إشارة إلى ما في النكاح من انتقال كل من الزوج والزوجة من حال الانفراد إلى حال الاجتماع فلله تعالى در التنزيل، هذا ما عندي وهو زهرة ربيع لا تتحمل الفرك ومع هذا قسه إلى ما سمعت عن ساداتنا المعاصرين واختر لنفسك ما يحلو والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
{وامرأة مُّؤْمِنَةً} بالنصب عطفًا على مفعول أحللنا عند جمع وليس معنى {أَحْلَلْنَا} إنشاء لإحلال الناجز ولا الإخبار عن إحلال ماض بل إعلام بمطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق فلا يعكر على ذلك الشرط وهذا كما تقول أبحت لك أن تكلم فلانًا إن سلم عليك، ولما فيه من البحث قال بعضهم: إنه نصب بفعل يفسره ما قبل أي ويحل لك امرأة أو وأحللنا لك امرأة وهو مستقبل لمكان الشرط.
وقرأ أبو حيوة بالرفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف أي وامرأة مؤمنة أحللناها لك أيضًا {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} أي ملكته المتعة بها بأي عبارة كانت بلا مهر.
وقرأ أبي والحسن والشعبي وعيسى وسلام {إِن وَهَبَتْ} بفتح الهمزة أي لأن وهبت وقيل: أي وقت أن وهبت أو مدة أن وهبت فتكون أن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية؛ وأكثر النحاة لا يجيزونه في غير المصدر الصريح كآتيك خفوق النجم وغير ما المصدرية، وجوز أن يكون المصدر بدلًا من {امرأت} وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {إِذْ وَهَبَتْ} وإذ ظرف لما مضى وقيل: هي مثلها في قوله تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ في العذاب مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 9 3] {إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا} أي يتملك المتعة بها بأي عبارة كانت بلا مهر وهذا شرط للشرط الأول في استيجاب الحل فهبتها نفسها منه صلى الله عليه وسلم لا يوجب له حلها إلا بإرادته نكاحها وهذه الإرادة جارية مجرى قبول بالهبة، وقال ابن كمال: الإرادة المذكورة عبارة عن القبول ولا وجه لحملها على الحقيقة لأن قوله تعالى: {يَسْتَنكِحَهَا} يغني عن الإرادة بمعناه الوضعي وهو يشير إلى أن السين للطلب، وكلام بعض الأجلة على هذا حيث قال: إرادة طلب النكاح كناية عن القبول.
وقيل: استفعل هنا بمعنى فعل فالاستنكاح بمعنى النكاح لئلا يتوهم التكرار وفيه نظر، واستظهر صاحب هذا القيل حمل الإرادة على الإرادة المتقدمة على الهبة بناءً على أن التركيب يقتضي تقدم هذا الشرط فقد قالوا: إذا اجتمع شرطان فالثاني شرط في الأول متأخر في اللفظ متقدم في الوقوع وهو بمنزلة الحال، ومن هنا قال: الفقهاء: لو قال: إن ركبت إن أكلت فأنت طالق لا تطلق ما لم يتقدم الأكل على الركوب ليتحقق تقييد الحالية.
واستشكل السمين هذه القاعدة بما هنا بناءً على أنهم جعلوا ذلك الشرط بمنزلة القبول لاقتضاء الواقع ذلك، ثم ذكر أنه عرضه على علماء عصره فلم يجدوا مخلصًا منه إلا بأن هذه القاعدة ليست بكلية بل مخصوصة بما لم تقم قرينة على تأخر الثاني كما في نحو إن تزوجتك إن طلقتك فعبدي حرفان الطلاق لا يتقدم التزوج وما نحن فيه من هذا القبيل ثم قال: فمن جعل الشرط الثاني هنا مقدمًا لم يصب ورأيت في الفن السابع من الأشباه والنظائر النحوية للجلال السيوطي عليه الرحمة كلامًا لابن هشام ذكر فيه أن جعل الآية كالمثال ونظمهما في سلك مسألة اعتراض الشرط على الشرط هو ما ذهب إليه جماعة منهم ابن مالك، وذهب هو إلى أن المثال من مسألة الاعتراض المذكور دون الآية واحتج عليه بما احتج، ثم ذكر الخلاف في صحة تركيب ما وقع فيه الاعتراض كالمثال وأن الجمهور على جوازه وهو الصحيح وأن المجيزين اختلفوا في تحقيق ما يقع به مضمون الجواب الواقع بعد الشرطين على ثلاثة مذاهب، أحدهما: أنه إنما يقع بمجموع أمرين، أحدهما: حصول كل من الشرطين، والآخر: كون الشرط الثاني واقعًا قبل وقوع الأول ففي المثال لا يقع الطلاق إلا بوقوع الركوب والأكل من تقدم وقوع الأكل على الركوب، وذكر أن هذا مذهب الجمهور.
وثانيها: أنه يقع بحصول الشرطين مطلقًا وذكر أنه حكاه له بعض العلماء عن إمام الحرمين وأنه رآه محكيًا عن غيره بعد.
وثالثها: أنه يقع بوقوع الشرطين على الترتيب فإنما تطلق في المثال إذا ركبت أولًا ثم أكلت وأبطل كلًا من المذهبين الأخيرين وذكر في توجيه التركيب على المذهب الأول مذهبين.
الأول: مذهب الجمهور أن الجواب المذكور للشرط الأول وجواب الثاني محذوف لدلالة الأول وجوابه عليه ولإغناء ذلك عنه وقيامه مقامه لزم في وقوع المعلق على ذلك أن يكون الثاني واقعًا قبل الأول ضرورة أن الجواب لابد من تأخره عن الشرط فكذا الأمر في القائم مقام الشرط، والثاني: مذهب ابن مالك أن الجواب المذكور للأول والثاني لا جواب له لا مذكور ولا مقدر لأنه مقيد للأول تقييده بحال واقعة موقعه فالمعنى في المثال إن ركبت آكلة فأنت طالق، وفيه أنه خارج عن القياس وأنه لا يطرد في إن قمت إن قعدت فأنت طالق وأن الشرط بعيد عن مذهب الحال لمكان الاستقبال.
وبالجملة قد أطال الكلام في هذه المسألة وهي مسألة شهيرة ذكرها الأصوليون وغيرهم وفيما ذكرنا فيها اكتفاء بأقل اللازم هاهنا فتأمل.
وأكثر العلماء على وقوع الهبة واختلفوا في تعيين الواهبة فعن ابن عباس وقتادة وعكرمة هي ميمونة بنت الحرث الهلالية؛ وفي المواهب يقال: إن ميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن خطبته عليه الصلاة والسلام انتهت إليهاوهي على بعيرها فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك سنة سبع بعد غزوة خيبر وبنى عليها عليه الصلاة والسلام بسرف على عشرة أميال من مكة، وعليه تكون إرادة النكاح سابقة على الهبة فيضعف به قول السمين: وعن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما والضحاك ومقاتل هي أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية، قال في الصفوة: والأكثرون على أنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت.
وفي الدر المنثور عن منير بن عبد الله الدوسي أنه عليه الصلاة والسلام قبلها، وعن عروة والشعبي هي زينب بنت خزيمة من الأنصار كانت تدعى في الجاهلية أم المساكين لإطعامها إياهم وكان ذلك في سنة ثلاث ولم تلبث عنده صلى الله عليه وسلم إلا قليلًا حتى توفيت رضي الله تعالى عنها.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم وقد أرجأها عليه الصلاة والسلام فتزوجها عثمان بن مظعون بإذنه صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: يجوز تعدد الواهبات فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن عروة بن الزبير قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل فلما نزلت: {تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] قالت عائشة: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك فقوله: من اللاتي وهبن أنفسهن صريح في تعددهن، وأنكر بعضهم وقوع الهبة وقيل: إن قوله تعالى: {إِن وَهَبَتْ} يشير إلى عدم وقوعها وأنها أمر مفروض وكذا تنكير {امرأت} فالمراد الإعلام بالإحلال في هذه الصورة إن اتفقت وأنكر بعضهم القبول.
أخرج ابن سعد عن ابن أبي عون أن ليلى بنت الحطيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ووهبن نساء أنفسهن فلم نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل منهن أحدًا، وما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في السنن عن ابن عباس قال: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له يحتمل نفي القبول ويحتمل نفي الهبة، وإيراده صلى الله عليه وسلم في الموضعين بعنوان النبوة بطريق الالتفات للتكرمة والإيذان بأنها المناط لثبوت الحكم فيختص به عليه الصلاة والسلام حسب اختصاصها به كما ينطق به قوله تعالى: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين} ويتضمن ذلك الإشارة إلى أن هبة من تهب لم تكن حرصًا على الرجال وقضاء الوطر بل على الفوز بشرف خدمته صلى الله عليه وسلم والنزول في معدن الفضل، وبذلك يعلم أن قول عائشة: ما في امرأة وهبت نفسها لرجل خير وكذا اعتراضها السابق صادر من شدة غيرتها رضي الله تعالى عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بدع فالمحب غيور وقد قال بعض المحبين:
أغار إذا آنست في الحي أنة ** حذارًا وخوفًا أن تكون لحبه

ونصب {خَالِصَةٌ} على أنه مصدر مؤكد للجملة قبله، وفاعلة في المصادر على ما قال الزمخشري غير عزيز كالعافية والكاذبة، وادعى أبو حيان عزتها، والكثير على تعلق ذلك بإحلال الواهبة أي خلص لك إحلالها خالصة أي خلوصًا، وقال الزجاج: هو حال من {امرأت} لتخصصها بالوصف أي أحللناها خالصة لك لا تحل لأحد غيرك في الدنيا والآخرة.
وقال أبو البقاء: هو حال من ضمير {وَهَبَتْ} أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة.
وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذاك خلوص لك وخصوص أو هي أي تلك المرأة أو الهبة خالصة لك لا تتجاوز المؤمنين.
واستدل الشافعية رضي الله تعالى عنهم به على أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة لأن اللفظ تابع للمعنى وقد خص عليه الصلاة والسلام بالمعنى فيختص باللفظ، وقال بعض أجلة أصحابنا في ذلك: إن المرادب الهبة في الآية تمليك المتعة بلا عوض بأي لفظ كان لا تمليكها بلفظ وهبت نفسي فحيث لم يكن ذلك نصًا في التمليك بهذا اللفظ لم يصلح لأن يكون مناطًا للخلاف في انعقاد النكاح بلفظ الهبة إيجابًا وسلبًا، ومعنى خلوص الإحلال المذكور له صلى الله عليه وسلم من دون المؤمنين كونه متحققًا في حقه غير متحقق في حقهم إذ لابد في الإحلال لهم من مهر المثل.
وظاهر كلام العلامة ابن الهمام اعتبار لفظ الهبة حيث قال في الفتح: قد ورد النكاح بلفظ الهبة وساق الآية ثم قال: والأصل عدم الخصوصية حتى يقوم دليلها، وقوله تعالى: {خَالِصَةً لَّكَ} يرجع إلى عدم المهر بقرينة إعقابه بالتعليل بنفي الحرج فإن الحرج ليس في ترك لفظ إلى غيره خصوصًا بالنسبة إلى أفصح العرب بل في لزوم المال، وبقرينة وقوعه في مقابلة المؤتى أجورهن فصار الحاصل أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهن والتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرًا خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين أما هم فقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم الخ من المهر وغيره.
وأبدى صدر الشريعة جواز كونه متعلقًا بأحللنا قيدًا في إحلال أزواجه له صلى الله عليه وسلم لإفادة عدم حلهن لغيره صلى الله عليه وسلم انتهى، وجوز بعضهم كونه قيدًا في إحلال الإماء أيضًا لإفادة عدم حل إمائه كأزواجه لأحد بعده عليه الصلاة والسلام، وبعض آخر كونه قيدًا لإحلال جميع ما تقدم على القيود المذكورة أي خلص إحلال ما أحللنا لك من المذكورات على القيود المذكورة خلصوها من دون المؤمنين فإن إحلال الجميع على القيود المذكورة غير متحقق في حقهم بل المتحقق فيه إحلال بعض المعدود على الوجه المعهود، واختاره الزمخشري، وأيًا ما كان فقوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أزواجهم وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم} اعتراض بين المتعلق والمتعلق، والأول: على جميع الأوجه قوله سبحانه: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} والثاني: على الوجه الأحير وهو تعلق خالصة بجميع ما سلف من الإحلالات الأربع قوله تعالى: {خَالِصَةٌ} وهو مؤكد معنى اختصاصه عليه الصلاة والسلام بما اختص به بأن كلًا من الاختصاص عن علم وأن هذه الحظوة مما يليق بمنصب الرسالة فحسب فالمعنى أن الله تعالى قد علم ما ينبغي من حيث الحكمة فرضه على المؤمنين في حق الأزواج والإماء وعلى أي حد وصفة ينبغي أن يفرض عليهم ففرضه واختصك سبحانه بالتنزيه واختيار ما هو أولى وأفضل في دنياك حيث أحل جل شأنه لك أجناس المنكوحات وزاد لك الواهبة نفسها من غير عوض لئلا يكون عليك ضيق في دينك، وهو على الوجه الأول الذي ذكرناه وهو تعلق خالصة بالواهبة خاصة قوله عز وجل: {إِنَّا أَحْلَلْنَا} وهو الذي استظهره أبو حيان وأمر الاعتراض عليه في حاله، وبعضهم يجعل المتعلق خالصة على سائر الأوجه والتعلق به باعتبار ما فيه من معنى ثبوت الإحلال وحصوله له صلى الله عليه وسلم لا باعتبار اختصاصه به عليه الصلاة والسلام لأن مدار انتفاء الحرج هو الأول لا الثاني الذي هو عبارة عن عدم ثبوته لغيره صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عطية: إن {لّكَيْلاَ} الخ متعلق بمحذوف أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لئلا يكون عليك حرج ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك عز وجل فلا اعتراض على هذا، ولا يخلو عن اعتراض فتدبر ولا تغفل.
{وَكَانَ الله غَفُورًا} أي كثير المغفرة فيغفر ما يشاء مما يعسر التحرز عنه وغيره {رَّحِيمًا} أي وافر الرحمة، ومن رحمته سبحانه أن وسع الأمر في مواقع الحرج. اهـ.

.قال القاسمي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} أي: تزوجتموهن: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} أي: تجامعوهن: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} أي: تستوفون عددها من إحصاء أقراء، ولا أشهر تحصونها عليهن: {فَمَتِّعُوهُنَّ} أي: أعطوهن ما يستمتعن به من عرض أو عين مال: {وَسَرِّحُوهُنَّ} أي: خلوا سبيلهن بإخراجهن من منازلكم؛ إذ ليس لكم عليهن عدة: {سَرَاحًا جَمِيلًا} أي: من غير ضرار ولا منع حق.
تنبيه:
قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة:
منها إطلاق النكاح على العقد وحده. وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منه، وقد اختلفوا في النكاح؛ هل هو حقيقة في العقد وحده، أو في الوطء، أو فيهما؟ على ثلاثة أقوال، واستعمال القرآن، إنما هو في العقد والوطء بعده، إلا في هذه الآية؛ فإنه استعمل في العقد وحده لقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ}.
وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها، وقوله تعالى: {الْمُؤْمِنَاتِ} خرج مخرج الغالب؛ إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك، بالاتفاق.
وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما، وابن المسيب والحسن البصري وزين العابدين، وجماعة من السلف بهذه الآية، على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح، لقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} بعقب النكاح بالطلاق، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله. وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وطائفة كثيرة من السلف والخلف، وأيده ما روي مرفوعًا «لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. وهكذا روى ابن ماجه عن علي والمِسْوَر بن مخرمة رضي الله عنهما، عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا طلاق قبل النكاح». وقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} هذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها، لا عدة عليها. فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت، ولا يتسثنى من هذا إلا المتوفى زوجها؛ فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرًا، وإن لم يكن دخل بها، بالإجماع أيضًا.
وقوله تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ} المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها. قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، وقال عز وجل: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236].