فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن جابر نحوه وفيه جئت فختمت الأنبياء ق عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر بي وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي» وقد سماه الله رءوفًا رحيمًا م عن أبي موسى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي، لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفي وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة» المقفي هو المولى الذاهب، يعني آخر الأنبياء المتبع لهم فإذا قفي فلا نبي بعده.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} قال ابن عباس: لم يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدًا معلومًا ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حدًا ينتهي إليه ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها فقال تعالى: {فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم} وقال تعالى: {اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} يعني بالليل والنهار في البر والبحر وفي الصحة والسقم وفي السر والعلانية، وقيل الذكر الكثير أن لا ينساه أبدًا {وسبحوه} معناه إذا ذكرتموه ينبغي لكم أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء {بكرة وأصيلًا} فيه إشارة إلى المداومة لأن ذكر الطرفين يفهم منه الوسط أيضًا وقيل: معناه صلوا له بكرة صلاة الصبح وأصيلًا يعني صلاة العصر وقيل صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقيل: معنى سبحوه قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله زاد في نسخه العلي العظيم فعبر بالتسبيح عن أخواته والمراد بقوله: كثيرًا هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والحائض والمحدث {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار للمؤمنين وقيل الصلاة من الله على العبد هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده والثناء عليه قال أنس: لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي} قال أبو بكر: ما خصك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فأنزل الله هذه الآية: {ليخرجكم من الظلمات إلى النور} يعني أنه برحمته وهدايته، ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان {وكان بالمؤمنين رحيمًا} فيه بشارة لجميع المؤمنين وإشارة إلى أن قوله يصلي عليكم غير مختص بالسامعين، وقت الوحي بل هو عام لجميع المسلمين {تحيتهم} يعني تحية المؤمنين {يوم يلقونه} أي يرون الله يوم القيامة {سلام} أي يسلم الرب تعالى عليهم ويسلمهم من جميع الآفات وروي عن البراء بن عازب قال: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} يعني يلقون ملك الموت، لا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه عن ابن مسعود قال إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال رب يقرئك السلام وقيل: تسلم عليهم الملائكة حين يخرجون من قبورهم تبشرهم {وأعد لهم أجرًا كريمًا} يعني الجنة.
قوله: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا} أي للرسل بالتبليغ وقيل شاهدًا على الخلق كلهم يوم القيامة {ومبشرًا} أي لمن آمن بالجنة {ونذيرًا} أي لمن كذب بالنار {وداعيًا إلى الله} أي إلى توحيده وطاعته {بإذنه} أي بأمره {وسراجًا منيرًا} سماه سراجًا منيرًا لأنه جلا منه ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير، وقيل معناه أمد الله بنور نبوته نور البصائر كما يمد بنور السراج نور الأبصار ووصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء.
فإن قلت لم سماه سراجًا، ولم يسمه شمسًا والشمس أشد إضاءة من السرج وأنور.
قلت: نور الشمس لا يمكن أن يؤخذ منه شيء بخلاف نور السراج فإنه يؤخذ منه أنوار كثيرة {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا} أي ما تفضل به عليهم زيادة على الثواب وقيل: الفضل هو الثواب وقيل هو تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم {ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم} قال ابن عباس: اصبر على أذاهم لا تجازهم عليه وهذا منسوخ بآية القتال {وتوكل على الله وكفى بالله وكيلًا} أي حافظًا.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} أي تجامعوهن، ففي الآية دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح حتى لو قال لامرأة أجنبية إذا نكحتك فأنت طالق، أو قال: كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح لا يقع الطلاق، وهذا قول علي وابن عباس وجابر ومعاذ وعائشة وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وشريح وسعيد بن جبير والقاسم وطاوس، الحسن وعكرمة وعطاء وسليمان بن يسار، ومجاهد والشعبي وقتادة وأكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي وروي عن ابن مسعود أنه يقع الطلاق، وهو قول إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي وقال ربيعة ومالك والأوزاعي: إن عين امرأة وقع وإن عمم فلا يقع وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: كذبوا على ابن مسعود، وإن كان قالها فزلة من عالم الرجل يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق والله يقول: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن، روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق فيما لا تملك ولا عتق فيما لا تملك ولا بيع فيما لا تملك» أخرجه أبو داود والترمذي بمعناه خ عن ابن عباس قال: جعل الله الطلاق بعد النكاح أخرجه الترمذي في ترجمة باب بغير إسناد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق قبل النكاح» {فما لكم عليهم من عدة تعتدونها} أي تحصونها بالأقراء والأشهر، أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة، فلا عدة وذهب أحمد إلى أن الخلوة توجب العدة والصداق {فمتعوهن} أي أعطوهن ما يستمتعن به قال ابن عباس: هذا إذا لم يكن سمى لها صداقًا فلها المتعة وإن كان قد فرض لها صداقًا فلها نصف الصداق، ولا متعة لها وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله: {فنصف ما فرضتم} وقيل: هذا أمر ندب فالمتعة مستحبة لها مع نصف المهر وقيل: إنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية: {وسرحوهن سراحًا جميلًا} أي خلوا سبيلهن بالمعروف من غير إضرار بهن.
قوله: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزاوجك اللاتي آتيت أجورهن} أي مهورهن {وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} أي من السبي فتملكها مثل صفية وجويرية، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم {وبنات عمك وبنات عماتك} يعني نساء قريش {وبنات خالك وبنات خالاتك} يعني نساء بني زهرة {اللاتي هاجرن معك} إلى المدينة فمن لم تهاجر، منهن لم يجز له نكاحها عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله: {إنا أحللنا لك أزواجك} الآية قالت: فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين} أي أحللنا لك امرأة مؤمنة، وهبت نفسها لك بغير صداق فأما غير المؤمنة، فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه وهل تحل الكتابية بالمهر، فذهب جماعة إلى أنها لا تحل له لقوله: {وامرأة مؤمنة} فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة، وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر لقوله: {خالصة لك من دون المؤمنين} والزيادة على أربع ووجوب تخيير النساء واختلفوا في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، وهو قول سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء وبه قال ربيعة ومالك والشافعي: وقال إبراهيم النخعي وأهل الكوفة، ينعقد بلفظ التمليك والهبة، ومن قال بالقول الأول اختلفوا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد في حقه صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة، لقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج، كما في حق سائر الأمة لقوله تعالى: {إن أراد النبي أن يستنكحها} وكان اختصاصه في ترك المهر لا في لفظ النكاح واختلفوا في التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهل كانت عنده امرأة منهم فقال ابن عباس ومجاهد: لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد النكاح، أو بملك يمين وقوله: {إن وهبت نفسها} على سبيل الفرض والتقدير، وقال آخرون: بل كانت عنده موهوبة، واختلفوا فيها فقال الشعبي هي زينب بنت خزيمة الأنصارية الهلالية أم المساكين، وقال قتادة هي ميمونة بنت الحارث وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل هي أم شريك بن جابر: من بني أسد وقال عروة بن الزبير: هي خولة بنت حكيم من بني سليم.
وقوله تعالى: {قد علمنا ما فرضنا عليهم} أي أوجبنا على المؤمنين {في أزواجهم} أي من الأحكام وهو أن لايتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر {وما ملكت أيمانهم} أي ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين {لكيلا يكون عليك حرج} وهذا يرجع إلى أول الآية معناه أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لكي لا يكون عليك ضيق {وكان الله غفورًا} أي للواقع في الحرج {رحيمًا} أي بالتوسعة على عباده. اهـ.

.قال النسفي:

{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ}.
القنوت الطاعة {وَتَعْمَلْ صالحا نُؤْتِهَا} وبالياء فيهما: حمزة وعلي {أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} مثلي ثواب غيرها {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} جليل القدر وهو الجنة {يانساء النبى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} أي لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل.
وأحد في الأصل بمعنى وحد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مستويًا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه {إِنِ اتقيتن} إن أردتن التقوى أو إن كنتن متقيات {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} أي إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب فلا تجئن بقولكن خاضعًا أي لينًا خنثًا مثل كلام المريبات {فَيَطْمَعَ} بالنصب على جواب النهي {الذى في قَلْبِهِ مَرَضٌ} ريبة وفجور {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} حسنًا مع كونه خشنًا {وَقَرْنَ} مدني وعاصم غير هبيرة وأصله اقررن فحذفت الراء تخفيفًا وألقيت فتحتها على ما قبلها، أو من قار يقار إذا اجتمع.
والباقون {قَرْنٍ} من وقر يقر وقارًا، أو من قرّ يقر، حذفت الأولى من راء اقررن قرارًا من التكرار ونقلت كسرتها إلى القاف {فِى بُيُوتِكُنَّ} بضم الباء بصري ومدني وحفص {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى} أي القديمة.
والتبرج التبختر في المشي وإظهار الزينة والتقدير: ولا تبرجن تبرجًا مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى وهي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم أو ما بين آدم ونوح عليهما السلام أو زمن داود وسليمان والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
أو الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
أو الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام.
{وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} خص الصلاة والزكاة بالأمر ثم عم بجميع الطاعات تفضيلًا لهما لأن من واظب عليهما جرتاه إلى ما وراءهما {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} نصب على النداء أو على المدح، وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته.
وقال: {عَنْكُمْ} لأنه أريد الرجال والنساء من آله بدلالة {وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا} من نجاسة الآثام.
ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآثم وليتصونوا عنها بالتقوى.
واستعار الذنوب الرجس وللتقوى الطهر، لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها كما يتلوث بدنه بالأرجاس، وأما المحسنات فالعرض منها نقي كالثوب الطاهر وفيه تنفير لأولي الألباب عن المناهي وترغيب لهم في الأوامر {واذكرن مَا يتلى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءايات الله} القرآن {والحكمة} أي السنة أو بيان معاني القرآن {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفًا} عالمًا بغوامض الأشياء {خَبِيرًا} عالمًا بحقائقها أي هو عالم بأفعالكن وأقوالكن فاحذرن مخالفة أمره ونهيه ومعصية رسوله.
ولما نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء، فنزلت:
{إِنَّ المسلمين والمسلمات} المسلم الداخل في السّلم بعد الحرب المنقاد الذي لا يعاند، أو المفوض أمره إلى الله المتوكل عليه من أسلم وجهه إلى الله {والمؤمنين} المصدقين بالله ورسوله وبما يجب أن يصدق به {والمؤمنات والقانتين} القائمين بالطاعة {والقانتات والصادقين} في النيات والأقوال والأعمال {والمتصدقات والصابرين والصابرات} على الطاعات وعن السيئات {والخاشعين} المتواضعين لله بالقلوب والجوارح أو الخائفين {والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات} فرضًا ونفلًا {والصائمين والصائمات} فرضًا ونفلًا.
وقيل: من تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين، ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين {والحافظين فُرُوجَهُمْ} عما لا يحل {والحافظات والذكرين الله كَثِيرًا} بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر والمعنى والحافظات فروجهن {والذاكرات} الله فحذف لدلالة ما تقدم عليه.
والفرق بين عطف الإناث على الذكور وعطف الزوجين على الزوجين لأن الأول نظير قوله: {ثيبات وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] في أنهما جنسان مختلفان واشتركا في حكم واحد فلم يكن بد من توسط العاطف بينهما، وأما الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ومعناه أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات {أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} على طاعاتهم.
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بنت عمته أميمة على مولاه زيد بن حارثة فأبت وأبى أخوها عبد الله فنزلت {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} أي وما صح لرجل مؤمن ولا امرأة مؤمنة {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ} أي رسول الله {أمْرًا} من الأمور {أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} أن يختاروا من أمرهم ما شاءوا بل من حقهم أن يجعلوا رأيهم تبعًا لرأيه واختيارهم تلوا لاختياره فقالا: رضينا يا رسول الله، فأنكحها إياه وساق عنه إليها مهرها.
وإنما جمع الضمير في {لَهُمْ} وإن كان من حقه أن يوحد لأن المذكورين وقعا تحت النفي فعما كل مؤمن ومؤمنة فرجع الضمير إلى المعنى لا إلى اللفظ.
و{يَكُونَ} بالياء: كوفي، والخيرة ما يتخير ودل ذلك على أن الأمر للوجوب {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُّبِينًا} فإن كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال وكفر، وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق.
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بالإسلام الذي هو أجل النعم {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالإعتاق والتبني فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسوله وهو زيد بن حارثة {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} زينب بنت جحش، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصرها بعدما أنكحها إياه فوقعت في نفسه فقال: «سبحان الله مقلب القلوب» وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أريد أن أفارق صاحبتي، فقال: «مالك أرابك منها شيء؟» قال: «لا والله ما رأيت منها إلا خيرًا ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني فقال له: أمسك عليك زوجك» {واتق الله} فلا تطلقها.
وهو نهي تنزيه إذ الأولى أن لا يطلق أو واتق الله فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأذى الزوج {وَتُخْفِى في نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} أي تخفي في نفسك نكاحها إن طلقها زيد وهو الذي أبداه الله تعالى.