فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم} قال: فرض الله أن لا تنكح امرأة إلا بولي، وصداق، وشهداء، ولا ينكح الرجل إلا أربعًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} قال: لا يجاوز الرجل أربع نسوة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} قال: فرض عليهم أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} قال: فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي، وشاهدين، ومهر.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لكيلا يكون عليك حرج} قال: جعله الله تعالى في حل من ذلك، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقسم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي أنه قيل له: أن أبا موسى نهى حين فتح تستر أن لا توطأ الحبالى، ولا يشارك المشركون في أولادهم، فإن الماء يزيد في الولد أشيء قاله برأيه، أو شيء رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع، أو حائل حتى تستبرأ.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من وطىء حبلى».
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني وأبو داود وابن منيع والبغوي والباوردي وابن قانع والبيهقي والضياء عن أبي مورق مولى نجيب قال: غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري نحو المغرب، ففتحنا قرية يقال لها: جربة. فقام فينا خطيبًا فقال: إني لا أقول لكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام فينا يوم خيبر قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره».
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه قال: لما فتح تستر أصاب أبو موسى سبايا، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أن لا يقع أحد على امرأة حبلى حتى تضع، ولا تشاركوا المشركين في أولادهم، فإن الماء تمام الولد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ الحامل حتى تضع، والحائل حتى تستبرأ بحيضة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديًا في غزوة غزاها: لا يطأ الرجل حاملًا حتى تضع، ولا حائلًا حتى تحيض».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي أمامة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر أن لا توطأ الحبالى حتى يضعن». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
قوله: {أَن يَكُونَ} هو اسمُ كان. والخبرُ الجارُّ متقدمٌ. وقوله: {إِذَا قَضَى الله} يجوزُ أن يكونَ مَحْضَ ظَرْفٍ معمولُه الاستقرار الذي تَعَلَّق به الخبرُ أي: وما كان مستقِرًّا لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ وقتَ قضاءِ اللَّهِ كَوْنُ خِيَرَةٍ، وأَنْ تكونَ شرطيةً، ويكونُ جوابُها مقدرًا مدلولًا عليه بالنفيِ المتقدمِ.
وقرأ الكوفيون وهشام {يكونَ} بالياءِ من أسفلِ؛ لأنَّ {الخِيَرَة} مجازيُّ التأنيثِ، وللفصلِ أيضًا. والباقون بالتاء من فوقُ مراعاةً للفظِها. وقد تقدَّم أنَّ الخِيَرَةَ مصدرُ تَخَيَّر كالطِّيَرَة مِنْ تَطَيَّر. ونَقَل عيسى بن سليمان أنه قرئ: {الخِيْرَة}. بسكون الياء. و{مِنْ أمرِهم} حالٌ من {الخِيَرة} وقيل: {من} بمعنى في. وجَمَعَ الضمير في {أمرِهم} وما بعده؛ لأنَّ المرادَ بالمؤمن والمؤمنة الجنسُ. وغلَّب المذكرَ على المؤنث. وقال الزمخشري: كان مِنْ حَقِّ الضميرِ أن يُوَحَّد كما تقول: ما جاءني مِنْ رجلٍ ولا امرأة، إلاَّ كان مِنْ شأنه كذا. قال الشيخ: وليس بصحيحٍ؛ لأنَّ العطفَ بالواوِ فلا يجوزُ ذلك إلاَّ بتأويلِ الحَذْفِ.
قوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ}.
نَصَّ بعضُ النَّحْويين على أن على في مثلِ هذا التركيبِ اسمٌ. قال: لئلا يتعدَّى فعلُ المضمرِ المتصلِ إلى ضميرِه المتصلِ في غير باب ظنَّ وفي لفظتَيْ: فَقَد وعَدِم. وجعل مِنْ ذلك:
هَوِّنْ عليكَ فإنَّ الأمورَ ** بكفِّ الإِلهِ مقاديرُها

وكذلك حَكَم على عَنْ في قولِه:
دَعْ عنك نَهْبًا صِيْحَ في حُجُراتِهِ

وقد تقدَّم لك ذلك مشبعًا في النحل في قوله: {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57] وفي قوله: {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ} [مريم: 25] {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [القصص: 32].
قوله: {وتُخْفي} فيه أوجهٌ، أحدها: أنه معطوفٌ على {أَمْسِكْ} أي: وإذ تجمعُ بين قولك كذا وإخفاءِ كذا، وخشيةِ الناس. قاله الزمخشري. الثاني: أنها واوُ الحالِ أي: تقول كذا في هذه الحالةِ. قاله الزمخشري أيضًا. وفيه نظرٌ من حيث إنه مضارعٌ مثبتٌ فكيف تباشِرُه الواوُ؟ وتخريجُه كتخريجِ قمتُ وأَصُكُّ عينَه أعني على إضمارِ مبتدأ. الثالث: أنه مستأنفٌ. قاله الحوفي. وقوله: {والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} قد تقدَّم مثلُه في براءة.
قوله: {وَطَرًا} مفعولُ {قَضَى}. والوَطَرُ: الشَّهْوَةُ والمحبةُ، قاله المبرد. وأنشد:
وكيف ثَوائي بالمدينةِ بعدَما ** قَضَى وَطَرًا منها جميلُ بنُ مَعْمَرِ

وقال أبو عبيدة: الوَطَرُ: الأَرَبُ والحاجةُ. وأنشد للضُّبَيْعِ الفزاري:
ودَّعَنا قبلَ أَنْ نُوَدِّعَهْ ** لَمَّا قضى مِنْ شبابِنا وَطَرًا

وقرأ العامَّةُ {زوَّجْناكها}. وقرأ عليٌّ وابناه الحسنان رضي الله عنهم وأرضاهم {زَوَّجْتُكَها} بتاءِ المتكلم.
و{لِكَيْلا} متعلقٌ ب {زَوَّجْناكها} وهي هنا ناصبةٌ فقط لدخولِ الجارِّ عليها. واتصل الضميران بالفعلِ لاختلافِهما رتبةً.
{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)}.
قوله: {سُنَّةَ الله} منصوبٌ على المصدر ك {صُنْعَ الله} [النمل: 88] و{وَعْدَ الله} [النساء: 122] أو اسمٌ وُضِع مَوْضِعَ المصدرِ، أو منصوبٌ ب جَعَل. أو بالإِغراءِ أي: فعليه سنةَ الله. قاله ابن عطية. ورَدَّه الشيخ بأنَّ عاملَ الإِغراءِ لا يُحْذَفُ، وبأنَّ فيه إغراءَ الغائبِ. وما وَرَدَ منه مؤولٌ على ندورِه نحو: عليه رجلًا لَيْسَني. قلت: وقد وَرَدَ قولُه عليه السلام «وإلاَّ فعليه بالصوم»، فقيل: هو إغراء. وقيل ليس به، وإنما هو مبتدأٌ وخبرٌ، والباءُ زائدةٌ في المبتدأ. وهو تخريجٌ فاسدُ المعنى؛ لأن الصومَ ليس واجبًا على ذلك.
قوله: {الذين يُبَلِّغُونَ} يجوزُ أَنْ يكونَ تابعًا للذين خَلَوْا، وأَنْ يكونَ مقطوعًا عنه رفعًا ونصبًا على إضمارِ هم أو أعني أو أمدحُ.
قوله: {ولكن رَّسُولَ الله} العامَّةُ على تخفيف {لكن} ونصبِ رسول. ونصبُه: إمَّا على إضمارِ كان لدلالة كان السابقة عليها أي: ولكن كان، وإمَّا بالعطفِ على {أبا أَحَدٍ}.
والأولُ أليقُ لأنَّ لكن ليست عاطفةً لأجلِ الواو، فالأليقُ بها أن تدخلَ على الجملِ كمثل التي لَيَستْ بعاطفةٍ.
وقرأ أبو عمروٍ في روايةٍ بتشديدها؛ على أنَّ {رسولَ الله} اسمُها، وخبرُها محذوفٌ للدلالةِ أي: ولكن رسولَ الله هو أي: محمدٌ. وحَذْفُ خبرها شائعٌ. وأُنْشِد:
فلو كنتَ ضَبِّيًَّا عَرَفْتَ قَرابتي ** ولكنَّ زَنْجِيًَّا عظيمَ المَشافِرِ

أي: أنت. وهذا البيت يَرْوُوْنه أيضًا: ولكنَّ زَنْجيٌّ بالرفع شاهدًا على حَذْفِ اسمِها أي: ولكنك.
وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة بتخفيفها ورفع {رسولُ} على الابتداء، والخبرُ مقدرٌ أي: هو. أو بالعكس أي: ولكن هو رسول كقوله:
ولَسْتُ الشاعرَ السَّفسافَ فيهمْ ** ولكنْ مِدْرَهُ الحربُ العَوانِ

أي: ولكن أنا مِدْرَهُ.
قوله: {وخاتم} قرأ عاصمٌ بفتح التاء، والباقون بكسرِها. فالفتح اسمٌ للآلةِ التي يُخْتَمُ بها كالطابَع والقالَبِ لما يُطْبَعُ به ويُقْلَبُ فيه، هذا هو المشهور. وذكر أبو البقاء فيه أوجهًا أُخَرَ منها: أنه في معنى المصدرِ قال: كذا ذُكِرَ في بعض الأعاريب. قلت: وهو غَلَطٌ مَحْضٌ كيف وهو يُحْوِجُ إلى تجوُّزٍ وإضمار؟ ولو حُكِي هذا في {خاتِم} بالكسر لكان أقربَ؛ لأنه قد يجيء المصدرُ على فاعِل وفاعِلة. وسيأتي ذلك قريبًا. ومنها: أنه اسمٌ بمعنى آخِر. ومنها: أنه فعلٌ ماضٍ مثل قاتَلَ فيكون {النبيين} مفعولًا به قلت: ويؤيِّد هذا قراءة عبدالله: {خَتَم النبيين}.
والكسرُ على أنه اسمُ فاعلٍ، ويؤيِّده قراءةُ عبد الله المتقدمة. وقال بعضُهم: هو بمعنى المفتوح، يعني بمعنى آخرهم.
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)}.
قوله: {وَمَلاَئِكَتُهُ} إمَّا عطفٌ على فاعل {يُصَلِّي} وأغنى الفصلُ بالجارِّ عن التأكيد بالضمير. وهذا عند مَنْ يرى الاشتراكَ أو القَدْرَ المشترك أو المجازَ، لأنَّ صلاةَ الله تعالى غيرُ صلاتِهم، وإمَّا مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ أي: وملائكتُه يُصَلُّون. وهذا عند مَنْ يرى شيئًا ممَّا تقدَّم جائزًا إلاَّ أن فيه بحثًا: وهو أنهم نَصُّوا على أنه إذا اختلفَ مَدْلولا الخبرَيْن فلا يجوزُ حَذْفُ أحدِهما لدلالةِ الآخرِ عليه، وإن كان بلفظٍ واحدٍ فلا تقول: زيد ضاربٌ وعمروٌ يعني: وعمروٌ ضاربٌ في الأرض أي: مسافرٌ.
قوله: {تَحِيَّتُهُمْ} يجوزُ أن يكونَ مصدرًا مضافًا لمفعوله، وأن يكون مضافًا لفاعلِه، ومفعولِه، على معنى: أنَّ بعضَهم يُحَيِّي بعضًا. فيَصِحُّ أَنْ يكونَ الضميرُ للفاعلِ والمفعول باعتبارَيْن، لا أنه يكون فاعلًا ومفعولًا مِنْ وجهٍ واحدٍ كقول مَنْ قال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] إنه مضافٌ للفاعلِ والمفعولِ.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)}.
قوله: {شَاهِدًا} حالٌ مقدرةٌ أو مقارِنةٌ لقُرْبِ الزمان.
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)}.
قوله: {بِإِذْنِهِ} حالٌ أي: مُلْتَبِسًا بتسهيله ولا يريدُ حقيقةَ الإِذنِ لأنه مستفادٌ مِنْ {أَرْسلْناك}.
قوله: {وسِراجًا} يجوزُ أَنْ يكونَ عطفًا على ما تقدم: إمَّا على التشبيه وإمَّا على حَذْفِ مضافٍ أي: ذا سِراج. وجَوَّزَ الفراء أَنْ يكونَ الأصلُ: وتاليًا سِراجًا. ويعني بالسِّراج القرآنَ. وعلى هذا فيكونُ مِنْ عطفِ الصفات وهي لذاتٍ واحدة: لأنَّ التاليَ هو المُرْسَل. وجَوَّزَ الزمخشريُّ أَنْ يُعْطَفَ على مفعول {أَرْسَلْنَاك} وفيه نظرٌ؛ لأنَّ السِّراجَ هو القرآنُ، ولا يُوْصَفُ بالإِرسال بل الإِنزال، إلاَّ أنْ يُقالَ: إنه حُمِلَ على المعنى، كقوله:
عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً باردًا

وأيضًا فيُغْتَفر في الثواني ما لا يُغْتفر في الأوائل.
قوله: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} يجوزُ أَنْ يكونَ {أذاهم} مضافًا لمفعوله أي: اتْرُكْ أذاك لهم أي: عقابَك إياهم، وأن يكون مضافًا لفاعلِه أي: اتركْ ما آذَوْك به فلا تؤاخِذْهم حتى تؤمرَ.
قوله: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} إنْ قيل: ما الفائدةُ بالإِتيان ب {ثم} وحُكْمُ مَنْ طُلِّقَتْ على الفورِ بعد العَقْد كذلك؟ فالجوابُ: أنه جَرَى على الغالب. وقال الزمخشري: نَفْيُ التوهُّم عَمَّن عسى يَتَوَهَّمُ تفاوُتَ الحُكْمِ بين أَنْ يُطَلِّقَها قريبة العهدِ بالنكاح، وبين أن يَبْعَدَ عهدُها بالنكاح وتتراخى بها المدةُ في حيالةِ الزوجِ ثم يُطَلِّقها. قال الشيخ واستعمل عَسَى صلةً ل من وهو لا يجوز. قلتُ: يُخَرَّجُ قولُه على ما خُرِّجَ عليه قولُ الشاعر:
وإني لَرامٍ نَظْرَةً قِبَلَ التي ** لَعَلِّي وإنْ شَطَّتْ نَواها أَزورها

وهو إضمارُ القول.
قوله: {تَعْتَدُّوْنَها} صفةٌ ل {عِدَّة} و{تَعْتَدُّونها} تَفْتَعِلُونها: إمَّا مِن العَدَدِ، وإمَّا مِن الاعتدادِ أي: تَحْتَسِبُونها أو تَسْتَوْفون عَدَدَها مِنْ قولِك: عَدَّ الدراهمَ فاعتدَّها. أي: استوفى عَدَدها نحو: كِلْتُه فاكتاله، ووَزَنْتُه فاتَّزَنَه. وقرأ ابن كثير في روايةٍ وأهلُ مكةَ بتخفيف الدال. وفيها وجهان، أحدهما: أنها من الاعتدادِ، وإنما كَرِهوا تضعيفَه فَخَفَّفوه. قاله الرازي قال: ولو كانَ من الاعتداءِ الذي هو الظلمُ لَضَعُفَ؛ لأنَّ الاعتداءَ يتعدَّى ب على. قيل: ويجوز أَنْ يكونَ من الاعتداء وحَذَفَ حرفَ الجرِّ أي: تَعتَدُون عليها أي: على العِدَّة مجازًا ثم تَعْتَدُوْنها كقوله:
تَحِنُّ فَتُبْدِيْ ما بها مِنْ صَبابةٍ ** وأُخْفي الذي لولا الأسى لقَضاني

أي: لقضى عليَّ. قال الزمخشري: وقرئ: {تَعْتَدُونها} مخففًا أي: تعتدون فيها. كقوله:
ويومٍ شَهِدْناه

البيت. والمرادُ بالاعتداءِ ما في قولِه: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ} [البقرة: 231] يعني: أنه حَذَفَ الحرفَ كما حَذَفَ في قولِه:
ويومٍ شَهِدْناه سُلَيْمى وعامِرًا ** قليلٍ سوى الطَّعْنِ النِّهالِ نوافِلُهْ

وقيل: معنى تَعْتَدُونها أي: تَعْتَدُوْن عليهنَّ فيها. وقد أنكر ابنُ عطية القراءةَ عن ابن كثير وقال: غَلِطَ ابنُ ابي بَزَّة عنه وليس كما قال. والثاني: أنها من العُدْوان والاعتداء، وقد تقدَّم شَرْحُه، واعتراضُ أبي الفضل عليه: بأنه كان ينبغي أَنْ يتعَدَّى ب على، وتقدَّم جوابُه. وقرأ الحسن {تَعْدُّونها} بسكون العين وتشديدِ الدالِ، وهو جمعٌ بين ساكنَيْن على غيرِ حَدَّيْهما.
قوله: {مِمَّآ أَفَاءَ} بيانٌ لِما مَلَكَتْ وليس هذا قَيْدًا، بل لو ملكَتْ يمينُه بالشراء كان الحكمُ كذا، وإنما خَرَجَ مَخَرَجَ الغالِب.
قوله: {وامرأةً} العامَّةُ على النصب. وفيه وجهان، أحدهما: أنها عطفٌ على مفعولِ {أَحْلَلْنا} أي: وأَحْلَلْنا لك امرأةً موصوفةً بهذين الشرطين. قال أبو البقاء: وقد رَدَّ هذا قومٌ وقالوا: {أَحْلَلْنا} ماضٍ و{إنْ وَهَبَتْ} وهو صفةُ المرأة مستقبلٌ، فأَحْلَلْنا في موضع جوابِه، وجوابُ الشرط لا يكونُ ماضيًا في المعنى قال: وهذا ليس بصحيحٍ لأنَّ معنى الإِحلالِ هاهنا الإِعلامُ بالحِلِّ إذا وقع الفعلُ على ذلك كما تقول: أَبَحْتُ لك أَنْ تُكلِّمَ فلانًا إنْ سَلَّم عليك. الثاني: أنه ينتصِبُ بمقدرٍ تقديرُه: ويُحِلُّ لك امرأةً.
قوله: {إنْ وَهَبَتْ} {إنْ أرادَ} هذا من اعتراضِ الشرط على الشرطِ، والثاني هو قيدٌ في الأولِ، ولذلك نُعْرِبه حالًا، لأنَّ الحالَ قيدٌ. ولهذا اشترط الفقهاءُ أن يتقدَّمَ الثاني على الأولِ في الوجود. فلو قال: إنْ أكلْتِ إنْ ركبْتِ فأنتِ طالقٌ فلابد أنْ يتقدَّم الركوبُ على الأكلِ. وهذا لِتَتَحَقَّقَ الحاليةُ والتقييدُ كما ذكرْتُ لك؛ إذ لو لم يتقدَّمْ لخلا جزءٌ من الأكل غيرُ مقيدٍ بركوبٍ، فلهذا اشترطُوا تقدُّمَ الثاني. وقد مضى تحقيقُ هذا، وأنَّه بشرطِ أَنْ لا تكونَ ثَمَّ قرينةٌ تمنعُ من تقدُّمِ الثاني على الأولِ. كقولك: إنْ تَزَوَّجْتُكِ إنْ طَلَّقْتُكِ فعَبْدي حُرٌّ لا يُتَصَوَّرُ هنا تقديمُ الطلاق على التزويج.