فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك} الآية.
يظهر تعارضه مع قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} الآية.
والجواب أن قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} منسوخ بقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك} وقد قدمنا في سورة البقرة أنه أحد الموضعين اللّذين في المصحف ناسخهما قبل منسوخهما لتقدمه في ترتيب المصحف مع تأخره في النزول على القول بذلك.
وقيل أن الآية الناسخة لها هي قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}.
الآية.
وقال بعض العلماء هي محكمة وعليه فالمعنى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} أي من بعد النساء التي أحلهن الله لك في قوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك} الآية.
فتكون آية: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} محرمة ما لم يدخل في آية: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك} كالكتابيات والمشركات والبدويات على القول بذلك فيهن وبنات العم والعمات وبنات الخال والخالات اللاتي لم يهاجرن معه على القول بذلك فيهن أيضًا والقول بعدم النسخ قال به أُبَيّ بن كعب ومجاهد في رواية عنه وعكرمة والضحاك في رواية وأبو رزين في رواية عنه وأبو صالح والحسن وقتادة في رواية والسدي وغيرهم كما نقله عنهم ابن كثير وغيره واختار عدم النسخ ابن جرير وأبو حيان.
والذي يظهر لنا أن القول بالنسخ أرجح وليس المرجح لذلك عندنا أنه قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم منهم علي وابن عباس وأنس وغيرهم ولكن المرجح له عندنا أنه قول أعلم الناس بالمسألة أعني أزواجه صلى الله عليه وسلم لأن حليَّة غيرهن من الضرات وعدمها لا يوجد من هو أشد اهتماما بهما منهن فهن صواحبات القصة وقد تقرر في علم الأصول أن صاحب القصة يقدم على غيره ولعل هناك تفريق بين ما إذا كان صاحب القصة راويا وبين كونه مستنبطا كقصة فاطمة بنت قيس في إسقاط النفقة والسكنى فالحجة معها والحديث يؤيدها ومع ذلك فعمر يرد قولها.
ولذلك قدم العلماء رواية ميمونة وأبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال على رواية ابن عباس المتفق عليها أنه تزوجها محرما لأن ميمونة صاحبة القصة وأبا رافع سفير فيها فإذا علمت ذلك فاعلم أن ممن قال بالنسخ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «ما مات صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء».
وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: «لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم».
أما عائشة فقد روى عنها ذلك الإمام أحمد والترمذي وصححه النسائي في سننيهما والحاكم وصححه وأبو داود في ناسخه وابن المنذر وغيرهم.
وأما أم سلمة فقد رواه عنها ابن أبي حاتم كما نقله عنه ابن كثير وغيره ويشهد لذلك ما رواه جماعة عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة وجويرية رضي الله عنهما بعد نزول {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء}.
قال الألوسي في تفسيره أن ذلك أخرجه عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.تفسير الآيات (51- 52):

قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر هاتين الصفتين، أتبعهما ما خففه عنه من أمرهن إكرامًا له صلى الله عليه وسلم مما كان من شأنه أن يتحمل فيه ويتخرج عن فعله، فقال في موضع الاستئناف، أو الحال من معنى التخفيف في الجمل السابقة: {ترجي} بالهمز على قراءة الجماعة أي تؤخر {من تشاء منهن} أي من الواهبات فلا تقبل هبتها أو من نسائك بالطلاق أو غيره مع ما يؤنسها من أن تئويها، وبغير همز عند حمزة والكسائي وحفص من الرجاء أي تؤخرها مع أفعال يكون بها راجية لعطفك {وتؤي} أي تضم وتقرب بقبول الهبة أو بالإبقاء في العصمة بقسم وبغير قسم بجماع وبغير جماع تخصيصًا له بذلك عن سائر الرجال {إليك من تشاء} وسيب نزول هذه الآية أنه لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقهن فقلن: يا نبي الله! اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت.
ودعنا على حالنا، فنزلت.
ولما كانت ربما مال إلى من فارقها، بين تعالى حكمها فقال: {ومن ابتغيت} أي مالت نفسك إلى طلبها {ممن عزلت} أي أوقعت عزلها بطلاق أو رد هبة {فلا جناح عليك} أي في إيوائها بعد ذلك بقبول هبتها أو بردها إلى ما كانت عليه من المنزلة عندك من قيد النكاح أو القسم.
ولما كانت المفارقة من حيث هي- ولاسيما إن كان فراقها لما فهم منها من كراهية يظن بها- أنها تكره الرجعة، أخبر سبحانه أن نساءه صلى الله عليه وسلم على غير ذلك فقال: {ذلك} أي الإذن لك من الله والإيواء العظيم الرتبة، لما لك من الشرف {أدنى} أي أقرب من الإرجاء ومن عدم التصريح بالإذن في القرآن المعجز، إلى {أن تقر أعينهن} أي بما حصل لهن من عشرتك الكريمة، وهو كناية عن السرور والطمأنينة ببلوغ المراد، لأن من كان كذلك كانت عينه قارة، ومن كان مهمومًا كانت عينه كثيرة التقلب لما يخشاه- هذا إن كان من القرار بمعنى السكون، ويجوز أن يكون من القر الذي هو ضد الحر، لأن المسرور تكون عينه باردة، والمهموم تكون عينه حارة، فلذلك يقال للصديق: أقر الله عينك، وللعدو: أسخن الله عينك {ولا يحزن} أي بالفراق وغيره مما يحزن من ذلك {ويرضين} لعلمهن أن ذلك من الله لما للكلام من الإعجاز {بما آتيتهن} أي من الأجور وغيرها من نفقة وقسم وإيثار وغيرها.
ولما كان التأكيد أوقع في النفس وأنفى للبس، وكان هذا أمرًا غريبًا لبعده عن الطباع أكد فقال: {كلهن} أي ليس منهن واحدة إلا هي كذلك راغبة فيك راضية بصحبتك إن آويتها أو أرجأتها لما لك من حسن العشرة وكرم الأخلاق ومحاسن الشمائل وجميل الصحبة، وإن اخترت فراقها علمت أن هذا أمر من الله جازم، فكان ذلك أقل لحزنها فهو أقرب إلى قرار عينها بهذا الاعتبار، وزاد ذلك تأكيدًا لما له من الغرابة التي لا تكاد تصدق بقوله عطفًا على نحو: {فالله يعلم ما في قلوبهم} {والله} أي بما له من الإحاطة بصفات الكمال {يعلم} أي علمًا مستمرًا لتعلق {ما في قلوبكم} أي أيها الخلائق كلكم، فلابد إن علم ما في قلوب هؤلاء.
ولما رغبه سبحانه في الإحسان إليهن بإدامة الصحبة بما أخبره من ودهن ذلك، لكونه صلى الله عليه وسلم شديد المحبة لإدخال السرور على القلوب، زاده ترغيبا بقوله: {وكان الله} أي أزلًا وأبدًا {عليمًا} أي بكل شيء ممن يطيعه ومن يعصيه {حليمًا} لا يعاجل من عصاه، يل يديم إحسانه إليه في الدنيا فيجب أن يتقي لعلمه وحلمه، فعلمه موجب للخوف منه، وحلمه مقتض للاستحياء منه، وأخذ الحليم شديد، فينبغي لعبده المحب له أن يحلم عمن يعلم تقصيره في حقه، فإنه سبحانه يأجره على ذلك بأن يحلم عنه فيما علمه منه، وأن يرفع قدره ويعلي ذكره، روى البخاري في التفسير عن معاذة عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية: {ترجي من تشاء منهن} الآية، قلت لها: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذاك إليّ فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحدًا.
ولما أمره بما يشق من تغير العوائد في أمر العدة، ثم بما قد يشق عليه صلى الله عليه وسلم من تخصيصه بما ذكر خشية من طعن بعض من لم يرسخ إيمانه، وختم بما يسر أزواجه، وصل به ما يزيد سرورهن من تحريم غيرهن عليه شكرًا لهن على إعراضهن عن الدنيا واختيارهن الله ورسوله فقال: {لا يحل لك النساء} ولما كان تعالى شديد العناية به صلى الله عليه وسلم لوّح له في آية التحريم إلى أنه ينسخه عنه، فأثبت الجار فقال: {من بعد} أي من بعد من معك من هؤلاء التسع- كما قال ابن عباس- رضى الله عنهما- في رواية عنه، شكرًا من الله لهن لكونهن لما نزلت آية التخيير اخترن الله ورسوله، فتكون الآية منسوخة بمت تقدم عليها في النظم وتأخر عنها في الإنزال من آية: {إنا أحللنا لك أزواجك} وفي رواية أخرى من بعد {اللاتي أحللنا لك} بالصفة المتقدمة من بنات العم وما معهن، ويؤيدها ما تقدمت روايته عن أم هانئ رضى الله عنه ا.
ولما كان ربما فهم أن المراد الحصر في عدد التسع، لا بقيد المعينات، قال: {ولا أن تبدل بهن} أي هؤلاء التسع، وأعرق في النفي بقوله: {من} أي شيئًا من {أزواج} أي بأن تطلق بعض هؤلاء المعينات وتأخذ بدلها من غيرهن بعقد النكاح بحيث لا يزيد العدد على تسع، فعلم بهذا أن الممنوع منه نكاح غيرهن مع طلاق واحدة منهن أولًا، وهو يؤيد الرواية الأولى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- لأن المتبدل بها لا تكون إلا معلومة العين، والجواب عن قول أم هانئ رضى الله عنها أنه فهم منها، لا رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عند موت واحدة منهن فلا حرج في نكاح واحدة بدلها.
ولما علم من هذا المنع من كل زوجة بأيّ صفة كانت، أكد معنى وحققه، وصرح به في قوله حالًا من فاعل تبدل: {ولو أعجبك حسنهن} أي النساء المغايرات لمن معك، وفي هذا إباحة النظر إلى من يراد نكاحها لأن النظرة الأولى لا تكاد تثبت ما عليه المرئي من حاق الوصف؛ ولما كان لفظ النساء شاملًا للأزواج والإماء، بين أن المراد الأزواج فقط بقوله: {إلا ما ملكت يمينك} أي فيحل لك منهن ما شئت، وقد ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة رضى الله عنها من سبي بني قريظة، واستمرت في ملكه مدة لا يقربها حتى أسلمت، ثم ملك بعد عام الحديبية مارية رضى الله عنها أو ولده إبراهيم عليه السلام.
ولما تقدم سبحانه في هذه الآيات فأمر ونهى وحد حدودًا، حذر من التهاون بشيء منها ولو بنوع تأويل فقال: {وكان الله} أي الذي لا شيء أعظم منه، وهو المحيط بجميع صفات الكمال {على كل شيء رقيبًا} أي يفعل فعل المراعي لما يتوقع منه من خلل على أقرب قرب منه بحيث لا يفوت مع رعايته فائت من أمر المرعى، ولا يكون الرقيب إلا قريبًا، ولا أقرب من قرب الحق سبحانه، فلا أرعى من رقبته، وهو من أشد الأسماء وعيدًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{تُرْجِى مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ}.
لما بين أنه أحل له ما ذكرنا من الأزواج بين أنه أحل له وجوه المعاشرة بهن حتى يجتمع كيف يشاء ولا يجب عليه القسم، وذلك لأن النبي عليه السلام بالنسبة إلى أمته نسبة السيد المطاع والرجل وإن لم يكن نبيًا فالزوجة في ملك نكاحه والنكاح عليها رق، فكيف زوجات النبي عليه السلام بالنسبة إليه، فإذن هن كالمملوكات له ولا يجب القسم بين المملوكات، والإرجاء التأخير والإيواء الضم {وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ} يعني إذا طلبت من كنت تركتها فلا جناح عليك في شيء من ذلك ومن قال بأن القسم كان واجبًا مع أنه ضعيف بالنسبة إلى المفهوم من الآية قال المراد: {تُرْجِى مَن تَشَاء} أي تؤخرهن إذا شئت إذ لا يجب القسم في الأول وللزوج أن لا ينام عند أحد منهن، وإن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك فابدأ بمن شئت وتمم الدور والأول أقوى.
ثم قال تعالى: {ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا ءاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ}.
يعني إذا لم يجب عليك القسم وأنت لا تترك القسم {تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} لتسويتك بينهن {ولا يحزن} بخلاف ما لو وجب عليك ذلك، فليلة تكون عند إحداهن تقول ما جاءني لهوى قلبه إنما جاءني لأمر الله وإيجابه عليه {وَيَرْضَيْنَ بِمَا ءاتَيْتَهُنَّ} من الإرجاء والإيواء إذ ليس لهن عليك شيء حتى لا يرضين.
ثم قال تعالى: {والله يَعْلَمُ مَا في قلُوبِكُمْ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَلِيمًا}.
أي إن أضمرن خلاف ما أظهرن فالله يعلم ضمائر القلوب فإنه عليم، فإن لم يعاتبهن في الحال فلا يغتررن فإنه حليم لا يعجل.
{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ}.
لما لم يوجب الله على نبيه القسم وأمره بتخييرهن فاخترن الله ورسوله ذكر لهن ما جازاهن به من تحريم غيرهن على النبي عليه السلام ومنعه من طلاقهن بقوله: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ} قال المفسرون من بعدهن والأولى أن يقال لا يحل لك النساء من بعد اختيارهن الله ورسوله ورضاهن بما يؤتيهن من الوصل والهجران والنقص والحرمان.
المسألة الثانية:
قوله: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ} يفيد حرمة طلاقهن إذ لو كان جائزًا لجاز أن يطلق الكل، وبعدهن إما أن يتزوج بغيرهن أولا يتزوج فإن لم يتزوج يدخل في زمرة العزاب والنكاح فضيلة لا يتركها النبي، وكيف وهو يقول: «النكاح سنتي» وإن تزوج بغيرهن يكون قد تبدل بهن وهو ممنوع من التبدل.
المسألة الثالثة:
من المفسرين من قال بأن الآية ليس فيها تحريم غيرهن ولا المنع من طلاقهن بل المعنى أن لا يحل لك النساء غير اللاتي ذكرنا لك من المؤمنات المهاجرات من بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك، وأما غيرهن من الكتابيات فلا يحل لك التزوج بهن وقوله: {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ} منع من شغل الجاهلية فإنهم كانوا يبادلون زوجة بزوجة فينزل أحدهم عن زوجته وبأخذ زوجة صديقه ويعطيه زوجته، وعلى التفسيرين وقع خلاف في مسألتين إحداهما: حرمة طلاق زوجاته والثانية: حرمة تزوجه بالكتابيات فمن فسر على الأول حرم الطلاق ومن فسر على الثاني حرم التزوج بالكتابيات.
المسألة الرابعة:
قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} أي حسن النساء قال الزمخشري قوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ} في معنى الحال، ولا يجوز أن يكون ذو الحال قوله: {مِنْ أَزْوَاجٍ} لغاية التنكير فيه ولكون ذي الحال لا يحسن أن يكون نكرة فإذن هو النبي عليه السلام، يعني لا يحل لك النساء ولا أن تبدل بهن من أزواج وأنت معجب بحسنهن.
المسألة الخامسة:
ظاهر هذا ناسخ لما كان قد ثبت له عليه السلام من أنه إذا رأى واحدة فوقعت في قلبه موقعًا كانت تحرم على الزوج ويجب عليه طلاقها، وهذه المسألة حكمية وهي أن النبي عليه السلام وسائر الأنبياء في أول النبوة تشتد عليهم برحاء الوحي ثم يستأنسون به فينزل عليهم وهم يتحدثون مع أصحابهم لا يمنعهم من ذلك مانع، ففي أول الأمر أحل الله من وقع في قلبه تفريغًا لقلبه وتوسيعًا لصدره لئلا يكون مشغول القلب بغير الله، ثم لما استأنس بالوحي وبمن على لسانه الوحي نسخ ذلك، إما لقوته عليه السلام للجمع بين الأمرين، وإما أنه بدوام الإنزال لم يبق له مألوف من أمور الدنيا، فلم يبق له التفات إلى غير الله، فلم يبق له حاجة إلى إحلال التزوج بمن وقع بصره عليها.
المسألة السادسة:
اختلف العلماء في أن تحريم النساء عليه هل نسخ أم لا؟ فقال الشافعي نسخ وقد قالت عائشة ما مات النبي إلا وأحل له النساء، وعلى هذا فالناسخ قوله تعالى: {يا أيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك} [الأحزاب: 50] إلى أن قال: {وَبَنَاتِ عَمّكَ} وقال: {وامرأة مُّؤْمِنَةً} على قول من يقول لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد إذ الناسخ غير متواتر إن كان خبرًا.
ثم قال تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} لم يحرم عليه المملوكات لأن الإيذاء لا يحصل بالمملوكة، ولهذا لم يجز للرجل أن يجمع بين ضرتين في بيت لحصول التسوية بينهما وإمكان المخاصمة، ويجوز أن يجمع الزوجة وجمعًا من المملوكات لعدم التساوي بينهن ولهذا لا قسم لهن على أحد.
ثم قال تعالى: {وَكَانَ الله على كُلّ شيء رَّقِيبًا} أي حافظًا عالمًا بكل شيء قادرًا عليه، لأن الحفظ لا يحصل إلا بهما. اهـ.