فصل: حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم:

إن الحكمة من تعدد زوجات الرسول كثيرة ومتشعبة، ويمكننا أن نجملها فيما يلي:
أولا: الحكمة التعليمية.
ثانيا: الحكمة التشريعية.
ثالثا: الحكمة الاجتماعية.
رابعا: الحكمة السياسة.
ولنتحدث باختصار عن كل من هذه الحكم الأربع، ثم نعقبها بالحديث عن أمهات المؤمنين الطاهرات، وحكمة الزواج بكل واحدة منهن استقلالا فنقول ومن الله نستمد العون.
أولا: الحكمة التعليمية:
لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم هي تخريج بضع معلمات للنساء، يعلمنهن الأحكام الشرعية، فالنساء نصيف المجتمع، وقد فرض عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال.
وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن، كأحكام الحيض، والنفاس، والجنابة، والأمور الزوجية، وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل.
كما كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الحياء الكامل، وكان- كما تروي كتب السنة- أشد حياء من العذراء في خدرها، فما كان عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يجيب عن كل سؤال يعرض المرأة عن طريق الكناية مراده عليه السلام.
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار، سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فعلمها صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل، ثم قال لها: خذي فرصة ممسكة أي قطعة من القطن بها أثر الطيب فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ فقال لها: سبحان الله تطهري بها!.
قالت السيدة عائشة: فاجتذبتها من يدها، فقلت: ضعيها في مكان كذا وكذا، وتتبعي بها أثر الدم، وصرحت لها بالمكان الذي تضعها فيه.
فكان صلوات الله عليه يستحيي من مثل هذا التصريح، وهكذا كان القليل أيضا من النساء من تستيطع أن تتغلب على نفسها، وعلى حيائها، فتجاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عما يقع لها.
نأخذ مثلا لذلك حديث أم سلمة المروي في الصحيحين وفيه تقول: جاءت أم سليم زوج أبي طلحة إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم إذا رأت الماء» فقالت أم سلمة: لقد فضحت النساء، ويحك أو تحتلم المرأة؟ فأجابها النبي الكريم بقوله: إذا فبم يشببها الولد؟
مراده عليه السلام أن الجنين يتولد من ماء الرجل، وماء المرأة، ولهذا يأتي له شبه بأمه، وهذا كما قال الله تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} [الإنسان: 2].
قال ابن كثير رحمه الله: أمشاج: أي أخلاط. والمشج والمشيج الشيء المختلط بعضه في بعض، قال ابن عباس: يعني ماء الرجل، وماء المرأة، إذا اجتمعا واختلطا....
وهكذا مثل هذه الأسئلة المحرجة، كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاته الطاهرات. ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار، ما منعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
وكانت المرأة منهن تأتي إلى السيدة عائشة في الظلام لتسألها عن بعض أمور الدين، وعن أحكام الحيض والنفاس والجنابة وغيرها من الأحكام، فكان نساء الرسول خير معلمات وموجهات لهن، وعن طريقهن تفقه النساء في دين الله.
ثم إنه من المعلوم أن السنة المطهرة ليست قاصرة على قول النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل هي تشمل قوله.
وفعله، وتقريره، وكل هذا من التشريع الذي يجب على الأمة اتباعه، فمن ينقل لنا أخباره وأفعاله عليه السلام في المنزل غير هؤلاء النسوة اللواتي أكرمهن الله فكن أمهات للمؤمنين، وزوجات لرسوله الكريم في الدنيا والآخرة؟!.
لا شك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره، وأفعاله المنزلية عليه السلام أفضل الصلاة والتسليم.
ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات نقلن هدية عليه السلام. واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.
ونتحدث الآن عن الحكمة التشريعية التي هي جزء من حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذه الحكمة ظاهرة تدرك بكل بساطة، وهي أنها كانت من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، ونضرب لذلك مثلا بدعة التبني التي كا ن يفعلها العرب قبل الإسلام، فقد كانت دينا متوارثا عندهم، يتبنى أحدهم ولدا ليس من صلبه، ويجعله في حكم الولد الصلبي، ويتخذه ابنا حقيقيا له حكم الأبناء من النسب، في جميع الأحوال: في الميراث، والطلاق، والزواج، ومحرمات المصاهرة، ومحرمات النكاح، إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه وكان دينا تقليديا متبعا في الجاهلية.
كان الواحد منهم يتبنى ولد غيره فيقول له: أنت ابني، أرثك وترثني وما كان الإسلام ليقرهم على باطل، ولا ليتركهم يتخبطون في ظلمات الجهالة، فمهد لذلك بأن ألهم رسوله عليه السلام أن يتبنى أحد الأبناء- وكان ذلك قبل البعثة النبوية- فتبنى النبي الكريم زيد بن حارثة وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم زيد بن محمد.
روى البخاري ومسلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن {ادعوهم لآبآئهم هو أقسط عند الله} [الأحزاب: 5] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت زيد بن حارثه بن شراحبيل.
وقد زوجه عليه السلام بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية وقد عاشت معه مدة من الزمن، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما، فكانت تغلظ له القول، وترى أنها أشرف منه، لأنه كان عبدا مملوكا قبل أن يتبناه الرسول، وهي ذات حسب ونسب.
ولحكمة: يريدها الله تعالى طلق زيد زينب، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل بدعة التبني ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها. ولكنه عليه السلام كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار، أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، فكان يتباطأ حتى نزل العتاب الشديد لرسول الله عليه السلام، وفي قوله جل وعلا:
{وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا} [الأحزاب: 37].
وهكذا انتهى حكم التبني، وبطلت تلك العادات التي كانت متبعة في الجاهلية. وكانت دينا تقليديا لا محيد عنه، ونزل قوله تعالى مؤكدا هذا التشريع الإلهي الجديد: {ما كان محمد أبآ أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما} [الأحزاب: 40].
وقد كان هذا الزواج بأمر من الله تعالى، ولم يكن بدافع الهوى والشهوة كما يقول بعض الأفاكين المرجفين من اعداء الله، وكان لغرض نبيل، وغاية شريفة هي إبطال عادات الجاهلية، وقد صرح الله عز وجل بغرض هذا الزواج بقوله: {لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا} [الأحزاب: 37].
وقد تولى الله عز وجل تزويج نبيه الكريم بزينب، امرأة ولده من التبني ولهذا كانت تفخر على نساء النبي بهذا الزواج الذي قضى به رب العزة من فوق سبع سماواته.
روى البخاري: يسنده أن زينب رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سموات.
وهكذا كان هذا الزواج للتشريع، وكان بأمر الحكيم العليم، فسبحان من دقت حكمته أن تحيط بها العقول والأفهام وصدق الله: {ومآ أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85].
ثالثا: الحكمة الاجتماعية:
أما الحكمة الثالثة فهي الحكمة الاجتماعية وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بابنة الصديق الأكبر أبي بكر رضي الله عنه وزيره الأول، ثم بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه، ثم باتصاله عليه السلام بقريش اتصال مصاهرة ونسب. وتزوجه العديد منهن، مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله، وتلتقي حول دعوته في إيمان، وإكبار، وإجلال.
لقد تزوج النبي صلوات الله عليه بالسيدة عائشة بنت أحب الناس إليه، وأعظمهم قدرا لديه، ألاوهو أبو بكر الصديق، الذي كان أسبق الناس إلى الإسلام، وقدم نفسه وروحه وماله، في سبيل نصرة دين الله، والذود عن رسوله، وتحمل ضروب الأذى في سبيل الإسلام، حتى قال عليه السلام- كما في الترمذي- مشيدا بفضل أبي بكر:
ما لأحد عندنا يد وقد كافيناه بها، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر. وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة أي تردد وتلكؤ إلا أبا بكر فإنه لم يتعلثم، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، أإلا وإن صاحبكم خليل الله تعالى.
فلم يجد الرسول صلى الله عله وسلم مكافأة لأبي بكر في ادلنيا، أعظم من أن يقر عينه بهذا الزواج بابنته، ويصبح بينهما مصاهرة وقرابة، تزيد في صداقتهما وترابطهما الوثيق.
كما تزوج صلوات الله عليه بالسيدة حفصة بنت عمر فكان ذلك قرة عين لأبيها عمر على إسلامه، وصدقه، وإخلاصه، وتفانيه في سبيل هذا الدين، وعمر هو بطل الإسلام، الذي أعز الله به الإسلام والمسلمين، ورفع به منار الدين، فكان اتصاله عليه السلام به عن طريق المصاهرة، خير مكافأة له على ما قدم في سبيل الإسلام، وقد ساوى صلى الله عليه وسلم بينه وبين وزيره الأول أبي بكر في تشريفه بهذه المصاهرة، فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرف لهما، بل أعظم مكافأة ومنة، ولم يكن بالإمكان أن يكافئهما في هذه الحياة بشرف أعلى من هذا الشرف، فما أجل سياسته؟ وما أعظم وفاءه للأوفياء المخلصين!.
كما يقابل ذلك اكرامه لعثمان وعلي رضي الله عنهما بتزويجهما ببناته، وهؤلاء الأربع هم أعظم أصحابه، وخلفاؤه من بعده في نشر ملته، وإقامة دعوته، فما أجلها من حكمة، وما أكرمها من نظرة؟
رابعا: الحكمة السياسية:
لقد تزود النبي صلى الله عليه وسلم ببعض النسوة، من أجل تأليف القلوب عليه، وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة، أو عشيرة، يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته، ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضح لنا الحكمة، التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج.
أولا: تتزوج صلوات الله عليه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، وكانت قد أسرت مع قومها وعشيرتها، ثم بعد أن وقعت تحت الأسر أرادت أن تفتدي نفسها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه بشيء من المال، فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك فتزوجها، فقال المسلمون: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أيدينا؟ أي أنهم في الأسر فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم، فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو، وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعا، ودخلوا في دين الله، وأصبحوا من المؤمنين.
فكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها بركة عليها وعلى قومها وعشيرتها، لأنه كان سببا لإسلامهم وعتقهم، وكانت جويرية أيمن امرأة على قومها.
أخرج البخاري في صحيحه: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق، فأخرج الخمس منه ثم قسمه بين الناس، فأعطى الفرس سهمين، والرجل سهما، فوقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، فجاءت إلى الرسول فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من الأمر ما قد علمت، وقد كاتبني ثابت على تسع أواق، فأعني على فكاكي، فقال عليه السلام: أو خير من ذلك؟ فقالت: ما هو؟ فقال: أودي عنك كتابتاك وأتزوجك. فقالت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله قد فعلت.