فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِنَّ الله وملائكته يصلُّون على النبيّ}.
في صلاة الله وصلاة الملائكة أقوال قد تقدَّمت في هذه السورة [الأحزاب: 43].
قوله تعالى: {صلُّوا عليه} قال كَعْب بن عُجْرَة: قلنا: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على آل إِبراهيم، إِنَّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إِبراهيم، إِنك حميد مجيد»، أخرجه البخاري ومسلم.
ومعنى قوله: قد علمنا التسليم عليك: ما يقال في التشهد: «السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته».
وذهب ابن السائب إِلى أن معنى التسليم: سلِّموا لِمَا يأمركم به.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين يؤذون الله ورسوله} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: في الذين طعنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفيَّة بنتُ حيَيّ، قاله ابن عباس.
والثاني: نزلت في المصوِّرين، قاله عكرمة.
والثالث: في المشركين واليهود والنصارى، وصفوا الله بالولد وكذَّبوا رسوله وشجُّوا وجهه وكسروا رَباعيَته وقالوا: مجنون شاعر ساحر كذَّاب.
ومعنى أذى الله: وصفُه بما هو منزَّه عنه، وعصيانُه؛ ولعنُهم في الدنيا: بالقتل والجلاء، وفي الآخرة: بالنار.
قوله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها: أن عمر بن الخطاب رأى جارية متبرِّجة فضربها وكفَّ ما رأى من زينتها، فذهبت إِلى أهلها تشكو، فخرجوا إِليه فآذَوْه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في الزُّناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إِذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرَون المرأة فيدنون منها فيغمزونها؛ وإِنما كانوا يؤذون الإِماء، غير أنه لم تكن الأَمَة تُعرَف من الحرة، فشكون ذلك إِلى أزواجهنّ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
والثالث: أنها نزلت فيمن تكلَّم في عائشة وصفوان بن المعطِّل بالإِفك، قاله الضحاك.
والرابع: أن ناسًا من المنافقين آذَوا عليّ بن أبي طالب، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
قال المفسرون: ومعنى الآية: يرمونهم بما ليس فيهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} فيه خمس مسائل:
الأولى: اختلف العلماء في أذِيّة الله بماذا تكون؟ فقال الجمهور من العلماء: معناه بالكفر ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه، ووصفه بما لا يليق به؛ كقول اليهود لعنهم الله: وقالت اليهود يد الله مغلولة.
والنصارى: المسيح ابن الله.
والمشركون: الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه.
وفي صحيح البخاريّ قال الله تعالى: «كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك» الحديث.
وقد تقدّم في سورة مريم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال الله تبارك وتعالى: «يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلّب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما» هكذا جاء هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة في هذه الرواية.
وقد جاء مرفوعًا عنه: «يؤذيني ابن آدم يَسُبّ الدهر وأنا الدهر أقلّب الليل والنهار» أخرجه أيضًا مسلم.
وقال عكرمة: معناه بالتصوير والتعرّض لفعل ما لا يفعله إلا الله بنحت الصور وغيرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المصوّرين» قلت: وهذا مما يقوّي قول مجاهد في المنع من تصوير الشجر وغيرها؛ إذ كل ذلك صفة اختراع وتشبّه بفعل الله الذي انفرد به سبحانه وتعالى.
وقد تقدّم هذا في سورة النمل والحمد لله.
وقالت فرقة: ذلك على حذف مضاف، تقديره: يؤذون أولياء الله.
وأما أذِيّة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي كل ما يؤذيه من الأقوال في غير معنًى واحد، ومن الأفعال أيضًا.
أما قولهم: فساحر شاعر كاهن مجنون، وأما فعلهم: فكسر رباعِيته وشج وجهه يوم أُحُد، وبمكة إلقاء السَّلَى على ظهره وهو ساجد إلى غير ذلك.
وقال ابن عباس: نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حُيَيّ.
وأطلق إيذاء الله ورسوله وقيّد إيذاء المؤمنين والمؤمنات، لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق أبدًا.
وأما إيذاء المؤمنين والمؤمنات فمنه.
الثانية: قال علماؤنا: والطعن في تأمير أسامة بن زيد أذيّةٌ له عليه السلام.
روى الصحيح عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا وأمّر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمرته؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبلُ وايْمُ الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لَمِن أحب الناس إليّ وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده» وهذا البعث والله أعلم هو الذي جهّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسامة وأمّره عليهم وأمَره أن يَغْزُوَ أُبْنَى وهي القرية التي عند مُؤْتَة، الموضع الذي قُتل فيه زيد أبوه مع جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رَوَاحة.
فأمره أن يأخذ بثأر أبيه فطعن مَن في قلبه ريب في إمْرته؛ من حيث إنه كان من الموالي، ومن حيث إنه كان صغير السنّ؛ لأنه كان إذ ذاك ابن ثمان عشرة سنة؛ فمات النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد برز هذا البعث عن المدينة ولم ينفصل بعدُ عنها؛ فنفذه أبو بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: في هذا الحديث أوضح دليل على جواز إمامة المولى والمفضول على غيرهما ما عدا الإمامة الكبرى.
وقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم سالمًا مولى أبي حُذيفة على الصلاة بقُبَاء، فكان يؤمّهم وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش.
وروى الصحيح عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعُسْفان، وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على هذا الوادي؟ قال: ابن أبزى.
قال: ومَن ابن أبْزَى؟ قال: مَوْلى من موالينا.
قال: فاستخلفت عليهم مَوْلًى! قال: إنه لقارىء لكتاب الله وإنه لعالم بالفرائض قال أما إن نبيكم قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين».
الرابعة: كان أسامة رضي الله عنه الحبَّ ابن الحِبِّ وبذلك كان يُدْعَى، وكان أسودَ شديدَ السواد، وكان زيد أبوه أبيض من القطن.
هكذا ذكره أبو داود عن أحمد بن صالح.
وقال غير أحمد: كان زيد أزهر اللون وكان أسامة شديدَ الأُدْمَة.
ويروى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: كان يُحسّن أسامة هو صغير ويمسح مخاطه، وينقّي أنفه ويقول: «لو كان أسامة جارية لزيّناه وجهزناه وحبَّبناه إلى الأزواج» وقد ذكر أن سبب ارتداد العرب بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه لما كان عليه السلام في حجّة الوداع بجبل عرفة عشيّة عرفة عند النَّفْر، احتبس النبيّ صلى الله عليه وسلم قليلًا بسبب أسامة إلى أن أتاه؛ فقالوا: ما احتبس إلا لأجل هذا! تحقيرًا له.
فكان قولهم هذا سبب ارتدادهم.
ذكره البخاريّ في التاريخ بمعناه.
والله أعلم.
الخامسة: كان عمر رضي الله عنه يفرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف، ولابنه عبد الله ألفين؛ فقال له عبد الله: فضّلت عليّ أسامة وقد شهدتُ ما لم يشهد! فقال: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك؛ ففضل رضي الله عنه محبوبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبوبه.
وهكذا يجب أن يُحَبّ ما أحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُبْغَض مَن أبغض.
وقد قابل مَرْوان هذا الحبّ بنقيضه؛ وذلك أنه مرّ بأسامة بن زيد وهو يصلي عند باب بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له مَرْوان: إنما أردت أن نرى مكانك، فقد رأينا مكانك، فعل الله بك! وقال قولًا قبيحًا.
فقال له أسامة: إنك آذيتني، وإنك فاحش متفحش، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش»، فانظر ما بين الفعلين وقس ما بين الرجلين، فقد آذى بنو أمية النبيّ صلى الله عليه وسلم في أحبابه، وناقضوه في محابّه.
قوله تعالى: {لَعَنَهُمُ الله} معناه أُبعِدوا من كل خيْر.
واللعن في اللغة: الإبعاد، ومنه اللعان.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} تقدّم معناه في غير موضع.
والحمد لله رب العالمين.
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}.
أَذيّة المؤمنين والمؤمنات هي أيضًا بالأفعال والأقوال القبيحة، كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلق.
وهذه الآية نظيرُ الآية التي في النساء: {وَمَن يَكْسِبْ خطيائة أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احتمل بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [النساء: 112] كما قال هنا.
وقد قيل: إن من الأذيّة تعييره بحسب مذموم، أو حرفة مذمومة، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه، لأن أذاه في الجملة حرام.
وقد ميّز الله تعالى بين أذاه وأذى الرسول وأذى المؤمنين فجعل الأوّل كفرًا والثاني كبيرة، فقال في أذى المؤمنين: {فَقَدِ احتملوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} وقد بيّناه.
وروي أن عمر بن الخطاب قال لأبيّ بن كعب: قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} الآية، والله إني لأضربهم وأنهرهم.
فقال له أُبَيّ: يا أمير المؤمنين، لستَ منهم، إنما أنت معلم ومقوّم.
وقد قيل: إن سبب نزول هذه الآية أن عمر رأى جارية من الأنصار فضربها وكره ما رأى من زينتها، فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان؛ فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: نزلت في عليّ، فإن المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه.
رضي الله عنه. اهـ.

.قال ابن كثير:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}.
قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون: يبرِّكون. هكذا علقه البخاري عنهما.
وقد رواه أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية كذلك. وروي مثله عن الربيع أيضا. وروى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس كما قاله سواء، رواهما ابن أبي حاتم.
وقال أبو عيسى الترمذي: وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار.
ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو الأوْديّ، حدثنا وَكِيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، قال الأعمش عن عطاء بن أبي رباح {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قال: صلاته تبارك وتعالى: سُبّوح قدوس، سبقت رحمتي غضبي.