فصل: قال ابن عجيبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يا نبي الله السلام عليك ** إنما الفوز والفلاح لديك

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ}.
يقال: أذى يؤذي أذى وأذية وإذاية ولا يقال إيذاء كما في القاموس شاع بين أِل التصنيف استعماله كما في التنبيه لابن كمال.
ثم إن حقيقة التأذي في حقه تعالى محال فالمعنى يفعلون ما يكرهه ويرتكبون ما لا يرضاه بترك الإيمان به ومخالفة أمره ومتابعة هواهم ونسبة الولد والشريك إليه والإلحاد في أسمائه وصفاته ونفي قدرته على الإعادة وسب الدهر ونحت التصاوير تشبيهًا بخلق الله تعالى ونحو ذلك {وَرَسُولُهُ} بقولهم: شاعر ساحر كاهن مجنون وطعنهم في نكاح صفية الهارونية وهو الأذى القولي وكسر رباعيته وشج وجهه الكريم يوم أحد ورمي التراب عليه ووضع القاذورات على ظهر النبوة.
......................
ونحو ذلك من الأذى الفعلي ويجوز أن يكون المراد بإيذاء الله ورسوله ايذاء رسول الله خاصة بطريق الحقيقة وذكر الله لتعظيمه والإيذان بجلالة مقداره عنده وأن إيذاءه عليه السلام إيذاء له تعالى لأنه لما قال: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء: 80) فمن آذى رسوله فقد آذى الله.
قال الإمام السهيلي رحمه الله ليس لنا أن نقول أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم في النار لقوله عليه السلام: «لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات» والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية يعني يدخل التعامل المذكور في اللعنة الآتية ولا يجوز القول في الأنبياء عليهم السلام بشيء يؤدي إلى العيب والنقصان ولا فيما يتعلق بهم.
وعن أبي سهلة بن جلاد رضي الله عنه أن رجلًا أم قومًا فبصق في القبلة ورسول الله ينظر إليه فقال عليه السلام حين فرغ: «لا يصل لكم هذا» فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله فذكر ذلك لرسول الله فقال: «نعم» وحسبت أنه قال: إنك آذيت الله ورسوله كما في الترغيب للإمام المنذري.
قال العلماء: إذا كان الإمام يرتكب المكروهات في الصلاة كره الاقتداء به لحديث أبي سهلة هذا وينبغي للناظر وولي الأمر عزله لأنه عليه السلام عزله بسبب بصاقه في قبلة المسجد وكذلك تكره الصلاة بالموسوس لأنه يشك في أفعال نفسه كما في فتح القريب.
وإنما يكره للإمام أن يؤم قومًا وهم له كارهون بسبب خصلة توجب الكراهة أو لأن فيهم من هو أولى منه وأما إن كانت كراهتهم بغير سبب يقتضيها فلا تكره إمامته لأنها كراهة غير مشروعة فلا تعتبر.
ومن الأذية أن لا يذكر اسمه الشريف بالتعظيم والصلاة والتسليم.
{لَّعَنَهُمُ اللَّهُ} طردهم وأبعدهم من رحمته {فِى الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ} بحيث لا يكادون ينالون فيهما شيئًا منهم {وَأَعَدَّ لَهُمْ} مع ذلك {عَذَابًا مُّهِينًا} يصيبهم في الآخرة خاصة أي: نوعًا من العذاب يهانون فيه فيذهب بعزهم وكبرهم.
قال في التأويلات لما استحق المؤمنون بطاعة الرسول والصلاة عليه صلاة الله فكذلك الكافرون استحقوا بمخالفة الرسول وإيذائه لعنة الله فلعنة الدنيا هي الطرد عن الحضرة والحرمان من الإيمان ولعنة الآخرة الخلود في النيران والحرمان من الجنان وهذا حقيقة قوله: {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}.
قال في فتح الرحمن: يحرم أذى النبي عليه السلام بالقول والفعل بالاتفاق.
واختلفوا في حكم من سبه والعياذ بالله من المسلمين.
فقال أبو حنيفة والشافعي هو كفر كالردة يقتل ما لم يتب وقال مالك وأحمد يقتل ولا تقبل توبته لأن قتله من جهة الحد لا من جهة الكفر.
وأما الكافر إذا سبه صريحًا بغير ما كفر به من تكذيبه ونحوه.
فقال أبو حنيفة: لا يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم ولكن يؤدب ويعزر.
وقال الشافعي: ينتقض عهده فيخير فيه الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء ولا يرد مأمنه لأنه كافر لا أمان له ولو لم يشترط عليه الكف عن ذلك بخلاف ما إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به كتكذيب ونحوه فإنه لا ينتقض عهده بذلك إلا باشتراط.
وقال مالك وأحمد: يقتل ما لم يسلم واختار جماعة من أئمة مذهب أحمد أن سابه عليه السلام يقتل بكل حال منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية وقال: هو الصحيح من المذهب وحكم من سب سائر أنبياء الله وملائكته حكم من سب نبينا عليه السلام.
وأما من سب الله تعالى والعياذ بالله من المسلمين بغير الارتداد عن الإسلام ومن الكفار بغير ما كفروا به من معتقدهم في عزير والمسيح ونحو ذلك فحكمه حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلّم نسأل الله العصمة والهداية ونعوذ به من السهو والزلل والغواية إنه الحافظ الرقيب.
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يفعلون بهم ما يتأذون به من قول أو فعل {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أي: بغير جناية يستحقون بها الأذية وتقييد أذاهم به بعد إطلاقه في الآية السابقة للإيذان بأن أذى الله ورسوله لا يكون إلا غير حق وأما أذى هؤلاء فقد يكون حقًا وقد يكون غير حق.
والآية عامة لكل أذى بغير حق في كل مؤمن ومؤمنة.
فتشمل ما روى أن عمر رضي الله عنه خرج يومًا فرأى جارية مزينة مائلة إلى الفجور فضربها فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان.
وما روي أن المنافقين كانوا يؤذون عليًا رضي الله عنه ويسمعونه ما لا خير فيه.
وما سبق من قصة الأفك حيث اتهموا عائشة بصفوان السهمي رضي الله عنهما.
وما روي أن الزناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لطلب الماء أو لقضاء حوائجهن وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء ولكن ربما كان يقع منهم التعرض للحرائر أيضًا جهلًا أو تجاهلًا لاتحاد الكل في الزي واللباس حيث كانت تخرج الحرة والأمة في درع وخمار وما سيأتي من أراجيف المرجفين وغير ذلك مما يثقل على المؤمن {فَقَدِ احْتَمَلُوا} الاحتمال مثل الاكتساب بناء ومعنى كما في بحر العلوم.
وقال بعضهم: تحملوا لأن الاحتمال بالفارسية: برداشتن {بُهْتَانًا} افتراء وكذبًا عليهم من بهته فلان بهتانًا إذا قال عليه ما لم يفعله، وبالفارسية: دروغى بزرك {وَإِثْمًا مُّبِينًا} أي: ذنبًا ظاهرًا.
واعلم أن أذى المؤمنين قرن بأذى الرسول عليه السلام كما أن أذى الرسول قرن بأذى الله ففيه إشارة إلى أن من آذى المؤمنين كان كمن آذى الرسول ومن آذى الرسول كان كمن آذى الله تعالى فكما أن المؤذي وللرسول مستحق الطرد واللعن في الدنيا والآخرة فكذا المؤذي للمؤمن.
روي أن رجلًا شتم علقمة رضي الله عنه فقرأ هذه الآية.
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج النبي عليه السلام على أصحابه فقال: «رأيت الليلة عجبًا رأيت رجالًا يعلقون بألسنتهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل فقال: هؤلاء الذين يرمون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا» وفي الحديث القدسي: «من آذى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة».
روي أن ابن عمر رضي الله عنهما نظر يومًا إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
وأوحى الله إلى موسى عليه السلام لو يعلم الخلق إكرامي الفقراء في مجلى قدسي وداركرامتى للحسوا أقدامهم وصاروا ترابًا يمشون عليهم فوعزتي ومجدي وعلوي وارتفاع مكاني لأسفرنّ لهم عن وجهي الكريم واعتذر إليهم بنفسي وأجعل شفاعتهم لمن برهم فيّ أو آواهم فيّ ولو كان عشارًا وعزتي ولا أعز مني وجلالي ولا أجل مني إني أطلب ثارهم ممن عاداهم حتى أهلكه في الهالكين، يعني: خاصمه وافترسه كالأسد مثلًا.
قال فضيل رحمه الله: والله لا يحل لك أن تؤذي كلبًا ولا خنزيرًا بغير ذنب فكيف أن تؤذي مسلمًا وفي الحديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» بأن لا يتعرض لهم بما حرم من دمائهم وأموالهم وأعراضهم قدم اللسان في الذكر لأن التعرض به أسرع وقوعًا وأكثر وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال يكون بها.
واعلم أن المؤمن إذا أوذي يلزم عليه أن لا يتأذى بل يصبر فإن له فيه الأجر فالمؤذي لا يسعى في الحقيقة إلا في إيصال الأجر إلى من آذاه ولذا ورد وأحسن إلى من أساء إليك وذلك لأن المسيء وإن كان مسيئًا في الشريعة لكنه محسن في الحقيقة. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

يقول الحق جلّ جلاله: {إِن اللهَ وملائكتَهُ يُصلُّون على النبي} يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه. وقال صاحب المُغني: الصواب عندي: أن الصلاة لغة بمعنى واحد، وهو العطف، ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى: الرحمة، وإلى الملائكة: الاستغفار، وإلى الآدميين: دعاء. واختاره السُّهيلي قبله. والمراد بالرحمة منه تعالى غايتها، وهو إفاضة الخير والإحسان، لا رقة القلب، الذي هو معنى الرحمة حقيقة.
{يا أيها الذين آمنوا صلُّوا عليه} أي: قولوا: اللهم صلِّ على محمد أو: صلى الله على محمد.
{وسلّموا تسليمًا} أي: قولوا: اللهم سلّم على محمد، أو: صلّ وسلِّم على محمد، أو: انقادوا لأمره وحكمه، انقيادًا كليًّا.
وعن كعب بن عُجْرَة: قلنا: يا رسول الله، أما السلام عليك، فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بَارَكْت على إبراهيمَ، إنك حميد مجيد» ومعرفتهم السلام من التشهُّد. والصلاة على غير الأنبياء بالتبع جائزة. وأما بالاستقلال فمكروه، وهو من شعار الروافض. اهـ.
قال الكواشي: رُوي أنه قيل يا رسول الله: أرأيت قول الله تعالى: {إن الله وملائكته يُصلُّون على النبي} الآية؟ فقال: هذا من العلم المكنون، ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم، إن الله وكَل بي ملكين، فلا أُذكر عند عبدٍ مسلم، فيُصلي عليّ، إلا قال ذانك الملكان: غفر الله لك، وقال الله وملائكته جوابًا لذينك الملّكين: آمين. ولا أُذكر عند عبد مسلم، فلا يُصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان: لا غفر الله لك. وقال الله جوابًا لذينك الملكين: آمين. اهـ.
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة. فمنهم مَن أوجبها عند ذكره كلما ذكر، وعليه الجمهور، وهو الاحتياط للحديث المتقدم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن ذُكرتُ عنده فلم يُصلِّ عليّ دَخَلَ النار» ومنهم مَن أوجبها في كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره، كتشميت العاطس وآية السجدة، ومنهم مَن أوجبها مرة في العمر. قالوا: وكذلك الخلاف في إظهار الشهادتين، وأما ذكرها في الصلاة فليست شرطًا عند أبي حنيفة ومالك، خلافًا للشافعي، والاحتياط: الإكثار منها بغير حصر، ولا يغفل عنها إلا مَن لا خير فيه. واختلف هل كانت الأمم الماضية متعبدة بالصلاة على أنبيائهم. قال القسطلاني: إنه لم ينقل إلينا ذلك، ولا يلزم من عدم النقل عدم الوقوع. اهـ.
الإشارة: اعلم أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سُلم ومعراج الوصول إلى الله؛ لأن تكثير الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تُوجب محبته، ومحبتُه عليه الصلاة والسلام توجب محبة الله تعالى، ومحبته تعالى للعبد تجذبه إلى حضرته، بواسطة وبغيرها.
وأيضًا: الرسول صلى الله عليه وسلم وزير مقرب، ومَن رام دخول حضرة الملوك يخدم الوزير، ويتقرّب إليه، حتى يُدخله على الملِك. فهو صلى الله عليه وسلم حجاب الله الأعظم، وبابه الأكرم، فمَن رام الدخول من غير بابه طُرد وأُبعد، وفي ذلك يقول ابن وفا:
وأنت بابُ الله أيّ امرىء ** وفاه من غيرك لا يدخلِ

وقال الشيخ الجزولي رضي الله عنه في دلائل الخيرات: وهي من أهم المهمات لمَن يريد القرب من رب الأرباب. وقال شارحه: ووجه أهميتها من وجوه، منها: ما فيها من التوسُّل إلى الله سبحانه بحبيبه ومصطفاه. وقد قال تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةِ} [المائدة: 35]، ولا وسيلة إليه أقرب، ولا أعظم، من رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن الله تعالى أمر بها، وحضَّنا عليها، تشريفًا له وتكريمًا، وتفضيلًا لجلاله، ووعد مَن استعملها حُسن المآب، وجزيل الثواب، فهي من أنجح الأعمال، وأرجح الأقوال، وأزكى الأحوال، وأحظى القربات، وأعم البركات، وبها يتوصل إلى رضا الرحمن، وتنال السعادة والرضوان، وتجاب الدعوات، ويرتقي إلى أرفع الدرجات. وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى أتُريد أن أكون أقرب إليك من كلامك إلى لسانك، ومن وسواس قلبك إلى قلبك، ومن روحك إلى بدنك، ومن نور بصرك إلى عينيك؟ قال: نعم يا رب، قال: فأكثر من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم محبوب لله عزّ وجل، عظيم القدر عنده، وقد صلّى عليه وهو وملائكتُه، فوجبت محبة المحبوب، والتقرُّب إلى الله تعالى بمحبته، وتعظيمه، والاشتغال بحقه، والصلاة عليه، والاقتداء بصلاته، وصلاة ملائكته، وصلاة ملائكته عليه. قلت: وهذا التشريف أتم وأعظم من تشريف آدم عليه السلام، بأمر الملائكة بالسجود له؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف. فتشريف يصدر عنه مع ملائكته أبلغ من تشريف تختص به الملائكة.
ومنها: ما ورد في فضلها، ووعَدَ عليها من جزيل الأجر وعظيم القدر، وفوز مستعملها برضا الله، وقضاء حوائج آخرته ودنياه.
ومنها: ما فيها مِن شُكر الواسطة في نعم الله علينا المأمور، بشكره، وما من نعمة لله علينا، سابقة ولا لا حقة؛ من نعمة الإيجاد والإمداد، في الدنيا والآخرة، إلا وهو السبب في وصولها إلينا، وإجرائها علينا، فوجب حقه علينا، ووجب علينا في شكر نعمته ألا نفتر عن الصلاة عليه، مع دخول كل نفس وخروجه.
ومنها: ما فيها من القيام برسم العبودية، بالرجوع لِما يقتضي الأصلُ نفيه، فهو أبلغ في الامتثال، ومن أجل ذلك كانت فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على كل عمل. والذي يقتضي الأصل نفيه، هو كون العبد يتقرب إلى الله بالاشتغال بحق غيره؛ لأن قولنا: «اللهم صَلِّ على محمد» هو الاشتغال بحق محمد صلى الله عليه وسلم، وأصل التعبدات: ألا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالاشتغال بحقه. ولكن لمّا كان الاشتغال بالصلاة على محمد بإذن من الله تعالى، كان الاشتغال بها أبلغ في امتثال الأمر، فهي بمثابة أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم، فكان شرفهم في امتثال أمر الله، وإهانة إبليس في مخالفة أمره سبحانه.
ومنها: ما جُرب من تأثيرها، والنفع بها في التنوير ورفع الهمة، حتى قيل: إنها تكفي عن الشيخ في الطريق، وتقوم مقامه، حسبما نقله الشيخ السنوسي، والشيخ زروق، وغيرهما.
ومنها: ما فيها من سير الاعتدال، الجامع لكمال العبد وتكميله، ففي الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله ورسوله، ولا كذلك عكسه، فلذلك كانت المثابرة على الأذكار والدوام عليها يحصل به الانحراف، وتُكسب نورانية تحرق الأوصاف، وتثير وهجًا وحرارة في الطباع، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تُذهب وهَج الطِّباع، وتقوي النفوس؛ لأنها كالماء البارد، فكانت تقوم مقام شيخ التربية. انتهى كلامه.
قلت: والحق الذي لا غُبار عليه: إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والإكثار منها، تدلّ صاحبها على مَن يأخذ بيده، وتُوصله إلى شيخ التربية، الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كان صادق الطلب، وأما كونها تقوم مقام الشيخ في دخول مقام الفناء والبقاء، حتى تعتدل حقيقته وشريعته فلا؛ إذ لا تنقطع رعونات النفوس إلا بآمر وناهٍ من غيره، يكون عالمًا بدسائس النفوس وخِدعها، وغاية ما توصل إليه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يظفر بالشيخ الفناء في الصفات، وينال مقام الصلاح الأكبر، ويظهر له كرامات وخوارق، ويكون من أرباب الأحوال، وإن وصل إلى مقام الفناء تكون شريعته أكبر من حقيقته.
هذا ما ذقناه، وشهدناه، وسمعناه من أشياخنا، والطريق التي أدركناهم يستعملونها، وأخذناها منهم، أنهم يأمرون المريد إن رأوه أهلًا للتربية أن يلتزم الاسم المفرد، ويفنى فيه، حتى تنهدم به عوالمه، فإذا تحقق فناؤه وغاب عن نفسه ورسمه، ردُّوه إلى مقام البقاء، وحينئذ يأمرونه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتكون صلاته عليه كاملة، يُصلي على روحه وسره بلا حجاب، ويشاهده في كل ساعة كما يشاهدونه. وبالله التوفيق. اهـ.