فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولذلك كان قوله تعالى: {وسلموا} غير مجمل ولا محتاج إلى بيان فلم يسأل عنه الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا السلام قد عرفناه، وقال لهم: والسلام كما قد علمتم، أي كما قد علمتم من صيغة السلام بين المسلمين ومن ألفاظ التشهد في الصلاة.
وإذ قد كانت صيغة السلام معروفة كان المأمور به هو ما يماثل تلك الصيغة أعني أن نقول: السلام على النبي أو عليه السلام، وأن ليس ذلك بتوجه إلى الله تعالى بأن يسلم على النبي بخلاف التصلية لما علمت مِمَّا اقتضى ذلك فيها.
والآية تضمنت الأمر بشيئين: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليممِ عليه، ولم تقتض جمعهما في كلام واحد وهما مفرقان في كلمات التشهد فالمسلم مخيّر بين أن يقرن بين الصلاة والتسليم بأن يقول: صلى الله على محمد والسلام عليه، أو أن يقول: اللهم صل على محمد والسلام على محمد، فيأتي في جانب التصلية بصيغة طلب ذلك من الله، وفي جانب التسليم بصيغة إنشاء السلام بمنزلة التحية له، وبين أن يفرد الصلاة ويفرد التسليم وهو ظاهر الحديث الذي رواه عياض في الشفاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقيت جبريل فقال لي: أبشرك أن الله يقول: من سَلَّم عليك سلمتُ عليه ومن صلى عليك صلّيتُ عليه.
وعن النووي أنه قال بكراهة إفراد الصلاة والتسليم، وقال ابن حجر: لعله أراد خلاف الأوْلى.
وفي الاعتذار والمعتذر عنه نظر إذ لا دليل على ذلك.
وأما أن يُقال: اللهم سلم على محمد، فليس بوارد فيه مسند صحيح ولا حَسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه إلا بصيغة إنشاء السلام مثل ما في التحية، ولكنهم تسامحوا في حالة الاقتران بين التصلية والتسليم فقالوا: صلى الله عليه وسلم لقصد الاختصار فيما نرى.
وقد استمر عليه عمل الناس من أهل العلم والفضل.
وفي حديث أسماء بنت أبي بكر المتقدم أنها قالت: صلى الله على محمد وسلم.
ومعنى تسليم الله عليه إكرامه وتعظيمه فإن السلام كناية عن ذلك.
وقد استحسن أئمة السلف أن يجعل الدعاء بالصلاة مخصوصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعن مالك: لا يصلّى على غير نبيئنا من الأنبياء.
يريد أن تلك هي السنة، وروي مثله عن ابن عباس، وروي عن عمر بن عبد العزيز: أن الصلاة خاصة بالنبيئين كلهم.
وأما التسليم في الغيبة فمقصور عليه وعلى الأنبياء والملائكة لا يشركهم فيه غيرهم من عباد الله الصالحين لقوله تعالى: {سلام على نوح في العالمين} [الصافات: 79]، وقوله: {سلام على آل ياسين} [الصافات: 130]، {سلام على موسى وهارون} [الصافات: 120]، {سلام على إبراهيم} [الصافات: 109].
وأنه يجوز إِتباع آلهم وأصحابهم وصالحي المؤمنين إياهم في ذلك دون استقلال.
هذا الذي استقر عليه اصطلاح أهل السنة ولم يقصدوا بذلك تحريمًا ولكنه اصطلاح وتمييز لمراتب رجال الدين، كما قصروا الرضى على الأصحاب وأيمة الدين، وقصروا كلمات الإِجلال نحو: تبارك وتعالى، وجل جلاله، على الخالق دون الأنبياء والرسل.
وأما الشيعة فإنهم يذكرون التسليم على عليّ وفاطمة وآلهما، وهو مخالف لعمل السلف فلا ينبغي اتباعهم فيه لأنهم قصدوا به الغضّ من الخلفاء والصحابة.
وانتصب {تسليمًا} على أنه مصدر مؤكد ل {سلّمُوا} وإنما لم يؤكد الأمر بالصلاة عليه بمصدر فيقال: صلّوا عليه صلاةً، لأن الصلاة غلب إطلاقها على معنى الاسم دون المصدر، وقياس المصدر التصلية ولم يستعمل في الكلام لأنه اشتهر في الإِحراق، قال تعالى: {وتصلية جحيم} [الواقعة: 94]، على أن الأمر بالصلاة عليه قد حصل تأكيده بالمعنى لا بالتأكيد الاصطلاحي فإن التمهيد له بقوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} مشير إلى التحريض على الاقتداء بشأن الله وملائكته.
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)}.
لما أرشد الله المؤمنين إلى تناهي مراتب حُرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتكريمه وحذّرهم مما قد يخفى على بعضهم من خفيّ الأذى في جانبه بقوله: {إن ذلكم كان يؤذي النبي} [الأحزاب: 53] وقوله: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} [الأحزاب: 53] وعلمهم كيف يعاملونه معاملة التوقير والتكريم بقوله: {ولا مستأنسين لحديث} [الأحزاب: 53] وقوله: {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إن ذلكم كان عند الله عظيمًا} [الأحزاب: 53] وقوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب: 56] الآية، وعلم أنهم قد امتثلوا أو تعلموا أردف ذلك بوعيد قوم اتسموا بسمات المؤمنين وكان من دأبهم السعي فيما يؤذي الرسول عليه الصلاة والسلام فأعلم الله المؤمنين بأن أولئك ملعونون في الدنيا والآخرة ليعلم المؤمنون أن أولئك ليسوا من الإِيمان في شيء وأنهم منافقون لأن مثل هذا الوعيد لا يعهد إلا للكافرين.
فالجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا لأنه يخطر في نفوس كثير ممن يسمع الآيات السابقة أن يتساءلوا عن حال قوم قد علم منهم قلة التحرز من أذى الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يليق بتوقيره.
وجيء باسم الموصول للدلالة على أنهم عرفوا بأن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم من أحوالهم المختصة بهم، ولدلالة الصلة على أن أذى النبي صلى الله عليه وسلم هو علة لعنهم وعذابهم.
واللعن: الإِبعاد عن الرحمة وتحقير الملعون.
فهم في الدنيا محقرون عند المسلمين ومحرومون من لطف الله وعنايته، وهم في الآخرة محقرون بالإِهانة في الحشر وفي الدخول في النار.
والعذاب المهين: هو عذاب جهنم في الآخرة وهو مهين لأنه عذاب مشوب بتحقير وخزي.
والقرن بين أذى الله ورسوله للإِشارة إلى أن أذى الرسول صلى الله عليه وسلم يُغضب الله تعالى فكأنه أذى لله.
وفعل {يؤذون} معدى إلى اسم الله على معنى المجاز المرسل في اجتلاب غضب الله وتعديته إلى الرسول حقيقة.
فاستعمل {يؤذون} في معنييه المجازي والحقيقي.
ومعنى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من آذاني فقد آذى الله» وأذى الرسول عليه الصلاة والسلام يحصل بالإِنكار عليه فيما يفعله، وبالكيد له، وبأذى أهله مثل المتكلمين في الإِفك، والطاعنين أعماله، كالطعن في إمارة زيد وأسامة، والطعن في أخذه صفية لنفسه.
وعن ابن عباس إنها نزلت في الذين طعنوا في اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت حييّ لنفسه.
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}.
ألحقت حُرمة المؤمنين بحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم تنويهًا بشأنهم، وذكروا على حدة للإِشارة إلى نزول رتبتهم عن رتبة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وهذا من الاستطراد معترض بين أحكام حُرمة النبي صلى الله عليه وسلم وآداب أزواجه وبناته والمؤمنات.
وعطف {المؤمنات} على {المؤمنين} للتصريح بمساواة الحكم وإن كان ذلك معلومًا من الشريعة، لوَزْع المؤذين عن أذى المؤمنات لأنهن جانب ضعيف بخلاف الرجال فقد يزعهم عنهم اتقاء غضبهم وثأرهم لأنفسهم.
والمراد بالأذى: أذى القول بقرينة قوله: {فقد احتملوا بهتانًا} لأن البهتان من أنواع الأقوال وذلك تحقير لأقوالهم، وأتبع ذلك التحقير بأنه إثم مبين.
والمراد بالمبين العظيم القوي، أي جُرمًا من أشد الجرم، وهو وعيد بالعقاب عليه.
وضمير {اكتسبوا} عائد إلى المؤمنين والمؤمنات على سبيل التغليب، والمجرور في موضع الحال.
وهذا الحال لزيادة تشنيع ذلك الأذى بأنه ظلم وكذب.
وليس المراد بالحال تقييد الحكم حتى يكون مفهومه جواز أذى المؤمنين والمؤمنات بما اكتسبوا، أي أن يُسبوا بعمل ذميم اكتسبوه لأن الجزاء على ذلك ليس موكولًا لعموم الناس ولكنه موكول إلى ولاة الأمور كما قال تعالى: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} [النساء: 16].
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة وقال: «هي أن تذكر أخاك بما يكره فقيل: وإن كان حقًا قال: إن كان غير حق فذلك البهتان» فأما تغيير المنكر فلا يصحبه أذى.
وما صْدَق الموصول في قوله: {ما اكتسبوا} سيّئًا، أي بغير ما اكتسبوا من سيّىء.
ومعنى {احتملوا} كَلَّفوا أنفسهم حَملًا، وذلك تمثيل للبهتان بحمل ثقيل على صاحبه، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى: {ومن يكسب خطيئة أو إثمًا ثم يرم به بريئًا فقد احتمَل بهتانًا وإثمًا مبينًا} في سورة النساء (112). اهـ.

.قال الشعراوي:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}.
جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالخير لأمته مُبشِّرًا للمؤمنين، نذيرًا للكافرين، وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية قومه، كما قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].
كان صلى الله عليه وسلم يألم ويحزن إنْ تفلَّتَ أحدٌ من يده، وخرج عن ساحة الإيمان، وكان يُكلِّف نفسه في أمر الدعوة فوق ما يطيق، وفوق ما طلب منه، حتى خاطبه ربه بقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفًا} [الكهف: 6].
ومعلوم أن سيدنا رسول الله لم يُطلَب منه إلا البلاغ فحسَبْ، أما الهداية فمن الله عز وجل؛ لأنه تعالى قال: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4].
فلشدة حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية قومه عاتبه ربه؛ لأنه شَقَّ على نفسه، فالعتاب هنا لصالحه صلى الله عليه وسلم، كما جاء في قوله تعالى: {يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1].
وهذا العتاب أشبه بعتابك لولدك الذي أرهق نفسه في المذاكرة، حتى أنك أشفقتَ عليه، فأنت لا تلومه على تقصير، إنما على المبالغة في عمل لا تطيقه قوته.
وقد ظهرت قمة حرْصه صلى الله عليه وسلم على أمته حين أنزل الله عليه: {والضحى والليل إِذَا سجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 1-5].
فالتقطها رسول الله من ربه وجعلها لأمته، فقال: «إذن: لا أرضى وواحد من أمتي في النار».
فإذا كان رسول الله حريصًا عليكم بهذا الشكل، فهو يستحق منكم أنْ تُصلُّوا عليه؛ لأن كل خير يناله يعُمُّ عليكم، ويعود إليكم؛ لذلك قال سبحانه: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي يا أيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
وتلحظ أن الخبر {يُصَلُّونَ} [الأحزاب: 56] خبر عن الله والملائكة؛ فجمع الحق سبحانه بين صلاته وصلاة ملائكته، والنبي صلى الله عليه وسلم مرة خطيبًا يخطب، يقول: مَنْ يتَّقِ الله ورسوله يُثبْه الله، ومَنْ يعصهما يعاقبه الله، فقال صلى الله عليه وسلم له: «بِئْسَ خطيب القوم أنت» لماذا؟ قالوا: لأنه جمع بين الله تعالى ورسوله في: ومن يعصهما، وكان عليه أنْ يقول: ومَنْ يَعْصِ الله ورسوله، فالله وحده هو الذي يجمع معه سبحانه مَنْ يشاء. قال سبحانه: {وَمَا نقموا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 74].
أما نحن، فليس لنا أبدًا أنْ نأتي بصيغة تشريكية بين الله تعالى وأحد من خَلْقه.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي} [الأحزاب: 56] هكذا قال الله، وجمع معه سبحانه مَنْ يشاء من خَلْقه، وأنت لا يجوز لك أنْ تجمعَ هذا الجمع إلا إذا كنتَ تقرأه على أنه قرأن، فإن أردتَ أنْ تنشيء كلامًا من عندك فلابد أن تقول: الله يُصلِّي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي.
لذلك احتاط علماء التفسير لهذه المسألة فقالوا أن {يصلون} ليست خبرًا للكل، إنما تقدير الخبر أن الله يصلي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي.
وإذا كان الله يُصلِّي على النبي، والملائكة يُصلُّون على النبي، فماذا عنكم أنتم؟ يجب أنْ تُصلوا أنتم كذلك على النبي {يا أيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
سبق أنْ بينّا أن الصلاة من الله لها معنى، ومن الملائكة لها معنى، ومن المؤمنين المأمورين بها لها معنى، فكُلٌّ بحَسْبه، والصلاة في الأصل هي الدعاء، والدعاء يقتضي داعيًا ومدعوًا له ومدعوًا، فمثلًا حين أدعو الله أنْ يغفر لفلان، فأنا الداعي، والله تعالى مدعو، وفلان مدعو له، فإذا كان المصلي والداعي هو الله عز وجل، فمَنْ يدعو؟ إذن: معنى الدعاء لا يأتي مع الله تعالى.
لذلك قلنا: إنك لو نظرتَ إلى الأحداث تجد أن صاحبك مثلًا إذا قال لك أَعِدُك أنْ أعطيك غدًا كذا وكذا، فهذا وَعْد منه، لا يملك هو من أسباب الوفاء به شيئًا، أما إنْ قال لك: أدعو الله أنْ يعطيك كذا وكذا، ونسب العطاء لله تعالى، فهذا أَرْجَى للتحقيق؛ لأنه منسوب إلى الله، فإنْ قبل الدعاء تحقق المطلوب، فإنْ كان الله تعالى هو الذي يأمر لك بهذا العطاء فلابد أنْ تناله لا محالة.
إذن: الصلاة من الله ليست بمعنى الدعاء، إنما هي تنفيذ مباشر ورحمة شاملة وعامة، ويكفي من رحمته تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أنْ جعله خاتم الرسل، فلا يستدرك عليه أحد، يكفيه من رحمته وإنعامه وثنائه عليه أنْ قرن اسمه باسمه؛ لذلك خاطبه بقوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4].
يكفيه من تكريم الله له أنه سيقبل شفاعته يوم القيامة، لا لأمته فحسب، إنما للخَلْق جميعًا، يكفيه أن الله تعالى خاطب كل رسله بأسمائهم المشخِّصة لهم، وخاطبه هو بالوصف المكرم في {يا أيها النبي} [الممتحنة: 12] و{يا أيها الرسول} [المائدة: 41].
أما عن صلاة الملائكة، فهي دعاء، واقرأ: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم وَقِهِمُ السيئات وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} [غافر: 7-9].
فإذا كان الخَلْق جميعًا محلَّ صلاة الملائكة واستغفارهم ودعائهم، حتى الذين أذنبوا منهم، ثم تابوا، فما بالك برسول الله، وهو هادي الناس جميعًا.
أما الصلاة من المؤمنين، فهي الاستغفار، واستغفارهم ليس لرسول الله، إنما هو استغفارهم لأنفسهم؛ لأن رسول الله جاء رحمةً لهم، وما دام جاء رحمةً لهم كان من الواجب ألاَّ يغيب توقيره عن بالهم أبدًا فَهُمْ إنِ استغفروا، فاستغفار عن الغفلة عنه صلى الله عليه وسلم، أو عن أنهم لم يتقدم اسمه، فيصلون عليه.
والمؤمن حين يُصلِّي على رسول الله، ماذا يملك من عطاء يُؤدِّيه لرسول الله؟ ماذا بأيدينا؟ لذلك تأمل لفظ صلاتك على رسول الله، إنك لا تقول أصلي، ولكن تقول: اللهم صَلِّ على محمد، أو صلَّى الله على محمد، فتطلب مِمَّنْ هو أعلى منك أنْ يُصلي على رسول الله؛ لأنه لا يوجد عطاء عندك تُؤدِّيه لرسول الله.