فصل: الحكم الثالث: هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الندب أو الفرض؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم الثالث: هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الندب أو الفرض؟

أمر الله سبحانه المؤمنين بالصلاة على نبيه الكريم، وهذا لأمر للوجوب فتكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، ويكاد العلماء يجمعون على وجوب الصلاة والتسليم عليه مرة في العمر، بل لقد حكى القرطبي الإجماع على ذلك، عملا بما يقتضيه الأمر صلوا من الوجوب، وتكون الصلاة والسلام في ذلك كالتلفظ بكلمة التوحيد، حيث لا يصح إسلام الإنسان إلا بالنطق بها.
وقد اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبه، ويكاد العلماء يجمعون على وجوب الصلاة والتسليم عليه مرة في العمر، بل لقد حكى القرطبي الإجماع على ذلك، عملا بما يقتضيه الأمر صلوا من الوجوب، وتكون الصلاة والسلام في ذلك كالتلفظ بكلمة التوحيد، حيث لا يصح إسلام الإنسان إلا بالنطق بها.
وقد اختلف العلماء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل تجب في كل مجلس، وكلما ذكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم؟ أم هي مندوبة؟ وذلك بعد اتفاقهم على أنها واجبة في العمر مرة.
أ- فقال بعضهم: إنها واجبة كلما ذكر اسم النبي عليه السلام.
ب- وقال آخرون: تجب في المجلس مرة واحدة ولو تكرر ذكره عليه السلام في ذلك المجلس مرات.
ج- وقال آخرون: يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد أو مجلس، ولا يكفي أن يكون في العمر مرة.
وحجة القائلين بالوجوب في المجلس، أو كلما ذكر اسم الرسول عليه الصلاة والسلام، أن الله عز وجل أمر بها، والأمر يفيد التكرار، ثم ما ورد من الوعيد الشديد لمن لم يصل على رسول الله عليه السلام، كقوله: «البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي» رواه الترمذي. وقوله عليه السلام: «ما من قوم يجلسون في مجلس ثم يقومون منه لا يذكرون الله ولا يصلون على نبيه إلا كان ترة عليهم يوم القيامة».
وقول جبريل للنبي عليه السلام: «بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت آمين». فهذه تفيد الوجوب عندهم.
وذهب جمهور العلماء إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قربة وعبادة، كالذكر والتسبيح والتحميد، وأنها واجبة في العمر مرة، ومندوبة ومسنونة في كل وقت وحين، وأنه ينبغي الإكثار منها لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا» وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة الشهيرة في فضل الصلاة على النبي عليه السلام، فهي مطلوبة ولكن لا على سبيل الوجوب بل على سبيل الندب والاستحباب.
قال العلامة أبو السعود: والذي يقتضيه الاحتياط، ويستدعيه معرفة علو شأنه عليه الصلاة والسلام، أن يصلي عليه كلما جرى ذكره الرفيع.
وما ذهب إليه الجمهور هو الصح والأرجح والله تعالى أعلم.

.الحكم الرابع: هل تجب الصلاة على النبي عليه السلام في الصلاة؟

اختلف الفقهاء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة على مذهبين:
أ- مذهب الشافعي وأحمد: أنها واجبة في الصلاة ولا تصح الصلاة بدونها.
ب- مذهب مالك وأبي حنيفة: أنها سنة مؤكدة في الصلاة وتصح الصلاة بدونها مع الكراهة والإساءة.
أدلة الشافعية والحنابلة:
استدل الشافعية والحنابلة على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة بأدلة نوجزها فيما يلي:
أ- الأمر الوارد في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} والأمر يقتضي الوجوب، ولا وجوب في غير التشهد، فتكون الصلاة على النبي واجبة في الصلاة.
ب- حديث كعب بن عجرة: قلنا يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد..» الحديث وقد تقدم.
قال ابن كثير رحمه الله: ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، فإن تركه لم تصح صلاته، وهو ظاهر الآية، ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة، وهو مذهب الإمام أحمد، وإليه ذهب ابن مسعود وجابر بن عبد الله.
أدلة المالكية والأحناف:
واستدل المالكية والأحناف على مذهبهم ببضعة أدلة نوجزها فيما يلي:
أ- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} قالوا: قد تضمنت هذه الآية الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وظاهره يقتضي الوجوب، فمتى فعلها الإنسان مرة واحدة في صلاة أو غير صلاة فقد أدى فرضه، وهو مثل كلمة التوحيد والتصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم متى فعله الإنسان مرة واحدة في عمره فقد أدى فرضه، والأمر يقتضي الوجوب لا التكرار.
ب- حديث ابن مسعود حين علمه صلى الله عليه وسلم التشهد فقال: «إذا فعلت هذا، أو قلت هذا، فقد تمت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، ثم اختر من أطيب الكلام ما شئت» ولم يأمره بالصلاة على النبي عليه السلام.
ج- حديث معاوية السلمي وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن» ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
د- ما روي عن كثير من الصحابة أنهم كانوا يكتفون بالتشهد في الصلاة وهو «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» ولا يوجبون الصلوات الإبراهيمية.
قال أبو بكر الرازي: وزعم الشافعي أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الصلاة، وهذا قول لم يسبقه إليه أحد من أهل العلم- فبما نعلمه- وهو خلاف الآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لفرضها في الصلاة....
ثم ساق بعض الأدلة في تفسيره أحكام القرآن- وقد ذكرنا بعضها- ثم قال: وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في شرح مختصر الطحاوي.

.الحكم الخامس: هل تجوز الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟

يرى بعض العلماء أن الصلاة تجوز على غير الأنبياء، لأن الصلاة معناها الدعاء، والدعاء يجوز للأنبياء ولغير الأنبياء، واستدلوا بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «اللهم صل على آل أبي أوفى».
وذهب الأكثرون إلى أن الصلاة شعار وهي خاصة بالأنبياء، فلا تجوز لغيرهم فلا يصح أن تقول: اللهم صل على الشافعي مثلا أو على أبي حنيفة، وإنما تترحم عليهما، ويجوز الترضي عن الصحابة والتابعين ولا تجوز الصلاة عليهم لأنها شعار الأنبياء والمرسلين.
قال العلامة أبو السعود: وأما الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فتجوز تبعا، وتكره استقلالا، لأنه في العرف شعار ذكر الرسل، ولذلك لا يجوز أن يقال: محمد عز وجل مع كونه صلى الله عليه وسلم عزيزا جليلا.
والمراد بقوله تبعا أن تقول مثلا: اللهم صل على محمد وآله وذريته وأتباعه المؤمنين، فلا يصح أن تقول: اللهم صل على ذرية محمد، ولا اللهم صل على أزواج محمد، وإنما إذا صليت على الرسول يجوز لك أن تضيف تبعا من شئت من عباد الله الصالحين، والله أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- منصب النبوة منصب عظيم، ومكانة الرسول مكانة عظيمة عند الله تعالى.
2- ثناء الله عز وجل على نبيه الكريم وثناء الملائكة الأطهار مظهر من مظاهر رفعه الرسالة.
3- احترام الرسول وتعظيم أمره واجب على المؤمنين لأنه من تعظيم أمر الله وطاعته جل وعلا.
4- الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون بالصيغة الشرعية «اللهم صلي على محمد». إلخ.
5- يندب للمسلم أن يصلي على الرسول كلما ذكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم امتثالا للأمر الإلهي.
6- إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم إيذاء لله تعالى وهو سبب لسخط الله وغضبه.
7- إيذاء المؤمنين واتهامهم بما ليس فيهم من الكبائر التي ينبغي أن يبتعد عنها المسلم.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
مجد الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه الثناء العاطر، ورفع مكانته على جميع الأنبياء والمرسلين، وأحله المحل الرفيع الذي يليق بمنزلته السامية، ومرتبته العالية، وأمر المؤمنين بالتأدب مع الرسول الكريم، وبتعظيم أمره، وتمجيد شأنه، وصلى عليه في الملأ الأعلى مع الملائكة الأطهار، وكل ذلك ليعلم المؤمنين مكانة هذا النبي العظيم، ليجلوه ويحترموه، ويطيعوا أمره لأنه سبب سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا} [الفتح: 9].
وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالصلاة على الرسول الكريم، وجعل ذلك فرضا لازما لا يتم إيمان بدونه، وحرم إيذاءه بالقول أو الفعل، ونهى عن كل ما يمس مقامه الشريف من إساءة أو عدوان، وجعل ذلك إيذاء له تعالى، لأن في تكذيبه صلى الله عليه وسلم تكذيبا لله تعالى، وفي الاستهزاء بدعوته استهزاء بالله تعالى، لأنه رسول رب العالمين. فيجب أن يطاع في كل أمر، أن يحترم قوله لأنه مبلغ عن الله وصدق الله حيث يقول: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80].
وقد حكم الله جل وعلا باللعنة والغضب على من آذى الرسول عليه السلام، لأنه كفران للنعمة، وجحود للفضل الذي أسداه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وكيف يليق بالمؤمن أن يؤذي رسول الله مع أنه صلوات الله عليه سبب لإنقاذنا من الضلالة، وإخراجنا من الظلمات إلى النور؟! وهو باب الرحمة الإلهية، ومظهر الفضل والإحسان والجود: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128] صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والطيبين الطاهرين.
وصدق من قال:
إذا الله أثنى بالذي هو أهله عليه، فما مقدار ما تمدح الورى.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {يصلون} يتبركون.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه قال: صلاة الله عليه: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة عليه: الدعاء له.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه يا موسى إن سألوك هل يصلي ربك؟ فقل: نعم. أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {إن الله وملائكته} الآية. قال: لما نزلت جعل الناس يهنئونه بهذه الآية، وقال أبي بن كعب: ما أنزل فيك خيرًا إلا خلطنا به معك إلا هذه الآية. فنزلت {وبشر المؤمنين} [التوبة: 112].
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: صلاة الله على النبي هي مغفرته. إن الله لا يصلي ولكن يغفر، وأما صلاة الناس على النبي صلى الله عليه وسلم فهي الاستغفار.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ: {صلوا عليه كما صلّى عليه وسلموا تسليمًا}.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك، قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وأخرج ابن جرير عن يونس بن خباب قال: خطبنا بفارس فقال: {إن الله وملائكته} الآية. قال: انبأني من سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: هكذا انزل فقالوا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارحم محمدًا وآل محمد كما رحمت آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم رضي الله عنه في قوله: {إن الله وملائكته} قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».