فصل: ومن ذكر شعيا له:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولم أنشب أن خرجت تاجرا إلى اليمن فقدمت الطائف، فنزلت على أمية بن أبي الصلت فقلت له: أبا عثمان! هل تذكر حديث النصراني؟ قال: أذكره، قلت: قد كان، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله، قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب، ثم قصصت عليه خبر هند، قال: فاللَّه يعلم يتصبب عرقا ثم قال: والله يا أبا سفيان لعله، إنّ صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حيّ لأبلين الله نصره عذرا.
قال: ومضيت إلى اليمن فلم أنشب أن جاءني هنالك استهلاله، فأقبلت حتى نزلت إلى أمية بن أبي الصلت بالطائف فقلت: يا أبا عثمان! قد كان من أمر الرجل ما قد بلغك وسمعت، قال: قد كان لعمري، قلت: فأين أنت يا أبا عثمان عنه؟ قال: والله ما كنت لأؤمن لرسول من غير ثقيف أبدا، قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة، فو الله ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويعزفون، فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ قال: فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة.
وله من حديث الليث بن سعيد عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن معاوية ابن أبي سفيان، أن أمية بن أبي الصلت كان بعزة أو قال: بإيلياء، فلما قفلنا قال لي: يا أبا سفيان! هل لك أن تتقدم على الرفقة فنتحدث؟ قلت: نعم، ففعلنا، فقال لي: يا أبا سفيان، إيه عن عتبة بن ربيعة، قلت: إيه عن عتبة بن ربيعة، قال: كريم الطرفين، ويجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: نعم، قال: وشريف حسن، قال: السن والشرف أزريا به، فقلت له: كذبت، ما ازداد شيئا إلا ازداد شرفا، قال: يا أبا سفيان! إنها لكلمة ما سمعت أحدا يقولها لي منذ تنصرت، لا تعجل عليّ حتى أخبرك، قلت: هات.
قال إني أجد في كتبي نبيا يبعث من حرتنا هذه، فكنت أظن بل كنت لا أشك أني هو! فلما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة، فلما أخبرتني بسنه عرفت أنه ليس به حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه، قال أبو سفيان: فضرب الدهر من ضربه.
وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخرجت في ركب من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به: يا أمية! قد خرج النبي الّذي كنت تنعته، قال: أما إنه حق فأتبعه، قلت: ما يمنعك من اتباعه؟ قال: ما يمنعني إلا الاستحياء من نسيات ثقيف، كنت أحدثهن أني هو، ثم يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف، ثم قال ابن مية: فكأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي، ثم يؤتى بك إليه فيحكم فيك بما يريد!.
وله من حديث ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يهودي سكن مكة يتّجر بها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال في مجلس: يا معشر قريش! هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قال القوم:
ما نعلمه، قال: الله أكبر، أما إن أخطأكم فلا بأس، انظروا واحفظوا يا معشر قريش ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الآخر، بين كتفيه علامة فيها شعيرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين، وذاك أن عفريتا من الجن أدخل إصبعه في فيه ومنعه من الرضاع، فتصدع القوم من مجلسهم وهم يعجبون من قوله وحديثه، فلما صاروا إلى منزلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا: ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام وأسموه محمدا.
فالتقى القوم فقالوا: هل سمعتم حديث اليهودي وقد بلغكم مولد هذا الغلام؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر فقال: اذهبوا بي حتى انظر إليه، فخرجوا به حتى دخلوا على آمنة بنت وهب فقالوا: أخرجي إلينا ابنك فأخرجته آمنة، فكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع مغشيا عليه، فلما أفاق قالوا له: ويلك! ما لك؟ قال: ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش؟ أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب.
وكان في النفر يومئذ هشام والوليد ابنا المغيرة، ومسافر بن أبي عمرو وعبيدة ابن الحرث بن عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة في نفر من بني عبد مناف وغيرهم من قريش.
وله من حديث محمد بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان بمر الظهران راهب من الرهبان يدعى عيصا من أهل الشام، وكان متخفّرا بالعاص بن وائل، وكان الله قد أتاه علما كثيرا، وجعل فيه منافع كثيرة لأهل مكة من طب ورفق وعلم، وكان يلزم صومعة له، ويدخل مكة في كل سنة فيلقي الناس ويقول: يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة، يدين له العرب ويملك العجم، هذا زمانه فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته، وتاللَّه ما تركت الحمر والحمير والأميّ، ولا حللت بأرض الجوع والبؤس والخوف إلا في طلبه.
فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد، فيقال له: فصفه، فيقول: لا، ويكتم ذلك للذي قد علم أنه لا نبي من قومه مخافة على نفسه أن يكون ذلك داعية إلى أدنى ما يفضي إليه من الأذى يوما.
ولما كان ظهور اليوم الّذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم خرج عبد الله بن عبد المطلب حتى أتى عصيا فوقف في أصل صومعته ثم نادى: يا عصيا، فناداه: من هذا؟ فقال: أنا عبد الله، فأشرف عليه فقال: كن أباه، فقد ولد ذلك المولود الّذي كنت أحدثكم عليه يوم الإثنين، ويبعث يوم الإثنين، ويموت يوم الإثنين.
قال: فإنه قد ولد لي مع الصبح مولود، قال: فما سميته؟ قال: محمدا، قال: والله لقد كنت أشتهي أن يكون فيكم هذا المولود أهل البيت لثلاث خصال بها نعرفه، فقد أتى عليه منها أن نجمه طلع البارحة، وأنه ولد اليوم، وأن اسمه محمدا، انطلق إليه فإن الّذي كنت أحدثكم عنه ابنك.
قال: فما يمنعك أن تأتيني؟ ولعله لن يولد يومنا هذا مولودون عدة، قال: قد وافق ابنك الاسم، ولم يكن الله يشبّه علمه على العلماء لأنه حجة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي أياما ثلاثة، يظهر الوجع ثم يعافي، فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد حسده أحد قط، ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه، وإن تعش حتى تبدو معالمه ثم يدعو يظهر لك من قومك ما لا يحتمله إلا على ذلّ، فاحفظ لسانك ودار عنه.
قال: فما عمره؟ قال: إن طال عمره أو قصر لم يبلغ السبعين، يموت في وتردونها من السنين، في إحدى وستين أو ثلاث وستين، أعمار جلّ أمته، قال: وحمل برسول الله صلى الله عليه وسلّم في عاشوراء المحرم، وولد يوم الاثنين لثنتي عشر ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل.
وله من حديث النضر بن سلمة قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية أن يسرح نضلة بن معاوية الأنصاري وهو من أصحابه في ثلاثمائة فارس إلى حلوان فيغير على قراها، لعل الله يفيدهم إبلا ورقيقا، فلما انتهى كتاب عمر إلى سعد دعا سعد نضلة فعقد له لواء وقال: اخرج، فسار نضلة حتى إذا شارف حلوان فرّق أصحابه في ثلاث رساتق منها، فأغاروا فأصابوا إبلا ورقيقا وشاءا كثيرا، فانصرفوا فتبعهم المشركون، فكرّ عليهم نضلة وأصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن الله صرف وجوه المشركين وولوا، وسار نضلة في أصحابه معهم الغنائم، وأرهق القوم صلاة العصر، فنادى نضلة أصحابه فقال لهم: سوقوا الغنائم إلى سفح الجبل وعليكم بالصلاة.
ثم نزل فأذّن فقال: الله أكبر الله أكبر، فأجابه كلام من الجبل: كبّرت كبيرا يا نضلة، فقال نضلة: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أخلصت للَّه إخلاصا حرمت جسدك على النار، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: نبي بعث خاتم النبيين، وصاحب شفاعة يوم القيامة، قال: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قال: البقاء لأمة محمد وهو الفلاح، قال: الله أكبر الله أكبر، قال: كبّرت كبيرا، قال: لا إله إلا الله، قال أخلصت للَّه إخلاصا، قال: فتعجب نضلة وأصحابه، فقال نضلة: من أنت يرحمك الله؟ أهاتف من الجن؟ أم عبد صالح جعل الله لك في هذا الجبل رزقا؟ حدثنا ما حالك؟ أرنا وجهك، قال: فانشق الجبل عن رأس كأن هامته رحى، شديد بياض الرأس واللحية، عليه ثياب الصوف، فقال: أنا زريب بن يرثلمي وصيّ العبد الصالح عيسى ابن مريم، سألته فطلب إلى ربه حين رفع، فوهب لي عمرا إلى أن يهبط عليّ، فإن لي في هذا الجبل رزقا، فأقرئ عمر بن الخطاب السلام وقل: سدّد وقارب وأبشر، حضر الأمر ونعم العبد أنت، ثم انسدّ الجبل فنادوا كثيرا فلا جواب، فأخبر نضلة سعدا فكتب بذلك سعد إلى عمر رضي الله عنه فأجابه: يا سعد، ذاك رجل من أوصياء عيسى ابن مريم عليه السلام، أعطى فيها رزقا وعمرا فسل عنه، فركب سعد فأقام بفناء الجبل أربعين يوما فلم يجب بشيء، فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي الله عنه.
ورواه الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عمر، حدثنا جعونة بن نضلة قال: كنت في الجبل يوم فتح حلوان، فطلبنا المشركين في الشعب فأمعنّا فيه، فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء فنزلت عن فرسي فأخذت بعنانه، فتوضأت ثم صعدت صخرة فأذّنت، فلما قلت: الله أكبر الله أكبر.. فذكره.
وقد روى من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر تفرد به عبد الرحمن الراسبي وفيه ضعف ولين.
وله من حديث إسحاق بن أبي إسحاق الشيبانيّ عن أبيه عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: إني أجد فيما أقرأ من الكتب أنه ترفع راية بمكة، الله مع صاحبها، وصاحبها مع الله، يظهره الله على جميع القرى.
وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة: إعلام نبينا صلى الله عليه وسلّم الموجودة في كتب الله المتقدمة، قول الله عز وجل في السفر الأول من التوراة لإبراهيم عليه السلام: قد أجبت دعاءك في إسماعيل، وباركت عليه وكثّرته وعظّمته جدا جدا، وسيلد اثنى عشر عظيما، وأجعله لأمة عظيمة، ثم أخبر موسى عليه السلام مثل ذلك في السفر وزاد فقال: لما هربت من سارة تراءى لها ملك الله وقال: يا هاجر أمة سارة! ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها، فإنّي سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصوا كثرة، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا وتسميه إسماعيل، لأن الله قد سمع خشوعك، وتكون يده فوق الجميع، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع.
قال ابن قتيبة: فتدبّر هذا القول فإن فيه دليلا بينا على أن المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأن إسماعيل لم تكن يده فوق يد إسحاق، ولا كانت يد إسحاق مبسوطة إليه بالخضوع، وكيف يكون ذلك والنبوة والملك في ولد إسرائيل والعيص، وهما ابنا إسحاق؟ فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم انتقلت النبوة إلى ولد إسماعيل، فدانت له الملوك وخضعت له الأمم، ونسخ الله به كل شرعة، وختم به النبيين، وجعل الخلافة والملك في أهل بيته إلى آخر الزمان، فصارت أيديهم فوق أيدي الجميع، وأيدي الجميع مبسوطة بالخضوع، قال: ومن إعلامه في التوراة: قال: جاء الله من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران، وليس بهذا خفاء على من يدبّره ولا غموض، لأن مجيء الله من سيناء: إنزاله التوراة على موسى عليه السلام بطور سيناء هو عند أهل الكتاب وعندنا، لذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله على المسيح عليه السلام الإنجيل، وكان المسيح يسكن ساعير بأرض الجليل بقرية تدعى ناصرة وباسمها سمي من اتبعه نصارى، وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح، فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران بإنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلّم في جبال فاران وهي جبال مكة، وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة، فإن ادعوا أنها غير مكة فليس ينكر من تحريفهم وإفكهم.
قلنا: ليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران، وقلنا: دلونا على الموضع الّذي استعلن الله منه واسمه فاران والنبي الّذي أنزل الله عليه كتابا بعد المسيح، أوليس استعلن وعلن بمعنى واحد، وهما ظهر وانكشف؟ فهل تعلمون دينا ظهر ظهور الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فشوه؟
ومن إعلامه في التوراة أيضا: قال الله لموسى في السفر الخامس: إني أقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك، أجعل كلامي على فمه، فمن إخوة بني إسرائيل إلا بنو إسماعيل كما تقول بكر وتغلب أبناء وائل، ثم تقول: تغلب أخو بكر، وبنو تغلب إخوة بني بكر، ترجع في ذلك إلى إخوة الأبوين، فإن قالوا: إن هذا النبي الّذي وعد الله نقيمه لهم هو أيضا من بني إسرائيل، لأن بني إسرائيل إخوة بني إسرائيل، كذبتهم التوراة وألد بهم النظر، لأن في التوراة أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى، وأما النظر: فإنه لو أراد إني أقيم لهم نبيا من بني إسرائيل مثل موسى لقال: أقيم لهم من أنفسهم مثل موسى ولم يقل: من إخوتهم، كما أن رجلا لو قال لرسوله: ائتني برجل من إخوة بكر بن وائل لكان يجب أن يأتيه برجل من بني تغلب بن وائل، ولا يجب أن يأتيه برجل من بني بكر.
قال: ومن قول حبقوق المتنبي في زمن دانيال قال حبقوق: وجاء الله من اليتير، والتقديس من جبال فاران، وامتلأت الأرض من تحميده وتقديسه، وملك الأرض بيمينه ورقاب الأمم.
وقال أيضا: تضيء له الأرض، ومحمد خيله في البحر، قال: وزادني بعض أهل الكتاب أنه قيل في كلام حبقوق: وستنزع في قسيك إغراقا، وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء، وهذا إفصاح باسمه وصفاته، فإن ادعوا غير نبينا وليس ينكر ذلك من جحودهم وتحريفهم، فمن أحمد هذا الّذي امتلأت الأرض من تحميده، والّذي جاء من جبال فاران فملك الأرض ورقاب الأمم؟ قال:

.ومن ذكر شعيا له:

قال شعيا عن الله تعالى: عبدي الّذي سرت به نفسي، وفي ترجمه أخرى قال: عبدي خيرتي رضى نفسي أفيض عليه روحي، وفي ترجمة أخرى قال: أنزل عليه وحيي فيظهر في الأرض وفي الأمم عدله، ويوصي الأمم بالوصايا، لا يضحك ولا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العور، ويسمع الآذان الصم، ويحي القلوب الغلف، وما أعطيته لا أعطي غيره، أحمد يحمد الله حمدا، حديثا يأتي من أقصى الأرض، يفرح البرية وسكانها، يهللون الله على كل شرف، ويكبرونه على كل رابية.
وزاد آخر في الترجمة: لا يضعف ولا يغلب ولا يميل إلى الهوى، ولا يسمع في الأسواق صوته، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة، بل يقوى به الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهم نور الله الّذي لا يطفأ ولا يخصم حتى يثبت في الأرض حجتي ويقطع به العذر، وإلى توراته تنقاد الجن، وهذا إيضاح باسمه وصفاته. فإن قالوا: أي توراة له؟ قلنا: أراد أنه يأتي بكتاب يقوم مقام التوراة لكم. ومنه قول كعب: شكا بيت المقدس إلى الله عز وجل الخراب، فقيل له: لأبدلنّك توراة محدثة، وعمالا محدثين، يدفون بالليل دفيف النسور، ويتحنّنون عليك تحنّ الحمامة على بيضها، ويملئونك خدودا سجدا.
قال ابن قتيبة: ومن ذكر شعيا له: قال: أنا الله عظمتك بالحق وأيدتك، وجعلتك نور الأمم وعهد الشعوب، لتفتح أعين العميان وتنقذ الأسرى من الظلمات إلى النور، وقال في الفصل الخامس من إليا: إن سلطانه على كتفه- يريد علامة نبوته- هذا في التفسير السرياني، وأما في العبراني فإنه يقول: إن على كتفه علامة النبوة.
قال ابن قتيبة: ومن ذكر داود عليه السلام له في الزبور: سبحوا الرب تسبيحا حديثا، سبحوا الّذي هيكله الصالحون، ليفرح إسرائيل بخالقه، وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفاه لكرامته، وأعطاه النصر، وسدد الصالحين منهم بالكرامة، يسبحون على مضاجعهم، ويكبرون الله بأصوات مرتفعة، بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقموا للَّه من الأمم الذين لا يعبدونه، يوثقون ملوكهم بالقيود وأشرافهم بالأغلال، قال: فمن هذه الأمة التي سيوفها ذات شفرتين غير العرب؟ ومن المنتقم بها من الأمم الذين لا يعبدون الله؟ ومن المبعوث بالسيف من الأنبياء غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم؟ ومن خرت الأمم تحته غيره؟ ومن قرنت شرائعه بالهيبة، فإما القبول أو الجزية أو السيف ونحوه، فقوله صلى الله عليه وسلّم: نصرت بالرعب.
قال: وفي مزمور آخر: أن الله أظهر من صهيون إكليلا محمودا، قال: ضرب الإكليل مثلا للرئاسة والأمانة، ومحمود هو محمد صلى الله عليه وسلّم. قال: وفي مزمور آخر: من صفته أنه يجوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، أنه تخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، ويلحس أعداؤه التراب، تأتيه الملوك بالقرابين وتسجد له، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد، وليخلص البائس المضطهد ممن هو أقوى منه، وينقذ الضعيف الّذي لا ناصر له، ويرأف بالضعفاء والمساكين، وأنه يعطي من ذهب من بلاد سبإ، ويصلي عليه ويبارك في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الأبد.
قال ابن قتيبة: فمن هذا الّذي ملك ما بين البحر والبحر، وما بين دجلة والفرات إلى منقطع الأرض، ومن ذا الّذي يصلي عليه ويبارك في كل وقت من الأنبياء غيره صلى الله عليه وسلّم؟. قال: وفي موضع آخر من الزبور قال داود: اللَّهمّ ابعث صاحب إنه بشر، وهذا إخبار عن المسيح وعن محمد صلى الله عليهما قبلهما بأحقاب، يريد: ابعث محمدا حتى يعلّم الناس أن المسيح بشر لعلم داود أنهم سيدّعوا في المسيح ما ادّعوا.
قال: وفي كتاب أشعيا قيل: قم فانظر ترى فخبّر به، قلت: أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل، يقول أحدهما للآخر: سقطت بابل وأصنامها المبخرة، قال: فصاحب الحمار عندنا وعند النصارى المسيح، فإذا كان صاحب الحمار المسيح فلم لا يكون محمد صلى الله عليه وسلّم صاحب الجمل؟ أو ليس سقوط بابل والأصنام المبخرة به وعلى يديه لا بالمسيح؟ ولم يزل في إقليم بابل ملوك يعبدون الأوثان من لدن إبراهيم عليه السلام؟ أو ليس هو بركوب الجمل أشهر من المسيح بركوب الحمار؟.
قال ابن قتيبة: فأما ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم في الإنجيل: فقد قال المسيح للحواريين:
أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الّذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنما هو كما يقال له وهو يشهد عليّ وأنتم تشهدون، لأنكم مع من قتل الناس، فكل شيء أعده الله لكم يخبركم به. قال:

.وفي حكاية يوحنا عن المسيح:

أنه قال: الفارقليط لا يجيئك ما لم أذهب، فإذا جاء سبح العالم من الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنه مما يسمع به يكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب.
وفي حكاية أخرى: أن الفارقليط روح الحق الّذي يرسله أبي باسمي هو يعلمكم كل شيء، وقال: إني سائل أبي أن يبعث إليكم فارقليطا آخر يكون معكم إلى الأبد، وهو يعلمكم كل شيء.
وفي حكاية أخرى: أن البشر ذاهب والفارقليط من بعده، يجيء لكم الأسرار ويقر لكم كل شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له، فإنّي أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل.
قال ابن قتيبة: وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة، وإنما اختلفت لأن من نقل الإنجيل عن المسيح عليه السلام عدة، فمن هذا الّذي هو روح الحق سبحانه، الّذي لا يتكلم إلا بما يوحى إليه؟ ومن العاقب للمسيح والشاهد له بأنه قد بلّغ؟
ومن الّذي أخبر بالحوادث في الأزمنة مثل خروج الدجال، وظهور الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه هذا؟ وأخبر بالغيوب من أمر القيامة والحساب، والجنة والنار، وأشباه ذلك مما لم يذكر في التوراة والإنجيل غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم؟ وقال:

.وفي إنجيل متى:

أنه لما حبس يحيى بن زكريا ليقتل، وبعث تلاميذه إلى المسيح وقال لهم: قولوا له: أنت هو الآتي، أو يتوقع غيرك؟ فأجابه المسيح وقال: الحق أقول لكم، أنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا، وأن التوراة وكتب الأنبياء يتلو بعضها بعضا بالنّبوّة والوحي حتى جاء يحيى، فأما الآن فإن شئتم فأقبلوا أن الياهو مزمع أن يأتي، فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع.
قال ابن قتيبة: وليس يخلو هذا الاسم من إحدى خلال: إما أن يكون قال: إن أحمد مزمع أن يأتي، فغيروا الاسم كما قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ} 4: 46، وجعلوه إلياهو، وإما أن يكون قال: إن إيل مزمع أن يأتي، وإيل هو الله عز وجل، ومجيء الله مجيء رسوله بكتابه، كما قال في التوراة: جاء الله من سيناء، فمعناه: جاء موسى من سيناء بكتاب الله، ولم يأت كتاب بعد المسيح إلا القرآن، وإما أن يكون أراد النبي المسمى بهذا الاسم، وهذا لا يجوز عندهم لأنهم مجمعون على أن لا نبي بعد المسيح.
قال ابن قتيبة: وقد وقع ذكر مكة والبيت والحرم في الكتب المتقدمة فقال في كتاب شعيا: أنه ستمتلي البادية والمدن من قصور قيدار يسبحون، ومن رءوس الجبال ينادون، هم الذين يحصلون للَّه الكرامة، ويبثون تسبيحه في البر والبحر، وقال: ارفع علما بجميع الأمم من بعيد، فيصفر بهم من أقاصي الأرض، فإذا هم سراع يأتون.