فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}.
جمع جلباب، كسرداب، وهو الرداء فوق الخمار، تتغطى به المرأة، وهو معنى قول بعضهم: جلبابها ملاءتها تشتمل بها. وقيل هو الخمار. قالت جنوب أخت عَمْرو ذي الكلب ترثيه:
تَمْشِي النُّسُوْرُ إِلَيْهِ وَهْيَ لَاْهِيَةٌ ** مَشْيَ الْعَذَارَىْ عَلَيْهِنَّ الْجَلَاْلِيْبُ

وقال آخر يصف الشيب:
حَتَّى اكْتَسَى الرَّاْسُ قِنَاْعًا أَشْهَبَا ** أَكْرَهَ جِلْبَاْبٍ لِمَنْ تَجَلْبَبَا

وقال الزمخشري: الجلباب ثوب واسع، أوسع من الخمار، ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها ويبقى منه ما ترسله على صدرها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل، ثم قال: ومعنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زل عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك. وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار، لا فصل بين الحرة والأمة. وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون للإماء إذا خرجن بالليل، إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيظان، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة، يقولون حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف وستر الرءوس والوجوه ليحتشمن ويهبن، فلا يطمع فيهن طامع، وذلك قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} أي: أولى وأجدر بأن يعرفن أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن ولا يلقين ما يكرهن. ثم قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى من، في: {مِنْ جَلَابِيْبِهِنَّ} قلت: هو للتبعيض، إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين:
أحدهما- أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب. والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار كالأمة والماهنة، ولها جلبابان فصاعدًا في بيتها.
والثاني- أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها، لتتقنع حتى تتميز من الأمة. انتهى.
ومن الآثار في الآية، ما رواه الطبري عن ابن عباس قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عينًا واحدةً. وأخرج ابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان، من السكينة. وعليهن أكيسة سود يلبسنها. وأخرج عن يونس بن يزيد أنه سأل الزهري: هل على الوليدة خمار، متزوجة أو غير متزوجة؟ قال: عليها الخمار إن كانت متزوجة، وتنهى عن الجلباب؛ لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات.
تنبيهات:
الأول- قال ابن كثير: روي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة، وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة، لا لحرمتهن، واستدل بقوله تعالى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ}. انتهى.
الثاني- قال السبكي في طبقاته: استنبط أحمد بن عيسى، من فقهاء الشافعية، من هذه الآية أن ما يفعله العلماء والسادات، من تغيير لباسهم وعمائمهم، أمر حسن. وإن لم يفعله السلف؛ لأن فيه تمييزًا لهم حتى يُعرفوا، فيعمل بأقوالهم. انتهى. الثالث- قال الشهاب: قوله تعالى: {يُدْنِينَ} يحتمل أن يكون مقول القول. وهو خبر بمعنى الأمر، أو جواب الأمر، على حد: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم: 31]، انتهى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} أي: لما سلف منهن من التفريط: {رَّحِيمًا} أي: بعباده، حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
ومن سدّ الذّرائع ألّا يعرّض المؤمن نفسه للشّبه، وألا يدع سبيلا لقالة السوء فيه، بل ينبغى أن يتجنب مواقع التّهم، حتى لا يتعرّض للأذى، ويعرّض غيره للوقوع فيه.
وفي قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ} الآية دعوة لنساء النبىّ وبناته ولنساء المؤمنين عامة أن يحموا أنفسهم من ألسنة السوء، وذلك بأن يدنين عليهن من ثيابهن، وأن يرسلنها حتى تكسو أجسامهن إلى مواقع أقدامهنّ.. وهذا هو لباس المحتشمات، على خلاف ما كان عليه لباس المتبرجات، الداعيات للرجال إلى أنفسهن.. وبهذا الزىّ ينعزل نساء النبىّ، وبناته، ونساء المؤمنين، عن غيرهن، ممن لا يسوءهن قول، أو فعل.
وفي قال تعالى: {ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ} إشارة إلى أن هذا الزّى السائر الذي يتزيا به نساء النبي وبناته ونساء المؤمنين، هو معلم من معالم المرأة الحرّة العفيفة التي لا مطمع لأحد فيها.
وفي قال تعالى: {أَدْنى}. إشارة إلى أن هذا الزىّ ليس وحده بالذي بقي الحرائر والعفيفات من ألسنة أهل الفجور والفسق، ولكنه- على أي حال- وقاء يجمّل الحرّة ويزيّن العفيفة، ويضفى على طهرها طهرا، وعلى عفتها جلالا وعفة، فهو وإن لم يكن الكمال كلّه، فهو من سمات الكمال، وإن لم يكن العفة كلّها، فهو مظهر من مظاهرها.
فستر الظاهر وتجميله، مطلوب، أيّا كان الباطن وما يختفى وراءه مما تنطوى عليه الصدور، وتسرّه السرائر.. فإن كان الباطن سيئا كريها، فالأولى بصاحبه أن يستره، ويجمّله بهذا الستر الذي يلقيه عليه من المداراة، والتحفظ.. وإن كان الباطن طيبا كريما، كان تهتّك الظاهر إزراء بقدره، وعدوانا على جلاله وبهائ.
روى أن عابدين من عبّاد البصرة، أحدهما أعور، والآخر أعرج تقابلا، فقال الأعرج للأعور: هل لك في أن تكسب أجرا؟ فأجابه صاحبه: وما ذاك؟ قال: نتماشى معا، فيرانا الناس، فيقولون: أعور وأعرج.. فنؤجر ويأثمون! فرد عليه صاحبه: وهل لك في خير من ذلك؟ قال: ماذا؟ قال: لا نفعل.. فنسلم ويسلمون! إن الغنيمة حقّا، هي في أن يسلم الإنسان من النّاس.. وذلك بألا يمكنهم من نفسه بما يبدى من عيوب، أو ما هو بمظنّة عيب.. ففى ذلك سلامته من الناس، وسلامة الناس منه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ}.
أتبع النهي عن أذى المؤمنات بأن أمرن باتقاء أسباب الأذى لأن من شأن المطالب السعي في تذليل وسائلها كما قال تعالى: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها} [الإسراء: 19] وقال أبو الأسود:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ** إن السفينة لا تجري على اليبس

وهذا يرجع إلى قاعدة التعاون على إقامة المصالح وإماتة المفاسد.
وفي الحديث: «رحم الله والدًا أعان ولده على بره».
وهذا الحديث ضعيف السند لكنه صحيح المعنى لأن بر الوالدين مطلوب، فالإِعانة عليه إعانة على وجود المعروف والخير.
وابتدىء بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته لأنهن أكمل النساء، فذكرهن من ذكر بعض أفراد العام للاهتمام به.
والنساء: اسم جمع للمرأة لا مفرد له من لفظه، وقد تقدم آنفًا عند قوله تعالى: {ولا نسائهن} [الأحزاب: 55].
فليس المراد بالنساء هنا أزواج المؤمنين بل المراد الإِناث المؤمنات، وإضافته إلى المؤمنين على معنى من أي النساء من المؤمنين.
والجلابيب: جمع جلباب وهو ثوب أصغر من الرداء وأكبر من الخمار والقِناع، تضعه المرأة على رأسها فيتدلى جانباه على عذارَيْها وينسدل سائره على كتفها وظهرها، تلبسه عند الخروج والسفر.
وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النساء تبينها العادات.
والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}.
والإِدناء: التقريب، وهو كناية عن اللبس والوضع، أي يضعن عليهن جلابيبهن، قال بشار:
ليلةٌ تَلبَس البياض من الشهر ** وأخرى تُدني جلابيبَ سودا

فقابل ب تُدني تلبَس فالإِدناء هنا اللبس.
وكان لبس الجلباب من شعار الحرائر فكانت الإِماء لا يلبسن الجلابيب.
وكانت الحرائر يلبسن الجلابيب عند الخروج إلى الزيارات ونحوها فكُنَّ لا يلبسْنَها في الليل وعند الخروج إلى المناصع، وما كنّ يخرجن إليها إلا ليلًا فأمرن بلبس الجلابيب في كل خروج ليعرف أنهن حرائر فلا يتعرض إليهن شباب الدُّعّار يحسبهن إماء أو يتعرض إليهن المنافقون استخفافًا بهن بالأقوال التي تخجلهن فيتأذيْنَ من ذلك وربما يسببْن الذين يؤذونهن فيحصل أذى من الجانبين فهذا من سدّ الذريعة.
والإِشارة ب {ذلك} إلى الإدناء المفهوم من {يدنين} أي ذلك اللباس أقرب إلى أن يُعرف أنهن حرائر بشعار الحرائر فيتجنب الرجال إيذاءهن فيسلموا وتسلمن.
وكان عمر بن الخطاب مدة خلافته يمنع الإِماء من التقنع كي لا يلتبسن بالحرائر ويضرب من تتقنّع منهن بالدّرة ثم زال ذلك بعده، فذلك قول كثير:
هنّ الحرائر لا ربات أخمرة ** سود المحاجر لا يقرأن بالسور

والتذييل بقوله: {وكان الله غفورًا رحيمًا} صفح عما سبق من أذى الحرائر قبل تنبيه الناس إلى هذا الأدب الإِسلامي، والتذييل يقتضي انتهاء الغرض. اهـ.

.قال الشعراوي:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}.
نلحظ أن الأمر توجَّجه أولًا لأزواج النبي، ثم لبناته صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن رسول الله لا يأمر أمته بشيء هو عنه بنجوى، إنما يأمرهم بشيء بدأ فيه بأهل بيته، وهذا أدْعَى لقبول الأمر وتنفيذه، فقبل أنْ آمركم أمرت نفسي فلم أتميز عنكم بشيء.
لذلك جاء في سيرة القائد المسلم طارق بن زياد أنه لما ذهب لفتح الأندلس وقف بجنوده على شاطيء البحر، وأعداؤه على الشاطيء الآخر، ثم قال للجنود: أيها الناس أنا لن آمركم بأمر أنا عنه بنجوى، وإنني عند ملتقى القوم سابقكم، فمبارز سيِّدَ القوم، فإنْ قتلتُه فقد كُفيتم أمره، وإنْ قتلني فلن يعوزكم أمير بعدي.
أي: أنني سابقكم إلى القتال، ولن أرسلكم وأجلس أتفرج وأرقب ما يحدث، يعني: أنا لا أتميز عنكم بشيء.
وبهذه المساواة أيضًا ساد عمر- رضي الله عنه- القوم وقاد العالم وهو يرتدي مُرقَّعته بالمدينة؛ لذلك لما رآه رجل وهو نائم تحت شجرة كعامة الناس قال: حكمتَ فعدلْتَ فأمنْتَ، فنمتَ يا عمر.
وكان- رضي الله عنه- إذا أراد أنْ يأخذ قرارًا في أمر من أمور رعيته يعلم أن الفساد إنما يأتي أولًا من الحاشية والأقارب والأتباع ومن مراكز القوى التي تحيط به؛ لذلك كان يجمع قرابته ويحذرهم: أنا اعتزمْتُ أنْ صدر قرارًا في كذا وكذا، فوالذي نفسي بيده مَنْ خالفني منكم إلى شيء منه لجعلته نكالًا للمسملين، أيها القوم إياكم أنْ يدخل عليكم مَنْ يدَّعي صلته بي، فتعطونه غير حق مَنْ لم يعرفني، والله إنْ فعلتُم لأجعلنكم نكالًا للمسلمين.
وورود النص القرآني بلفظ {يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 59] دليل على أن سيدنا رسول الله كان ينقل النص الذي جاءه، والصيغة التي تكلَّم الله بها دون أنْ يٌغيِّر فيها شيئًا، وإلا فقد كان بإمكانه أن ينقل الأمر لأزواجه، فيقول: يا أيها النبي أزواجك وبناتك يدنين عليهن من جلابيبهن. إنما نقل النص القرآني كما أُنزل عليه؛ ليعلم الجميع أن الأمر من الله، وما محمد إلا مُبلِّغ عن الله، فمَنْ أراد أنْ يناقش الأمر فليناقش صاحبه.
وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ساعة نزلتْ عليه هذه الآية كُنَّ تسعة أزواج، كرَّمهن الله وخيَّرهن فاخترْنَ رسول الله، كان منهن خمس من قريش هُنَّ: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وسودة بنت زمعة، وثلاث من سائر العرب هُنَّ: ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت جحش، وجُويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وواحدة من نسل هارون أخي موسى- عليهما السلام- هي السيدة صفية بنت حيي بن أخطب.
أما بنات رسول الله، فرسول الله أنجب البنين والبنات: البنون ماتوا جميعًا في الصِّغَر، أما البنات فأبقاهُنَّ الله حتى تزوَّجْنَ جميعًا، وهُنَّ: زينب، ورقية، وأم كلثوم.
وأصغرهن فاطمة، وهي الوحيدة التي بقيتْ بعد موت سيدنا رسول الله، أما زينب ورقية وأم كلثوم فقد مُتْنَ في حياة رسول الله.
ولفاطمة قصة في الضحك والبكاء؛ لذلك بعض العارفين كان يقول في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبزى} [النجم: 43] أن السيدة فاطمة حينما سُئلت ما الذي أبكاكِ وما الذي أضحكك؟ قالت: لأنني لما دخلتُ على أبي وهو مريض قال لي: إن هذا هو مرض الموت يا فاطمة فبكيت، ثم انصرفت فأشار إليَّ وقال لي: يا فاطمة ستكونين أول أهل بيتي لحوقًا بي فضحكت. لذلك لم تمكث فاطمة بعد رسول الله إلا ستة أشهر.
وقد أخذ العلماء من هذا الحديث أن لقاء الأموات يكون بمجرد الموت، وإلا لو كان اللقاء في البعث والقيامة لاستوى في ذلك مَنْ مات أولًا، ومَنْ مات آخرًا، فدلَّ قوله: «ستكونين أول أهل بيتي لحوقًا بي» على أن لقاءه صلى الله عليه وسلم بها سيكون بمجرد أنْ تموت.
الشاهد في هذه القصة أن أحدهم- أظنه الإمام عليًا- قال لفاطمة: الله يقول: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} [النجم: 43] أما رسول الله فأبكاك أولًا، ثم أضحكك حتى لا يكون أضحك وأبكى كربه.
أما السيدة زينب فتزوجت العاص بن الربيع قبل أنْ يُحرَّم الزواج من الكفار، وقد أُسِر العاص في غزوة بدر، فذهبتْ زينب لتفديه، وقدمت قلادة كانَت معها، فلام رآها رسول الله وجد أنها قلادة خديجة- رضي الله عنها- قد وهبتْها لابنتها، فقال: إنْ رأيتم أنْ تردوا لها قلادتها وتفكُّوا لها أسيرها فافعلوا، فردَّ صلى الله عليه وسلم الأمر إلى مَنْ ينتفع به، فتنازلوا عن القلادة.
أما رقية وأم كلثوم فلهما حوادث، منها حوادث مؤسفة، ومنها حوادث مبهجة، أما المؤسف فإنَّ عتبة بن أبي لهب عقد على رقية، وأخوه عتيبة عقد على أم كلثوم، وكان هذا قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بُعث رسول الله وحدث ما حدث بينه وبني أبي لهب وأنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 1-2].
قال لابنه عتبة: رأسي ورأسك عليَّ حرام حتى تُطلِّق رقية فطلَّقها، بعدها مَرَّ عتبة على رسول الله، وفعل فَعْلةً فيها استهزاء برسول الله، فقال له صلى الله عليه وسلم: «أكلك كلب من كلاب الله».