فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة}.
هؤلاء المؤذُون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا تُوعِّدوا بالعذاب سألوا عن الساعة، استبعادًا وتكذيبًا، موهمين أنها لا تكون.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} أي أجبهم عن سؤالهم وقل علمها عند الله، وليس في إخفاء الله وقتها عني ما يُبطل نبوّتي، وليس من شرط النبيّ أن يعلم الغيب بغير تعليم من الله جلّ وعز: {وَمَا يُدْرِيكَ} أي ما يعلمك.
{لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} أي في زمان قريب.
وقال صلى الله عليه وسلم: «بُعثت أنا والساعةُ كهاتين» وأشار إلى السبّابة والوسطى، خرّجه أهل الصحيح.
وقيل: أي ليست الساعة تكون قريبًا، فحذف هاء التأنيث ذهابًا بالساعة إلى اليوم؛ كقوله: {إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} ولم يقل قريبة ذهابًا بالرحمة إلى العفو، إذ ليس تأنيثها أصليا.
وقد مضى هذا مستوفى.
وقيل: إنما أخفى وقت الساعة ليكون العبد مستعدًا لها في كل وقت.
قوله تعالى: {إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} أي طردهم وأبعدهم.
واللعن: الطرد والإبعاد عن الرحمة.
وقد مضى في البقرة بيانه.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا} فأنّث السعير لأنها بمعنى النار.
{لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} ينجيهم من عذاب الله والخلود فيه.
قوله تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النار} قراءة العامة بضم التاء وفتح اللام، على الفعل المجهول.
وقرأ عيسى الهمداني وابن إسحاق: {نُقَلِّبُ} بنون وكسر اللام.
{وُجُوهَهُمْ} نصبًا.
وقرأ عيسى أيضًا: {تُقَلِّبُ} بضم التاء وكسر اللام على معنى تقلب السعيرُ وجوهَهم.
وهذا التقليب تغيير ألوانهم بلفح النار، فتسودّ مرة وتخضّر أخرى.
وإذا بدّلت جلودهم بجلود أخر فحينئذٍ يتمنون أنهم ما كفروا {يَقُولُونَ ياليتنآ}.
ويجوز أن يكون المعنى: يقولون يوم تقلَّب وجوههم في النار يا ليتنا.
{أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} أي لم نكفر فننجو من هذا العذاب كما نجا المؤمنون.
وهذه الألف تقع في الفواصل فيوقف عليها ولا يوصل بها.
وكذا {السَّبِيلاَ} وقد مضى في أوّل السورة.
وقرأ الحسن: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَاتِنَا} بكسر التاء، جمع سادة.
وكان في هذا زجر عن التقليد.
والسادة جمع السيد، وهو فَعَلة، مثل كتبة وفجرة.
وساداتنا جمع الجمع.
والسادة والكبراء بمعنًى.
وقال قتادة: هم المطعمون في غزوة بدر.
والأظهر العموم في القادة والرؤساء في الشرك والضلالة، أي أطعناهم في معصيتك وما دعونا إليه {فَأَضَلُّونَا السبيلا} أي عن السبيل وهو التوحيد، فلما حذف الجار وصل الفعل فنصب.
والإضلال لا يتعدّى إلى مفعولين من غير توسط حرف الجر، كقوله: {لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر} [الفرقان: 29].
قوله تعالى: {رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} قال قتادة: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
وقيل: عذاب الكفر وعذاب الإضلال؛ أي عذّبهم مثْلَي ما تعذّبنا فإنهم ضلّوا وأضلّوا.
{والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} قرأ ابن مسعود وأصحابه ويحيى وعاصم بالياء.
الباقون بالثاء، واختاره أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس، لقوله تعالى: {أولئك يَلعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون} [البقرة: 159] وهذا المعنى كثير.
وقال محمد بن أبي السرى: رأيت في المنام كأني في مسجد عسقلان وكأن رجلًا يناظرني فيمن يبغض أصحاب محمد فقال: والعنهم لعنًا كثيرًا، ثم كررها حتى غاب عني، لا يقولها إلا بالثاء.
وقراءة الباء ترجع في المعنى إلى الثاء؛ لأن ما كبر كان كثيرًا عظيم المقدار. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يَسْئَلُكَ الناس عَنِ الساعة} أي عن وقتِ قيامِها كانَ المُشركون يسألونَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عن ذلكَ استعجالًا بطريقِ الاستهزاءِ واليهودُ امتحانًا لما أنَّ الله تعالى عَمَّى وقتَها في التَّوراةِ وسائرِ الكتبِ.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} لا يُطلعُ عليهِ ملكًا مقرَّبًا ولا نبَّيًا مُرسلًا. وقولُه تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ} خطابٌ مستقلٌّ له عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ غيرُ داخلٍ تحتَ الأمرِ مسوقٌ لبيانِ أنَّها معَ كونِها غيرَ معلومةٍ للخلقِ مرجوَّة المجيءِ عن قريبٍ أيْ أيُّ شيءٍ يُعلمك بوقتِ قيامِها أي لا يُعلمك به شيءٌ أَصْلًا {لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} أي شَيْئًا قَريبًا أو تكونُ السَّاعةُ في وقتٍ قريبٍ. وانتصابُه على الظَّرفيَّةِ ويجوزُ أنْ يكونَ التَّذكيرُ باعتبارِ أنَّ السَّاعةَ في مَعنْى اليَّوم أو الوقتِ. وفيهِ تهديدٌ للمُستعجلينَ وتبكيتٌ للمتعنتينَ. والإظهارُ في حيِّزِ الإضمارِ للتَّويلِ وزيادةِ التَّقريرِ وتأكيدِ استقلالِ الجُملة كما أُشير إليهِ {إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} على الإطلاقِ أي طردَهُم وأبعدَهُم من رحمتِه العاجلةِ والآجلةِ {وَأَعَدَّ لَهُمْ} مع ذلكَ {سَعِيرًا} نارًا شديدةَ الاتقادِ يقاسُونها في الآخرةِ {خالدين فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يحفظُهم {وَلاَ نَصِيرًا} يُخلِّصهم منها {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النار} ظرفٌ لعدمِ الوجدانِ، وقيل: لخالدينَ، وقيل: لنصيرًا، وقيل: مفعولٌ لاذكُر أي يومَ تُصرَّفُ وجوهُهم فيها من جهةٍ إلى جهةٍ كلحمٍ يُشوى في النَّارِ أو يُطبخُ في القِدرِ فيدورُ به الغليانُ من جهةٍ إلى جهةٍ أو من حالٍ إلى حالٍ أو يُطرحُون فيها مقلوبينَ منكوسين. وقُرئ تقلَّب بحذفِ إحدى التَّاءينِ من تتقلَّبُ ونُقلِّب بإسنادِ الفعلِ إلى نونِ العظمةِ. ونصْبِ وجوهِهم وتُقلِّب بإسنادِه إلى السَّعيرِ، وتخصيصُ الوجوهِ بالذكرِ لِما أنَّها أكرمُ الأعضاءِ ففيهِ مزيدُ تفظيعٍ للأمرِ وتهويلٌ للخطبِ، ويجوزُ أنْ تكونَ عبارةً عن كلِّ الجسدِ. فقولُه تعالى: {يَقُولُونَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من حكايةِ حالِهم الفظيعةِ كأنَّه قيل فماذا يصنعُون عندَ ذلكَ فقيلَ يقولُون مُتحسِّرين على ما فاتَهم.
{ياليتنا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} فلا نُبتلى بهذا العذابِ، أو حالٌ من ضميرِ وجوهُهم أو من نفسها أو هو العاملُ في يومَ {وَقَالُواْ} عطفٌ على يقولُون، والعُدول إلى صيغةِ المَاضي للإشعارِ بأنَّ قولَهم هذا ليس مستمرًَّا كقولِهم السَّابقِ بل هو ضربُ اعتذارِ أرادُوا به ضربًا من التَّشفي بمضاعفةِ عذابِ الذين ألقَوهم في تلك الورطةِ وإنَّ علمُوا عدَم قبولِه في حقِّ خلاصِهم منها {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} يعنُون قادتَهم الذين لقَّنوهم الكفرَ. وقُرئ ساداتِنا للدِّلالةِ على الكثرة والتَّعبيرُ عنهم بعُنوانِ السِّيادة والكبر لتقوية الاعتذار وإلاَّ فهم في مقام التحقير والإهانة.
{فَأَضَلُّونَا السبيلا} بما زيَّنوا لنا من الأباطيلِ، والألفُ للإطلافِ كما في وأطعَنا الرَّسُولا.
{رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} أي مِثْلَي العذاب الذي آتيتناهُ لأنَّهم ضلُّوا وأضلُّوا {والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} أي شديدًا عظيمًا. وقُرئ كثيرًا، وتصديرُ الدُّعاءِ بالنِّداءِ مكرَّرًا للمبالغةِ في الجؤارِ واستدعاءِ الإجابةِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَسْئَلُكَ الناس عَنِ الساعة} أي عن وقت قيامها ووقوعها، كان المشركون يسألونه صلى الله عليه وسلم عن ذلك استعجالًا بطريق الاستهزاء والمنافقون تعنتًا واليهود امتحانًا لما أنهم يعلمون من التوراة أنها مما أخفاه الله تعالى فيسألونه عليه الصلاة والسلام ليمتحنوه هل يوافقها وحيًا أو لا {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} لا يطلع سبحانه عليه ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا {وَمَا يُدْرِيكَ} خطاب مستقل له صلى الله عليه وسلم غير داخل تحت الأمر مسوق لبيان أنها مع كونها غير معلومة مرجوة المجىء عن قريب، وما استفهام في موضع الرفع بالابتداء والجملة بعده خبر أي أي شيء يعلمك بوقت قيامها، والمعنى على النفي أي لا يعلمنك به شيء أصلًا.
{لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} أي لعلها توجد وتتحق في وقت قريب فقريبًا منصوب على الظرفية واستعماله كذلك كثير، و{تَكُونُ} تامة ويجوز أن تكون ناقصة وإذا كان {قَرِيبًا} الخبر واعتبر وصفًا لا ظرفًا فالتذكير لكونه في الأصل صفة لخبر مذكر يخبر به عن المؤنث وليس هو الخبر أي لعل الساعة تكون شيئًا قريبًا، وجوزأن يكون ذلك رعاية للمعنى من حيث أن الساعة بمعنى اليوم أو الوقت.
وقال أبو حيان: يجوز أن يكون ذلك لأن التقدير لعل قيام الساعة فلوحظ الساعة في تكون فأنث ولوحظ المضاف المحذوف وهو قيام في {قَرِيبًا} فذكر، ولا يخفى بعده، وقيل إن قريبًا لكونه فعيلًا يستوي فيه المذكر والمؤنث كما في قوله تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 6 5] وقد تقدم ما في ذلك، وفي الكلام تهديد للمستعجبين المستهزئين وتبكيت للمتعنتين والممتحنين، والإظهار في موضع الإضمار للتهويل وزيادة التقرير وتأكيد استقلال الجملة كما أشير إليه.
{إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين} على الإطلاق أي طردهم وأبعدهم عن رحمته العاجلة والآجلة {وَأَعَدَّ} هيأ {لَهُمْ} مع ذلك في الآخرة {سَعِيرًا} نارًا شديدة الاتقاد كما يؤذن بذلك صيغة المبالغة.
{خالدين فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا} متوليًا لأمرهم يحفظهم {وَلاَ نَصِيرًا} ناصرًا يخلصهم منها.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النار} ظرف لعدم الوجدان، وقيل لخالدين، وقيل لنصير، وقيل مفعول لا ذكر أي يوم تصرف وجوههم فيها من جهة إلى جهة كاللحم يشوى في النار أو يطبخ في القدر فيدور به الغليان من جهة إلى جهة أو يوم تتغير وجوههم من حال إلى حال فتتوارد عليها الهيئات القبيحة من شدة الأهوال أو يوم يلقون في النار مقلوبين منكوسين، وتخصيص الوجوه بالذكر لما أنها أكرم الأعضاء ففيه مزيد تفظيع للأمر وتهويل للخطب، ويجوز أن تكون عبارة عن كل الجسد.
وقرأ الحسن وعيسى وأبو جعفر الرواسي: {تَقَلُّبُ} بفتح التاء والأصل تتقلب فحذفت إحدى التاءين، وقرأ ابن أبي عبلة بهما على الأصل، وحكى ابن خالويه عن أبي حيوة أنه قرأ: {اسودت وُجُوهُهُمْ} بإسناد الفعل إلى ضمير العظمة ونصب {وُجُوهُهُمْ} على المفعولية.
وقرأ عيسى الكوفة {تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ} بإسناد الفعل إلى ضمير السعير اتساعًا ونصب الوجوه {يَقُولُونَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية حالهم الفيظعة كأنه قيل: فماذا يصنعون عند ذلك فقيل: يقولون متحسرين على ما فاتهم {ياليتنا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} فلا نبتلي بهذا العذاب أو حال من ضمير {وُجُوهُهُمْ} أو من نفسها وجوز أن يكون هو الناصب ليوم.
{وَقَالُواْ} عطف على {يَقُولُونَ} والعدول إلى صيغة الماضي للإشعار بأن قولهم هذا ليس مستمرًا كقولهم السابق بل هو ضرب اعتذار أرادوا به ضربًا من التشفي بمضاعفة عذاب الذين أوردوهم هذا المورد الوخيم وألقوهم في ذلك العذاب الأليم وإن علموا عدم قبوله في حق خلاصهم بما هم فيه.
{رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} أي ملوكنا وولاتنا الذين يتولون تدبير السواد الأعظم منا {وَكُبَرَاءنَا} أي رؤساءنا الذين أخذنا عنهم فنون الشر وكان هذا في مقابلة ما تمنوه من إطاعة الله تعالى وإطاعة الرسول فالسادة والكبراء متغايران، والتعبير عنهما بعنوان السيادة والكبر لتقوية الاعتذار والأفهم في مقام التحقير والإهانة.
وقدموا في ذلك إطاعة السادة لما أنه كان لهم قوة البطش بهم لو لم يطيعوهم فكان ذلك أحق بالتقديم في مقام الاعتذار وطلب التشفي، وقيل: باتحاد السادة والكبراء والعطف على حد العطف في قوله:
وألفي قولها كذبًا ومينا

والمراد بهم العلماء الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم، وعن قتادة رؤساؤهم في الشر والشرك.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسلمي وابن عامر والعامة في الجامع بالبصرة {ساداتنا} على جمع الجمع وهو شاذ كبيوتات، وفيه على ما قيل دلالة على الكثرة، ثم إن كون سادة جمعًا هو المشهور، وقيل: اسم جمع فإن كان جمعًا لسيد فهو شاذ أيضًا فقد نصوا على شذوذ فعلة في جمع فعيل وإن كان جمعًا لمفرد مقدر وهو سائد كان ككافر وكفرة لكنه شاذ أيضًا لأن فاعلًا لا يجمع على فعلة إلا في الصحيح {وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا} أي جعلونا ضالين عن الطريق الحق بما دعونا إليه وزينوه لنا من الأباطيل، والألف للإطلاق كما في {وَأَطَعْنَا الرسولا} [الأحزاب: 66].
{رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} أي عذابين يضاعف كل واحد منهما الآخر عذابًا على ضلالهم في أنفسهم وعذابًا على إضلالهم لنا {والعنهم لَعْنًا كَبِيرًا} أي شديد عظيمًا فإن الكبر يستعار للعظمة مثل {كَبُرَتْ كَلِمَةً} [الكهف: 5] ويستفاد التعظيم من التنوين أيضًا، وقرأ الأكثر {كَثِيرًا} بالثاء المثلثة أي كثير العدد، وتصدير الدعاء بالنداء مكررًا للمبالغة في الجؤار واستدعاء الإجابة. اهـ.

.قال القاسمي:

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} أي: يسألونك عن وقت قيامها. وكان المشركون في مكة يسألونه صلّى الله عليه وسلم، عنها استعجالًا على سبيل الهزء، وكذلك اليهود في المدينة أو غيرهم؛ لأن هذه السورة مدنية، وقد أرشده تعالى أن يرد علمها إليه لاستئثاره تعالى به، فلم يطلع نبيًا ولا ملكًا، وأن يبين لهم أنها قريبة الوقوع، تهديدًا للمستعجلين وإسكاتًا للممتحنين.
لطيفة:
تذكير قريبًا باعتبار موصوفه الخبر؛ أي: شيئًا قريبًا، أو لأن الساعة في معنى اليوم أو الوقت، أو أن قريبًا ظرف منصوب على الظرفية، فإن قريبًا وبعيدًا: يكونان ظرفين، فليس صفة مشتقة، حتى تجري عليه أحكام التذكير والتأنيث.
قال أبو السعود: والإظهار في حيز الإضمار، للتهويل وزيادة التقرير، وتأكيد استقلال الجملة؛ يعني أن قوله: {وَمَا يُدْرِيكَ} خطاب مستقل له عليه السلام، غير داخل تحت الأمر، مسوق لبيان أنها مع كونها غير معلومة للخلق، مرجوة المجيء عن قريب.
{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ} أي: أبعدهم من رحمته: {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} أي: نارًا شديدة الاتقاد في الآخرة: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا} أي: حافظا يتولاهم: {وَلَا نَصِيرًا} أي: يخلصهم: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} أي: تصرف من جهة إلى جهة، تشبيه بقطعة لحم في قدرٍ تغلي، ترامى بها الغليان من جهة إلى جهة. أو المعنى: من حال إلى حال، فالمراد تغيير هيئاتها من سواد وتقديد وغيره.
قال الزمخشري: وخصت الوجوه بالذكر، لأن الوجه أكرم موضع على الْإِنْسَاْن من جسده، ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة، وناصب الظرف: يقولون، أو اذكر، أو يجدون، أو خالدين، أو نصيرًا: {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} أي: فكنا ننجو من هذا العذاب.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} وهم رؤساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم حتى قلدوهم فيه: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} أي: بما زينوه لنا. قال الزمخشري: وزيادة الألف لإطلاق الصوت جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر، وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع، وأن ما بعده مستأنف: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} أي: مثلي العذاب الذي آتيتناه؛ لأنهم ضلوا وأضلوا: {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} أي: لعنًا هو أشد اللعن وأعظمه.
وقرئ: كَثِيْرًا، تكثيرًا لأعداد اللعائن. اهـ.