فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{رَّحِيمًا} بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئياب منها.
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} عن نفاقهم.
{والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ضعف إيمان وقلة ثبات عليه، أو فجور عن تزلزلهم في الدين أو فجورهم.
{والمرجفون في المدينة} يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها من إرجافهم، وأصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمي به الإِخبار الكاذب لكونه متزلزلًا غير ثابت.
{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم، أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء.
{ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ} عطف على {لَنُغْرِيَنَّكَ} و{ثُمَّ} للدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول أعظم ما يصيبهم.
{فِيهَا} في المدينة.
{إِلاَّ قَلِيلًا} زمانًا أو جوارًا قليلًا.
{مَّلْعُونِينَ} نصب على الشتم أو الحال والاستثناء شامل له أيضًا أي: {لاَ يُجَاوِرُونَكَ} إلا ملعونين، ولا يجوز أن ينصب عن قوله: {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها.
{سُنَّةَ الله في الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} مصدر مؤكد أي سن الله ذلك في الأمم الماضية، وهو أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في وهنهم بالإِرجاف ونحوه {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ}.
{وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} لأنه لا يبدلها ولا يقدر أحد أن يبدلها.
{يَسْئَلُكَ الناس عَنِ الساعة} عن وقت قيامها استهزاء وتعنتًا أو امتحانًا.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} لم يطلع عليه ملكًا ولا نبيًا.
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا} شيئًا قريبًا أو تكون الساعة عن قريب وانتصابه على الظرف، ويجوز أن يكون التذكير لأن {الساعة} في معنى اليوم، وفيه تهديد للمستعجلين وإسكات للمتعنتين.
{إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} نارًا شديدة الاتقاد.
{خالدين فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يحفظهم.
{وَلاَ نَصِيرًا} يدفع العذاب عنهم.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النار} تصرف من جهة إلى جهة كاللحم يشوى بالنار، أو من حال إلى حال، وقُرئ {تَقَلُّبُ} بمعنى تتقلب و{تَقَلُّبُ} ومتعلق الظرف.
{يَقُولُونَ ياليتنا أَطَعْنَا الله وَأَطَعْنَا الرسولا} فلن نبتلي بهذا العذاب.
{وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} يعنون قادتهم الذين لقنوهم الكفر، وقرأ ابن عامر ويعقوب {ساداتنا} على جمع الجمع للدلالة على الكثرة.
{فَأَضَلُّونَا السبيلا} بما زينوا لنا.
{رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} مثلي ما آتيتنا منه لأنهم ضلوا وأضلوا.
{والعنهم لَعْنًا كَثِيرًا} كثير العدد، وقرأ عاصم بالباء أي لعنًا هو أشد اللعن وأعظمه.
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين ءَاذَوْاْ موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} فأظهر براءته من مقولهن يعني مؤداه ومضمونه، وذلك أن قارون حرض امرأة على قذفه بنفسها فعصمه الله كما مر في القصص، أو اتهمه ناس بقتل هرون لما خرج معه إلى الطور فمات هناك، فحملته الملائكة ومروا به حتى رءوه غير مقتول. وقيل أحياه الله فأخبرهم ببراءته، أو قذفوه بعيب في بدنه من برص أو أدرة لفرط تستره حياء فأطلعهم الله على أنه بريء منه.
{وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهًا} ذا قربة ووجاهة، وقُرئ «وكان عبد الله وجيهًا».
{يا أيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله} في ارتكاب ما يكرهه فضلًا عما يؤذي رسوله.
{وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} قاصدًا إلى الحق من سد يسد سدادًا، والمراد النهي عن ضده كحديث زينب من غير قصد.
{يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم} يوفقكم للأعمال الصالحة، أو يصلحها بالقبول والإِثابة عليها.
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل.
{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} في الأوامر والنواهي.
{فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} يعيش في الدنيا حميدًا وفي الآخرة سعيدًا.
{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان} تقرير للوعد السابق بتعظيم الطاعة، وسماها أمانة من حيث إنها واجبة الأداء، والمعنى أنها لعظمة شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام وكانت ذات شعور وإدراك لأبين أن يحملنها، وأشفقن منها وحملها الإنسان مع ضعف بنيته ورخاوة قوته لا جرم فاز الراعي لها والقائم بحقوقها بخير الدارين.
{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا} حيث لم يف بها ولم يراع حقها.
{جَهُولًا} بكنه عاقبتها، وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب. وقيل المراد ب {الأمانة} الطاعة التي تعم الطبيعية والاختيارية، وبعرضها استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار وإرادة صدوره من غيره، وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها ومنه قولهم حامل الأمانة ومحتملها لمن لا يؤديها فتبرأ ذمته، فيكون الإِباء عنه اتيانًا بما يمكن أن يتأتى منه والظلم والجهالة الخيانة والتقصير. وقيل إنه تعالى لما خلق هذه الأجرام خلق فيها فهمًا وقال لها: إني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها، ونارًا لمن عصاني، فقلن نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة ولا نبتغي ثوابًا ولا عقابًا، ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله، وكان ظلومًا لنفسه بتحمله ما يشق عليها جهولًا بوخامة عاقبته، ولعل المراد ب {الأمانة} العقل أو التكليف، وبعرضها عليهن اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن، وبإبائهن الإِباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد، وبحمل الإنسان قابليته واستعداده لها وكونه ظلومًا جهولًا لما غلب عليه من القوة الغضبية والشهوية، وعلى هذا يحسن أن يكون علة للحمل عليه فإن من فوائد العقل أن يكون مهيمنًا على القوتين حافظًا لهما عن التعدي ومجاوزة الحد، ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما.
{لّيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات} تعليل للحمل من حيث إنه نتيجته كالتأديب للضرب في ضربته تأديبًا، وذكر التوبة في الوعد إشعار بأنهم كونهم ظلومًا جهولًا في جبلتهم لا يخليهم عن فرطات.
{وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} حيث تاب عن فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعاتهم. قال عليه الصلاة والسلام «من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله أو ما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)}.
التفسير:
اعلم أن مبنى هذه السورة على تأديب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر أنه سبحانه بدأ بذكر ما ينبغي أن يكون عليه النبيّ مع الله وهو التقوى، وذكر ما ينبغي أن يكون عليه مع أهله فأمر بعد ذلك عامة المؤمنين بما أمر به عباده المرسلين: وبدأ بما يتعلق بجانب التعظيم لله وهو الذكر الكثير، وفيه لطيفة وهي أن النبيّ لكونه من المقربين لم يكن ناسيًا فلم يؤمر بالذكر بل أمر بالتقوى والمحافظة عليها فإنها تكاد لا تتناهى. والتسبيح بكرة وأصيلًا عبارة عن الدوام لأن مريد العموم قد يذكر الطرفين ويفهم منهما الوسط كقوله صلى الله عليه وسلم: «ولو أن أوّلكم وآخركم» قال جار الله: خص التسبيح بالذكر من جملة الذكر لفضله على سائر الأذكار ففيه تنزيه عما لا يجوز عليه. ولقائل أن يقول: هذا لا يطابق قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله» وجوّز أن يراد بالذكر الكثير الإقبال على العبادات كلها، ويراد بالتسبيح الصلاة، وبالوقتين العموم كما مر، أو صلاة الفجر والعشاءين، لأن أداءها أشق ومراعاتها أشد. ثم حرض المؤمنين على ذكره بأنه أيضًا يذكرهم والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار، فلعله أراد باللفظ المشترك كلا مفهوميه كما ذهب إليه الشافعي، أو في الكلام حذف أي وملائكته تصلي، أو المراد بصلاة الملائكة هي قولهم: اللهم صل على المؤمنين. جعلوا لاستجابة دعوتهم كأنهم فعلوا الرحمة، أو المراد القدر المشترك وهو العناية بحال المرحوم والمستغفر له. وأصل الصلاة التعطف وذلك أن المصلي يتعطف في ركوعه وسجوده فاستعير لمن يتعطف على غيره وحنوًّا وترؤفًا. ثم بين غاية الصلاة وهي إخراج المكلف من ظلمات الضلال إلى نور الهدى. وفي قوله: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} بشارة لجميع المؤمنين وإشارة إلى أن تلك الرحمة لا تخص السامعين وقت الوحي. ومعنى {تحيتهم يوم يلقونه سلام} مذكور في أول يونس وفي إبراهيم. واراد بيوم اللقاء يوم القيامة لأن الخلق مقبلون على الله بكليتهم بخلاف الدنيا. والأجر الكريم هو ما يأتيه عفوًا صفوًا من غير شوب نغص، ثم إشار إلى ما ينبغي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مع عامة الخلق فقال: {إنا أرسلناك شاهدًا} وهي حال مقدرة أي مقبولًا قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل، وفيه أن الله تعالى جعل النبي شاهدًا على وجوده بل على وحدانيته لأن المدعي هو الذي يذكر شيئًا بخلاف الظاهر والوحدانية أظهر من الشمس فلا ينبغي أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مدع لها. بل يقال: إنه شاهد عليها كما قال: على مثل الشمس فاشهد وإنه قد جازاه بشهادته لله شهادته على نبوته كما قال: {والله يعلم انك لرسوله} [المنافقون: 1] والحاصل أنه شاهد في الدنيا بأحوال الآخرة من الجنة والنار والميزان والصراط، وشاهد في الآخرة بأحوال الدنيا من الطاعة والمعصية والصلاح والفساد. وإنما قال: {وداعيًا إلى الله بإذنه} لأن الشهادة للمرء لا تفتقر إلى إذنه وكذلك الإنذار والتبشير إذا قال من يطع الملك أفلح ومن عصاه لم يربح. أما إذا قال: تعالوا إلى سماطه واحضروا على خوانه احتاج إلى رضاه. ويمكن أن يكون قوله: {بإذنه} متعلقًا بمجموع الأحوال أي بتسهيله أو تيسيره. ووصف النبي عليه السلام بالسراج بأن ظلمات الضلال تنجلي به كما ينجلي ظلام الليل بالسراج، وقد أمدّ الله بنور نبوته نور البصائر كما يمدّ بنور السراج نور الأبصار.
وإنما لم يشبه بالشمس لأن الشمس لا يؤخذ منه شيء ويؤخذ من السراج سرج كثيرة وهم الصحابة والتابعون في المثال ولهذا قال: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وصفهم بالنجم لأن النجم لا يؤخذ منه شيء، والتابعي لا يأخذ من الصحابي في الحقيقة وإنما يأخذ من النبيّ. ووصف السراج بالإنارة لأن السراج قد يكون فاترًا ومنه قولهم: ثلاثة تضني: رسول بطيء، وسراج لا يضيء، ومائدة ينتظرها من يجيء. ويجوز أن يكون سراجًا معطوفًا على الكاف ويراد به القرآن، ويجوز أن يكون المعنى وذا سراج أو تاليًا سراجًا. قوله: {ودع أذاهم} أي خذ بظاهرهم وادفع عنهم الأسر والقتل وحسابهم على الله، وإضافة أذاهم يحتمل أن يكون إلى الفاعل وإلى المفعول.
ثم أمر المؤمنين بما يتعلق بجانب الشفقة على الخلق واكتفى بذكر الزوجات المطلقات قبل المسيس لأنه إذا لزم الإحسان إليهنّ بمجرد العقد وهو المراد بالنكاح ههنا، فبالوطء يكون أولى وقد مر حمكهنّ في سورة البقرة. في قوله: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [الآية: 237] وذلك لأجل تشطير الصداق. وإنما أعاد ذكرهن هاهنا لبيان عدم وجوب العدّة عليهن. وتخصيص المؤمنات بالذكر دون الكتابيات إيذان بأنهن أولى بتخيرهن للنطفة. وفي قوله: {ثم طلقتموهن} تنبيه على أنه لا تفاوت في هذا الحكم بين قريبة العهد من النكاح وبين بعيدة العهد منه، فإذا لم تجب العدّة على البعيدة العهد فلأن لا تجب على القريبة العهد أولى. وقد يستدل بكلمة ثم على أن تعليق الطلاق بالنكاح لا يصح لأن المعية تنافي التراخى. وفي قوله: {فما لكم عليهن} دليل على أن العدة حق واجب للرجال على النساء وإن كان لا يسقط بإسقاط لما فيها من حق الله تعالى أيضًا. ومعنى {تعتدونها} تستوفون عددها تقول: عددت الدراهم فاعتدها نحو: كلته فاكتاله. ثم عاد إلى تعليم النبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة قوله: {اللاتي آتيت أجورهن} وقوله: {مما أفاء الله عليك} وقوله: {اللاتي هاجرن معك} هي أن الله تعالى اختار لرسوله الأفضل الأولى، وذلك أن سوق المهر إليها عاجلًا أفضل من أن تمسيه وتؤجله. وكان التعجيل ديدن السلف ومن الناس من قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجب عليه إعطاء المهر لأن المرأة لها الامتناع إلى أن تأخذ مهرها، والنبي عليه السلام لم يكن يستوفي مالا يجب له كيف وإنه إذا طلب شيئًا حرم الامتناع على المطلوب منه. والظاهر أن طالب الوطء ولاسيما في المرة الأولى يكون هو الرجل لحياء المرأة، ولو طلب النبيّ صلى الله عليه وسلم من المرأة التمكين قبل المهر لزم أن يجب وأن لا جيب، ولا كذلك أحدنا.
ومما يؤكد هذا قوله: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ} صلى الله عليه وسلم يعني حينئذ لا يبقى لها صداق فتصير كالمستوفية مهرها. والجارية إذا كانت سبية مالكها ومخطوبة سيفه ورمحه فإنها أحل وأطيب من المشتراة لكونها غير معلومة الحال. قال جار الله: السبي على ضربين: سبي طيبة وهي ما سبي من أهل الحرب، وسبي خبيثة وهي ما سبي ممن له عهد، فلا جرم قال سبحانه: {مما أفاء الله عليك} لأن فيء الله لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث، وكذلك اللاتي هاجرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقاربه غير المحارم أفضل من غير المهاجرات معه. وإنما لم يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتها مع أن لجمع البنات دلالة على ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد، ولم يحسن الاقتصار في العمة والخالة لإمكان سبق الوهم إلى أن التاء فيهما للوحدة وشرط في استحلال الواهبة نفسها إرادة استنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قال: أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها. وفيه أنه لابد من قبول الهبة حتى يتم النكاح، وبه استدل أبو حنيفة على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة، وحملها الشافعي على خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. وعن أبي الحسن الكرخي أن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز لقوله: {اللاتي آتيت أجورهن} قال أبو بكر الرازي: لا يصح لأن الإجارة عقد مؤقت وعقد النكاح مؤبد. والظاهر أن {خالصة} حال من {امرأة} وقال جار الله: هي مصدر مؤكد كوعد الله أي خلص لك الإحلال خلوصًا. وفائدة هذا الحال على مذهب الشافعي ظاهرة. وقال أبو حنيفة: أراد بها أنها زوجته وهي من أمهات المؤمنين فأورد عليه أن أزواجه كلهن خالصات له فلا يبقى لتخصيص الواهبة فائدة. وقوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم} جملة اعتراضية معاها أن الله قد علم ما يجب على المؤمنين في حق الأزواج وفي الإماء على أي حدّ وصفة ينبغي أن يكون. ثم بين غاية الإحلال بقوله: {لكيلا يكون عليك حرج} أي لئلا يكون عليك ضيق في دينك ولا في دنياك حيث أحللنا لك أصناف المنكوحات {وكان الله غفورًا} للذي وقع في الحرج {رحيمًا} بالتوسعة والتيسير على عباده.
ثم بيّن أنه أحل له وجوه المعاشرة بهن من غير إيجاب قسم بينهنّ، لأنه صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى أمته كالسيد المطاع فزوجاته كالمملوكات فلا قسم لهن. والإرجاء التأخير، والإيواء الضم وهما خبران في معنى الأمر.
{ومن ابتغيت ممن عزلت} يعني إذا طلبت من كنت تركتها {فلا جناح عليك} في شيء من ذلك وهذه قسمة جامعة للغرض لأنه إما أن يطلق وإما أن يمسك، وإذا أمسك ضاجع أو ترك، وإذا ضاجع قسم أو لم يقسم، وإذا طلق أو عزل فإما أن يترك المعزولة أو يبتغيها.
يروى أنه أرجأ منهن سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهنّ ما شاء كما شاء، وكانت ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب. وروي أنه كان يسوّي مع ما خير فيه إلاّ سودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك. وقيل: أراد تترك تزوّج من شئت من نساء أمتك وتتزوّج من شئت. وعن الحسن: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها. ومن قال: إن القسم كان واجبًا مع أنه ضعيف بالنسبة إلى مفهوم الآية قال: المراد تؤخرهن إن شئت إذ لا يجب القسم في الأول، وللزوج أن لا ينام عند أحد منهن {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} في ذلك فابدأ بمن شئت وتمم الدور والأول أقوى. ثم قال: {ذلك} التفويض إلى مشيئتك {أدنى} إلى قرّة عيونهن وقلة حزنهن وإلى رضاهّن جميعًا لأنه إذا لم يجب عليه القسم. ثم إنه يقسم بينهن حملهن ذلك على تلطفه وتخلصه. وفي قوله: {والله يعلم ما في قلوبكم} وعيد لمن يرض منهن بما دبر الله له {وكان الله عليما} بذات الصدور {حليمًا} مع ذلك لا يعاجل بالعقوبة فتحًا لباب التوبة. وقوله: {كلهن} بالرفع تأكيد لنون يرضين، وقرئ بالنصب تأكيدًا لضمير المفعول في {آتيتهن} ثم إنه سبحانه شكر لأزواج رسول الله اختيارهن لله ورسوله فأنزل {لا يحل لك النساء من بعد} قال أكثر المفسرين: اي من بعد التسع المذكورة، فالتسع نصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمته منهن. وإنه تعالى زاد في إكرامهن بقوله: {ولا أن تبدّل بهن} أي ولا يحل لك أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجًا أخر بكلهن أو بعضهن، وأكد النفي بقوله: {من أزواج} وفائدته استغراق جنس جماعات الأزواج بالتحريم. وذهب بعضهم إلى أن الاية فيها تحريم غيرهن ولا المنع من طلاقهنّ، والمعنى لا يحل لك من النساء من بعد اللاواتي نص على إحلالهنّ من الأجناس الأربعة، وأما غيرهنّ من الكتابيات والإماء بالنكاح والأعربيات والغرائب فلا يحل لك التزوّج بهن. وقوله: {ولا أن تبدل بهن} منع من فعل الجاهلية وهو قولهم بادلني بامرأتك وابادلك بامرأتي فكان ينزل كل واحد منهما عن امرأته لصاحبه. يحكى أن عيينة بن حصن دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة من غير استئذان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عيينة أين الاستئذان؟ فقال: يا رسول الله ما استأذنت على رجل قط ممن مضى منذ أدركت.