فصل: (سورة سبأ: الآيات 20- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة سبأ: الآيات 20- 22]:

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شيء حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)}.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الواو عاطفة على ما تقدم أو استئنافية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وصدق فعل ماض وعليهم متعلقان بصدق وإبليس فاعله وظنه مفعوله كأنه ظن فيهم أمرا وواعده نفسه فصدقه وقرىء صدق بالتخفيف على المعنى نفسه فيكون ظنه منصوبا بنزع الخافض ويصح أن يكون مفعولا به أيضا، وقرىء بنصب إبليس على المفعولية ورفع ظنه على الفاعلية وقرىء برفعهما معا على أن يكون ظنه بدل اشتمال من إبليس، فاتبعوه الفاء عاطفة واتبعوه فعل ماض وفاعل ومفعول به، ويجوز أن يكون الكلام خاصا فالضمير يعود على أهل سبأ وأن يكون عاما فالضمير يعود على بني آدم، وإلا أداة استثناء وفريقا مستثنى يجوز أن يكون منقطعا ويجوز أن يكون متصلا ومن المؤمنين صفة لفريقا.
{وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ} الواو عاطفة وما نافية وكان فعل ماض ناقص وله خبرها المقدم وعليهم حال لأنه كان في الأصل نعت لسلطان ومن حرف جر زائد وسلطان مجرور لفظا اسم ليس المؤخر محلا.
{إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ} إلا أداة حصر واللام للتعليل وقيل للعاقبة والاستثناء مفرغ من أعم العلل فهو في محل نصب مفعول لأجله ونعلم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، ومن يجوز أن تكون استفهامية فتسد مسد مفعولي العلم وتكون في محل رفع مبتدأ وجملة يؤمن بالآخرة خبر، ويجوز أن تكون موصولة في محل نصب مفعول نعلم وهذا أرجح وجملة يؤمن صلة وبالآخرة متعلقان بيؤمن وممن جار ومجرور متعلقان بنعلم لأنه متضمن معنى نميز وهو مبتدأ ومنها حال لأنه كان في الأصل صفة لشك وفي شك خبر والجملة صلة.
{وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شيء حَفِيظٌ} وربك مبتدأ وعلى كل شيء متعلقان بحفيظ وحفيظ خبر ربك.
{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قل فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين وجملة ادعوا الذين مقول القول وجملة زعمتم صلة ومن دون اللّه صفة للمفعول الثاني المحذوف والمفعول الأول محذوف أيضا تقديره زعمتوهم آلهة فحذف الأول لطول الموصول بصلته وحذف الثاني لقيام صفته، أعني من دون اللّه مقامه. وهذا من أعجب الكلام وأوكده ونحن ننقل لك عبارة الزمخشري بنصها في هذا الصدد قال: فإن قلت أين مفعولا زعم؟ قلت: أحدهما الضمير المحذوف الراجع منه إلى الموصول وأما الثاني فلا يخلو إما أن يكون من دون اللّه أو لا يملكون أو محذوفا فلا يصح الأول لأن قولك هم من دون اللّه لا يلتئم كلاما ولا الثاني لأنهم ما كانوا يزعمون ذلك فكيف يتكلمون بما هو حجة عليهم وبما لو قالوه قالوا ما هو حق وتوحيد فبقي أن يكون محذوفا تقديره: زعمتموهم آلهة من دون اللّه فحذف الراجع إلى الموصول كما حذف في قوله: أهذا الذي بعث اللّه رسولا استخفافا لطول الموصول بصلته وحذف آلهة لأنه موصوف صفته من دون اللّه والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوما فإذن مفعولا زعم محذوفان جميعا بسببين مختلفين.
{لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} الجملة حال من الذين زعمتموهم آلهة ولك أن تجعلها مستأنفة مسوقة لبيان حالهم ولا نافية ويملكون فعل مضارع وفاعل ومثقال ذرة مفعول به وفي السموات والأرض متعلقان بيملكون أو بمحذوف حال.
{وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} الواو عاطفة وما نافية ولهم خبر مقدم وفيهما حال ومن حرف جر زائد وشرك مجرورا لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر أو اسم ما على رأي من يجيز تقدم خبرها على اسمها والواو عاطفة أيضا وما نافية وله خبر مقدم ومنهم حال ومن ظهير مبتدأ مؤخر كما تقدم.

.[سورة سبأ: الآيات 23- 27]:

{وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاء كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}.

.اللغة:

{فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} بالبناء للمجهول وفزّع عنه بالتشديد أذهب عنه الفزع والفزع بفتحتين: الذعر والمخافة والإغاثة، وفي الأساس:
وفزع عن قلبه: كشف الفزع عنه فالتضعيف هنا للسلب كما يقال:
قرّدت البعير أي أزلت قراده.

.الإعراب:

{وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} الكلام مستأنف مسوق لبيان المصير الذي لا تنفع فيه شفاعة الشافعين إلا لمن سبق القلم بالإذن له. ولا نافية وتنفع الشفاعة فعل مضارع وفاعل وعنده ظرف متعلق بتنفع أو بمحذوف حال وإلا أداة حصر ولمن متعلقان بالشفاعة إذ يقال شفعت له أو بتنفع، وللزمخشري بحث لطيف في متعلق هذه اللام نورده بنصه قال: تقول الشفاعة لزيد على معنى أنه الشافع كما تقول: الكرم لزيد وعلى معنى أنه المشفوع له كما تقول: القيام لزيد فاحتمل.
قوله: ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أن يكون على أحد هذين الوجهين أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له أي لشفيعه أو هي اللام الثانية في قولك أذن لزيد لعمرو أي لأجله وكأنه قيل: إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وهذا وجه لطيف وهو الوجه وأذن فعل ماض مبني للمعلوم والفاعل مستتر يعود على اللّه وله متعلقان بأذن وقرىء أذن بالبناء للمجهول.
{حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} حتى حرف غاية وجر والغاية لمحذوف يفهم من سياق الكلام كأنه قيل يتربصون ويتوفقون حائرين مشدوهين وجلين تتفارسهم المخاوف وتتقاذفهم الشكوك أيؤذن لهم أم لا حتى إذا فزع. وفزع بالبناء للمجهول ونائب الفاعل هو الجار والمجرور أي عن قلوبهم وقرىء بالبناء للمعلوم فيتعلق الجار والمجرور به أي فزع اللّه عن قلوبهم.
{قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} قالوا جواب إذا وما اسم استفهام وذا اسم موصول خبر والجملة مقول قال مقدم عليه وقال ربكم فعل وفاعل والجملة مقول قالوا الأولى وقالوا فعل وفاعل والحق منصوب بقول مقدر أي قال ربنا القول الحق ولك أن تعرب القول مفعولا مطلقا أو مفعولا به والحق صفة وهو مبتدأ والعلي خبر أول والكبير خبر ثان وهو تتمة كلام الشفعاء.
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} قل فعل أمر والفاعل مستتر يعود على الرسول تبكيتا للمشركين وإلزاما لهم بالاعتراف بالعجز ومن اسم استفهام مبتدأ وجملة يرزقكم خبر ومن السموات متعلقان يرزقكم والأرض عطف على السموات وقل فعل أمر واللّه مبتدأ خبره محذوف أي اللّه يرزقنا أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو اللّه.
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} الواو عاطفة وان واسمها أو إياكم ضمير منفصل معطوف على اسم إن واللام المزحلقة وعلى هدى خبر إن وأو حرف عطف على بابها عند البصريين وليست للشك وسيأتي المزيد من بحث هذا التركيب في باب البلاغة أو في ضلال عطف على قوله لعلى هدى ومبين صفة.
{قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} لا نافية وتسألون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وعما متعلقان بتسألون وما موصولة أو مصدرية وأجرمنا فعل وفاعل ولا نسأل عما تعملون عطف على لا تسألون عما أجرمنا وسيأتي المزيد من بحثه أيضا في باب البلاغة.
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} جملة يجمع مقول القول وبيننا ظرف متعلق بيجمع وربنا فاعل يجمع ثم يفتح بيننا عطف على ما تقدم وبالحق حال وهو مبتدأ والفتاح خبر أول والعليم خبر ثان.
{قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاء} أروني فعل أمر والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به أول لأن الرؤية علمية متعدية قبل النقل إلى اثنين فلما جيء بهمزة النقل تعدت لثلاثة، والذين اسم موصول مفعول به ثان لأروني وجملة ألحقتم صلة والعائد محذوف أي ألحقتموهم وهو المفعول الثاني وبه متعلقان بألحقتم وشركاء مفعول به ثالث لأروني ويجوز أن تكون الرؤية بصرية متعدية قبل النقل إلى واحد فلما جيء بهمزة النقل تعدت لاثنين أولهما ياء المتكلم والثاني الموصول وشركاء نصب على الحال من العائد المحذوف أي بصروني الملحقين به حال كونهم شركاء وسيأتي معنى الأمر هنا في باب البلاغة.
{كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} كلا حرف ردع وزجر وبل حرف إضراب وهو ضمير الشأن مبتدأ واللّه مبتدأ ثان والعزيز الحكيم خبراه والجملة خبر هو، ولك أن تجعل هو ضميرا عائدا على اللّه وتعربه مبتدأ خبره اللّه والعزيز الحكيم صفتان.

.البلاغة:

حفلت هذه الآيات بضروب من البلاغة نوجزها فيما يلي:
1- الفرائد:
في قوله {حتى إذا فزع عن قلوبهم} فن طريف يسمى فن الفرائد وهو أن يأتي المتكلم في كلامه بلفظة تتنزل منزلة الفريدة من حب العقد وهي الجوهرة التي لا نظير لها بحيث لو سقطت من الكلام لم يسدّ غيرها مسدها وقد مرت نماذج منها، وفي لفظة فزع عن قلوبهم من غرابة الفصاحة ما لا مزيد عليه. ومن شواهد هذا الفن في الشعر قول أبي تمام:
ومعترك للشوق أهدى به الهوى ** إلى ذي الهوى نجل العيون ربائبا

فالفريدة في لفظة معترك وقد اقتبسها الشيخ عمر بن الفارض فقال:
ما بين معترك الأحداق والمهج ** أنا القتيل بلا إثم ولا حرج

2- الاستدراج:
في قوله: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} وهو فن يعتبر من البلاغة محورها الذي تدور عليه لأنه يستدرج الخصم ويضطره إلى الإذعان والتسليم والعزوف عن المكابرة واللجاج فإنه لما ألزمهم الحجة خاطبهم بالكلام المنصف الذي يقول من سمعه للمخاطب به قد أنصفك صاحبك ونحوه قول الرجل لصاحبه:
مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ومنه قول الشاعر حسان بن ثابت:
أتهجوه ولست له بكفء ** فشركما لخير كما الفداء

وهو من قصيدة طويلة يهجو بها أبا سفيان قبل إسلامه والهمزة للاستفهام التوبيخي والواو حال أي لا ينبغي ذلك وشر وخير من قبيل أفعل التفضيل واختصا بحذف همزتهما تخفيفا لكثرة استعمالهما لكن المراد بهما هنا أصل الوصف لا الزيادة فيه والشر أبو سفيان والجملة دعائية دعا عليه بأن يكون فداء لرسول اللّه وأبرزه في صورة الإبهام لأجل الإنصاف في الكلام ولذلك لما سمعه الحاضرون قالوا: هذا أنصف بيت قالته العرب.
3- المخالفة في الحروف:
وفي هذه الآية مخالفة بين حرفي الجر فإنه إنما خولف بينهما في الدخول على الحق والباطل لأن صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركض به حيث شاء وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام منخفض فيه لا يدري أين يتوجه، وهذا معنى دقيق قلمّا يراعى مثله في الكلام وكثيرا ما سمعنا إذا كان الرجل يلوم أخاه أو يعاتب صديقه على أمر من الأمور فيقول له: أنت على ضلالك القديم كما أعهدك فيأتي بعلى في موضع في، وإن كان هذا جائزا إلا أن استعمال في هنا أولى لما أشرنا إليه والاستعارة التصريحية واضحة وقد تقدمت في غير هذا الموضع.
4- معنى الأمر:
قوله {أروني} أمرهم بإراءته الأصنام مع كونها بمرأى منه إظهار لخطئهم واطلاعهم على بطلان رأيهم.