فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



اللهم أسمعنا كلامك {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} اللين ضد الخشونة يستعمل في الأجسام ثم يستعار للمعاني وإلانة الحديد بالفارسية: نرم كردانيدن آهن أي: جعلناه لينا في نفسه كالشمع والعجين والمبلول يصرفه في يده كيف يشاء من غير إحماء بنار ولا ضرب بمطرقة أو جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه لينًا كالشمع بالنسبة إلى سائر قوى البشرية وكان داود أوتي شدة قوة في الجسد وإن لم يكن جسيمًا وهو أحد الوجهين لقوله: ذا الأيد في سورة ص.
{أَنِ اعْمَلْ} أي: أمرناه بأن عمل على أن أن مصدرية حذف منها الباء.
{سَابِغَاتٍ} أي: دروعًا واسعة تامة طويلة.
قال في القاموس سبغ الشيء سبوغًا طال إلى الأرض والنعمة انسبغت ودرع سابغة تامة طويلة انتهى ومنه استعير إسباغ الوضوء أو إسباغ النعمة كما في المفردات وهو عليه السلام أول من اتخذها وكانت قبل ذلك صفائح حديد مضروبة قالوا: كان عليه السلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكرًا فيسأل الناس ما تقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله له ملكًا في صورة آدمي فسأله على عادته فقال: نعم الرجل لولا خصلة فيه فسأله عنها فقال: لولا أنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله فعند ذلك سأل ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال فعلمه تعالى صنعة الدروع فكان يعمل كل يوم درعًا ويبيعها بأربعة آلاف درهم أو بستة آلاف ينفق عليه وعلى عياله ألفين ويتصدق بالباقي على فقراء بني إسرائيل، وفي الحديث: «كان داود لا يأكل إلا من كسب يده».
وفي الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع فإن العمل بها لا ينقص بمرتبتهم بل ذلك زيادة في فضلهم إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم وفي الحديث: «إن خير ما أكل المرء من عمل يده».
{وَقَدِّرْ في السَّرْدِ} والسرد في الأصل خرز ما يخشن ويغلظ كخرز الجلد ثم استعير لنظم الحديد ونسج الدروع كما في المفردات وقيل لصانع الدروع سراد وزراد بإبدال الزاء من السين وسرد كلامه وصل بعضه ببعض وأتى به متتابعًا وهو إنما يكون مقبولًا إذا لم يخل بالفهم والمعنى اقتصد في نسجها بحيث تناسب حلقها، ولا تصرف جميع أوقاتك إليه بل مقدار ما يحصل به القوة وأما الباقي فاصرفه إلى العبادة وهو الأنسب بما بعده.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى إلانة قلبه والسابغات الحكم البالغة التي ظهرت ينابيعها من قلبه على لسانه {وَقَدِّرْ في السَّرْدِ} الحديث بأن تتكلم بالحكمة على قدر عقول الناس.
{وَاعْمَلُوا} خطاب لداود وأهله لعموم التكليف.
{صَالِحًا} عملًا صالحًا خالصًا من الأغراض {إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لا أضيع عمل عامل منكم فأجازيكم عليه وهو تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به.
وفي التأويلات النجمية: أشار بقوله: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا} إلى جميع أعضائه الظاهرة والباطنة أن تعمل في العبودية كل واحدة منها عملًا يصلح لها ولذلك خلقت إني بعمل كل واحدة منكن بصير وبالبصارة خلقتكن انتهى.
والبصير هو المدرك لكل موجود برؤيته ومن عرف أنه البصير راقبه في الحركات والسكنات حتى لا يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره.
وخاصية هذا الاسم وجود التوفيق فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مائة مرة فتح الله بصيرته ووفقه لصالح القول والعمل وإن كان الإنسان لا يخلو عن الخطأ.
يقال: كان داود عليه السلام يقول: اللهم لا تغفر للخطائين غيره منه وصلابة في الدين فلما وقع له ما وقع من الزلة كان يقول: اللهم اغفر للمذنبين.
ويقال لما تاب الله عليه اجتمع الإنس والجن والطير بمجلسه فلما رفع صوته وأدار لسانه في حنكه على حسب ما كان من عادته تفرقت الطيور وقالت: الصوت صوت داود والحال ليست تلك الحال فبكى داود عليه السلام وقال: ما هذا يا رب فأوحى الله إليه يا داود هذا من وحشة الزلة وكانت تلك من إنس الطاعة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا}.
مناسبة الانتقال من الكلام السابق إلى ذكر داود خفيَّة.
فقال ابن عطية: ذكر الله نعمته على داود وسليمان احتجاجًا على ما منح محمدًا، أي لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبيدنا قديمًا.
وقال الزمخشري عند قوله: {إن في ذلك لآية لكل عبد منيب} [سبأ: 9] لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كلّ شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به. اهـ.
فقال الطيبي: فيه إشارة إلى بيان نظم هذه الآية بقوله: {ولقد آتينا داود منا فضلًا} لأنه كالتخلص منه إليه، لأنه من المنيبين المتفكرين في آيات الله، قال تعالى: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} [ص: 17]. اهـ.
يريد الطيبي أن داود من أشهر المُثُل في المنيبين بما اشتهر به من انقلاب حاله بعد أن كان راعيًا غليظًا إلى أن اصطفاه الله نبيئًا وملكًا صالحًا مُصْلِحًا لأمة عظيمة، فهو مَثَل المنيبين كما قال تعالى: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} وقال: {فاستغفر ربه وخرّ راكعًا وأناب} [ص: 24]، فلإِنابته وتأويبه أنعم الله عليه بنعم الدنيا والآخرة وباركه وبارك نسله.
وفي ذكر فضله عبرة للناس بحسن عناية الله بالمنيبين تعريضًا بضد ذلك للذين لم يعتبروا بآيات الله، وفي هذا إيماء إلى بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بعد تكذيب قومه وضيق حاله منهم سيئول شأنه إلى عزة عظيمة وتأسيس ملك أمة عظيمة كما آلت حال داود، وذلك الإِيماء أوضح في قوله تعالى: {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أوّاب} الآية في سورة ص (17).
وسمَّى الطيبي هذا الانتقال إلى ذكر داود وسليمان تخلصًا، والوجه أن يسميه استطرادًا أو اعتراضًا وإن كان طويلًا، فإن الرجوع إلى ذكر أحوال المشركين بعدما ذكر من قصة داود وسليمان وسبأ يرشد إلى أن إبطال أحوال أهل الشرك هي المقصود من هذه السورة كما سننبه عليه عند قوله تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} [سبأ: 20].
وتقديم التعريف بداود عليه السلام عند قوله تعالى: {وآتينا داود زبورًا} في سورة النساء (163) وعند قوله: {ومن ذريته داود} في سورة الأنعام (84).
ومِنْ في قوله: منا ابتدائية متعلقة ب {آتينا} أي من لدنّا ومن عندنا، وذلك تشريف للفضل الذي أوتيه داود، كقوله تعالى: {رزقًا من لدنا} [القصص: 57].
وتنكير {فضلًا} لتعظيمه وهو فضل النبوءة وفضل المُلك، وفضل العناية بإصلاح الأمة، وفضل القضاء بالعدل، وفضل الشجاعة في الحرب، وفضل سَعَة النعمة عليه، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع دروع الحديد، وفضل إيتائه الزبور، وإيتائه حسن الصوت، وطولَ العمر في الصلاح وغير ذلك.
وجملة {يا جبال أوبي معه} مقول قول محذوف، وحذف القول استعمال شائع، وفعل القول المحذوف جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا لجملة {آتينا داود منا فضلًا}.
وفي هذا الأسلوب الذي نظمت عليه الآية من الفخامة وجلالة الخالق وعظم شأن داود مع وفرة المعاني وإيجاز الألفاظ وإفادة معنى المعية بالواو دون ما لو كانت حرف عطف.
والأمر في {أوبي معه} أمر تكوين وتسخير.
والتأويب: الترجيع، أي ترجيع الصوت، وقيل: التأويب بمعنى التسبيح لغة حبشية فهو من المعرب في اللغة العربية، وتقدم ذكر تسبيح الجبال مع داود في سورة الأنبياء.
و {الطير} منصوب بالعطف على المنادَى لأن المعطوف المعرَّف على المنادى يجوز نصبُه ورفعه، والنصب أرجح عند يونس وأبي عمرو وعيسى بن عمر والجَرْميّ وهو أوجه، ويجوز أن يكون {والطير} مفعولًا معه ل {أوبي}.
والتقدير: أوبي معه ومع الطير، فيفيد أن الطير تأوّب معه أيضًا.
وإلانة الحديد: تسخيره لأصابعه حينما يلوي حَلَق الدروع ويغمز المسامير.
و {أنْ} تفسيرية لما في {ألنا له} من معنى: أشعرناه بتسخير الحديد ليُقدم على صنعه فكان في {ألنا} معنى: وأوحينا إليه: {أن اعمل سابغات}.
و {الحديد} تراب معدني إذا صُهر بالنار امتزج بعضه ببعض ولاَنَ وأمكن تطريقه وتشكيله فإذا برد تصلب.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {قل كونوا حجارة أو حديدًا} في سورة الإِسراء (50).
و {سابغات} صفة لموصوف محذوف لظهوره من المقام إذ شاع وصف الدروع بالسابغات والسوابغ حتى استغنوا عند ذكر هذا الوصف عن ذكر الموصوف.
ومعنى {قَدِّر} اجعله على تقدير، والتقدير: جعل الشيء على مقدار مخصوص.
و {السَّرْد} صنع درع الحديد، أي تركيب حلقها ومساميرها التي تَشُدّ شقق الدرع بعضها ببعض فهي للحديد كالخياطة للثوب، والدِرع توصف بالمسرودة كما توصف بالسابغة.
قال أبو ذؤيب الهذلي:
وعليهما مَسرودتان قضاهما ** داوُد أو صَنَعُ السوابغ تُبَّعُ

ويقال لناسج الدروع: سَرَّاد وزرّاد بالسين والزاي، وقال المعري يصف درعًا:
وداوُد قين السابغات أذالها ** وتلك أضاة صانها المرء تبع

فلما سخر الله له ما استصعب على غيره أتبعه بأمره بالشكر بأن يعمل صالحًا لأن الشكر يكون بالعمل الذي يرضي المشك والمنعم.
وضمير {اعملوا} لداود وآله كقوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132] أو له وحده على وجه التعظيم.
وقوله: {إني بما تعملون بصير} موقع أن فيه موقع فاء التسبب كقول بشار:
إن ذاك النجاحَ في التبكير

وقد تقدم غير مرة.
والبصير: المطلع العليم، وهو هنا كناية عن الجزاء عن العمل الصالح. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ}.
الألف واللام في {الحمد} لاستغراق الجنس، أي {الحمد} على تنوعه هو {لله} تعالى من جميع جهات الفكرة، ثم جاء بالصفات التي تستوجب المحامد وهي ملكه جميع ما في السماوات والأرض، وعلمه المحيط بكل شيء وخبرته بالأشياء إذ وجودها إنما هو به جلت قدرته ورحمته بأنواع خلقه وغفرانه لمن سبق في علمه أن يغفر له من مؤمن، وقوله تعالى: {وله الحمد في الآخرة} يحتمل أن تكون الألف واللام للجنس أيضًا وتكون الآية خبرًا، أي أن الحمد في الآخرة هو له وحده لإنعامه وإفضاله وتغمده وظهور قدرته وغير ذلك من صفاته، ويحتمل أن تكون الألف واللام فيه للعهد والإشارة إلى قوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] أو إلى قوله: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده} [الزمر: 74] و {يلج} معناه يدخل، ومنه قول شاعر: الطويل:
رأيت القوافي يتلجن هوالجا ** تضايق عنها أن تولجها الابر

و {يعرج} معناه يصعد، وهذه الرتب حصرت كلما يصح علمه من شخص أو قول أو معنى، وقرأ أبو عبد الرحمن {وما يُنَزّل من السماء} بضم الياء وفتح النون وشد الزاي.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ}.
روي أن قائل هذه المقالة هو أبو سفيان بن حرب، وقال اللات والعزى ما ثم ساعة تأتي ولا قيامة ولا حشر فأمر الله تعالى نبيه أن يقسم بربه مقابلة لقسم أبي سفيان قبل ردًا وتكذيبًا وإيجابًا لما نفاه وأجاز نافع الوقف على {بلى} وقرأ الجمهور {لتأتينكم} بالتاء من فوق، وحكى أبو حاتم قراءة {ليأتينكم} بالياء على المعنى في البعث.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بخلاف {عالمِ} بالخفض على البدل من {ربي} وقرأ نافع وابن عامر {عالمُ} بالرفع على القطع، أي هو عالم، ويصح أن يكون {عالم} رفع بالابتداء وخبره {لا يعزب} وما بعده، ويكون الإخبار بأن العالم لا يعزب عنه شيء إشارة إلى أنه قد قدر وقتها وعلمه والوجه الأول أقرب، وقرأ حمزة والكسائي {علامِ} على المبالغة وبالخفض على البدل و {يعزب} معناه يغيب ويبعد، وبه فسر مجاهد وقتادة، وقرأ جمهور القراء {لا يعزُب} بضم الزاي، وقرأ الكسائي وابن وثاب {لا يعزب} بكسرها وهما لغتان، و {مثقال ذرة} معناه مقدار الذرة، وهذا في الأجرام بين وفي المعاني بالمقايسة وقرأ الجمهور {ولا أصغرُ ولا أكبر} عطفًا على قوله: {مثقال} وقرأ نافع والأعمش وقتادة {أصغرَ} و {أكبرَ} بالنصب عطفًا على {ذرة} ورويت عن أبي عمرو، وفي قوله تعالى: {إلا في كتاب مبين} ضمير تقديره إلا هو في كتاب مبين، والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ، واللام من قوله تعالى: {ليجزي} يصح أن تكون متعلّقة، بقوله تعالى: {لتأتينكم} ويصح أن تكون متعلقة بقوله: {لا يعزب} ويصح أن تكون متعلقة بما في قوله: {إلا في كتاب مبين} من معنى الفعل لأن المعنى إلا أثبته في كتاب مبين، والمغفرة تغمد الذنوب، والرزق الكريم الجنة {والذين} معطوف على {الذين} الأول أي وليجزي الذي سعوا، و {معاجزين} معناه محاولين تعجيز قدرة الله فيهم، وقرأ الجحدري وابن كثير {معجزين} دون ألفٍ أي معجزين قدرة الله تعالى بزعمهم، وقال ابن الزبير: معناه مثبطين عن الإيمان من أراده مدخلين عليه العجز في نشاطه وهذا هو سعيهم في الآيات، ثم بين تعالى جزاء الساعين كما بين قبل جزاء المؤمنين، وقرأ عاصم في رواية حفص {أليمٌ} بالرفع على النعت للعذاب، وقرأ الباقون {أليمٍ} بالكسر على النعت، ل {رجز} والرجز العذاب السيىء جدًا، وقرأ ابن محيصن {من رُجز} بضم الراء.
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)}.
قال الطبري والثعلبي وغيرهما {ويرى} معطوف على ما قبله من الأفعال والظاهر أنه فعل مستأنف وأن الواو إنما عطفت جملة على جملة وكأن المعنى الإخبار بأن أهل العلم يرون الوحي المنزل على محمد حقًا وأنه يهدي إلى صراط الله، وقوله: {الذي أنزل} مفعول ب {يرى} و {الحق} مفعول ثان وهو عماد، و {الذين أوتوا العلم} قيل هم أسلم من أهل الكتاب.
وقال قتادة هم أمة محمد المؤمنون به كان من كان، {ويهدي} معناه يرشد، والصراط الطريق، وأراد طريق الشرع والدين، ثم حكي عن الكفار مقالتهم التي قالوها على جهة التعجب والهزء، أي قالها بعضهم لبعض كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على أضحوكة ونادرة فلما كان البعث عندهم من البعيد المحال جعلوا من يخبر به في حيز من يتعجب منه، والعامل في {إذا} فعل مضمر قبلها فيما قال بعض الناس تقديره ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم، ويصح أن يكون العامل ما في قوله: {إنكم لفي خلق جديد} من معنى الفعل لأن تقدير الكلام ينبئكم إنكم لفي خلق جديد إذا مزقتم، وقال الزجاج العامل في {إذا} {مزقتم} وهو خطأ وإفساد للمعنى المقصود، ولا يجوز أن يكون العامل {ينبئكم} بوجه، و {مزقتم} معناه بالبلى وتقطع الأوصال في القبور وغيرها، وكسر الألف من {إنكم} لأن {ينبئكم} في معنى يقول لكم ولمكان اللام التي في الخبر، و {جديد} معناه مجدد، وقولهم {افترى} هو من قول بعضهم لبعض، وهي ألف الاستفهام دخلت على ألف الوصل فحذفت ألف الوصل وبقيت مفتوحة غير ممدودة، فكأن بعضهم استفهم بعضًا عن محمد أحال الفرية على الله هي حاله أم حال الجنون، لأن هذا القول إنما يصدر عن أحد هذين فأضرب القرآن عن قولهم وكذبه، فكأنه قال ليس الأمر كما قالوا {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة} والإشارة بذلك إليهم، {في العذاب} يريد عذاب الآخرة لأنهم يصيرون إليه، ويحتمل أن يريد {في العذاب} في الدنيا بمكابدة الشرع ومكابرته ومحاولة إطفاء نور الله تعالى وهو يتم، فهذا كله عذاب وفي {الضلال البعيد} أي قربت الحيرة وتمكن التلف لأنه قد أتلف صاحبه عن الطريق الذي ضل عنه.