فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ}.
كانوا في رَغَدٍ من العَيْش وسلامة الحال ورفاهته، فأُمِروا بالصبر على العافية والشكر على النعمة، وهذا أمرٌ سهلٌ يسيرٌ، ولكنهم أعرضوا عن الوفاق، وكفروا بالنعمة، وضَيَّعوا الشكر، فَبَدَّلوا وبُدِّلَ بهم الحال، كما قالوا:
تبدلت وتبدلنا يا حسرةً لِمَن ** ابتغى عِوَضًا لِسَلْمَى فلم يَجِدِ

{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)}.
كذلك من الناس من يكون في رَغَدٍ من الحال، اتصالٍ من التوفيق، وطَرَبٍ من القلب، ومساعدةٍ من الوقت، فيرتكبُ زَلَّةً أو يسيء أدبًا أو يتبع شهوةً، ولا يعرف قَدْرَ ما هو به، فيتغير عليه الحالُ؛ فلا وقتَ ولا حالَ، ولا طربَ ولا وصالَ؛ يُظْلِمُ عليه النهارُ وقد كانت لياليه مضيئةَ، كما قلنا.
ما زلت أختال في زمانٍ وحالِ ** حتى أَمِنْتُ الزمانَ مَكْرَه

حال عليَّ الصدودُ حتى ** لم تَبْقَ مما شَهِدْتَ ذرَّة

{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)}.
ما عوملوا إلا بما استوجبوا، ولا سُقُوا إلاَّ مِمَّا ثَبِطوا، وما وقعوا إلاَّ في الوَهْدَةِ التي حَفَرُوا، وما قُتِلُوا إلا بالسيف الذي صَنَعُوا!. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ}.
هذه الآية الكريمة على كلتا القراءتين قراءة ضم الياء مع فتح الزاي مبنيا للمفعول مع رفع {الْكَفُورُ} على أنه نائب فاعل وقراءة {نُجَازِي} بضم النون وكسر الزاي مبنيًا للفاعل مع نصب {الْكَفُورَ} على أنه مفعول به تدل على خصوص الجزاء بالمبالغين بالكفر.
وقد جاءت آيات أخر تدل على عموم الجزاء كقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} الآية.
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: أن المعنى ما نجازي هذا الجزاء الشديد المستأصل إلا المبالغ في الكفران.
الثاني: أن ما يفعل بغير الكافر من الجزاء ليس عقابا في الحقيقة لأنه تطهير وتمحيص.
الثالث: أنه لا يجازى جميع الأعمال مع المناقشة التامة إلا الكافر ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب فقد هلك».
وأنه لما سألت عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} قال لها ذلك العرض.
وبيَّن لها أن من نوقش الحساب لابد أن يهلك. اهـ.

.تفسير الآيات (18- 21):

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم الخبر عن الجنان التي بها القوام نعمة ونقمة، أتبعه مواضعه السكان فقال: {وجعلنا} أي بما لنا من العظمة، ونبه بنزع الجار على عمارة جميع تلك الأراضي بالبناء والانتفاع فقال: {بينهم} أي بين قرى أهل سبأ {وبين القرى} اي مدنًا كانت أو دونها {التي باركنا} أي بركة اعتنينا بها اعتناء من يناظر آخر بغاية العظمة {فيها} أي بأن جعلناها محال العلم والرزق بالأنبياء وأصفياء الأولياء وهي بلاد الشام {قرى ظاهرة} أي من أرض الشام في أشراف الأرض وما صلب منها وعلا، لأن البناء فيها أثبت، والمشي بها أسهل، والابتهاج برؤية جميع الجنان وما فيها من النضرة منها أمكن.
فهي ظاهرة للعيون بين تلك الجنان، كأنها الكواكب الحسان، مع تقاربها بحيث يرى بعضها من بعض وكثرة المال بها والمفاخر والنفع والمعونة للمارة؛ قال البغوي: كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام.
ولما كانت مع هذا الوصف ربما كان فيها عسر على المسافر لعدم الموافقة في المقيل والمبيت، أزال هذا بقوله: {وقدرنا فيها السير} أي جعلناه على مقادير هي في غاية الرفق بالمسافر في نزوله متى أراد من ليل أو نهار على ما جرت به عوائد السفار، فهي لذلك حقيقة بأن يقال لأهلها والنازلين بها على سبيل الامتنان: {سيروا} والدليل على تقاربها جدًا قوله: {فيها} ودل على كثرتها وطول مسافتها وصلاحيتها للسير أيّ وقت أريد، مقدمًا لما هو أدل على الأمن وأعدل للسير في البلاد الحارة بقوله: {ليالي} وأشار إلى كثرة الظلال والرطوبة والاعتدال الذي يمكن معه السير في جميع النهار بقوله: {وأيامًا} أي في أي وقت شئتم، ودل على عظيم أمانها في كل وقت بالنسبة إلى كل ملم بقوله: {آمنين} أي من خوف وتعب، أو ضيعة أو عطش أو سغب.
ولما انقضى الخبر عن هذه الأوصاف التي تستدعي غاية الشكر لما فيها من الألطاف، دل على بطرهم للنعمة بها بأنهم جعلوها سببًا للتضجر والملال بقوله: {فقالوا} على وجه الدعاء: {ربنا} أي أيها المربي لنا {باعد} أي أعظم البعد وشدده- على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وهشام عن ابن عامر بتشديد العين وإسكان الدال، وهذا بمعنى قراءة الباقين غير يعقوب {باعد} المقتضية لمده وتطويله {بين أسفارنا} أي قرانا التي نسافر فيها، أي ليقل الناس فيكون ما يخص كل إنسان من هذه الجنان أضعاف ما يخصه الآن ونحمل الزاد ونسير على النجائب ونتعلق السلاح ونستجيد المراكب، وكان بعضهم كأن على الضد من غرض هؤلاء فاستكثر مسافة ما بين كل قريتين فقال كما قرأ يعقوب {ربنا} بالرفع على أنه مبتدأ {باعد} فعلًا ماضيًا على أنه خبر فازدرى تلك النعمة الواردة على قانون الحكمة واشتهى أن تكون تلك القرى متواصلة {وظلموا} حيث عدوا النعمة نقمة، والإحسان إساءة {أنفسهم} تارة باستقلال الديار، وتارة باستقلال الثمار، فسبب ذلك تبديل ما هم فيه بحال هو في الوحشة بقدر ما كانوا فيه من الأنس وهو معنى {فجعلناهم} أي بما لنا من العظمة {أحاديث} أي يتواصفها الناس جيلًا بعد جيل لما لها من الهول {ومزقناهم} أي تمزيقًا يناسب العظمة، فما كان لهم دأب إلا المطاوعة فمزقوا {كل ممزق} أي تمزيق كما يمزق الثوب، بحيث صاروا مثلًا مضروبًا إلى هذا الزمان، يقال لمن شئت أمرهم: تفرقوا أيدي سبا.
ولما كان كل من أمريهم هذين في العمارة والخراب أمرًا باهرًا دالًا على أمور كثيرة، منها القدرة على الساعة التي هي مقصود السورة بالنقلة من النعيم إلى الجحيم والحشر إلا ما لا يريد الإنسان كما حشر أهل سبأ إلى كثير من أقطار البلاد كما هو مشهور في قصتهم، قال منبهًا على ذلك مستأنفًا على طريق الاستنتاج، مؤكدًا تنبيهًا على إنعام النظر فيه، لما له من الدلالة على صفات الكمال: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم {لآيات} أي دلالات بينة جدًا على قدرة الله تعالى على التصرف فيما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض بالإيجاد والإعدام للذوات والصفات بالخسف والمسخ، فإنه لا فرق بين خارق وخارق، وعلى أن بطرهم لتلك النعمة حتى ملوها ودعوا بإزالتها دليل على أن الإنسان ما دام حيًا فهو في نعمة يجب عليه شكرها كائنة ما كانت وإن كان يراها بلية، لأنه لما طبع عليه من القلق كثيرًا ما يرى النعم نقمًا، واللذة ألمًا، ولذلك ختم الآية بالصبر بصيغة المبالغة.
ولما كان الصبر حبس النفس عن أغراضها الفاسدة وأهويتها المعمية، وكانت مخالفة الهوى أشد ما يكون على النفس وأشق، وكانت النعم تبطر وتطغي، وتفسد وتلهي، فكان عطف النفوس إلى الشكر بعد جماحها بطغيان النعم صعبًا، وكانت قريش قد شاركت سبأ فيما ذكر وزادت عليهم برغد العيش وسهولة إتيان الرزق بما حببهم به وبلدهم إلى العباد بدعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام مع آمن البلد وجلالة النسب وعظيم المنصب كما أشار إليه قوله تعالى: {وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة} [النحل: 112] قال تعالى محذرًا لهم مثل عقوبتهم: {لكل صبار شكور} أي من جميع بني آدم، مشيرًا بصيغة المبالغة إلى ذلك كله، وأن من لم يكن في طبعه الصبر والشكر لا يقدر على ذلك، وأن من ليس في طبعه الصبر فاته الشكر.
ولما كان المعنى: آيات في أن تخالفوا إبليس فلا تصدقوا ظنه في احتناكهم حيث قال: {لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلًا} [الإسراء: 62] قال مؤكدًا لإنكار كل أحد أن يكون صدق ظن إبليس فيه: {ولقد} أي كان في ذلك آيات مانعة من اتباع الشيطان والحال أنه قد {صدق}.
ولما كان في استغوائهم غالبًا لهم في إركابهم ما تشهد عقولهم بأنه ضلال، أشار إلى ذلك بأداة الاستعلاء فقال: {عليهم} أي على ذرية آدم عليه السلام.
ولما كان في سياق الإثبات لعظمة الله وما عنده من الخير وما له من التصرف التام الداعي ذلك إلى الإقبال إليه وقصر الهمم عليه، عبر بقوله تعالى: {إبليس} الذي هو من البلس وهو ما لا خير عنده- والإبلاس- وهو اليأس من كل خير- ليكون ذلك أعظم في التبكيت والتوبيخ {ظنه} أي في قوله: {لأحتنكن ذريته إلا قليلًا} [الإسراء: 62] {ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك} [الحجر: 39] {ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17] فكأنه لما قال ذلك على سبيل الظن تقاضاه ظنه الصدق فصدقه في إعمال الحيلة حتى كان ذلك الظن- هذا على قراءة الجماعة بالتخفيف، وأما على قراءة الكوفيين بالتشديد فالمعنى أنه جعل ظنه الذي كان يمكن تكذيبه فيه قبل التحقق صادقًا، بحيث لا يمكن أحدًا تكذيبه فيه، ولذلك سبب سبحانه عنه قوله: {فاتبعوه} أي بغاية الجهد بميل الطبع والاستلذاذ الموجب للنزوع والترامي بعضهم في الكفران وبعضهم في مطلق العصيان.
ولما كان المحدث عنهم جمعي الناس، عرف به الاستثناء المعرف لقلة الناجين فقال: {إلا فريقًا} أي ناسًا لهم القدرة على تفريق كلمة أهل الكفر وفض جمعهم وإن كانوا بالنسبة إليهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود {من المؤمنين} أي العريقين في الإيمان، فكانوا خالصين لله مخلصين في عبادته، وأما غيرهم فمالوا معه، وكان منهم المقل ومنهم المكثر بالهفوات والزلات الصغائر والكبائر.
ولما كان ذلك ربما أوهم أن لإبليس أمرًا بنفسه، نفاه بقوله: {وما} أي والحال أنه ما {كان} أصلًا {له عليهم} أي الذين اتبعوه ولا غيرهم، وأعرق فيما هو الحق من النفي بقوله: {من سلطان} أي تسلط قاهر لشيء من الأشياء بوجه لأنه مثلهم في كونه عبدًا عاجزًا مقهورًا، ذليلًا خائفًا مدحورًا، قال القشيري: هو مسلط، ولو أمكنه أن يضل غيره أمكنه أن يمسك على الهداية نفسه {إلا} أي لكن نحن سلطناه عليهم بسلطاننا وملكناه قيادهم بقهرنا؛ وعبر عن التمييز الذي هو سبب العلم بالعلم فقال: {لنعلم} أي بما لنا من العظمة {من يؤمن} أي يوجد الإيمان لله {بالآخرة} أي ليتعلق علمنا بذلك في عالم الشهادة في حال تميزه تعلقًا تقوم به الحجة في مجاري عادات البشر كما كان متعلقًا به في عالم الغيب {ممن هو منها} أي من الآخرة {في شك} فهو لا يتجدد له بها إيمان أصلًا، لأن الشك ظرف له محيط به، وإنما استعار إلا موضع لكن إشارة إلى أنه مكنه تمكينًا تامًا صار به كمن له سلطان حقيقي.
ولما كان هذا ربما أوقع في وهم نقصًا في العلم أو في القدرة، قال مشيرًا إلى أنه سبحانه يسره صلى الله عليه وسلم بتكثير هذا الفريق المخلص وجعل أكثره من أمته فقال: {وربك} أي المحسن إليك بإخزاء الشيطان بنبوتك وإخسائه عن أمتك {على كل شيء} من المكلفين وغيرهم {حفيظ} أي حافظ أتم حفظ محيط به مدبر له على وجه العلو بعلمه الكامل وقدرته الشاملة، فلا يفعل الشيطان ولا غيره شيئًا إلا بعلمه وإذنه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} أي بينهم وبين الشام فإنها هي البقعة المباركة.
و {قرى ظاهرة} أي يظهر بعضها لبعضها يرى سواد القرية من القرية الأخرى، فإن قال قائل: هذا من النعم والله تعالى قد شرع في بيان تبديل نعمهم قوله: {وبدلناهم بِجَنَّتيهِمْ جَنَّتَيْنِ} فكيف عاد مرة أخرى إلى بيان النعمة بعد النقمة؟ فنقول ذكر حال نفس بلدهم وبين تبديل ذلك بالخمط والأثل، ثم ذكر حال خارج بلدهم وذكر عمارتها بكثرة القرى، ثم ذكر تبديله ذلك بالمفاوز والبيادي والبراري بقوله: {رَبَّنَا باعد بَيْنَ أَسْفَارِنَا} وقد فعل ذلك، ويدل عليه قراءة من قرأ {ربنا بعد} على المبتدأ والخبر، وقوله: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير} الأماكن المعمورة تكون منازلها معلومة مقدرة لا تتجاوز، فلما كان بين كل قرية مسيرة نصف نهار، وكانوا يغدون إلى قرية ويروحون إلى أخرى ما أمكن في العرف تجاوزها، فهو المراد بالتقدير والمفاوز لا يتقدر السير فيها بل يسير السائر فيها بقدر الطاقة جادًا حتى يقطعها، وقوله: {سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا} أي كان بينهم ليال وأيام معلومة، وقوله: {ءَامِنِينَ} إشارة إلى كثرة العمارة، فإن خوف قطاع الطريق والانقطاع عن الرقيق لا يكون في مثل هذه الأماكن، وقيل بأن معنى قوله: {لَيَالِيَ وَأَيَّامًا} تسيرون فيه إن شئتم ليالي وإن شئتم أيامًا لعدم الخوف بخلاف المواضع المخوفة فإن بعضها يسلك ليلًا، لئلا يعلم العدو بسيرهم، وبعضها يسلك نهارًا لئلا يقصدهم العدو، إذا كان العدو غير مجاهر بالقصد والعداوة، وقوله تعالى: {قَالُواْ ربَّنَا باعد بَيْنَ أَسْفَارِنَا} قيل بأنهم طلبوا ذلك وهو يحتمل وجهين أحدهما: أن يسألوا بطرًا كما طلبت اليهود الثوم والبصل، ويحتمل أن يكون ذلك لفساد اعتقادهم وشدة اعتمادهم على أن ذلك لا يقدر كما يقول القائل لغيره اضربني إشارة إلى أنه لا يقدر عليه.