فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بالمعروف} هذا من بديع الكلام، إذ حذف شيئًا من الأول أثبت نظيره في الآخر، وأثبت شيئًا في الأول حذف نظيره في الآخر، وأصل التركيب ولهنّ على أزواجهنّ مثل الذي لأزواجهنّ عليهنّ، فحذفت على أزواجهنّ لإثبات: عليهنّ، وحذف لأزواجهنّ لإثبات لهنّ. اهـ.

.قال القرطبي:

قول ابن عباس: إنّي لأتزين لامرأتي قال العلماء: أما زينة الرجال فعلى تفاوت أحوالهم؛ فإنهم يعملون ذلك على اللَّبق والوفاق، فربما كانت زينة تليق في وقت ولا تليق في وقت، وزينة تليق بالشّباب، وزينة تليق بالشيوخ ولا تليق بالشباب؛ ألا ترى أن الشيخ والكهل إذا حفّ شاربه لِيقَ به ذلك وزَانَه، والشاب إذا فعل ذلك سُمج ومُقِت. لأن اللحية لم توفر بعد، فإذا حَفّ شاربه في أوّل ما خرج وجهه سَمُج، وإذا وفرت لحيته وحف شاربه زانه ذلك. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمرني ربِّي أن أعفِي لحيتي وأحفِي شاربي» وكذلك في شأن الكسوة؛ ففي هذا كله ابتغاء الحقوق؛ فإنما يعمل على اللّبَق والوِفَاق ليكون عند امرأته في زينة تسرها ويُعِفّها عن غيره من الرجال. وكذلك الكحل من الرجال منهم من يليق به ومنهم من لا يليق به. فأما الطّيْب والسِّواك والخلال والرّمي بالدّرَن وفُضولِ الشعر والتطهير وقلم الأظفار فهو بَيِّن موافق للجميع. والخِضاب للشيوخ والخاتم للجميع من الشباب والشيوخ زينة؛ وهو حَلْيُ الرجال على ما يأتي بيانه في سورة النحل. ثم عليه أن يَتَوخّى أوقات حاجتها إلى الرجل فيُعِفّها ويُغنيها عن التطلع إلى غيره. وإن رأى الرجُل من نفسه عجزا عن إقامة حقها في مضجعها أخذ من الأدْوِيّة التي تزيد في باهِه وتُقوّي شهوته حتى يُعفّها. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما ذكر الرجعة له بصيغة الأحق وبين الحق من الجانبين بين فضل الرجال بقوله: {وللرجال} أعم من أن يكونوا بعولة {عليهن} أي أزواجهم {درجة} أي فضل من جهات لا يخفى كالإنفاق والمهر لأن الدرجة المرقى إلى العلو. وقال الحرالي: لما أوثروا به من رصانة العقل وتمام الدين- انتهى. فالرجل يزيد على المرأة بدرجة من ثلاث لأن كل امرأتين بمنزلة رجل.
ولما أعز سبحانه وتعالى الرجل وصف نفسه بالعزة مبتدئًا بالاسم الأعظم الدال على كل كمال فقال عطفًا على ما تقديره: لأن الله أعزهم عليهن بحكمته: {والله} أي الذي له كمال العظمة {عزيز} إشارة إلى أنه أعز بل لا عزيز إلا هو ليخشى كل من أعاره ثوب عزة سطوته؛ وقال: {حكيم} تنبيهًا على أنه ما فعل ذلك إلا لحكمة بالغة تسلية للنساء وإن ما أوجده بعزته وأتقنه بحكمته لا يمكن نقضه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.
لم يبين هنا ما هذه الدرجة التي للرجال على النساء، ولكنه أشار لها في موضع آخر وهو قوله تعالى: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] فأشار إلى أن الرجل أفضل من المرأة. وذلك لأن الذكورة شرف وكمال والأنوثة نقص خلقي طبيعي، والخلق كأنه مجمع على ذلك. لأن الأنثى يجعل لها جميع الناس أنواع الزينة والحلي، وذلك إنما هو لجبر النقص الخلقي الطبيعي الذي هو الأنوثة، بخلاف الذكر فجمال ذكورته يكفيه عن الحلي ونحوه.
وقد أشار تعالى إلى نقص المرأة وضعفها الخلقيين الطبيعيين، بقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]. لأن نشأتها في الحلية دليل على نقصها المراد جبره، والتغطية عليه بالحلي كما قال الشاعر:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة ** يتمم من حسن إذا الحسن قصرا

وأما إذا كان الجمال موفرًا ** كحسنك لم يحج إلى أن يزورا

ولأن عدم إبانتها في الخصام إذا ظلمت دليل على الضعف الخلقي، كما قال الشاعر:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ** ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب

فلم يعتذر عذر البرئ ولم تزل ** به سكتة حتى يقال مريب

ولا عبرة بنوادر النساء. لأن النادر لا حكم له.
وأشار بقوله: {وَبِمَا أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله، أن يكون قائمًا على الضعيف الناقص خلقة.
ولهذه الحكمة المشار إليها جعل ميراثه مضاعفًا على ميراثها. لأن من يقوم على غيره مترقت للنقص، ومن يقوم عليه غيره مترقب للزيادة، وإيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة.
كما أنه أشار إلى حكمة كون الطلاق بيد الرجل دون إذن المرأة بقوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [البقرة: 223]: لأن من عرف أن حقله غير مناسب للزراعة لا ينبغي أن يرغم على الازدراع في حقل لا يناسب الزراعة. ويوضح هذا لمعنى أن آلة الازدراع بيد الرجل، فلو أكره على البقاء مع من لا حاجة له فيها حتى ترضى بذلك، فإنها إن أرادت أن تجامعه لا يقوم ذكره، ولا ينتشر إليها، فلم تقدر على تحصيل النسل منه، الذي هو أعظم الغرض من النكاح بخلاف الرجل، فإنه يولدها وهي كارهة كما هو ضروري. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أي: مزية وفضيلة في الحق، أتى بالمظهر عوض المضمر إذ كان لو أتى على المضمر لقال: ولهم عليهنّ درجة، للتنويه بذكر الرجولية التي بها ظهرت المزية للرجال على النساء، ولما كان يظهر في الكلام بالإضمار من تشابه الألفاظ، وأنت تعلم ما في ذاك، إذ كان يكون: ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف ولهم عليهنّ درجة، ولقلق الإضمار حذف مضمران ومضافان من الجملة الأولى. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن فضل الرجل على المرأة أمر معلوم، إلا أن ذكره هاهنا يحتمل وجهين الأول: أن الرجل أزيد في الفضيلة من النساء في أمور:
أحدها: العقل.
والثاني: في الدية.
والثالث: في المواريث.
والرابع: في صلاحية الإمامة والقضاء والشهادة.
والخامس: له أن يتزوج عليها، وأن يتسرى عليها، وليس لها أن تفعل ذلك مع الزوج.
والسادس: أن نصيب الزوج في الميراث منها أكثر من نصيبها في الميراث منه.
والسابع: أن الزوج قادر على تطليقها، وإذا طلقها فهو قادر على مراجعتها، شاءت المرأة أم أبت، أما المرأة فلا تقدر على تطليق الزوج، وبعد الطلاق لا تقدر على مراجعة الزوج ولا تقدر أيضًا على أن تمنع الزوج من المراجعة والثامن: أن نصيب الرجل في سهم الغنيمة أكثر من نصيب المرأة، وإذا ثبت فضل الرجل على المرأة في هذه الأمور، ظهر أن المرأة كالأسير العاجز في يد الرجل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان» وفي خبر آخر: «اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة»، وكان معنى الآية أنه لأجل ما جعل الله للرجال من الدرجة عليهن في الاقتدار كانوا مندوبين إلى أن يوفوا من حقوقهن أكثر، فكان ذكر ذلك كالتهديد للرجال في الإقدام على مضارتهن وإيذائهن، وذلك لأن كل من كانت نعم الله عليه أكثر، كان صدور الذنب عنه أقبح، واستحقاقه للزجر أشد.
والوجه الثاني: أن يكون المراد حصول المنافع واللذة مشترك بين الجانبين، لأن المقصود من الزوجية السكن والألفة والمودة، واشتباك الأنساب واستكثار الأعوان والأحباب وحصول اللذة، وكل ذلك مشترك بين الجانبين بل يمكن أن يقال: إن نصيب المرأة فيها أوفر، ثم إن الزوج اختص بأنواع من حقوق الزوجة، وهي التزام المهر والنفقة، والذب عنها، والقيام بمصالحها، ومنعها عن مواقع الآفات، فكان قيام المرأة بخدمة الرجل آكد وجوبًا، رعاية لهذه الحقوق الزائدة وهذا كما قال تعالى: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أموالهم} [النساء: 34] وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أمرت أحدًا بالسجود لغير الله لأمرت المرأة بالسجود لزوجها». اهـ.
روى البغوى بسنده عن أبي ظبيان أن معاذ بن جبل خرج في غزاة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثم رجع فرأى رجالا يسجد بعضهم لبعض فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». اهـ.

.قال ابن عرفة:

قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.
أي في التفضيل، وفي تفسير الدّرجة خلاف فالجمهور يحملونها على حسن العشرة كما قال ابن العباس رضي الله عنهما. وهذا الظاهر، فيقولون وله عليها من القيام بحقه المبادرة إلى غرضه ورفقه، مثل الذي عليه وزيادة درجة التقديم. ويريدون المعنوي وهو التفضيل ومن بدع التفاسير ما نقلوه عن ابن مسعود أن الدرجة اللحية.
قال ابن عرفة: والتفضيل هو الأمر المُباح مثل إذا تعارض سكناها في دار أرادتها مع سكناها في دار أخرى أرادها زوجها وهما مستويان، فينبغي للمرأة إيثار اختيار الزوج. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قال مجاهدٌ: هو تنبيهٌ على فضْلِ حظِّه على حظِّها في الميراث، وما أشبهه، وقال زيد بن أسلم: ذلك في الطَّاعة؛ علَيْها أنْ تطيعه، وليس علَيْه أن يطيعَهَا، وقال ابن عباس: تلك الدرَجَةُ إِشارة إِلى حضِّ الرجُلِ على حُسْن العِشرة، والتوسُّع للنساء في المالِ والخُلُقِ، أي: أنَّ الأفضل ينبغِي أنْ يتحامَلَ على نفسه، وهو قولٌ حسَنٌ بارعٌ. اهـ.

.قال أبو حيان:

والذي يظهر أن الدرجة هي ما تريده النساء من البر والإكرام والطواعية والتبجيل في حق الرجال، وذلك أنه لما قدّم أن على كل واحد من الزوجين للآخر عليه مثل ما للآخر عليه، اقتضى ذلك المماثلة، فبين أنهما، وإن تماثلا في ما على كل واحد منهما للآخر، فعليهن مزيد إكرام وتعظيم لرجالهنّ، وأشار إلى العلة في ذلك: وهو كونه رجلًا يغالب الشدائد والأهوال، ويسعى دائمًا في مصالح زوجته، ويكفيها تعب الاكتساب، فبازاء ذلك صار عليهنّ درجة للرجل في مبالغة الطواعية، وفيما يفضي إلى الاستراحة عندها.
وملخص ما قاله المفسرون، يقتضى أن للرجل درجة تقتضي التفضيل. اهـ.

.قال القرطبي:

ولا يخفى على لبيب فضل الرجال على النساء؛ ولو لم يكن إلا أن المرأة خلقت من الرجل فهو أصلها، وله أن يمنعها من التصرف إلا بإذنه؛ فلا تصوم إلا بإذنه ولا تحج إلا معه. اهـ.