فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان حقًا على أهل العلم والدين أن يرشدوا الأيمة والأمة إلى طريق الخير وأن ينبهوا على معالم ذلك الطريق ومسالكه بالتفصيل دون الإِجمال، فقد افتقرت الأمة إلى العمل وسئمت الأقوال.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}.
الأظهر أن هذا عطف على قوله: {وقال الذين كفروا هل ندلُّكم على رجل} [سبأ: 7] الآية وأن ما بينهما من الأخبار المسوقة للاعتبار كما تقدم واقع موقع الاستطراد والاعتراض فيكون ضمير {عليهم} عائدًا إلى {الذين كفروا} من قوله: {وقال الذين كفروا هل نُدلكم}. إلخ.
والذي درج عليه المفسرون أن ضمير {عليهم} عائد إلى سبأ المتحدث عنهم.
ولكن لا مفرّ من أن قوله تعالى بعد ذلك: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون اللَّه} [سبأ: 22] الآيات هو عَوْد إلى محاجة المشركين المنتقل منها بذكر قصة داود وسليمان وأهل سبا.
وصلوحية الآية للمحملين ناشئة من موقعها، وهذا من بلاغة القرآن المستفادة من ترتيب مواقع الآية.
فالمقصود تنبيه المؤمنين إلى مكائد الشيطان وسوء عاقبة أتباعه ليحذروه ويستيقظوا لكيده فلا يقعوا في شَرَك وسوسته.
فالمعنى: أن الشيطان سوّل للمشركين أو سوّل للمُمثَّل بهم حالُ المشركين الإِشراك بالمنعم وحسَّن لهم ضد النعمة حتى تمنّوه وتوسم فيهم الانخداع له فألقى إليهم وسوسته وكرّه إليهم نصائح الصالحين منهم فَصَدق توسُّمُه فيهم أنهم يأخذون بدعوته فقبلوها وأعرضوا عن خلافها فاتبعوه.
ففي قوله: {صدق عليهم إبليس ظنه} إيجاز حذف لأن صِدق الظن المفرع عنه اتَّباعهم يقتضي أنه دعاهم إلى شيء ظانًّا استجابة دعوته إياهم.
وقرأ الجمهور {صدق} بتخفيف الدال ف {إبليس} فاعل و {ظنه} منصوب على نزع الخافض، أي في ظنه.
و {عليهم} متعلق ب {صدق} لتضمينه معنى أوقع أو ألقى، أي أوقع عليهم ظنه فصدق فيه.
والصِدق بمعنى الإِصابة في الظن لأن الإِصابة مطابقة للواقع فهي من قبيل الصدق.
قال أبو الغول الطُهَوي من شعراء الحماسة:
فدتْ نفسي وما ملكتْ يميني ** فوارسَ صُدِّقَتْ فيهم ظنوني

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف {صدَّق} بتشديد الدال بمعنى حقّق ظنه عليهم حين انخدعوا لوسوسته فهو لمّا وسوس لهم ظن أنهم يطيعونه فجدّ في الوسوسة حتى استهواهم فحقق ظنه عليهم.
وفي على إيماء إلى أن عمل إبليس كان من جنس التغلب والاستعلاء عليهم.
وقوله: {فاتبعوه} تفريع وتعقيب على فعل {صدق عليهم إبليس ظنه} أي تحقق ظنه حين انفعلوا لفعل وسوسته فبادروا إلى العمل بما دعاهم إليه من الإِشراك والكفران.
و {إلا فريقًا} استثناء من ضمير الرفع في {فاتبعوه} وهو استثناء متصل إن كان ضمير اتبعوه عائدًا على المشركين وأما إن كان عائدًا على أهل سبا فيحتمل الاتصال إن كان فيهم مؤمنين وإلا فهو استثناء منقطع، أي لم يعصه في ذلك إلا فريق من المؤمنين وهم الذين آمنوا من أهل مكة، أو الذين آمنوا من أهل سبا.
فلعل فيهم طائفة مؤمنين ممن نجوا قبل إرسال سيل العرم.
والفريق: الطائفة مطلقًا، واستثناؤها من ضمير الجماعة يؤذن بأنهم قليل بالنسبة للبقية، وإلا فإن الفريق يصدق بالجماعة الكثيرة كما في قوله تعالى: {فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة} [الأعراف: 30].
والتعريف في {المؤمنين} للاستغراق و {مِن} تبعيضية، أي إلا فريقًا هم بعض جماعات المؤمنين في الأزمان والبلدان.
وقوله: {وما كان له عليهم من سلطان} أي ما كان للشيطان من سلطان على الذين اتبعوه.
وفعل {كان} في النفي مع {مِن} التي تفيد الاستغراق في النفي يفيد انتفاء السلطان، أي المِلك والتصريف للشيطان، أي ليست له قدرة ذاتية هو مستقل بها يتصرف بها في العالم كيف يشاء لأن تلك القدرة خاصة بالله تعالى.
والاستثناء في قوله: {إلا لنعلم} استثناء من علل.
فيفيد أن تأثير وسوسته فيهم كان بتمكين من الله، أي لكن جعلنا الشيطان سببًا يتوجه إلى عقولهم وإرادتهم فتخامرها وسوستُه فيتأثر منها فريق وينجو منها فريق بما أودع الله في هؤلاء وهؤلاء من قوة الانفعال أو الممانعة على حسب السنن التي أودعها الله في المخلوقات.
ويجوز أن يكون الاستثناء من عموم سلطان، وحذف المستثنى ودلّ عليه علته والتقدير: إلا سلطانًا لنعلم من يؤمن بالآخرة.
فيدل على أنه سلطان مجعول له بجعل الله بقرينة أن تعليله مسند إلى ضمير الجلالة.
وانظر ما قلناه عند قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} في سورة الحجر (42) وضُمَّه إلى ما قلناه هنا.
واقتُصر من علل تمكين الشيطان من السلطان على تمييز مَن يؤمن بالآخرة ومَن لا يؤمن بها لمراعاة أحوال الذين سبقت إليهم الموعظة بأهل سَبا وهم كفار قريش لأن جحودهم الآخرة قرين للشرك ومساو له فإنهم لو آمنوا بالآخرة لآمنوا بربها وهو الرب الواحد الذي لا شريك له، وإلا فإن علل جعل الشيطان للوسوسة كثيرة مرجعها إلى تمييز الكفار من المؤمنين، والمتقين من المعرضين.
وكني ب نعلم عن إظهار التمييز بين الحالين لأن الظهور يلازم العلم في العرف.
قال قبيصة الطائي من رجال حرب ذي قار:
وأقبلت والخطيُّ يَخطِر بيننا ** لأعَلَم مَن جبانها من شجاعها

أراد ليتميز الجبان من الشجاع فيعلمه الناس، فإن غرضه الأهم إظهار شجاعة نفسه لثقته بها لا اختبار شجاعة أقرانه وإلا لكان مترددًا في إقدامه.
فالمعنى: ليظهر من يؤمن بالآخرة ويتميز عمّن هو منها في شك فيعلمه من يعلمه ويتعلق علمنا به تعلقًا جُزئيًا عند حصوله يترتب عليه الجزاء فقد ذكرنا فيما تقدم أن لا محيص من اعتبار تعلق تنجيزيّ لعلم الله.
ورأيت في الرسالة الخاقانية لعبد الحكيم السلكوتي أن بعض العلماء أثبت ذلك التعلق ولم يعين قائله.
وخولف في النظم بين الصلتين فجاءت جملة {من يؤمن بالآخرة} فعلية، وجاءت جملة {هو منها في شك} اسمية لأن الإِيمان بالآخرة طارىء على كفرهم السابق ومتجدد ومتزايد آنا فآنا.
فكان مقتضى الحال إيراد الفعل في صلة أصحابه.
وأما شكهم في الآخرة فبخلاف ذلك هو أمر متأصل فيهم فاجتلبت لأصحابه الجملة الإسمية.
وجيء بحرف الظرفية للدلالة على إحاطة الشك بنفوسهم ويتعلق قوله: {منها} بقوله: ب {شك}.
وجملة {وربك على كل شيء حفيظ} تذييل.
والحفيظ: الذي لا يخرج عن مقدرته ما هو في حفظه، وهو يقتضي العلم والقدرة إذ بمجموعهما تتقوم ماهية الحفظ ولذلك يُتبع الحفظ بالعلم كثيرًا كقوله تعالى: {إني حفيظ عليم} [يوسف: 55].
وصيغة فعيل تدل على قوة الفعل وأفاد عموم {كل شيء} أنه لا يخرج عن علمه شيء من الكائنات فتنزل هذا التذييل منزلة الاحتراس عن غير المعنى الكنائي من قوله: {لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك} أي ليظهر ذلك لكل أحد فتقوم الحجة لهم وعليهم. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ}.
هذا مثل لقريش بقوم أنعم الله عليهم وأرسل إليهم الرسل فكفروا وعصوا، فانتقم الله منهم، أي فأنتم أيها القوم مثلهم و {سبأ} هنا أراد به القبيل، واختلف لم سمي القبيل بذلك، فقالت فرقة هو اسم لامرأة كانت أمًا للقبيل، وقال الحسن بن أبي الحسن في كتاب الرماني هو اسم موضع فسمي القبيل به وقال الجمهور هو اسم رجل هو أبو القبيل كله قيل هو ابن يشجب بن يعرب، وروي في هذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله فروة بن مسيك عن {سبأ} فقال: هو اسم رجل منه تناسلت قبائل اليمن.
وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وشيبة والأعرج {لسبإ} بهمزة منونة مكسورة على معنى الحي، وقرأ أبو عمرو والحسن {لسبأ} بهمزة مفتوحة غير مصروف على معنى القبيلة، وقرأ جمهور القراء {في مساكنهم} لأن كل أحد له مسكن، وقرأ الكسائي وحده {في مسكِنهم} بكسر الكاف أي في موضع سكناهم وهي قراءة الأعمش وعلقمة، قال أبو علي والفتح حسن أيضًا لكن هذا كما قالوا مسجد وإن كان سيبويه يرى هذا اسم البيت وليس موضع السجود. قال هي لغة الناس اليوم، والفتح هي لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقرأ حمزة وحفص {مسكَنهم} بفتح الكاف على المصدر وهو اسم جنس يراد به الجمع، وهي قراءة إبراهيم النخعي وهذا الإفراد هو كما قال الشاعر: الوافر:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا

وكما قال الآخر: البسيط:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس

و {آية} معناها عبرة وعلامة على فضل الله وقدرته، و {جنتان} ابتداء وخبره في قوله عن {يمين وشمال} أو خبر ابتداء تقديره هي جنتان، وهي جملة بمعنى هذه حالهم والبدل من {آية} ضعيف، وقد قاله مكي وغيره، وقرأ ابن أبي عبلة {آية جنتين} بالنصب، وروي أنه كان في ناحية اليمن واد عظيم بين جبلين وكانت جنتا الوادي منبت فواكه وزروع وكان قد بني في رأس الوادي عند أول الجبلين جسر عظيم من حجارة من الجبل إلى الجبل فارتدع الماء فيه وصار بحيرة عظيمة، وأخذ الماء من جنبتيها فمشى مرتفعًا يسقي جنات جنتي الوادي، قيل بنته بلقيس، وقيل بناه حمير أبو القبائل اليمينة كلها، وكانوا بهذه الحال في أرغد نعم، وكانت لهم بعد ذلك قرى ظاهرة متصلة من اليمن إلى الشام، وكانوا أرباب تلك البلاد في ذلك الزمان، وقوله: {كلوا} فيه حذف كأنه قال قيل لهم كلوا، و {طيبة} معناه كريمة التربة حسنة الهواء رغدة من النعم سليمة من الهوام والمضار هذه عبارات المفسرين، وكان ذلك الوادي فيما روي عن عبد الرحمن بن عوف لا يدخله برغوث لا قملة ولا بعوضة ولا عقرب ولا شيء من الحيوان الضار، وإذا جاء به أحد من سفر سقط عند أول الوادي، وروي أن الماشي بمكتل فوق رأسه بين أشجاره يمتلي مكتله دون أن يمد يدًا، وروي أن هذه المقالة من الأمر بالأكل والشرب والتوقيف على طيب البلدة وغفران الرب مع الإيمان به هو من قيل الأنبياء لهم، وقرأ رؤيس عن يعقوب {بلدةً طيبةً وربًا غفورًا} بالنصب في الكل، وبعث إليهم فيما روي ثلاثة عشر نبيًا فكفروا بهم وأعرضوا، فبعث الله تعالى على ذلك السد جردًا أعمى توالد فيه وخرقه شيئًا بعد شيء وأرسل سيلًا في ذلك الوادي، فيحتمل ذلك السد، فيروى أنه كان من العظم وكثرة الماء بحث ملأ ما بين الجبلين، وحمل الجنات وكثيرًا من الناس ممن لم يمكنه الفرار، ويروى أنه لما خرق السد كان ذلك سبب يبس الجنات، فهلكت بهذا الوجه، وروي أنه صرف الماء من موضعه الذي كان فيه أولًا فتعطل سقي الجنات، واختلف الناس في لفظة {العرم} فقال المغيرة بن حكيم وأبو ميسرة: {العرم} في لغة اليمن: جمع عرمة: وهو كل ما بني أو سنم ليمسك الماء ويقال ذلك بلغة أهل الحجاز المسناة.
قال الفقيه الإمام القاضي: كأنها الجسور والسداد ونحوها، ومن هذا المعنى قول الأعشى:
وفي ذلك للمتأسي أسوة ومآرب ** عفا عليها العرم

رخام بناه لهم حمير ** إذا جاءه موارة لم يرم

ومنه قول الآخر:
ومن سبأ الحاضرين مأرب إذ ** يبنون من دون سيله العرما

وقال ابن عباس وقتادة الضحاك {العرم} اسم وادي ذلك الماء بعينه الذي كان السد بني له، وقال ابن عباس أيضًا إن سيل ذلك الوادي أبدًا يصل إلى مكة وينتفع به، وقال ابن عباس أيضًا {العرم} الشديد.
قال الفقيه الإمام القاضي: فكأنه صفة للسيل من العرامة، والإضافة إلى الصفة مبالغة وهي كثيرة في كلام العرب، وقالت فرقة {العرم} اسم الجرذ.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف، وقيل {العرم} اسم المطر الشديد الذي كان عنه ذلك السيل، وقوله: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين} قول فيه تجوز واستعارة وذلك أن البدل من الخمط والأثل لم يكن جنات، لكن هذا كما تقول لمن جرد ثوبًا جيدًا وضرب ظهره هذا الضرب ثوب صالح لك ونحو هذا، وقوله: {ذواتي} تثنية ذات، والخمط شجر الأراك قاله ابن عباس وغيره، وقيل الخمط كل شجر له شوك وثمرته كريهة الطعم بمرارة أو حمضة أو نحوه، ومنه تخمط اللبن إذا تغير طعمه، والأثل ضرب من الطرفاء هذا هو الصحيح، وكذا قال أبو حنيفة في كتاب النبات، قال الطبري وقيل هو شجر شبيه بالطرفاء وقيل إنه السمر، والسدر معروف وهو له نبق شبه العناب لكنه في الطعم دونه بكثير، وللخمط ثمر غث هو البريد، وللأثل ثم قليل الغناء غير حسن الطعم، وقرأ ابن كثير ونافع {أكْل} بضم الهمزة وسكون الكاف، وقرأ الباقون بضم الهمزة وضم الكاف، وروي أيضًا عن أبي عمرو سكون الكاف وهما بمعنى الجنى والثمر، ومنه قوله تعالى: {تؤتي أكلها كل حين} [إبراهيم: 25] أي جناها، وقرأ جمهور القراء بتنوين {أكل} وصفته بخمط وما بعده، قال أبو علي: البدل هذا لا يحسن لأن الخمط ليس بالأكل والأكل ليس بالمخمط نفسه والصفة أيضًا كذلك، لأن الخمط اسم لا صفة وأحسن ما فيه عطف البيان، كأنه بين أن الأكل هذه الشجرة ومنها ويحسن قراءة الجمهور أن هذا الاسم قد جاء بمجيء الصفات في قول الهذلي الطويل:
عقار كماء الني ليس بخمطة ** ولا خلة يكوي الشروب شبابها

وقرأ أبو عمرو بإضافة {أكلِ} إلى {خمطٍ} وبضم كاف {أكلُ خمطٍ} ورجع أبو علي قراءة الإضافة وقوله: {ذلك} إشارة إلى ما أجراه عليهم، وقوله: {وهل يجازي} أي يناقش ويقارض بمثل فعل قدرًا لأن جزاء المؤمنين إنما هو بتفضيل وتضعيف، وأما الذي لا يزاد ولا ينقص فهو {الكفور} قاله الحسن بن أبي الحسن، وقال طاوس هي المناقشة، وكذلك إن كان المؤمن إذ ذنوب فقد يغفر له ولا يجازى، والكافر يجازي ولابد، وقد قال عليه السلام: «من نوقش الحساب عذب»، وقرأ جمهور القراء {يجازَى} بالياء وفتح الزاي، وقرأ حمزة والكسائي {نجازي} بالنون وكسر الزاي، {الكفورَ} بالنصب، وقرأ مسلم بن جندب {وهل يجزي} وحكى عنه أبو عمرو الداني أنه قرأ {وهل يُجزي} بضم الياء وكسر الزاي، قال الزجاج يقال جزيت في الخير وجازيت في الشر.
قال الفقيه الإمام القاضي: فترجح هذه قراءة الجمهور.
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)}.
هذه الآية وما بعدها وصف حالهم قبل مجيء السيل، وهي أن الله تعالى مع ما كان منحهم من الجنتين والنعمة الخاصة بهم، كان قد أصلح لهم البلاد المتصلة بهم وعمرها وجعلهم أربابها، وقدر فيها السير بأن قرب القرى بعضها من بعض حتى كان المسافر من مأرب إلى الشام يبيت في قرية ويقيل في قرية أخرى، فلا يحتاج إلى حمل زاد و {القرى} المدن، ويقال للمجتمع الصغير قرية أيضًا، وكلها من قريت أي جمعت، والقرى التي بورك فيها هي بلاد الشام بإجماع من المفسرين، والقرى الظاهرة هي التي بين الشام ومأرب وهي الصغار التي هي البوادي قال ابن عباس: هي قرى عربية بين المدينة والشام وقاله الضحاك واختلف في معنى {ظاهرة} فقالت فرقة: معناه مستعلية مرتفعة في الآكام والظراب وهي أشرف القرى.