فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ يحيى بن يعمر، وعيسى بن عمر: {ربنا} بالرفع، {بعد} بفتح العين مشدّدة، فيكون معنى هذه القراءة: الشكوى بأن ربهم بعد بين أسفارهم مع كونها قريبة متصلة بالقرى، والشجر، والماء، فيكون هذا من جملة بطرهم، وقرأ أخو الحسن البصري كقراءة ابن السميفع السابقة مع رفع بين على أنه الفاعل كما قيل: في قوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94].
وروى الفرّاء، والزجاج قراءة مثل هذه القراءة لكن مع نصب بين على أنه ظرف، والتقدير: بعد سيرنا بين أسفارنا.
قال النحاس: وهذه القراءات إذا اختلفت معانيها لم يجز أن يقال: إحداها أجود من الأخرى كما لا يقال ذلك في أخبار الآحاد إذا اختلفت معانيها، ولكن أخبر عنهم: أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم، فلما فعل ذلك بهم شكوا، وتضرّروا، ولهذا قال سبحانه: {وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} حيث كفروا بالله، وبطروا نعمته، وتعرّضوا لنقمته {فجعلناهم أَحَادِيثَ} يتحدّث الناس بأخبارهم.
والمعنى: جعلناهم ذوي أحاديث يتحدّث بها من بعدهم تعجبًا من فعلهم، واعتبارًا بحالهم، وعاقبتهم {ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي: فرّقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق، وهذه الجملة مبينة لجعلهم أحاديث، وذلك أن الله سبحانه لما أغرق مكانهم، وأذهب جنتهم، تفرّقوا في البلاد، فصارت العرب تضرب بهم الأمثال.
فتقول: تفرّقوا أيدي سبا.
قال الشعبي: فلحقت الأنصار بيثرب، وغسان بالشام، والأزد بعمان، وخزاعة بتهامة {إِنَّ في ذَلِكَ لأَيَاتٍ} أي: فيما ذكر من قصتهم، وما فعل الله بهم لآيات بينات، ودلالات واضحات {لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي: لكل من هو كثير الصبر، والشكر، وخصّ الصبار الشكور، لأنهما المنتفعان بالمواعظ والآيات.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} قرأ الجمهور: {صدق} بالتخفيف، ورفع: {إبليس} ونصب {ظنه}.
قال الزجاج: وهو على المصدر، أي: صدق عليهم ظنًا ظنه، أو صدق في ظنه، أو على الظرف.
والمعنى: أنه ظنّ بهم: أنه إذا أغواهم اتبعوه، فوجدهم كذلك، ويجوز: أن يكون منتصبًا على المفعولية، أو بإسقاط الخافض.
وقرأ حمزة، والكسائي، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وعاصم: {صدق} بالتشديد، و {ظنه} بالنصب على أنه مفعول به.
قال أبو عليّ الفارسي، أي: صدّق الظنّ الذي ظنه.
قال مجاهد: ظنّ ظنًا، فصدّق ظنه، فكان كما ظنّ، وقرأ أبو جعفر، وأبو الجهجاء، والزّهري، وزيد بن عليّ: {صدق} بالتخفيف، و {إبليس} بالنصب {وظنه} بالرفع، قال أبو حاتم: لا وجه لهذه القراءة عندي، وقد أجاز هذه القراءة الفرّاء، وذكرها الزجاج، وجعل الظنّ فاعل صدّق، وإبليس مفعوله.
والمعنى: أن إبليس سوّل له ظنه شيئًا فيهم، فصدّق ظنه، فكأنه قال: ولقد صدّق عليهم ظن إبليس.
وروي عن أبي عمرو: أنه قرأ برفعهما مع تخفيف صدق على أن يكون ظنه بدل اشتمال من إبليس.
قيل: وهذه الآية خاصة بأهل سبأ.
والمعنى: أنهم غيروا، وبدّلوا بعد أن كانوا قد آمنوا بما جاءت به رسلهم.
وقيل: هي عامة، أي: صدّق إبليس ظنه على الناس كلهم إلاّ من أطاع الله.
قاله مجاهد، والحسن.
قال الكلبي: إنه ظنّ: أنه إن أغواهم أجابوه، وإن أضلهم أطاعوه، فصدّق ظنه {فاتبعوه} قال الحسن: ما ضربهم بصوت، ولا بعصي، وإنما ظنّ ظنًا، فكان كما ظنّ بوسوسته، وانتصاب.
{إِلاَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين} على الاستثناء، وفيه وجهان: أحدهما: أن يراد به بعض المؤمنين، لأن كثيرًا من المؤمنين يذنب، وينقاد لإبليس في بعض المعاصي، ولم يسلم منه إلاّ فريق، وهم الذين قال فيهم: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} [الحجر: 42].
وقيل: المراد ب {فريقًا من المؤمنين} المؤمنون كلهم على أن تكون من بيانية.
{وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان} أي: ما كان له تسلط عليهم، أي: لم يقهرهم على الكفر، وإنما كان منه الدعاء، والوسوسة، والتزيين.
وقيل: السلطان القوّة.
وقيل: الحجة، والاستثناء في قوله: {إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالأخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا في شَكّ} منقطع، والمعنى: لا سلطان له عليهم، ولكن ابتليناهم بوسوسته لنعلم.
وقيل: هو متصل مفرّغ من أعم العام: أي: ما كان له عليهم تسلط بحال من الأحوال، ولا لعلة من العلل إلاّ ليتميز من يؤمن، ومن لا يؤمن، لأنه سبحانه قد علم ذلك علمًا أزليًا.
وقال الفراء: المعنى: إلاّ لنعلم ذلك عندكم.
وقيل: إلاّ لتعلموا أنتم، وقيل: ليعلم أولياؤنا، والملائكة.
وقرأ الزهري.
{إلاّ ليعلم} على البناء للمفعول، والأولى حمل العلم هنا على التمييز، والإظهار كما ذكرنا {وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شيء حَفُيظٌ} أي: محافظ عليه.
قال مقاتل: علم كل شيء من الإيمان والشك.
وقد أخرج أحمد، والبخاري، والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وغيرهم عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم، وأمرني، فلما خرجت من عنده أرسل في أثري فردّني، فقال: «ادع القوم، فمن أسلم منهم، فاقبل منه، ومن لم يسلم، فلا تعجل حتى أحدث إليك» وأنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل يا رسول الله، وما سبأ: أرض أم امرأة؟ قال: «ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تشاءموا: فلخم، وجذام، وغسان، وعاملة؛ وأما الذين تيامنوا، فالأزد، والأشعريون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار» فقال رجل: يا رسول الله، وما أنمار؟ قال: «الذي منهم خثعم، وبجيلة».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والطبراني، وابن عديّ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بأخصر منه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {سَيْلَ العرم} قال: الشديد.
وأخرج ابن جرير عنه قال: {سَيْلَ العرم} واد كان باليمن كان يسيل إلى مكة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {أُكُلٍ خَمْطٍ} قال: الأراك.
وأخرج ابن المنذر عنه أيضًا في قوله: {وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ الكفور} قال: تلك المناقشة.
وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عنه أيضًا في قوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم} يعني: بين مساكنهم {وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا} يعني: الأرض المقدّسة {قُرًى ظاهرة} يعني: عامرة مخصبة {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير} يعني: فيما بين مساكنهم وبين أرض الشام {سِيرُواْ فِيهَا} إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام من المقدّسة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} قال إبليس: إن آدم خلق من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون خلقًا ضعيفًا، وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء لأحتنكنّ ذرّيته إلاّ قليلًا.
قال: فصدّق ظنه عليهم {فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين} قال: هم المؤمنون كلهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ}.
أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن فروة بن مسيك المرادي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمرني، فلما خرجت من عنده، أرسل في أثري، فردني فقال «ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك، وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ، أرض أم امرأة؟ قال: ليس بأرض، ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فَتَيَامَنَ منهم ستة، وتشاءمَ منهم أربعة، فاما الذين تشاءموا فلخم، وجذام، وغسان، وعاملة. وأما الذين تيامنوا فالازد، والاشعريون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار. فقال رجل: يا رسول الله وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم، وبجيلة».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي حاتم وابن عدي والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ أرجل هو، أو امرأة، أم أرض؟ فقال: «بل هو رجل ولد عشرة، فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم أربعة، فأما اليمانيون فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحِمْيَر. وأما الشاميون فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان».
وأخرج الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {لقد كان لسبإ في مساكنهم}.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ {لقد كان لسبإ} بالخفض منوّنة مهموزة {في مساكنهم} على الجماع بالألف.
وأخرج الفريابي عن يحيى بن وثاب أنه يقرأها {لقد كان لسبإ في مساكنهم}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: كان لسبأ جنتان بين جبلين، فكانت المرأة تمر ومكتلها على رأسها، فتمشي بين جبلين، فتمتلىء فاكهة وما مسته بيدها، فلما طغوا بعث الله عليهم دابة يقال لها: الجرذ، فنقب عليهم، فغرقهم، فما بقي منهم الا أثل، وشيء من سدر قليل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {لقد كان لسبإٍ في مساكنهم}. قال لم يكن يرى في قريتهم بعوضة قط، ولا ذباب، ولا برغوث، ولا عقرب، ولا حية، وإن ركب ليأتون في ثيابهم القمل والدواب، فما هو إلا أن ينظروا إلى بيوتها، فتموت تلك الدواب، وإن كان الإِنسان ليدخل الجنتين، فيمسك القفة على رأسة، ويخرج حين يخرج وقد امتلأت تلك القفة من أنواع الفاكهة، ولم يتناول منها شيئًا بيده.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {بلدة طيبة ورب غفور} قال: هذه البلد طيبة، وربكم غفور لذنوبكم. وفي قوله: {فاعرضوا} قال: بطر القوم أمر الله، وكفروا نعمته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان أهل سبأ أعطوا ما لم يعطه أحد من أهل زمانهم، فكانت المرأة تخرج على رأسها المكتل فتريد حاجتها، فلا تبلغ مكانها الذي تريد حتى يمتلىء مِكْتَلُهَا من أنواع الفاكهة، فأجمعوا ذلك فكذبوا رسلهم، وقد كان السيل يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يستقر في واديهم، فيجمع الماء من تلك السيول والجبال في ذلك الوادي، وكانوا قد حفروه بمسناة- وهم يسمون المسناة العرم- وكانوا يفتحون إذا شاءوا من ذلك الماء، فيسقون جنانهم إذا شاءوا، فلما غضب الله عليهم، وأذن في هلاكهم، دخل رجل إلى جنته- وهو عمرو بن عامر فيما بلغنا، وكان كاهنًا- فنظر إلى جرذة تنقل أولادها من بطن الوادي إلى أعلى الجبل فقال: ما نقلت هذه أولادها من هاهنا إلا وقد حضر أهل هذه البلاد عذاب، ويقدر أنها خرقت ذلك العرم، فنقبت نقبًا، فسال ذلك النقب ماء إلى جنته، فأمر عمرو بن عامر بذلك النقب فسد، فأصبح وقد انفجر بأعظم ما كان، فأمر به أيضًا فسد، ثم انفجر بأعظم ما كان، فلما رأى ذلك دعا ابن أخيه فقال: إذا أنا جلست العشية في نادي قومي فائتني فقل: علام تحبس علي مالي؟ فإني سأقول ليس لك عندي مال، ولا ترك أبوك شيئًا، وإنك لكاذب. فإذا أنا كذبتك فكذبني وأردد عليّ مثل ما قلت لك، فإذا فعلت ذلك فإني سأشتمك، فاشتمني. فإذا أنت شتمتني لطمتك، فإذا أنا لطمتك فقم فالطمني. قال: ما كنت لاستقبلك بذلك يا عم! قال: بلى. فافعل فإني أريد بها صلاحك، وصلاح أهل بيتك فقال الفتى: نعم. حيث عرف هوىعمه فجاء فقال ما أمر به حتى لطمه فتناوله الفتى فلطمه فقال الشيخ: يا معشر بني فلان الطم فيكم؟ لا سكنت في بلد لطمني فيه فلان أبدًا، من يبتاع مني. فلما عرف القوم منه الجد أعطوه، فنظر إلى أفضلهم عطية، فأوجب له البيع، فدعا بالمال، فنقده وتحمل هو وبنوه من ليلته، فتفرقوا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان في سبأ كهنة، وكانت الشياطين يسترقون السمع، فأخبروا الكهنة بشيء من أخبار السماء، وكان فيهم رجل كاهن شريف كثير المال، أنه أخبر أن زوال أمرهم قد دنا، وأن العذاب قد أظلهم، فلم يدر كيف يصنع لأنه كان له مال كثير من عقر، فقال لرجل من بنيه وهو أعزهم أخوالًا: إذا كان غدًا وأمرتك بأمر فلا تفعله، فإذا نهرتك فانتهرني، فإذا تناولتك فالطمني، قال: يا أبت لا تفعل إن هذا أمر عظيم وأمر شديد قال: يا بني قد حدث أمر لابد منه، فلم يزل حتى هيأه على ذلك، فلما أصبحوا، واجتمع الناس قال: يا بني افعل كذا وكذا... فأبى، فانتهره أبوه، فأجابه، فلم يزل ذلك بينهما حتى تناوله أبوه، فوثب على أبيه فلطمه، فقال: ابني يلطمني عليَّ بالشفرة قالوا: وما تصنع بالشفرة؟ قال: أذبحه قالوا: تذبح ابنك الطمه واصنع ما بدا لك، فأبى إلا أن يذبحه، فأرسلوا إلى أخواله فاعلموهم بذلك، فجاء أخواله فقالوا: خذ منا ما بدا لك، فأبى إلا أن يذبحه قالوا: فلتموتن قبل أن تدعوه قال: فإذا كان الحديث هكذا فإني لا أريد أن أقيم ببلد يحال بيني وبين ابني فيه، اشتروا مني دوري، اشتروا مني أرضي، فلم يزل حتى باع دوره، وأرضه، وعقاره.
فلما صار الثمن في يده وأحرزه قال: أي قوم أن العذاب قد أظلكم، وزوال أمركم قد دنا، فمن أراد منكم دارًا جديدًا، وجملًا شديدًا، وسفرًا فليلحق بعمان ومن أراد منكم الخمر، والخمير، والعصير، فليلحق ببصرى. ومن أراد منكم الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، المقيمات في الضحل، فليلحق بيثرب ذات نخل، فأطاعه قوم، فخرج أهل عمان إلى عمان، وخرجت غسان إلى بصرى، وخرجت الأوس، والخزرج، وبنو كعب بن عمرو، إلى يثرب، فلما كانوا ببطن نخل قال بنو كعب: هذا مكان صالح لا نبتغي به بدلًا فأقاموا، فذلك سموا خزاعة لأنهم انخزعوا عن أصحابهم، وأقبلت الأوس والخزرج حتى نزلوا بيثرب.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {لقد كان لسبإ}. قال: كان لهم مجلس مشيد بالمرمر، فأتاهم ناس من النصارى فقالوا: أشكروا الله الذي أعطاكم هذا قالوا: ومن أعطاناه؟ إنما كان لآبائنا فورثناه، فسمع ذلك ذو يزن فعرف أنه سيكون لكلمتهم تلك خبر فقال لابنه: كلامك علي حرام إن لم تأت غدًا وأنا في مجلس قومي فتصك وجهي، ففعل ذلك فقال: لا أقيم بأرض فعل هذا ابني بي فيها، إلا من يبتاع مني مالي، فابتدره الناس، فابتاعوه فبعث الله جرذًا أعمى يقال له الخلد من جرذان عمى، فلم يزل يحفر السد حتى خرقه فانهدم وذهب الماء بالجنتين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: لقد بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًا فكذبوهم، وكان لهم سد كانوا قد بنوه بنيانًا أبدًا وهو الذي كان يرد عنهم السيل إذا جاء أن يغشى أموالهم، وكان فيما يزعمون في علمهم من كهانتهم أنه إنما يخرب سدهم ذلك فارة، فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة، فلما جاء زمانه وما أراد الله بهم من التفريق، أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء إلى هرة من تلك الهرر، فساورتها حتى استأخرت عنها الهرة، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها، فتغلغلت بالسد، فحفرت فيه حتى رققته للسيل وهم لا يدرون، فلما أن جاء السيل وجد عللًا، فدخل فيه حتى قلع السد وفاض على الأموال فاحتملها، فلم يبق منها إلا ما ذكر عن الله تبارك وتعالى.