فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{قُلْ} يا محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقسة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم تنبيهًا على بطلان ما هم عليه وتبكيتًا لهم {ادعوا الذين زَعَمْتُمْ} أي زعمتموهم آلهة كذا قدره الجمهور على أن الضمير مفعول أول وآلهة مفعول ثان وحذف الأول تخفيفًا لأن الصلة والموصول بمنزلة اسم واحد فهناك طول يطلب تخفيفه والثاني لأن صفته أعني قوله تعالى: {مِن دُونِ الله} سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معًا، ولا يجوز أن يكون {مِن دُونِ الله} هو المفعول الثاني إذ لا يتم به مع الضمير الكلم ولا يلتئم النظام فأي معنى معتبر لهم من دون الله على أن في جواز حذف أحد مفعولي هذا الباب اختصارًا خلافًا ومن أجازه قال هو قليل في كلامهم، وكذا لا يجوز أن يكون لا يملكون لأن ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه، وليس ذلك أيضًا بزعم بالمعنى الشائع لو سلم أنه صدر منهم بل حق، وقال ابن هشام: الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب على زعم أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسدهما من أن وصلتهما ولم يقع في التنزيل إلا كذلك أي فالأنسب أن يوافق المقدر المصرح به في التنزيل.
ورجح تقدير الجمهور بأنه أبعد عن لزوم الإجحاف والأمر للتوبيخ والتعجيز أي ادعوهم فيما يهمكم من دفع ضر أو جلب نفع لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم.
روي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشًا.
وقوله تعالى: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} كلام مستأنف في موقع الجواب ولم يمهلم ليجيبوا إشعارًا بتعينه فإنه لا يقبل المكابرة، وجوز تقدير ثم أجب عنهم قائلًا لا يملكون الخ وهو متضمن بيان حال الآلهة في الواقع وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة نعبد.
{فِي السماوات وَلاَ في الأرض} أي في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض للتعميم عرفًا فيراد بهما جميع الموجودات، وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما، ويجوز أن يقال: إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي والأرضي على أمر أرضي ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها {وَمَا لَهُمْ} أي لآلهتهم {فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} أي شركة ما لا خلفًا ولا ملكًا ولا تصرفا {وَمَا لَهُ} أي لله عز وجل {مِنْهُمْ} أي من آلهتهم {مّن ظَهِيرٍ} أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما.
{وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ} أي لا توجد رأسًا كما في قوله:
على لاحب لا يهتدي بمناره

لقوله تعالى: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحًا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها.
وقوله تعالى: {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} استثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما اختاره الزمخشري، و {مِنْ} عبارة عن الشافع واللام الداخلة عليه للاختصاص مثلها في الكرم لزيد ولام {لَهُ} صلة أذن، والمراد نفي شفاعة آلهتهم لهم لكن ذكر ذلك على وجه عام ليكون طريقًا برهانيًا أي لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال أو كائنة لمن كانت إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة، ومن البين أنهم لا يؤذن لهم في الشفاعة للكفار فقد قال الله تعالى: {لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 8 3] والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب وعدم الإذن للأصنام أبين وأبين فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية أو {مِنْ} عبارة عن المشفوع له واللام الداخلة عليه للتعليل ولام {لَهُ} صلة {أَذِنَ} أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمشفوع أذن له أي لشفيعه على الإضمار لأن المشفوع لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه أن يشفعه، واختار الزمخشري أن لام {لَهُ} للتعليل أي إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، ووجهه على ما في الكشف حصول الإشارة إلى الشافع والمشفوع لأن المأذون لأجله المشفوع والمأذون الشافع ولأن الغرض بيان محل النفع وهو المشفوع كان التصريح بذكره أهم، ولا يخفى أن الوجه السابق ظاهر التكلف فيه الإضمار الذي لا يقتضيه المقام، وحاصل المعنى على هذا لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها إلا كائنة لمن وقع الإذن للشفيع لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلًا وإن فرض وقوعها من الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم، ويثبت من هذا حرمان هؤلاء الكفرة من شفاعة الشفعاء المستأهلين للشفاعة بعبارة النص وعن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين عليها في الجملة فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها بالكلية أولى، وذهب أبو حيان إلى أن الاستثناء من أعم الذوات أي لا تنفع الشفاعة لأحد إلا لمن الخ، واستظهر احتمال أن تكون من عبارة عن المشفوع له واللام نظرًا إلى الظاهر متعلقة بالشفاعة، وجوز أبو البقاء تعلقها بـ: {تنفع} .
وتعقبه بأنه لا يتعدى إلا بنفسه وقال أبو حيان فيه: إن المفعول متأخر فدخول اللام قليل.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {أَذِنَ} مبنيًا للمفعول فله قائم مقام فاعله {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق} صيغة التفعيل للسلب كما في قردت البعير إذا أزلت قراده ومنه التمريض فالتفزيع إزالة الفزع، وهو على ما قال الراغب انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، و {حتى} للغاية واختلفوا في المغيا إذ لم يكن قبلها ما يصلح أن يكون مغيًا بحسب الظاهر، واختلفوا لذلك في المراد بالآية اختلافًا كثيرًا، فقيل: هو ما يفهم من حديث الشفاعة ويشير إليه، وذلك أن قوله تعالى: {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} يؤذن بشفعاء ومشفوع لهم وأن هناك استئذانًا في الشفاعة ضرورة أن وقوع الإذن يستدعي سابقية ذلك وهو مستدع للترقب والانتظار للجواب وحيث أنه كلام صادر عن مقام العظمة والكبرياء كيف وقد تقدمه ما تقدمه يدل على كون الكل في ذلك الموقف خلف سرادق العظمة ملقى عليهم رداء الهيبة، وما بعد حرف الغاية أيضًا شديد الدلالة على ذلك فكأنه قيل: تقف الشفعاء والمشفوع لهم في ذلك الموقف الذي يتشبث فيه المستشفعون بأذيال الرجاء من المستشفع بهم ويقوم فيه المستشفع به على قدم الالتجاء إلى الله جل جلاله فيطرق باب الشفاعة بالاستئذان فيها ويبقون جميعًا منتظرين وجلين فزعين لا يدرون ما يوقع لهم الملك الأعظم جل وعلا على رقعة سؤالهم وماذا يصح لهم بعد عرض حالهم حتى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم بظهور تباشير حسن التوقيع وسطوع أنوار الإجابة والارتضاء من آفاق رحمة الملك الرفيع قالوا أي قال بعضهم لبعض، والظاهر أن البعض القائل المشفوع لهم وإن شئت فأعد الضمير إليهم من أول الأمر إذ هم الأشد احتياجًا إلى الإذن والأعظم اهتمامًا بأمره ماذا قال ربكم في شأن الإذن بالشفاعة قالوا: أي الشفعاء فإنهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون لأولئك السائلين بالشفاعة عنده عز وجل قال: ربنا القول الحق أي الواقع بحسب ما تقتضيه الحكمة وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى.
والظاهر أن قوله تعالى: {وَهُوَ العلى الكبير} من تتمة كلام الشفعاء قالوه اعترافًا بعظمة جناب العزة جل جلاله وقصور شأن كل من سواه أي هو جل شأنه المتفرد بالعلو والكبرياء لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه وليس لكل منهم كائنًا من كان أن يتكلم إلا من بعد إذنه جل وجلًا، وفيه من تواضعهم بعد ترفيع قدرهم بالإذن لهم بالشفاعة ما فيه، وفيه أيضًا نوع من الحمد كما لا يخفى وهذه الجملة المغيات بما ذكر لا يبعد أن تكون جوابًا لسؤال مقدر كأنه قيل: كيف يكون الإذن في ذلك الموقف للمستأذنين وكيف الحال فيه للشافعين والمستشفعين؟ فقيل: يقفون منتظرين وجلين فزعين حتى إذا الخ؛ والآيات دالة على أن المشفوع لهم هم المؤمنون وأما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف ألف منزل، وجعل بعضهم على هذا الوجه من كون المغيا ما ذكر ضمير {قُلُوبِهِمْ} للملائكة وخص الشفعاء بهم وضمير {قَالُواْ} الأول: لهم أيضًا وضمير {قَالُواْ} الثاني: للملائكة الذين فوقهم وهم الذين يبلغون ذلك إليهم وقال: إن فزعهم إِما لما يقرن به الإذن من الأمر الهائل أو لغشية تصيبهم عند سماع كلام الله جل شأنه أو من ملاحظة وقوع التقصير في تعيين المشفوع لهم بناء على ورود الإذن بالشفاعة إجمالًا وهو كما ترى.
وقال الزجاج: تفسير هذا أن جبريل عليه السلام لما نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي ظنت الملائكة عليهم السلام أنه نزل بشيء من أمر الساعة ففزعت لذلك فلما انكشف عنها الفزع قالوا: ماذا قال: ربكم سألت لأي شيء نزل جبريل عليه السلام قالوا: الحق. اهـ.
روي ذلك عن قتادة ومقاتل وابن السائب بيد أنهم قالوا: إن الملائكة صعقوا لذلك فجعل جبريل عليه السلام يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي، ولم يبين الزجاج وجه اتصال الآية بما قبلها ولا بحث عن الغاية بشيء وقد ذكر نحو ذلك الإمام الرازي ثم قال في ذلك: أن {حتى} غاية متعلقة بقوله تعالى: {قُلْ} لأنه تبينه بالوحي فلما قال سبحانه: {قُلْ} فزع من في السماوات وهو لعمري من العجب العجاب.
وقال الفاضل الطيبي بعد نقله ذلك التفسير: وعليه أكثر كلام المفسرين ويعضده ما روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانًا لقوله تعالى كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير» وعن أبي داود عن ابن مسعود قال: إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا أتاهم جبريل عليه السلام فزع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق الحق، ثم ذكر في أمر الغاية واتصال الآية بما قبلها على ذلك أنه يستخرج معنى المغيا من المفهوم وذلك إن المشركين لما ادعوا شفاعة الآلهة والملائكة وأجيبوا بقوله تعالى: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مّن دُونِ الله} [سبأ: 22] من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه تعالى والتجؤا إليهم فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا تنفع الشفاعة من هؤلاء إلا للملائكة لكن مع الإذن والفرع العظيم وهم لا يشفعون إلا للمرضيين فعبر عن الملائكة عليهم السلام بقوله تعالى: {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} الآية كناية كأنه قيل: لا تنفع الشفاعة إلا لمن هذا شأنه ودأبه وأنه لا يثبت عند صدمة من صدمات هذا الكتاب المبين وعند سماع كلام الحق يعني الذين إذا نزل عليهم الوحي يفزعون ويصعقون حتى إذا أتاهم جبريل عليه السلام فزع عن قلوبهم فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحق انتهى، ولا يخفى على من له أدنى تمييز حاله وأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه.
وقول ابن عطية: إن تأويل الآية بالملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل أو الأمر بأمر الله تعالى به فتسمع كجر سلسلة الحديد على الحديد فتفزع تعظيمًا وهيبة، وقيل خوف قيام الساعة هو الصحيح وهو الذي تظاهرت به الأحاديث ناشىء من حرمان عطية سلامة الذوق وتدقيق النظر، والتفسير الذي ذكرناه أولًا بمراحل في الحسن عما ذكر عن أكثر المفسرين، وما سمعت من الرواية لا ينافيه إذ لا دلالة فيه على أنه عليه الصلاة والسلام ذكر ذلك في معرض تفسير الآية ولا تنافي بين التفزيعين وكأن الأكثر من المفسرين نظروا إلى ظاهر طباق اللفظ مع الحديث فنزلوا الآية على ذلك فوقعوا فيما وقعوا فيه وإن كثروا وجلوا، والقائل بما سبق نظر إلى طباق المقام وحقق عدم المنافاة وظهر له حال ما قالوه فعدل عنه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قال في الآية: زعم ابن مسعود أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب تبارك وتعالى فانحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب الذين أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدًا وهذا كلما مروا عليهم فيفعلون من خوف ربهم تبارك وتعالى، وابن مسعود عندي أجل من أن يحمل الآية على هذا فالظاهر أنه لا يصح عنه.
ومثل هذا ما زعمه بعضهم أن ذاك فزع ملائكة أدنى السماوات عند نزول المدبرات إلى الأرض، وقيل إن {حتى} غاية متعالقة بقوله تعالى: {زَعَمْتُمْ} أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم قال الحق وإليه يشير ما أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال في الآية: حتى إذا فزع الشيطان عن قلوبهم ففارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم به قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ثم قال: وهذا في بني آدم أي كفارهم عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الأقرار، والظاهر أن في الكلام عليه التفاتًا من الخطاب في {زَعَمْتُمْ} إلى الغيبة في {قُلُوبِهِمْ} وأن ضمير {قَالُواْ} الأول للملائكة الموكلين بقبض أرواحهم والمراد بالتفزيع عن القلوب كشف العطاء وموانع إدراك الحق عنها.
وما نقل عن الحسن من أنه قال: إنما يقال للمشركين ماذا قال ربكم أن علي لسان الأنبياء عليهم السلام فاقروا حين لا ينفع يحتمل أن يكون كالقول المذكور في أن ذلك عند الموت ويحتمل أن يكون قولًا بأن ذلك يوم القيامة إلا أن في جعل حتى غاية للزعم عليه غير ظاهر إذ لا يستصحبهم ذلك إلى يوم القيامة حقيقة كما لا يخفى، وأبعد من هذا القول كون ذلك غاية لقوله تعالى: {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا في شَكّ} [سبأ: 21] وضمير قلوبهم لمن باعتبار معناه، والتفزيع كشف اللغطاء ومواقف إدراك الحق بل هو مما لا ينبغي حمل كلام الله تعالى عليه.
وزعم بعضهم أن المعنى إذا دعاهم إسرافيل عليه السلام من قبورهم قالوا مجيبين ماذا قال ربكم حكاه في البحر ثم قال: والتفزيع من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ كما قال زهير:
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم ** طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل

وأنت تعلم أن التفزيع بالمعنى المذكور لا يتعدى بعن وأمر الغاية عليه ظاهر، وبالجملة ذلك الزعم ليس بشيء.
واختار أبو حيان أن المغيا الاتباع في قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين} [سبأ: 20] وضمير قلوبهم عائد إلى ما عاد إليه ضمير الرفع في {اتبعوه} أعنى الكفار وكذا ضمير {قالو} الثاني وضمير {شُرَكَائِى قَالُواْ} الأول للملائكة وكذا ضمير {رَبُّكُمْ} وجملة قوله تعالى: {قُلِ ادعوا الذين} [سبأ: 22] الخ اعتراضية بين الغاية والمغيا والتفزيع حال مفارقة الحياة أو يوم القيامة وبجعل اتباعهم إبليس مستصحبًا لهم إلى ذلك اليوم مجازا، ولا يخفى بعده، والوجه عندى ما ذكر أولا، و {مَاذَا} تحتمل أن تكون منصوبة بقال أي أي شيء قال ربكم، وتحتمل أن تكون في موضع رفع على أن ما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول خبره وجملة قال صلة الموصول والعائد محذوف أي ما الذي قاله ربكم، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وطلحة وأبو التوكل الناجي وابن السميقع وابن عامر ويعقوب {فُزّعَ} بالتشديد والبناء للفاعل والفاعل ضمير الله تعالى المستتر أي أزال الله تعالى الفزع عن قلوبهم.
وقال أبو حيان: هو ضميره تعالى إن كان ضمير قلوبهم للملائكة وإن كان للكفار فهو ضمير مغريهم.
وقرأ الحسن {فُزّعَ} بالتخفيف والبناء للمفعول فعن قلوبهم نائب الفاعل كما في قراءة الجمهور، وقرأ هو وأبو المتوكل أيضًا وقتادة ومجاهد {فرغ} بالفاء والراء المهملة والغين المعجمة مشددًا مبنيًا للغاعل بمعنى أزال، وقرأ الحسن أيضًا كذلك إلا أنه خفف الراء، وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما والحسن أيضًا وأيوب السختياني وقتادة أيضًا وأبو مجلز {فرغ} كذلك إلا أنهم بنوه للمفعول، وقرأ مسعود في رواية وعيسى {افر نقع} قيل بمعنى تفرق.
وقال الزمخشري: بمعنى انكشف، والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب اقمطر من حروف القمط مع زيادة الراء، وفيه إيهام أن العين والراء من حروف الزيادة وليس كذلك، وقرأ ابن أبي عبلة {يَهْدِى إِلَى الحق} بالرفع أي مقولة الحق. اهـ.