فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {وَلَقَدْ صَدَّقَ} بالتخفيف يعني: صدق في ظنه.
وقرأ الباقون: {صَدَقَ} بالتشديد.
يعني: صار ظنه صدقًا.
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان} يعني: لم يكن له عليهم ملك فيقهرهم.
ويقال: يعني ما سلطناه عليهم إلا لنختبرهم من الذي يطيعنا.
وقال الحسن البصري رحمه الله: والله ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كان إلا غرورًا وأماني دعاهم إليها فأجابوه.
وقال قتادة: والله ما كان ظنه إلا ظنًا، فنزل الناس عند ظنه.
وقال معمر: قال لي مقاتل: إن إبليس لما أنزل آدم عليه السلام ظن أن في ذريته من سيكون أضعف منه.
فصدق عليهم ظنه.
فإن قيل في آية أخرى: {إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] وهاهنا يقول: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان} قيل له: أراد بالسلطان هناك الحجة يعني: إنما حجته على الذين يتولونه.
وهاهنا أراد به الملك والقهر يعني: لم يكن له عليهم ملك يقهرهم به.
ويقال: معنى الآيتين واحد.
لأن هناك قال: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا.
وهاهنا قال: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان} يعني: حجة على فريق من المؤمنين إلا بالتزيين والوسوسة منه.
{إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا في شَكّ} يعني: نميز من يصدق بالبعث ممن هو في شك.
يعني: من قيام الساعة.
وقال القتبي: علم الله نوعان: أحدهما علم ما يكون من إيمان المؤمنين.
وكفر الكافرين من قبل أن يكون.
وهذا علم لا يجب به حجة، ولا عقوبة، والآخر علم الأمور الظاهرة.
فيحق به القول، ويقع بوقوعها الجزاء.
يعني: ما سلطانه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهرًا موجودًا، وكفر الكافرين ظاهرًا موجودًا.
وكذلك قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جاهدوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين} [آل عمران: 142] الآية.
ثم قال عز وجل: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شيء حَفُيظٌ} يعني: عالمًا بالشك واليقين.
ويقال: عالم بقولهم.
ويقال: عالم بما يكون منهم قبل كونه.
ويقال: حفيظ يحفظ أعمالهم ليجازيهم.
ثم قال عز وجل: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم} يعني: قل لكفار مكة {أَدْعُو الذين زَعَمْتُمْ} {مِن دُونِ الله} أنهم آلهة فيكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم من الجوع.
يعني: الأصنام.
ويقال: الملائكة عليهم السلام.
{لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} يعني: نملة صغيرة {فِي السموات وَلاَ في الأرض} يعني: إذا كان حالهم هذا، فمن أين جعلوا لهم الشركة في العبادة.
ثم قال: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} يعني: في خلق السموات والأرض من عون.
ويقال: ما لهم فيها من نصيب {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ} يعني: معين من الملائكة الذين يعبدونهم.
ثم ذكر أن الملائكة لا يملكون شيئًا من الشفاعة فقال عز وجل: {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ} يعني: لا تنفع لأحد لا نبيًا ولا ملكًا {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أن يشفع لأحد من أهل التوحيد.
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر في إحدى الروايتين، {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} بالنصب.
يعني: حتى يأذن الله عز وجل له.
قرأ الباقون.
بالضم على فعل ما لم يسم فاعله.
ومعناه: مثل الأول.
ثم أخبر عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خرّوا سجدًا من مخافة الله عز وجل، وكيف يعبدون من هذه حاله وكذلك قوله: {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} وذلك أن أهل السموات لم يكونوا سمعوا صوت الوحي بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فسمعوا صوتًا كوقع الحديد على الصفا فخروا سجدًا مخافة القيامة وذلك صوت الوحي.
ويقال: صوت نزول جبريل عليه السلام فخروا سجدًا مخافة القيامة فهبط جبريل عليه السلام على أهل كل سماء فذلك قوله: {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ}.
وذكر عن بعض أهل اللغة أنه قال: إذا كانت حتى موصولة بإذا تكون بمعنى لما، تقع موقع الابتداء كقوله عز وجل: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} [الحجر: 14] كقوله: {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء: 96] {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلى الكبير} [سبأ: 23] يعني: لما فزع عن قلوبهم.
ومعناه: انجلاء الفزع عن قلوبهم، فقاموا عن السجود، وسأل بعضهم بعضًا {قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} يعني: ماذا قال جبريل عليه السلام عن ربكم {قَالُواْ الحق} يعني: الوحي.
قال: حدّثنا الفقيه أبو الليث رحمه الله قال: حدّثنا الخليل بن أحمد قال: حدّثنا الدبيلي قال: حدّثنا أبو عبد الله قال: حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذَا قَضَى الله فِي السَّمَاء أمْرًا ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خَضَعَانًا لِقَوْلِهِ، وَسُمِعَ لذلك صَوْتٌ كَأنَّهَا سلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ {قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} {قَالُواْ الحق} الَّذِي قَالَ: فَسِيحي الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ فَإِذَا سَمِعَ الأَعْلَى مِنْهُمُ الْكَلِمَةَ، رَمَى بِهَا إلَى الذي تَحْتَهُ وَرُبَّما أدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أنْ يَنْبِذَهَا وَرُبَّمَا نَبَذَهَا قَبْلَ أنْ تُدْرِكَهُ، فَيَنْبِذَهَا، بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الأرْضِ، فَتُلْقَى عَلَى لِسَانِ الْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ، فَيُصَدِّقُ فَيَقُولُ، ألَيْسَ قَدْ أخْبَرَ بِكَذَا وَكَذَا، وَكَانَ حَقًّا وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاء» قرأ ابن عامر {حتى إِذَا فُزّعَ} بنصب الفاء والزاي يعني: كشف الله الفزع.
وقرأ الباقون بضم الفاء على معنى ما لم يسم فاعله.
وقرأ الحسن {حتى إِذَا فُزّعَ} بالواو والغين يعني: فرغ الفزع عن قلوبهم.
وقراءة العامة بالزاي أي خفف عنها الفزع.
وقال مجاهد: معناه حتى إذا كشف عنها الغطاء يوم القيامة ثم قال: {وَهُوَ العلى الكبير} يعني: هو أعلى وأعظم وأجلّ من أن يوصف له شريك. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّموَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: الذي خلق ما في السموات وما في الأرض.
الثاني: الذي يملك ما في السموات وما في الأرض.
{ولَهُ الْحَمْدُ فِي الآخرَةِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هو حمد أهل الجنة من غير تَكْلِفٍ فسرورهم بحمده كقولهم: الحمد لله الذي صدقنا وعْدَه، الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، قاله ابن عيسى.
الثاني: يعني أن له الحمد في السموات وفي الأرضين لأنه خلق السموات قبل الأرضين فصارت هي الأولى، والأرضون هي الآخرة، حكاه النقاش.
الثالث: له الحمد في الآخرة على الثواب والعقاب لأنه عَدْل منه، قاله بعض المتأخرين.
{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} يعني الحكيم في أمره، الخبير بخلقه.
قوله عز وجل: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وََمَا يَخْرُجُ مِنهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ما يلج في الأرض المطر، وما يخرج منها النبات، قاله الضحاك.
الثاني: ما يلج فيها الأموات، قاله الكلبي، وما يخرج منها كنوز الذهب والفضة، والمعادن، حكاه النقاش.
الثالث: ما يلج فيها: البذور، وما يخرج منها: الزروع.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: الملائكة تنزل من السماء وتعرج فيها، قاله السدي.
الثاني: وما ينزل من السماء: القضاء، وما يعرج فيها: العمل، وهو محتمل.
الثالث: ما ينزل من السماء: المطر، قاله الضحاك، وما يعرج فيها: الدعاء. وهو محتمل.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ سَعَواْ فِي ءَايَاتِنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أن سعيهم فيها بالجحود لها، قاله الضحاك.
الثاني: بالتكذيب بها.
{مُعَاِجِزِينَ} وقرىء.
{مُعْجِزِينَ} وفي تأويل معاجزين أربعة أوجه:
أحدها: مسابقين، قاله قتادة.
الثاني: مجاهدين، قاله ابن زيد.
الثالث: مراغمين مشاقين، وهو معنى قول ابن عباس وعكرمة.
الرابع: أي لا يعجزونني هربًا ولا يفوتونني طلبًا، وهو معنى قول الكلبي. وفي تأويل معجزين ثلاثة أوجه:
أحدها: مثبطين الناس عن اتباع الرسول، قاله مجاهد.
الثاني: مضعّفين لله أن يقدر عليهم، قاله بعض المتأخرين.
الثالث: معجزين من آمن وصَدَّقَ بالبعث بإضافة العجز إليه.
ويحتمل رابعًا: أنهم نسبوا المؤمنين إلى العجز عن الانتصار لدينهم إما بضعف الحجة وإما بقلة القوة.
{أُوْلئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٍ} قال قتادة: الرجز هو العذاب الأليم.
قوله عز وجل: {وَيَرَى الَّذينَ أوتُواْ الْعِلْمَ} فيهم قولان:
أحدهما: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنهم المؤمنون من أهل الكتاب، قاله الضحاك.
{الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} قال الحسن هو القرآن كله حق.
{وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} فيه قولان:
أحدهما: يهدي إلى دين الله وهو الإسلام، رواه النواس بن سمعان الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: إلى طاعة الله وسبيل مرضاته.
قوله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني بالبعث.
{هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
{يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي يخبركم أنكم إذا متم فأكلتكم الأرض أو الطير حتى صرتم عظامًا ورفاتًا.
{إنَكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي تحشرون وتبعثون. قيل إن أبا سفيان ابن حرب قال هذا لأهل مكة، فأجاب بعضهم بعضًا.
{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} أي قائل هذا أن يكون كذابًا أو مجنونًا فرد الله تعالى عليهم قولهم هذا بأن قال: {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ} العذاب في الآخرة، والضلال البعيد في الدنيا. وفيه وجهان:
أحدهما: أنه البعيد من الهدى، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه الشقاء الطويل، قاله السدي.
قوله عز وجل: {أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه ألم ينظروا إلى السماء والأرض كيف أحاطت بهم؟ لأنك إن نظرت عن يمينك أو شمالك، أو بين يديك أو خلفك رأيت السماء والأرض، قاله قتادة، إذكارًا لهم بقدرة الله تعالى عليهم وإحاطتها بهم، لأنهم، لا يرون لأوليتهما ابتداء ولا لآخرتهما انتهاء، وإن بعدوا شرقًا وغربًا.
الثاني: يعني {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} فمن أهلكهم الله تعالى من الأمم الماضية في أرضه {وَمَا خَلْفَهُم} من أمر الآخرة في سمائه، قاله أبو صالح.
{إن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ} يعني كما خسفنا بمن كان قبلهم.
{أَوْ نُسْقِطْ عَلَيهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء} فيه وجهان:
أحدهما: أن الكسف العذاب قاله السدي.
الثاني: قطعًا من السماء ليعلموا أنه قادر على أن يعذب بسمائه إن شاء ويعذب بأرضه إن شاء، وكل خلقه له جند، قاله قتادة.
{إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه المجيب، قاله مجاهد وعطاء.
الثاني: أنه المقبل بتوبته، قاله قتادة، قال الشاعر:
أناب إلى قولي فأصبحت مرصدًا ** له بالمكافأة المنيبة والشكر

الثالث: أنه المستقيم إلى ربه، وهو قول الضحاك.
الرابع: أنه المخلص للتوحيد، حكاه النقاش.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: النبوة.
الثاني: الزبور.
الثالث: فصل القضاء بالعدل.
الرابع: الفطنة والذكاء.
الخامس: رحمة الضعفاء.
السادس: حسن الصوت.