فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} خلقًا ونعمة، فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته وعلى تمام نعمته.
{وَلَهُ الحمد في الاخرة} لأن ما في الآخرة أيضًا كذلك، وليس هذا من عطف المقيد على المطلق فإن الوصف بما يدل على أنه المنعم بالنعم الدنيوية قيد الحمد بها، وتقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة.
{وَهُوَ الحكيم} الذي أحكم أمور الدارين.
{الخبير} ببواطن الأشياء.
{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ في الأرض} كالغيث ينفذ في موضع وينبع في آخر، وكالكنوز والدفائن والأموات.
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} كالحيوان والنبات والفلزات وماء العيون.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء} كالملائكة والكتب والمقادير والأرزاق والأنداء والصواعق.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} كالملائكة وأعمال العباد والأبخرة والأدخنة.
{وَهُوَ الرحيم الغفور} للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها، أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائتة للحصر.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة} إنكار لمجيئها أو استبطاء استهزاء بالوعد به.
{قُلْ بلى} رد لكلامهم وإثبات لما نفوه.
{وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالم الغيب} تكرير لإِيجابه مؤكدًا بالقسم مقررًا لوصف المقسم به بصفات تقرر إمكانه وتنفي استبعاده على ما مر غير مرة، وقرأ حمزة والكسائي {علام الغيب} للمبالغة، ونافع وابن عمر ورويس {عالم الغيب} بالرفع على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره.
{لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السموات وَلاَ في الأرض} وقرأ الكسائي {لاَ يَعْزُبُ} بالكسر.
{وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ} جملة مؤكدة لنفي العزوب، ورفعهما بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على نفي الجنس، ولا يجوز عطف المرفوع على {مِثْقَالَ} والمفتوح على {ذَرَّةٍ} بأنه فتح في موضع الجر لامتناع الصرف لأن الاستثناء يمنعه، اللهم إلا إذا جعل الضمير في {عَنْهُ} للغيب وجعل المثبت في اللوح خارجًا عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب شيء إلا مسطورًا في اللوح.
{لِّيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} علة لقوله: {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} وبيان لما يقتضي إتيانها.
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} لا تعب فيه ولا مَنٌ عليه.
{والذين سَعَوْاْ في ءاياتنا} بإبطال وتزهيد الناس فيها.
{معاجزين} مسابقين كي يفوتونا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {معاجزين} أي مثبطين عن الإِيمان من أراده.
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ} من سَيِّءِ العذاب.
{أَلِيمٌ} مؤلم، ورفعه ابن كثير ويعقوب وحفص.
{وَيَرَى الذين أُوتُواْ العلم} ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة، أو من مسلمي أهل الكتاب.
{الذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} القرآن.
{هُوَ الحق} ومن رفع {الحق} جعل هو مبتدأ و {الحق} خبره والجملة ثاني مفعولي {يرى} وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات. وقيل منصوب معطوف على {لِيَجْزِىَ} أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق عيانًا كما علموه الآن برهانًا {وَيَهْدِى إلى صِرَاطِ العزيز الحميد} الذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} قال بعضهم لبعض.
{هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ} يعنون محمدًا عليه الصلاة والسلام.
{يُنَبّئُكُمْ} يحدثكم بأعجب الاعاجيب.
{إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} إنكم تنشئون خلقًا جديدًا بعد أن تمزق أجسادكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابًا، وتقديم الظرف للدلالة على البعد والمبالغة فيه، وعامله محذوف دل عليه ما بعده فإن ما قبله لم يقارنه وما بعده مضاف إليه، أو محجوب بينه وبينه بأن و {مُمَزَّقٍ} يحتمل أن يكون مكانًا بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحتم كل مطرح وجديد بمعنى فاعل من جد كحديد من حد، وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه.
{أفترى عَلَى الله كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه، واستدل بجعلهم إياه قسيم الافتراء غير معتقدين صدقه على أن بين الصدق والكذب واسطة، وهو كل خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بين لأن الافتراء أخص من الكذب.
{بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة في العذاب والضلال البعيد} رد من الله تعالى عليهم ترديدهم وإثبات لهم ما هو أفظع من القسمين، وهو الضلال البعيد عن الصواب بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مؤداه من العذاب، وجعله رسيلًا له في الوقوع ومقدمًا عليه في اللفظ للمبالغة في استحقاقهم له، والبعد في الأصل صفة الضال ووصف الضلال به على الإسناد المجازي.
{أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ السماء والأرض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاء} تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرة الله وما يحتمل فيه إزاحة لاسَتحالتهم الإِحياء حتى جعلوه افتراء وهزؤًا، وتهديدًا عليها والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أهم أشد خلقًا، أم السماء، وإنا {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا} لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات. وقرأ حمزة والكسائي {يَشَإِ} و {يَخْسِفَ} و {يسقط} بالياء لقوله: {فَمَنِ افترى عَلَى الله}. والكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وحفص {كِسَفًا} بالتحريك.
{إِنَّ في ذَلِكَ} النظر والتفكر فيهما وما يدلان عليه.
{لآيَةً} لدلالة.
{لّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} راجع إلى ربه فإنه يكون كثير التأمل في أمره.
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} أي على سائر الأنبياء وهو ما ذكر بعد، أو على سائر الناس فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن.
{ياجبال أَوِّبِى مَعَهُ} رجعي معه التسبيح أو النوحة على الذنب، وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها، أو سيري معه حيث سار. وقرىء {أوبي} من الأوب أي ارجعي في التسبيح كلما رجع فيه، وهو بدل من {فَضْلًا} أو من {ءَاتَيْنَا} بإضمار قولنا أو قلنا.
{والطير} عطف على محل الجبال ويؤيده القراءة بالرفع عطفًا على لفظها تشبيهًا للحركة البنائية العارضة بالحركة الإِعرابية أو على {فَضْلًا} أو مفعول معه ل {أَوّبِى} وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بالعطف على ضميره وكان الأصل: ولقد آتينا داود منا فضلًا تأويب الجبال والطير، فبدل بهذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء سلطانه، حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لأمره في نفاذ مشيئته فيها.
{وَأَلَنَّا لَهُ الحديد} جعلناه في يده كالشمع يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق بإِلانته أو بقوته.
{أَنِ اعمل} أمرناه أن اعمل ف {أنِ} مفسرة أو مصدرية.
{سابغات} دروعًا واسعات، وقرىء {صابغات} وهو أول من اتخذها.
{وَقَدّرْ في السرد} وقدر في نسجها بحيث يتناسب حلقها، أو قدر مساميرها فلا تجعلها دقاقًا فتقلق ولا غلاظًا فتنخرق. ورد بأن دروعه لم تكن مسمرة ويؤيده قوله: {وَأَلَنَّا لَهُ الحديد}.
{واعملوا صالحا} الضمير فيه لداود وأهله.
{إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فأجازيكم عليه.
{ولسليمان الريح} أي وسخرنا له الريح، وقرىء {الريح} بالرفع أي ولسليمان الريح مسخرة وقرىء {الرياح}.
{غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك، وقرىء {غدوتها} {وروحتها}.
{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر} النحاس المذاب أساله له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع، ولذلك سماه عينًا وكان ذلك باليمن.
{وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} عطف على {الريح} {وَمِنَ الجن} حال مقدمة، أو جملة {مِنْ} مبتدأ وخبر.
{بِإِذْنِ رَبّهِ} بأمره.
{وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ} ومن يعدل منهم.
{عَنْ أَمْرِنَا} عما أمرناه من طاعة سليمان، وقرىء {يَزِغْ} من أزاغه.
{نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير} عذاب الآخرة.
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن محاريب} قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها.
{وتماثي} وصورًا هي تماثيل للملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد. روي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما.
{وَجِفَانٍ} وصحاف.
{كالجواب} كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة.
{وَقُدُورٍ رسيات} ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها.
{اعملوا ءالَ دَاوُودَ شاكرا} حكاية عما قيل لهم {وشكرًا} نصب على العلة أي: اعملوا له واعبدوه شكرًا، أو المصدر لأن العمل له شكرًا أو الوصف له أو الحال أو المفعول به.
{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشكور} المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفى حقه، لأن توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكرًا آخر لا إلى نهايته، ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر.
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت} أي على سليمان.
{مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ} ما دل الجن وقيل آله.
{إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} أي الأرضة أضيفت إلى فعلها، وقرىء بفتح الراء وهو تأثر الخشبة من فعلها يقال: أرضت الأرضة الخشبة أرضًا فأرضت أرضًا مثل أكلت القوادح الأسنان أكلًا فأكلت أكلًا.
{تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} عصاه من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها، وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبًا وحذفًا على غير قياس إذ القياس إخراجها بين بين، و {منساءته} على مفعالة كميضاءة في ميضاة و {مِنسَأَتَهُ} أي طرف عصاه مستعار من سأة القوس، وفيه لغتان كما في قحة وقحة، وقرأ نافع وأبو عمرو {مِنسَأَتَهُ} بألف بدلًا من الهمزة وابن ذكوان بهمزة ساكنة وحمزة إذا وقف جعلها بين بين.
{فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجن} علمت الجن بعد التباس الأمر عليهم.
{أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ في العذاب المهين} أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته حينما وقع فلم يلبثوا حولًا في تسخيره إلى أن خرَّ، أو ظهرت الجن وأن بما في حيزه بدل منه أي ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب. وذلك أن داود أسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليهما الصلاة والسلام فمات قبل تمامه، فوصى به إلى سليمان عليه السلام فاستعمل الجن فيه فلم يتم بعد إذ دنا أجله وأعلم به، فأراد أن يعمي عليهم موته ليتموه فدعاهم فبنوا عليه صرحًا من قوارير ليس له باب، فقام يصلي متكئًا على عصاه فقبض روحه وهو متكىء عليها، فبقي كذلك حتى أكلتها الأرضة فخرَّ ثم فتحوا عنه وأرادوا أن يعرفوا وقت موته، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت يومًا وليلة مقدارًا فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة، وكان عمره ثلاثًا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاثة عشرة سنة، وابتدأ عمارة بيت المقدس لأربع مضين من ملكه.
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} لأولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ومنع الصرف عنه ابن كثير وأبو عمرو لأنه صار اسم القبيلة، وعن ابن كثير قلب همزته ألفًا ولعله أخرجه بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب.
{فِى مساكنهم} في مواضع سكناهم، وهي باليمن يقال لها مأرب. بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، وقرأ حمزة وحفص بالإِفراد والفتح، والكسائي بالكسر حملًا على ما شذ من القياس كالمسجد والمطلع.
{ءَايَةً} علامة دالة على وجود الصانع المختار، وأنه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء معاضدة للبرهان السابق كما في قصتي داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام.
{جَنَّتَانِ} بدل من {ءايَةً} أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان، وقرىء بالنصب على المدح والمراد جماعتان من البساتين.
{عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله كل واحدة منهما في تقاربها وتضامنها كأنها جنة واحدة، أو بستانًا كُلِ رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله.
{كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ} حكاية لما قال لهم نبيهم، أو لسان الحال أو دلالة بأنهم كانوا أحقاء بأن يقال لهم ذلك.
{بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} استئناف للدلالة على موجب الشكر، أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره. وقرىء الكل بالنصب على المدح. قيل كانت أخصب البلاد وأطيبها لم يكن فيها عاهة ولا هامة.
{فَأَعْرِضُواْ} عن الشكر.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} سيل الأمر العرم أي الصعب من عرم الرجل فهو عارم، وعرم إذا شرس خلقه وصعب، أو المطر الشديد أو الجرذ، أضاف إليه ال {سَيْلَ} لأنه نقب عليهم سكرًا ضربته لهم بلقيس فحقنت به ماء الشجر وتركت فيه ثقبًا على مقدار ما يحتاجون إليه، أو المسناة التي عقدت سكرًا على أنه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة. وقيل اسم وادٍ جاء السيل من قبله وكان ذلك بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
{وبدلناهم بِجَنَّتَيهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} ثمر بشع فإن الخمط كل نبت أخذ طعمًا من مرارة، وقيل الأراك أو كل شجر لا شوك له، والتقدير كل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في كونه بدلًا، أو عطف بيان.
{وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} معطوفان على {أَكَلَ} لا على {خَمْطٍ} فإن الأثل هو الطرفاء ولا ثمر له، وقرئا بالنصب عطفًا على {جَنَّتَيْنِ} ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين، وتسمية البدل {جَنَّتَيْنِ} للمشاكلة والتهكم. وقرأ أبو عمرو {ذاتي} أكل بغير تنوين اللام وقرأ الحرميان بتخفيف {أَكَلَ}.