فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ذَلِكَ جزيناهم بِمَا كَفَرُواْ} بكفرانهم النعمة أو بكفرهم بالرسل، إِذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيًا فكذبوهم، وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص.
{وَهَلْ يُجْازِى إِلاَّ الكفور} وهل يجازى بمثل ما فعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص {نُجَازِي} بالنون و {الكفور} بالنصب.
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا} بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشأم.
{قُرًى ظاهرة} متواصلة يظهر بعضها لبعض، أو راكبة متن الطريق ظاهرة لأبناء السبيل.
{وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير} بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام.
{سِيرُواْ فِيهَا} على إرادة القول بلسان الحال أو المقال.
{لَيَالِىَ وَأَيَّامًا} متى شئتم من ليل أو نهار.
{ءَامِنِينَ} لا يختلف الأمن فيها باختلاف الأوقات، أو سيروا آمنين وإن طالت مدة سفركم فيها، أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن.
{فَقَالُواْ رَبَّنَا باعد بَيْنَ أَسْفَارِنَا} أشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الأزواد، فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام {بعد} ويعقوب {رَبَّنَا باعد} بلفظ الخبر على أنه شكوى منهم لبعد سفرهم إفراطًا في الترفه وعدم الاعتداد بما أنعم الله عليهم فيه، ومثله قراءة من قرأ {ربنا بعد} أو {بعد} على النداء وإسناد الفعل إلى {بَيْنَ}.
{وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها.
{فجعلناهم أَحَادِيثَ} يتحدث الناس بهم تعجبًا وضرب مثل فيقولون: تفرقوا أيدي سبأ.
{ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ} ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشأم، وأنمار بيثرب، وجذام بتهامة، والأزد بعمان.
{إِنَّ في ذَلِكَ} فيما ذكر.
{لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} عن المعاصي.
{شَكُورٍ} على النعم.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} أي صدق في ظنه أو صدق بظن ظنه مثل فعلته جهدك، ويجوز أن يعدى الفعل إليه بنفسه كما في: {صَدَقَ وَعْدَهُ}. لأنه نوع من القول، وشدده الكوفيون بمعنى حقق ظنه أو وجده صادقًا. وقرىء بنصب {إِبْلِيسَ} ورفع الظن مع التشديد بمعنى وجد ظنه صادقًا، والتخفيف بمعنى قال له ظنه الصدق حين خيله إغواءهم، وبرفعهما والتخفيف على الأبدان وذلك إما ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات أو ببني آدم حين رأى أباهم النبي ضعيف العزم، أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب، أو سمع من الملائكة قولهم {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} فقال: {لأضلنهم} و {لأُغْوِيَنَّهُمْ} {فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مّنَ المؤمنين} إلا فريقًا هم المؤمنون لم يتبعوه، وتقليلهم بالإِضافة إلى الكفار، أو إلا فريقًا من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون.
{وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مّن سلطان} تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.
{إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا في شَكّ} إلا ليتعلق علمنا بذلك تعلقًا يترتب عليه الجزاء، أو ليتميز المؤمن من الشاك، أو ليؤمن من قدر إيمانه ويشك من قدر ضلاله، والمراد من حصول العلم حصول متعلقه مبالغة، في نظم الصلتين نكتة لا تخفى.
{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شيء حَفُيظٌ} محافظ والزنتان متآخيتان.
{قُلْ} للمشركين.
{ادعوا الذين زَعَمْتُمْ} أي زعمتموهم آلهة، وهما مفعولا زعم حذف الأول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه، ولا يجوز أن يكون هو مفعوله الثاني لأنه لا يلتئم مع الضمير كلامًا ولا {لاَّ يَمْلِكُونَ} لأنهم لا يزعمونه.
{مِن دُونِ الله} والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم، ثم أجاب عنهم إشعارًا بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} من خير أو شر.
{فِي السموات وَلاَ في الأرض} في أمر ما وذكرهما للعموم العرفي، أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام، أو لأن الأسباب القريبة للشر والخير سماوية وأرضية والجملة استئناف لبيان حالهم. من شركة لا خلقًا ولا ملكًا.
{وَمَا لَهُمْ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ} يعينه على تدبير أمرهما.
{وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ} فلا ينفعهم شفاعة أيضًا كما يزعمون إذ لا تنفع الشفاعة عند الله.
{إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أذن له أن يشفع، أو أذن أن يشفع له لعلو شأنه ولم يثبت ذلك، واللام على الأول كاللام في قولك: الكرم لزيد وعلى الثاني كاللام في قولك: جئتك لزيد، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضم الهمزة.
{حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} غاية لمفهوم الكلام من أن ثم توقفا وانتظارًا للإِذن أي: يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالإِذن، وقيل الضمير للملائكة وقد تقدم ذكرهم ضمنًا. وقرأ ابن عامر ويعقوب {فُزّعَ} على البناء للفاعل. وقرىء {فرغ} أي نفي الوجل من فرغ الزاد إذا فني.
{قَالُواْ} قال بعضهم لبعض.
{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} في الشفاعة.
{قَالُواْ الحق} قالوا قال القول الحق وهو الإِذن بالشفاعة لمن ارتضى وهم المؤمنون، وقرىء بالرفع أي مقوله الحق.
{وَهُوَ العلى الكبير} ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي من الأنبياء أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة سبأ:
مكية إلا {ويرى الذين أوتو العلم} الآية.
وهي أربع أو خمس وخمسون آية.
وثمانمائة وثلاث وثمانون كلمة.
وأربعة آلاف وخمسمائة واثنا عشر حرفًا.
{بسم الله} أي: الذي من شمول قدرته إقامة الحساب {الرحمن} أي: الذي من عموم رحمته ترتيب الثواب والعقاب {الرحيم} أي: الذي يمن على أهل كرامته بطاعته حتى لا عقاب يلحقهم ولا عتاب.
ولما ختم السورة التي قبل هذه بصفتي المغفرة والرحمة بدأ هذه بقوله: {الحمد لله} أي: ذي الجلال والجمال على هذه النعمة.
فائدة:
السور المفتتحة بالحمد خمس: سورتان في النصف الأول وهما الأنعام والكهف، وسورتان في النصف الأخير وهما هذه السورة وسورة الملائكة، والخامسة هي فاتحة الكتاب تقرأ مع النصف الأول ومع النصف الثاني الأخير، والحكمة فيها أن نعم الله مع كثرتها وعدم قدرتنا على إحصائها منحصرة في قسمين: نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء، فإن الله تعالى خلقنا أولًا برحمته، وخلق لنا ما نقوم به وهذه النعمة توجد مرة أخرى بالإعادة فإنه يخلقنا مرة أخرى ويخلق لنا ما ندوم به فلنا حالتان: الإبداء، والإعادة، وفي كل حالة له تعالى نعمتان: نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء، فقال في النصف الأول: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} إشارة إلى الشكر على نعمة الإيجاد، ويدل عليه قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من طين} فأشار إلى الإيجاد الأول، وقال في السورة الثانية: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا} فأشار إلى الشكر على نعمة الإبقاء، فإن الشرائع بها البقاء ولولا شرع تنقاد له الخلق لاتبع كل واحد هواه ووقعت المنازعات وأدت إلى التقاتل والنفاق وقال ههنا: {الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض} ملكًا وخلقًا إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بدليل قوله تعالى: {وله} أي: وحده {الحمد} أي: الإحاطة بالكمال {في الآخرة} أي: ظاهر الكل من يجمعه الحشر وله كل ما فيها لا يدعي أحد ذلك في شيء منه ظاهرًا ولا باطنًا وقال في سورة الملائكة: {الحمد لله فاطر السموات والأرض}.
إشارة إلى نعمة الإبقاء بدليل قوله تعالى: {جاعل الملائكة رسلًا} أي: يوم القيامة يرسلهم الله تعالى مسلمين على المسلمين كما قال تعالى: {وتتلقاهم الملائكة}.
وقال تعالى عنهم: {سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذكر نعمتين أشار بقوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين} إلى النعمة العاجلة، وأشار بقوله تعالى: {مالك يوم الدين} إلى النعمة الآجلة فرتب الافتتاح والاختتام عليهما.
فإن قيل: قد ذكرتم أن الحمد هاهنا إشارة إلى النعم التي في الآخرة فلم ذكر الله تعالى السموات والأرض؟
أجيب: بأن نعم الآخرة غير مرئية فذكر الله تعالى النعم المرئية وهي ما في السموات وما في الأرض.
ثم قال: {وله الحمد في الآخرة} ليقابل نعم الآخرة بنعم الدنيا، ويعلم فضلها بدوامها وقيل: الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} {والحمد لله الذي صدقنا وعده} وتقدم الكلام على الحمد لغة واصطلاحًا، والشكر كذلك في أول الفاتحة فتح الله علينا بكل خير وفعل ذلك بأحبابنا.
ولما تقرر أن الحكمة لا تتم إلا بإيجاد الآخرة قال تعالى: {وهو الحكيم} أي: الذي بلغت حكمته النهاية التي لا مزيد عليها، والحكمة هي العلم بالأمور على وجه الصواب متصلًا بالعمل على وفقه {الخبير} أي: البليغ الخبر وهو العلم بظواهر الأمور وبواطنها حالًا ومآلًا.
ثم بين كمال خبره بقوله تعالى: {يعلم ما يلج} أي: يدخل {في الأرض} أي: هذا الجنس من المياه والأموال والأموات وغيرها {وما يخرج منها} من المياه والمعادن والنبات وغيرها {وما ينزل من السماء} أي: من هذا الجنس من قرآن وملائكة وماء وحرارة وبرودة وغير ذلك {وما يعرج فيها} من الكلام الطيب قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب} والملائكة والأعمال الصالحة قال تعالى: {والعمل الصالح يرفعه}.
تنبيه:
قدم ما يلج في الأرض على ما ينزل من السماء لأن الحبة تبذر أولًا ثم تسقى ثانيًا وقال تعالى: {ما يعرج فيها} ولم يقل ما يعرج إليها إشارة إلى قبول الأعمال الصالحة لأن كلمة إلى للغاية فلو قال وما يعرج إليها لفهم الوقوف عند السموات فقال: {وما يعرج فيها} ليفهم نفوذه فيها وصعوده وتمكنه فيها، ولهذا قال في الكلم الطيب {إليه يصعد الكلم الطيب} لأن الله تعالى هو المنتهى ولا مرتبة فوق الوصول إليه {وهو} أي: والحال أنه وحده مع كثرة نعمه المقيمة للأبدان {الرحيم} أي: المنعم بإنزال الكتب وإرسال الرسل لإقامة الأديان وغير ذلك {الغفور} أي: المحاء للذنوب للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائقة للحصر.
تنبيه:
قدم تعالى صفة الرحمة على صفة الغفور ليعلم أن رحمته سبقت غضبه.
ثم بين تعالى أن هذه النعمة التي يستحق الله تعالى بها الحمد وهي نعمة الآخرة أنكرها قوم فقال: {وقال الذين كفروا} أي: ستروا ما دلتهم عليه عقولهم من براهينها الظاهرة {لا تأتينا الساعة} أي: أنكروا مجيئها أو استظهارها استهزاء بالوعد به، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل} أي: لهم {بلى} رد لكلامهم وإيثار لما نفوه {وربي} أي: المحسن إلي بما عمني به معكم وبما خصني من تنبيئي وإرسالي إليكم إلى غير ذلك من أمور لا يحصيها إلا هو {لتأتينكم} أي: الساعة لتظهر فيها ظهورًا تامًا الحكمة بالعدل والفصل وغير ذلك من عجائب الحكم والفضل وقوله تعالى: {عالم الغيب} قرأه نافع وابن عامر برفع الميم على هو عالم الغيب، أو مبتدأ وخبره ما بعده، وابن كثير وأبو عمرو وعاصم بجره نعتًا لربي وقرأ حمزة والكسائي بعد العين بلام ألف مشددة وخفض الميم {لا يعزب} أي: لا يغيب {عنه مثقال} أي: وزن {ذرة} أي: من ذات ولا معنى، والذرة: النملة الحمراء الصغيرة جدًا صارت مثلًا في أقل القليل فهي كناية عنه، وقرأ الكسائي بكسر الزاي والباقون بضمها.
وقوله تعالى: {في السموات ولا في الأرض} فيه لطيفة وهي أن الإنسان له جسم وروح فالأجسام أجزاؤها في الأرض والأرواح في السماء فقوله تعالى: {في السموات} إشارة إلى علمه بالأرواح وما فيها من الملائكة وغيرهم. وقوله تعالى: {ولا في الأرض} إشارة إلى علمه بالأجسام وما في الأرض من غيرها، فإذا علم الأرواح والأجسام قدر على جمعهما فلا استبعاد في الإعادة. وقوله تعالى: {ولا أصغر} أي: ولا يكون شيء أصغر {من ذلك} أي: المثقال: {ولا أكبر} أي: منه {إلا في كتاب مبين} أي: بين هو اللوح المحفوظ جملة مؤكدة لنفي العزوب.
فإن قيل: فأي حاجة إلى ذكر الأكبر فإن من علم الأصغر من الذرة لابد وأن يعلم الأكبر؟
أجيب: بأنه تعالى أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب فلو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت الصغار لكونها محل النسيان، وأما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته فقال: الإثبات في الكتاب ليس كذلك فإن الأكبر أيضًا مكتوب.
ثم بين علة ذلك كله بقوله: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا} تصديقًا لإيمانهم {الصالحات} أي: وإنه ما خلق الأكوان إلا لأجل الإنسان فلا يدعه بغير جزاء، ثم بين جزاءهم بقوله تعالى: {أولئك} أي: العالو الرتبة {لهم مغفرة} أي: لزلاتهم وهفواتهم لأن الإنسان المبني على النقصان لا يقدر أن يقدر العظيم السلطان حق قدره {ورزق كريم} أي: جليل عزيز دائم لذيذ نافع شهي لا كدر فيه وهو رزق الجنة.
تنبيه:
ذكر تعالى في الذين آمنوا وعملوا الصالحات أمرين: الإيمان، والعمل الصالح، وذكر لهم أمرين: المغفرة والرزق الكريم، فالمغفرة جزاء الإيمان فكل مؤمن مغفور له لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48) وقوله صلى الله عليه وسلم «يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله ومن في قلبه وزن ذرة من إيمان»، والرزق الكريم على العمل الصالح وهذا مناسب، فإن من عمل لسيد كريم عملًا فعند فراغه لابد وأن ينعم عليه وقوله تعالى: {كريم} بمعنى: ذي كرم أو مكرم أو لأنه يأتي من غير طلب بخلاف رزق الدنيا فإنه إن لم يطلب ويتسبب فيه لا يأتي غالبًا.
فإن قيل: ما الحكمة في تمييزه الرزق بأنه كريم ولم يصف المغفرة؟
أجيب: بأن المغفرة واحدة وهي للمؤمنين، وأما الرزق فمنه شجرة الزقوم والحميم، ومنه الفواكه والشراب الطهور فميز الرزق لحصول الانقسام فيه ولم يميز المغفرة لعدم الانقسام فيها.
ولما بين تعالى حال المؤمنين يوم القيامة بين حال الكافرين في ذلك اليوم بقوله سبحانه: {والذين سعوا} أي: فعلوا فعل الساعي {في آياتنا} أي: القرآن بالإبطال وتزهيد الناس فيها وقوله تعالى: {معجزين} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف بعد العين وتشديد الجيم أي: مبطئين عن الإيمان من أراده، والباقون بألف بعد العين وتخفيف الجيم وكذا في آخر السورة أي: مسابقين كي يفوتونا {أولئك} الحقيرون عن أن يبلغوا مرادًا بمعاجزتهم {لهم عذاب} وأي عذاب {من رجز} أي: سيئ العذاب {أليم} أي: مؤلم وقرأ ابن كثيرة وحفص أليم بالرفع على أنه صفة لعذاب، والباقون بالجر على أنه صفة لرجز قال الرازي: قال هناك لهم رزق كريم ولم يقل بمن التبعيضية فلم يقل لهم نصيب من رزق ولا رزق من جنس كريم، وقال هاهنا {لهم عذاب من رجز أليم} بلفظة صالحة للتبعيض وذلك إشارة إلى سعة الرحمة وقلة الغضب وقوله: {ويرى الذين أوتوا العلم} أي: الذي قذفه الله تعالى في قلوبهم سواء كانوا ممن أسلم من العرب أو أهل الكتاب وقيل: مؤمنو أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل: الصحابة ومن شايعهم فيه وجهان: أحدهما: أنه عطف على ليجزي أي: وليعلم الذين أوتوا العلم. والثاني: أنه مستأنف أخبر عنهم بذلك {الذي أنزل إليك من ربك} أي: المحسن إليك بإنزاله {هو الحق} أي: أنه من عند الله تعالى.