فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكرنا أن التحقيق: أن كافة يوصف به العاقلُ وغيرُه وأنه تعتوره وجوهُ الإِعراب كما هو مختار الزمخشري وشهد له القرآن والاستعمال خلافًا لابن هشام في مغني اللبيب، وأن ما شدد به التّنكير على الزمخشري تهويل وتضييق في الجواز.
والتقدير في هذه الآية: وما أرسلناك للناس إلاّ كافّة.
وقدّم الحال على صاحبه للاهتمام بها لأنها تجمع الذين كفروا برسالته كلهم.
وتقديم الحال على المجرور جائز على رأي المحققين من أهل العربية وإن أباه الزمخشري هنا وجعله بمنزلة تقديم المجرور على حرف الجر فجعل {كافة} نعتًا لمحذوف، أي إرساله كافة، أي عامة.
وقد ردّ عليه ابن مالك في التسهيل وقال: قد جوزه في هذه الآية أبو علي الفارسي وابن كَيسان.
وقلت: وجوّزه ابن عطية والرضيّ.
وجعل الزجاج {كافة} هنا حالًا من الكاف في {أرسلناك} وفسره بمعنى جامع للناس في الإِنذار والإِبلاغ، وتبعه أبو البقاء.
قال الزمخشري: وحق التاء على هذا التفسير أن تكون للمبالغة كتاء العلاّمة والراوية وكذلك تقديم المستثنى للغرض أيضًا.
وقد اشترك الزجاج والزمخشري هنا في إخراج {كافة} عن معنى الوصف بإفادة الشمول الذي هو شمول جزئي في غرض معيّن إلى معنى الجمع الكلّي المستفاد من وراء ذلك.
وهذا كمن يعمد إلى كل فيقول: إنك كلٌ للناس، أي جامع للناس؛ أو يعمد إلى على الدالة على الاستعلاء الجزئي فيستعملها بمعنى الاستعلاء الكلي فيقول: إياك وعلى، يريد إياك والاستعلاء.
والبشير النذير تقدم في قوله تعالى: {إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا} في سورة البقرة (119).
وأفاد تركيب {وما أرسلناك إلا كافة للناس} قصر حالة عموم الرسالة على كاف الخطاب في قوله: {أرسلناك} وهو قصر إضافي، أي دون تخصيص إرسالك بأهل مكة أو بالعرب أو بمن يجيئك يطلب الإِيمان والإِرشاد كما قال عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول للنبيء صلى الله عليه وسلم حين جاء مجلسًا هو فيه وقرأ عليهم القرآن فقال ابن أُبي: لا أحسنَ مما تقول أيها المرء ولكن اقعُد في رحلك فمن جاء فاقرأ عليه ويقتضي ذلك إثبات رسالته بدلالة الاقتضاء إذ لا يصدق ذلك القصر إلا إذا ثبت أصل رسالته فاقتضى ذلك الردَّ على المنكرين كلهم سواء من أنكر رسالته من أصلها ومن أنكر عمومها وزعم تخصيصها.
وموقع الاستدراك بقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} رفع ما يتوهم من اغترار المغترين بكثرة عدد المنكرين رسالته بأن كثرتهم تغرّ المتأمل لأنهم لا يعلمون.
ومفعول {يعلمون} محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي لا يعلمون ما بشرتَ به المؤمنين وما أنذرتَ به الكافرين، أي يحسبون البشارة والنذارة غير صادقتين.
ويجوز أن يكون فعل {يعلمون} منزَّل منزلة اللام مقصودًا منه نفي صفة العلم عنهم على حدّ قوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9] أي ولكن أكثر الناس جاهلون قدر البشارة والنذارة.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)}.
كان من أعظم ما أنكروه مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم القيامةُ والبعثُ ولذلك عقب إبطال قولهم في إنكار الرسالة بإبطال قولهم في إنكار البعث، والجملة معطوفة على خبر {لكِنَّ} [سبأ: 28].
والتقدير: ولكن أكثر الناس لا يعلمون حق البشارة والنذارة ويتهكمون فيسألون عن وقت هذا الوعد الذي هو مظهر البشارة والنذارة.
ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والواو للاستئناف.
وضمير {يقولون} عائد إلى المحاجّين من المشركين الذين صدرت عنهم هذه المقالة.
وصيغة المضارع في {يقولون} تفيد التعجيب من مقالتهم كقوله تعالى: {يجادلنا في قوم لوط} [هود: 74] مع إفادتها تكرر ذلك القول منهم وتجدّده.
وجملة {قل لكم ميعاد يوم} إلى آخرها مسوقة مساق الجواب عن مقالتهم ولذلك فصلت ولم تعطف، على طريقة حكاية المحاورات في القرآن، وهذا الجواب جرى على طريقة الأسلوب الحكيم، أي أن الأهم للعقلاء أن تتوجه هممهم إلى تحقق وقوع الوعد في الوقت الذي عينه الله له وأنه لا يؤخره شيء ولا يقدمه، وحسَّن هذا الأسلوب أن سؤالهم إنما أرادوا به الكناية عن انتفاء وقوعه.
وفي هذا الجواب تعريض بالتهديد فكان مطابقًا للمقصود من الاستفهام، ولذلك زيد في الجواب كلمة {لكم} إشارة إلى أن هذا الميعاد منصرف إليهم ابتداء.
وضمير جمع المخاطب في قوله: {إن كنتم صادقين} إما للرسول صلى الله عليه وسلم باعتبار أن معه جماعة يخبرون بهذا الوعد، وإما الخطاب موجه للمسلمين.
وإسم الإِشارة في هذا الوعد للاستخفاف والتحقير كقول قيس بن الخطيم:
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة ** لنفسيَ إلا قد قضيتُ قضاءها

وجواب: {كنتم صادقين} دل عليه السؤال، أي إن كنتم صادقين فعيِّنُوا لنا ميقات هذا الوعد.
وهذا كلام صادر عن جهالة لأنه لا يلزم من الصدق في الإِخبار بشيء أن يكون المخبِر عالمًا بوقت حصوله ولو في المضيّ فكيف به في الاستقبال.
وخولف مقتضى الظاهر في الجواب من الإِتيان بضمير الوعد الواقع في كلامهم إِلى الإِتيان باسم ظاهر وهو {ميعاد يوم} لما في هذا الاسم النكرة من الإِبهام الذي يوجه نفوس السامعين إلى كل وجه ممكن في محمل ذلك، وهو أن يكون يومَ البعث أو يومًا آخر يحلّ فيه عذاب على أئمة الكفر وزعماء المشركين وهو يوم بدر ولعل الذين قتلوا يومئذٍ هم أصحاب مقالة {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} وأفاد تنكير {يوم} تهويلًا وتعظيمًا بقرينة المقام.
والميعاد: مصدر ميمي للوعد فإضافته إلى ظرفه بيانية.
ويجوز كونه مستعملًا في الزمان وإضافته إلى اليوم بيانية لأن الميعاد هو اليوم نفسه.
وجملة {لا تستأخرون عنه ساعة} إمّا صفة ل {ميعاد} وإما حال من ضمير {لكم}.
والاستئخار والاستقدام مبالغة في التأخر والتقدم مثل: استحباب، فالسين والتاء للمبالغة.
وقدم الاستئخار على الاستقدام إيماء إلى أنه مِيعاد بَأس وعذاب عليهم من شأنه أن يتمنوا تأخره، ويكون {ولا تستقدمون} تتميمًا لتحققه عند وقته المعيّن في علم الله.
والساعة: حصة من الزمن، وتنكيرها للتقليل بمعونة المقام. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}.
أمر الله تعالى نبيه على جهة الاحتجاج وإقامة الدليل على أن الرزاق لهم من السماوات والأرض من هو ثم أمره أن يقتضب الاحتجاج بأن يأتي جواب السؤال إذ هم في بهتة ووجمة من السؤال، وإذ لا جواب لهم ولا لمفطور إلا بأن يقول هو الله، وهذه السبيل في كل سؤال جوابه في غاية الوضوح، لأن المحتج يريد أن يقتضب ويتجاوز إلى حجة أخرى يوردها، ونظائر هذا في القرآن كثير وقوله تعالى: {وإنا أو إياكم} تلطف في الدعوة والمحاورة، والمعنى كما تقول لمن خالفك في مسألة أحدنا يخطىء، أي تثبت وتنبه، والمفهوم من كلامك أن مخالفك هو المخطىء، وكذلك هذا معناه {لعلى هدى أو في ضلال مبين} فلينتبه، والمقصد أن الضلال في حيز المخاطبين وحذف أحد الخبرين لدلالة الباقي عليه، وقال أبو عبيدة أو في الآية بمعنى واو النسق، والتقدير: وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وهما خبران غير مبتدأين.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا القول غير متجه واللفظ لا يساعده وإن كان المعنى على كل قول يقتضي أن الهدى في حيز المؤمنين والضلال في حيز الكافرين، وقوله تعالى: {قل لا تسألون عما أجرمنا} الآية مهادنة ومتاركة منسوخة بآية السيف، وقوله عز وجل {قل يجمع بيننا} الآية إخبار بالبعث من القبور، وقوله: {يفتح} معناه يحكم والفتاح القاضي وهي مشهورة في لغة اليمن، وهذا كله منسوخ بآية السيف، وقوله تعالى: {قل أروني} يحتمل أن تكون رؤية قلب فيكون قوله: {شركاء} مفعولًا ثالثًا وهذا هو الصحيح أي أروني بالحجة والدليل كيف وجه الشركة وقالت فرقة هي رؤية بصر و {شركاء} حال من الضمير المفعول ب {ألحقتم} العائد على {الذين}.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف لأن استدعاء رؤية العين في هذا لا غناء له، وقوله: {كلا} رد لما تقرر من مذهبهم في الإشراك بالله تعالى ووصف نفسه عز وجل باللائق به من العزة والحكمة.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)}.
هذا إعلام من الله تعالى بأنه بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى جميع العالم، والكافة الجمع الأكمل من الناس، و {كافة} نصب على الحال وقدمها للاهتمام، وهذه إحدى الخصال التي خص بها محمد صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء التي حصرها في قوله «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأوتيت جوامع الكلم وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا وبعث كل نبي إلى خاص من الناس وبعثت إلى الأسود والأحمر»، وفي هذه الخصال زيادة في كتاب مسلم، وقوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يريد بها العموم في الكفرة، والمؤمنون هم الأقل، ثم حكى عنهم مقالتهم في الهزء بأمر البعث واستعجالهم على معنى التكذيب بقولهم {متى هذا الوعد} فأمر الله تعالى نبيه أن يخبرهم عن {ميعاد} هو يوم القيامة لا يتأخر عنه أحد ولا يتقدمه، قال أبو عبيدة: الوعد والوعيد والميعاد بمعنى واحد، وخولف في هذا، والذي عليه الناس أن الوعد في الخير، والوعيد في المكروه والميعاد يقع لهذا ولهذا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأضاف الميعاد إلى اليوم تجوزًا من حيث كان فيه وتحتمل الآية أن يكون استعجال الكفرة لعذاب الدنيا ويكون الجواب عن ذلك أيضًا ولم يجر للقيامة ذكر على هذا التأويل. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحجر في الكلام، على قوله تعالى عنه {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39] الآية، وفي سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17]، وقوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ} قرأه عاصم، وحمزة والكسائي بتشديد الدال والباقون بالتخفيف.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة} الآية.
قد بينا الآيات الموضحة له في سورة الحجر، في الكلام على قوله تعالى: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [الحجر: 40] وفي غير ذلك من المواضع.
قوله تعالى: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض} الآية.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56].
قوله تعالى: {وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة البقرة، في الكلام على قوله تعالى: {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 84].
قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماوات والأرض قُلِ الله}.
أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة، نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار: {مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماوات والأرض} أي يرزقكم من السماوات بأنزال المطر مثلًا، والأرض بإنبات الزروع والثمار ونحو ذلك. ثم أمره أن يقول: {الله} أي الذي يرزقكم من السماوات والأرض هو الله، وأمره تعالى له صلى الله عليه وسلم بأن يجيب بأن رازقهم هو الله يُفهم منه أنه مقرون بذلك، وأنه ليس محل نزاع.
وقد صرّح تعالى بذلك، في آيات كثيرة كقوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار وَمَن يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي وَمَن يُدَبِّرُ الأمر فَسَيَقُولُونَ الله} [يونس: 31] الآية، وإقرارهم بربوبيته تعالى يلزمه الاعتراف بعبادته وحده، والعمل بذلك.
وقد قدّمنا كثيرًا من الآيات الموضحة لذلك في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
قوله تعالى: {قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للكفار. إنهم وإياهم ليس أحد منهم مسئولا عمّا يعمله الآخر، بل كلٌّ منهم مؤاخذ بعمله، والآخر بريء منه.
وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بريائون مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 41]، وقوله تعالى: {قُلْ يا أيها الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 12] إلى قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون 6] وفي معنى ذلك في الجملة قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134]. وكقوله تعالى عن نبيّه هود عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام: {قَالَ إني أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} [هود: 5455].
{قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}.
أمر الله جل وعلا نبيه في هذه الآية الكريمة أن يقول لعبده الأوثان: أروني أوثانكم التي ألحقتموها بالله شركاء له في عبادته، كُفرًا منكم، وشِركًا وافتراء. وقوله: أروني الذين ألحقتم به شركاء، لأنهم إن أروه إياها تبيّن برؤيتها أنها جماد لا ينفع ولا يضر، واتَّضح بعدها عن صفات الألوهية. فظهر لكل عاقل برؤيتها بطلان عبادة ما لا ينفع ولا يضرّ، فإحضارها والكلام فيها، وهي مشاهدة أبلغ من الكلام فيها غائبة، مع أنه صلى الله عليه وسلم يعرفها، وكما أنه في هذه الآية الكريمة أمرهم. أن يروه إياها ليتبيّن بذلك بطلان عبادتها، فقد أمرهم في آيات أخرى أن يسمّوها بأسمائها لأنّ تسميتها بأسمائها يظهر بها بعدها عن صفات الألوهية، وبطلان عبادتها لأنها أسماء إناث حقيرة كاللاّت والعزّى، ومناة الثالثة الأخرى، كما قال تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا} [النساء: 117] الآية، وذلك في قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السبيل وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33].
والأظهر في قوله: {أَرُونِيَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ} في هذه الآية: هو ما ذكرنا من أن الرؤية بصرية وعليه فقوله: شركاء حال، وقال بعض أهل العلم: إنها من رأى العلمية، وعليه فشركاء مفعول ثالث لأروني. قال القرطبي: يكون أروني هنا من رؤية القلب فيكون شركاء مفعولًا ثالثًا أي عرِّفوني الأصنام والأوثان التي جعلتموها شركاء لله عزَّ وجلَّ، وهل شاركت في خلق شيء، فبيّنوا ما هو وإلا فلم تعبدونها. اهـ محل الغرض منه. واختار هذا أبو حيان في البحر المحيط. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {كَلاّ} رَدْع لهم، وَزجْر عن إلحاق الشركاء به. وقوله: {بَلْ هُوَ الله العزيز الحكيم} أي والمتصف بذلك هو المستحق للعبادة، وقد قدمنا معنى العزيز الحكيم بشواهده مرارًا.