فصل: وأمّا إقامة جبريل عليه السّلام أوقات الصّلاة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنّه أمّه فيها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى الواقدي من حديث معمر عن الزهري وقتادة والكلبي قالوا: علم جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوضوء والصلاة، وأقرأه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} 96: 1، فأتى خديجة رضي الله عنها فأخبرها بما أكرمه الله عز وجل به، وعلمها الوضوء فصلت معه، وكانت أول خلق صلى معه.
ومن حديث أبي معشر عن محمد بن قيس قال: فحص جبريل بعقبه الأرض فنبع ماء، فعلم جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوضوء، فمضمض ثم استنشق وغسل وجهه وذراعيه، ومسح رأسه وغسل رجليه، ثم نضح تحت إزاره ثم صلّى ركعتين، فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسرورا فجاء إلى خديجة رضي الله عنها فحدثها وأراها ما أراه جبريل، ثم صلت معه ركعتين.
وقال الواقدي: وكان علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضي الله عنهما يلزمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يخرج إلى الكعبة أول النهار ويصلي صلاة الضحى- وكانت تلك صلاة لا تنكرها قريش- وكان إذا صلّى في سائر اليوم بعد ذلك قعد عليّ أو زيد يرصدانه.
وروى عن سلمة بن عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك عن بنت أبي بحراة قالت: كانت قريش لا تنكر صلاة الضحى إنما تنكر غيرها، وكان صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فيصلون فرادى ومثنى، قال الواقدي: كانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس قبل الهجرة، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم نزل تمامها بالمدينة للمقيم، وبقيت صلاة المسافر ركعتين.
وقال مقاتل بن سليمان: فرض الله تعالى على المسلم في أول الإسلام صلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالضحى، ثم فرض الخمس في ليلة المعراج، وقد جاء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى عند زوال الشمس في أول النبوة، ولما نزلت سورة المزمل بمكة كان قيام الليل فرضا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين، فشق ذلك عليه وعليهم، فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى من ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} 73: 20.
وقال عطاء بن السائب ومقاتل بن سليمان: نزل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى من ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} 73: 20 بالمدينة، والأول أصح، وقيل: نسخ قيام الليل في حقه بقوله تعالى: {وَمن اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ به نافِلَةً لَكَ} 17: 79، ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس، وقيل: نسخ عن الأمة وبقي فرضه عليه، وقيل: إنما كان مفروضا عليه دونهم، وعن ابن عباس رضي الله عنه: كان بين نزول أول المزمل وآخرها سنة.
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السّير أن الصلاة إنما فرضت على النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء، ولكنهم اختلفوا في هيئتها حين فرضت، فروي عن عائشة رضي الله عنها أنها فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيدت في صلاة الحضر، فأكملت أربعا، وأقرت صلاة السفر على ركعتين، وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد ابن إسحاق.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنها فرضت أربعا وفي السفر ركعتين، وقال نافع بن جبير: أنها فرضت في أول ما فرضت أربعا إلا المغرب، فإنّها فرضت ثلاثا، والصحيح ركعتين، وكذلك قال الحسن البصري وهو قول ابن جريج.
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من حديث القشيري وغيره ما يوافق ذلك، ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الزوال عند الإسراء، فعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم الصلاة ومواقيتها وهيئتها.
وقال إسحاق الحربي: أول ما فرضت الصلاة بمكة، ركعتان في أول النهار وركعتان في آخره، وذكر حديث عائشة قالت: فرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها في الحضر، هكذا حدث ابن الحربي عن أحمد بن الحجاج عن ابن المبارك عن ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت: فرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلاة ركعتين ركعتين. الحديث، وليس في حديث عائشة هذا دليل على صحة ما ذهب إليه من قال: أن الصلاة فرضت ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره، وليس يوجد هذا في أثر صحيح، بل في حديث عائشة دليل على أن الصلاة التي فرضت ركعتين ركعتين في الصلوات الخمس ثم زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر، لأن الإشارة بالألف واللام إلى الصلاة في حديث عائشة هذا هي إشارة إلى الصلاة المعهودة، وهذا هو الظاهر المعروف في الكلام، وقد أجمع العلماء أن الصلوات الخمس إنما فرضت في الإسراء، والظاهر من حديث عائشة أنها أرادت تلك الصلاة، والله أعلم.
وأورد من طريق النسائي حديث الوليد بن مسلم قال: أخبرني أبو عمر يعني الأوزاعي أنه سأل الزهري عن صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة قبل الهجرة إلى المدينة فقال: أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: فرض الله الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول ما فرضها ركعتين ركعتين ثم أتمت في الحضر أربعا، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى، فهذا ومثله يدلك على أنها الصلاة المعهودة، وهي الخمس المفترضة في الإسراء به لا صلاتان، ومن ادّعى غير ذلك كان عليه الدليل من كتاب أو سنة، ولا سبيل له إليه.
وقال جماعة من أهل العلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام الليل من رمضان من غير توقيت ولا تحديد، لا بركعات معلومات ولا بوقت محصورة، وكان صلّى الله عليه وسلّم يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، وقامه المسلمون معه نحوا من حول حتى شق عليهم ذلك فأنزل الله التوبة عنهم والتخفيف في ذلك، ونسخه بقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ} 73: 20، فنسخ آخر السورة أولها، فضلا منه ورحمة، فلم تبق في الصلاة فريضة إلا الخمس، ألا ترى إلى حديث طلحة بن عبيد الله في الأعرابي النجدي إذا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عما عليه من الصلاة فقال: الصلوات الخمس، فقال: هل على غيرها؟ فقال: لا. ذكر وكيع عن مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: لما نزلت {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} 73: 1 كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها حول.
وعن عائشة مثله بمعناه وقالت: فجعل قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وعن الحسن مثله قال: فنزلت الرخصة بعد حول.
قال كاتبه: حديث عائشة خرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر.
وقال البخاري: فرض الله الصلاة حين فرضها... الحديث مثله، ذكره في كتاب الصلاة، وخرجه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتان، فأقرت في صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر... الحديث، ذكره البخاري في أبواب تقصير الصلاة.
وخرجه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى.
اختلف العلماء في القصر في السفر، فقال الشافعيّ ومالك بن أنس، وأكثر العلماء: يجوز القصر والإتمام، والقصر أفضل، ولنا قول: أن الإتمام أفضل، ووجه أنهما سواء، والصحيح المشهور أن القصر أفضل.
وقال أبو حنيفة وكثيرون: القصر واجب ولا يجوز الإتمام، ويحتجون بهذا الحديث، وبأن أكثر فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كان القصر.
واحتج الشافعيّ وموافقوه بالأحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره، أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمنهم القاصر، ومنهم المتمم، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان يتم، وكذلك عائشة وغيرها، وهو ظاهر قول الله عزّ وجلّ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا من الصَّلاةِ} 4: 101، وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة.
وأما حديث: فرضت الصلاة ركعتين، فمعناه فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار، وثبتت دلائل جواز الإتمام، فوجب المصير إليها، والجمع بين دلائل الشرع. المرجع السابق: 201- 202.
ورواية البخاري: عائشة رضي الله عنها: فرض الله الصلاة- حين فرضها- ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى، وفي رواية، قالت: فرض الله الصلاة- حين فرضها- ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.
وفي أخرى، قالت: فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الفريضة الأولى. قال الزهري: قلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟
وخرجه البخاري من حديث يزيد بن ذريع، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الأولى، تابعه عبد الرزاق عن معمر، ذكره البخاري في كتاب الهجرة، وأما حديث ابن عباس فخرجه النسائي من حديث أبي عوانة عن بكير الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
فرضت الصلاة على لسان النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، قال ابن عبد البر: انفرد به بكير بن الأخنس وليس بحجة فيما انفرد به.
وخرج ابن أبي شيبة من حديث عبيدة بن حميد عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فلما أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب.
قال ابن عبد البر: قول الشعبي هذا أصله حديث عائشة رضي الله عنها، وقد يمكن أن يأخذه عن الأسود عن مسروق عن عائشة، فأكثر ما عنده عن عائشة هو عنهما.
وروى يونس بن بكير عن سالم بن أبي المهاجر قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: كان أول الصلاة مثنى ثم صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعا فصارت سنة، وأقرت الركعتان للمسافر وهي تمام. قال ابن عبد البر: وهذا إسناد لا يحتج بمثله، وقوله: فصارت سنة قول نكر، وكذلك استثنى الشعبي المغرب وحدها، ولم يذكر الصبح قول لا معنى له، ومن قال بهذا من أهل السير قال: إن الصلاة أتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر وأربعة أيام.

.وأمّا إقامة جبريل عليه السّلام أوقات الصّلاة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنّه أمّه فيها:

فخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما وهو في الكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة؟! أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم صلّى، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم صلّى، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال بهذا أمرت، فقال عمر لعروة: انظر ما تحدثت به يا عروة، أو أن جبريل هو الّذي أقام لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقت الصلاة؟ فقال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه، قال عروة: ولقد حدثتني عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر.
وأخرجاه والنسائي من حديث الليث بن سعد عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة شيئا، فقال له عروة: أما أن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له عمر: اعلم ما تقول يا عروة، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا سلمة مسعود يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه» ويحسب بأصابعه خمس صلوات.
قوله: أخّر الصلاة يوما وللبخاريّ في بدء الخلق من طريق الليث عن ابن شهاب بيان الصلاة المذكور، ولفظه: أخّر العصر شيئا. قال ابن عبد البر: ظاهر سياقه أنه فعل ذلك يوما ما، لا أن ذلك كان عادة له وإن كان أهل بيته معروفين بذلك، وكذا في نسخة الصغاني، وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب: أخّر الصلاة مرة، يعني العصر.
وللطبراني من طريق أبي بكر بن حزم، أن عروة حدّث عمر بن عبد العزيز- وهو يومئذ أمير المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك- وكان ذلك زمان يؤخرون فيه الصلاة، يعني بني أمية. قال ابن عبد البر: المراد أنه أخرها حتى خرج الوقت المستحب، لا أنه أخرها حتى غربت الشمس.
وقال البخاري والنسائي: أخر العصر شيئا، ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق في ذكر الملائكة، وخرجه في كتاب المغازي من حديث شعيب عن الزهري: سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز في إمارته: أخّر المغيرة ابن شعبة العصر وهو أمير الكوفة، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن- شهد بدرا- فقال: لقد علمت نزل جبريل فصلّى، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس صلوات ثم قال هكذا أمرت، كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه. ذكره في الباب الّذي بعد باب شهود الملائكة بدرا. وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث سفيان قال: حدثنا الزهري قال: أخّر عمر ابن عبد العزيز يوما الصلاة فقال له عروة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، حتى عد الصلوات الخمس فقال له عمر بن عبد العزيز: اتّق الله يا عروة وانظر ما تقول: فقال عروة: أخبرنيه بشير بن أبي مسعود عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: وظاهر مساقه في رواية مالك تدل على الانقطاع لقوله: أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما ودخل عليه عروة، ولم يذكر فيه سماعا لابن هشام من شهاب من عروة، ولا سماعا لعروة من بشير بن أبي مسعود، وهذه اللفظة- أعني أن عند جماعة من أهل العلم بالحديث- محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع واللقاء، ومنهم من لا يلتفت إليها، ويحمل الأمر على المعروف من مجالسة بعضهم بعضا، ومشاهدة بعضهم لبعض، وأخذهم بعضهم من بعض، فإن كان ذلك معروفا لم يسأل عن هذا اللفظة، وكان الحديث عنده على الاتصال، وهذا يشبه أن يكون مذهب مالك- رحمه الله- لأنه في موطئه لا يفرق بين شيء من ذلك، وهذا الحديث متصل عند أهل العلم مسند صحيح لوجوه: منها أن مجالسة بعض المذكورين فيه لبعض مشهورة، ومنها أن هذه القصة قد صح شهود ابن شهاب لما جرى فيها بين عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير بالمدينة، وذلك في أيام إمارة عمر عليها لعبد الملك وابنه الوليد، وهذا محفوظ من رواية الثقات لهذا الحديث عن ابن شهاب.
قال: وممن ذكر مشاهدة ابن شهاب للقصة عند عمر بن عبد العزيز مع عروة ابن الزبير في هذا الحديث من أصحاب ابن شهاب: معمر والليث بن سعد وشعيب ابن أبي حمزة وابن جريج، فذكروا رواية الليث التي تقدم ذكرها من طريق النسائي إلا أن سياقه عن ابن شهاب أنه كان قاعدا على منابر عمر بن عبد العزيز في إمارته على المدينة ومعه عروة بن الزبير، فأخّر عمر العصر، فقال له عروة: أما أن جبريل قد نزل فصلّى أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له عمر: اعلم يا عروة ما تقول، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس مرات. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز فأخر العصر مرة، فقال له عروة: حدثني بشير بن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة ابن شعبة أخر الصلاة مرة- يعني العصر- فقال له أبو مسعود: أما والله يا مغيرة لقد علمت أن جبريل نزل فصلّى، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى الناس معه، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّى الناس معه، حتى عدّ خمس صلوات، فقال له عمر: انظر ما تقول يا عروة، أو أن جبريل هو سنّ وقت الصلاة؟