فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجملة {فلا فوت} معترضة بين المتعاطفات.
والفوت: التفلت والخلاص من العقاب، قال رويشد الطائي:
إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم ** مما علي بذنب منكم فوت

أي إذا أذنبتم فجاءت جماعة منكم معتذرين فذلك لا يدفع عنكم جزاءكم على ذنبكم.
وفي الكشاف: ولو، وإذْ، والأفعال التي هي فَزِعوا، وأُخذوا، وحيل بينهم، كلها للمضيّ، والمراد بها الاستقبال لأن ما الله فاعله في المستقبل بمنزلة ما كان ووُجد لتحققه. اهـ.
ويزداد عليها فعل {وقالوا}.
والمكان القريب: المحشر، أي أخذوا منه إلى النار، فاستغني بذكر {مِن} الابتدائية عن ذكر الغاية لأن كل مبدأ له غاية، ومعنى قرب المكان أنه قريب إلى جهنم بحيث لا يجدون مهلة لتأخير العذاب.
وليس بين كلمتي {قريب} هنا والذي في قوله: {إنه سميع قريب} [سبأ: 50] ما يشبه الإِيطاء في الفواصل لاختلاف الكلمتين بالحقيقة والمجاز فصار في الجمع بينهما محسِّن الجناس التام.
وعطف {وقالوا} على {وأخذوا} أي يقولون حينئذٍ: آمنّا به.
وضمير {به} للوعيد أو ليوم البعث أو للنبيء صلى الله عليه وسلم أو القرآن، إذا كان الضمير مَحكيًا من كلامهم لأن جميع ما يصحّ مَعادًا للضمير مشاهد لهم وللملائكة، فأُجملوا فيما يراد الإِيمان به لأنهم ضاق عليهم الوقت فاستعجلوه بما يحسبونه مُنجيًا لهم من العذاب، وإن كان الضمير من الحكاية فهو عائد إلى الحق من قوله: {قل إن ربي يقذف بالحق} [سبأ: 48] لأن الحقّ يتضمن ذلك كله.
ثم استطرد الكلام بمناسبة قولهم {آمنّا به} إلى إضاعتهم وقت الإِيمان بجملة {وأنى لهم التناوش} إلى آخرها.
و {أنَّى} استفهام عن المكان وهو مستعمل في الإِنكار.
و {التناوش} قرأه الجمهور بواو مضمومة بعد الألف وهو التناول السهل أو الخفيف وأكثر وروده في شرب الإِبل شربًا خفيفًا من الحوض ونحوه، قال غَيلان بن حُريْث:
باتتْ تنُوش الحوضَ نَوْشًا من عَلا ** نَوْشًا به تقطع أجْواز الفَلا

يتحدث عن راحلته، أي تتناول الماء من أعلاه ولا تغوص مشافرها فيه.
وجملة {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} مركب تمثيلي يفيد تشبيه حالهم إذ فرطوا في أسباب النجاة وقت المِكْنَة منها حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم ويحرضهم ويحذرهم وقد عمرهم الله ما يتذكر فيه من تذكر ثم جاءوا يطلبون النجاة بعد فوات وقتها بحالهم كحال من يريد تناوشها وهو في مكان بعيد عن مراده الذي يجب تناوله.
وهذا التمثيل قابل لتفريق أجزائه بأن يشبه السعي بما يحصل بسرعة بالتناوش ويشبه فوات المطلوب بالمكان البعيد كالحوض.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلفٌ بالهمزة في موقع الواو فقال الزجاج: وهو من إبدال الواو المضمومة همزة لقصد التخفيف في نطق الضمة كقوله تعالى: {أقتت} [المرسلات: 11] وقولهم: أَجُوهٌ: جمع وجه.
وبحث فيه أبو حيان، وقال الفراء والزجاج أيضًا: هو من نَأش بالهمز إذا أبطأ وتأخر في عمل.
ومنه قول نهشل بن حَرِي النهشلي:
تمنّى نَئِيشًا أن يكون أطاعني ** وقد حدثت بعد الأمور أمور

أي تمنّى أخيرًا.
وفسر المعري في رسالة الغفران نئيشًا بمعنى: بعد ما فات.
وعلى كلا التفسيرين فالمراد بالتناوش وصف قولهم: {آمنا به} بأنه إيمان تأخر وقته أو فات وقته.
وفي الجمع بين {مكان قريب} و {مكان بعيد} محسن الطباق.
وجملة {وقد كفروا به من قبل} في موضع الحال، أي كيف يقولون آمنّا به في وقت الفوات والحال أنهم كفروا به من قبلُ في وقت التمكن فهو كقوله تعالى: {وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون} [القلم: 43].
{ويقذفون} عطف على {كفروا} فهي حال ثانية.
والتقدير: وكانوا يقذفون بالغيب.
واختيار صيغة المضارع لحكاية الحالة كقوله تعالى: {ويصنع الفلك} [هود: 38].
والقذف: الرمي باليد من بعد.
وهو هنا مستعار للقول بدون تروِّ ولا دليل، أي يتكلمون فيما غاب عن القياس من أمور الآخرة بما لا علم لهم به إذ أحالوا البعث والجزاء وقالوا لشركائهم: هم شفعاؤنا عند الله.
ولك أن تجعل {ويقذفون بالغيب من مكان بعيد} تمثيلًا مثل ما في قوله: {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} شبهوا بحال من يقذف شيئًا وهو غائب عنه لا يراه فهو لا يصيبه البتة.
وحُذف مفعول {يقذفون} لدلالة فعل {وقد كفروا به من قبل} عليه، أي يقذفون أشياء من الكفر يرمون بها جزافًا.
والغيب: المغيَّب.
والباء للملابسة، والمجرور بها في موضع الحال من ضمير {يقذفون} أي يقذفون وهم غائبون عن المقذوف من مكان بعيد.
و {مكان بعيد} هنا مستعمل في حقيقته يعني من الدنيا، وهي مكان بعيد عن الآخرة للاستغناء عن استعارته لِما لا يشاهد منه بقوله: {بالغيب} كما علمت فتعين للحقيقة لأنها الأصل، وبذلك فليس بين لفظ {بعيد} المذكور هنا والذي في قوله: {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} ما يشبه الإِيطاء لاختلاف الكلمتين بالمجاز والحقيقة.
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)}.
عطف على الجمل الفعلية نظائر هذه وهي جُمل {فَزِعوا وأُخذوا وقالوا} [سبأ: 51، 52] أي وحَال زَجُّهم في النار بينهم وبين ما يأملُونه من النجاة بقولهم: {آمنا به} [سبأ: 52].
وما يشتهونه هو النجاة من العذاب أَوْ عودتهم إلى الدنيا؛ فقد حُكي عنهم في آيات أُخرى أنهم تمنَّوه {فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} [الأنعام: 27]، ربنا أرجعنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل.
والتشبيه في قوله: {كما فعل بأشياعهم من قبل} تشبيه للحيلولة بحيلولة أخرى وهي الحيلولة بين بعض الأمم وبين الإِمهال حين حلّ بهم عذاب الدنيا، مثل فرعون وقومه إذ قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس: 90]، وكذلك قوم نوح حين رأوا الطوفان، وما من أمة حلّ بها عذاب إلا وتمنّت الإِيمان حينئذٍ فلم ينفعهم إلاّ قوم يونس.
والأشياع: المشابهون في النحلة وإن كانوا سالفين.
وأصل المشايعة المتابعة في العمل والحلف ونحوه، ثم أطلقت هنا على مطلق المماثلة على سبيل المجاز المرسل بقرينة قوله: {من قبل} أي كما فعل بأمثالهم في الدنيا من قبل، وأما يوم الحشر فإنما يحال بينهم وبين ما يشتهون وكذلك أشياعهم في وقت واحد.
وفائدة هذا التشبيه تذكير الأحياء منهم وهم مشركو أهل مكة بما حل بالأمم من قبلهم ليُوقنوا أن سنة الله واحدة وأنهم لا تنفعهم أصنامهم التي زعموها شفعاء عند الله.
وجملة {إنهم كانوا في شك مريب} مسوقة لتعليل الجمل التي قبلها.
وفُعِل بهم جميع ما سمعت لأنهم كانوا في حياتهم في شك من ذلك اليوم وما وُصف لهم من أهواله.
وإنما جعلت حالتهم شكًا لأنهم كانوا في بعض الأمور شاكّين وفي بعضها موقنين، ألا ترى قوله تعالى: {قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنًا وما نحن بمستيقنين} [الجاثية: 32].
وإذا كان الشك مفضيًا إلى تلك العقوبة فاليقين أولى بذلك، ومآل الشك واليقين بالانتفاء واحد إذ ترتب عليهما عدم الإِيمان به وعدم النظر في دليله.
ويجوز أن تكون جملة {إنهم كانوا في شك مريب} مستأنفة استئنافًا بيانيًا ناشئة عن سؤال يثيره قولُه: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} كأن سائلًا سأل هل كانوا طامعين في حصول ما تمنّوه؟ فأجيب بأنهم كانوا يتمنون ذلك ويشكون في استجابته فلما حيل بينهم وبينه غشِيَهم اليأس، واليأس بعد الشك أوقع في الحزن من اليأس المتأصل.
والمريب: المُوقع في الريب.
والريب: الشك، فوصفُ الشك به وصفٌ له بما هو مشتق من مادته لإِفادة المبالغة كقولهم: شِعْر شاعر، وليْل أَليل، أو ليلٌ داج.
ومحاولة غير هذا تعسف. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى عبادة الله والنظر في حقيقة نبوته هو ويعظهم بأمر مقرب للأفهام فقوله: {بواحدة} معناه بقضية واحدة إيجازًا لكم وتقريبًا عليكم، وقوله: {أن} مفسرة، ويجوز أن تكون بدلًا من {واحدة} وقوله: {تقوموا لله مثنى وفرادى} يحتمل أن يريد بالطاعة والإخلاص والعبادة فتكون الواحدة التي وعظ بها هذه، ثم عطف عليها أن يتفكروا في أمره هل هو به جنة أو هو بريء من ذلك والوقف عند أبي حاتم {ثم تتفكروا}.
قال الفقيه الإمام القاضي: فيجيء {ما بصاحبكم} نفيًا مستأنفًا وهو عند سيبويه جواب ما تنزل منزلة القسم لأن تفكر من الأفعال التي تعطي التحقيق كتبين وتكون الفكرة على هذا في آيات الله والإيمان به، ويحتمل أن يريد بقيامهم أن يكون لوجه الله في معنى التفكر في محمد صلى الله عليه وسلم فتكون الواحد التي وعظ بها أن يقوموا لمعنى الفكرة- في أمر صاحبهم، وكأن المعنى أن يفكر الواحد بينه وبين نفسه ويتناظر الاثنان على جهة طلب التحقيق، هل بمحمد صلى الله عليه وسلم جنة أم لا؟ وعلى هذا لا يوقف على {تتفكروا} وقدم المثنى لأن الحقائق من متعاضدين في النظر أجدى من فكرة واحدة، فإذا انقدح الحق بين الاثنين فكر كل واحد منهما بعد ذلك فيزيد بصيرة وقد قال الشاعر: الطويل:
إذا اجتمعوا جاءوا بكل غريبة ** فيزداد بعض القوم من بعضهم علما

وقرأ يعقوب {ثم تفكروا} بتاء واحدة، وقال مجاهد بواحدة معناه بلا إله إلا الله وقيل غير هذا مما لا تعطيه الآية، وقوله: {بين يدي} مرتب على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم جاء في الزمن من قبل العذاب الشديد الذي توعدوا به.
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}.
أمره الله تعالى في هذه الآية بالتبري من طلب الدنيا وطلب الأجر على الرسالة وتسليم كل دنيا إلى أربابها والتوكل على الله في الأجر وجزاء الجد والإقرار بأنه شهيد على كل شيء من أفعال البشر وأقوالهم وغير ذلك، وقوله: {يقذف بالحق} يريد بالوحي وآيات القرآن واستعار له القذف من حيث كان الكفار يرمون بآياته وحكمه، وقرأ جمهور القراء {علاّمُ} بالرفع أي هو علام، وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق {علاّمَ} بالنصب إما على البدل من اسم {إن} وإما على المدح، وقرأ الأعمش {بالحق هو علام الغيوب} وقرأ عاصم {الغِيوب} بكسر الغين، وقوله: {قل جاء الحق} يريد الشرع وأمر الله ونهيه، وقال قوم يعني السيف، وقوله: {وما يبدىء الباطل وما يعيد} قالت فرقة: {الباطل} هو غير {الحق} من الكذب والكفر ونحوه استعار له الإبداء والإعادة ونفاهما عنه، كأنه قال وما يصنع الباطل شيئًا، وقالت فرقة {الباطل} الشيطان، والمعنى ما يفعل الشيطان شيئًا مفيدًا أي ليس يخلق ولا يرزق، وقالت فرقة {ما} استفهام كأنهم قال وأي شيء يصنع الباطل؟ وقرأ جمهور الناس {ضلَلت} بفتح اللام {فإنما إضِل} بكسر الضاد، وقرأ الحسن وابن وثاب {ضلِلت} بكسر اللام {أضَل} بفتح الضاد وهي لغة بني تميم، وقوله: {فيما} يحتمل أن تكون ما بمعنى الذي، ويحتمل أن تكون مصدرية، و {قريب} معناه بإحاطته وإجابته وقدرته، واختلف المتأولون في قوله تعالى: {لو ترى} الآية، فقال ابن عباس والضحاك: هذا في عذاب الدنيا، وروي أن ابن أبزى قال ذلك في جيش يغزو الكعبة فيخسف بهم في بيداء من الأرض ولا ينجو إلا رجل من جهينة فيخبر الناس بما نال الجيش قالوا بسببه قيل وعند جهينة الخبر اليقين، وهذا قول سعيد، وروي في هذا المعنى حديث مطول عن حذيفة وذكر الطبري أنه ضعيف السند مكذوب فيه على داود بن الجراح، وقال قتادة: ذلك في الكفار عند الموت.
وقال ابن زيد: ذلك في الكفار في بدر ونحوها، وقال الحسن بن أبي الحسن: ذلك في الكفار عند خروجهم من القبور في القيامة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا أرجح الأقوال عندي، وأما معنى الآية فهو التعجيب من حالهم إذا فزعوا من أخذ الله إياهم ولم يتمكن لهم أن يفوت منهم أحد، وقوله: {من مكان قريب} معناه أنهم للقدرة قريب حيث كانوا قبل من تحت الأقدام، وهذا يتوجه على بعض الأقوال والذي يعم جميعها أن يقال إن الأخذ يجيئهم من قرب في طمأنينتهم ويعقبها بينا الكافر يؤمل ويظن ويترجى إذ غشيه الأخذ، ومن غشيه أخذ من قريب، فلا حيلة له ولا روية، وقرأ الجمهور {وأخذوا} وقرأ طلحة بن مصرف {فلا فوت وأخذ} كأنه قال وجاء لهم أخذ من مكان قريب.
{وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)}.
الضمير في {به} عائد على الله تعالى، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه والقرآن، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وعامة القراء {التناوُش} بضم الواو دون همز، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم أيضًا {التناؤش} بالهمز، والأولى معناها التناول من قولهم ناش ينوش إذا تناول وتناوش القوم في الحرب إذا تناول بعضهم بعضًا بالسلاح، ومنه قول الراجز: الرجز:
فهي تنوش الحوض نوشًا من علا ** نوشًا به تقطع أجواز الفلا

فكأنه قال وأنى لهم تناول مرادهم وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك، وأما التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناؤش الذي تقدم تفسيره وهمزت الواو لما كانت مضمونة وكانت ضمتها لازمة، كما قالوا أقتت وغير ذلك، ويحتمل أن يكون من الطلب، تقول اتناشت الشيء إذا طلبته من بعد، وقال ابن عباس تناؤش الشيء رجوعه حكاه عنه ابن الأنباري وأنشد: الوافر:
تمنى أن تئوب إليك ميّ ** وليس إلى تناوشها سبيل

فكأنه قال في الآية: وأنى لهم طلب مرادهم وقد بعد، قال مجاهد المعنى من الآخرة إلى الدنيا، وقرأ جمهور الناس {ويَقذِفون} بفتح الياء وكسر الذال على إسناد الفعل إليهم، أي يرجمون بظنونهم ويرمون بها الرسل وكتاب الله، وذلك غيب عنهم في قولهم سحر وافتراء وغير ذلك، قاله مجاهد، وقال قتادة قذفهم بالغيب هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار، وقرأ مجاهد {ويُقذَفون} بضم الياء وفتح الذال على معنى ويرجمهم الوحي بما يكرهون من السماء، وقوله: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} قال الحسن معناه من الإيمان والتوبة والرجوع إلى الإتابة والعمل الصالح، وذلك أنهم اشتهوه في وقت لا تنفع فيه التوبة، وقاله أيضًا قتادة، وقال مجاهد معناه وحيل بينهم وبين نعيم الدنيا ولذاتها، وقيل حيل بينهم وبين الجنة ونعيمها، وهذا يتمكن جدًا على القول بأن الأخذ والفزع المذكورين هو في يوم القيامة، وقوله: {كما فعل بأشياعهم من قبل} الأشياع الفرق المتشابهة، فأشياع هؤلاء هم الكفرة من كل أمة، وهو جمع شيعة، وشيع، وقوله: {من قبل} يصلح على بعض الأقوال المتقدمة تعلقه بفعل، ويصلح على قوم من قال إن الفزع هو في يوم القيامة تعلقه {بأشياعهم} أي بمن اتصف بصفتهم من قبل في الزمن الأول، لأن ما يفعل بجميعهم إنما هو في وقت واحد. لا يقال فيه {من قبل} والشك المريب أقوى ما يكون من الشك وأشده إظلامًا. اهـ.