فصل: (سورة سبأ: الآيات 34- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة سبأ: الآيات 34- 35]:

{وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلادًا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)}.
هذه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به، والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد، والمفاخرة وزخارفها، والتكبر بذلك على المؤمنين، والاستهانة بهم من أجله، وقولهم {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أهل مكة وكادوه بنحو ما كادوه به، وقاسوا أمر الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمر الدنيا، واعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على اللّه لما رزقهم، ولولا أنّ المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم، فعلى قياسهم ذلك قالوا {وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أرادوا أنهم أكرم على اللّه من أن يعذبهم، نظرا إلى أحوالهم في الدنيا.

.[سورة سبأ: آية 36]:

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاء وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36)}.
وقد أبطل اللّه تعالى حسبانهم بأنّ الرزق فضل من اللّه يقسمه كما يشاء على حسب ما يراه من المصالح، فربما وسع على العاصي وضيق على المطيع، وربما عكس، وربما وسع عليهما وضيق عليهما، فلا ينقاس عليه أمر الثواب الذي مبناه على الاستحقاق. وقدر الرزق: تضييقه. قال تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} وقرئ يقدّر، بالتشديد والتخفيف.

.[سورة سبأ: الآيات 37- 38]:

{وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاء الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38)}.
أراد: وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتي تقربكم، وذلك أنّ الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث، ويجوز أن يكون التي هي التقوى وهي المقربة عند اللّه زلفى وحدها، أي: ليست أموالكم بتلك الموضوعة للتقريب. وقرأ الحسن: {باللاتى تقرّبكم} لأنها جماعات. وقرئ: {بالذي يقرّبكم} أي: بالشيء الذي يقرّبكم. والزلفى والزلفة: كالكربى والكربة، ومحلها النصب، أي: تقرّبكم قربة، كقوله تعالى {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتًا} إِلَّا مَنْ آمَنَ استثناء من كم في {تُقَرِّبُكُمْ} والمعنى: أنّ الأموال لا تقرب أحدا إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل اللّه، والأولاد لا تقرب أحدا إلا من علمهم الخير وفقههم في الدين ورشحهم للصلاح والطاعة، جزاء الضِّعْفِ من إضافة المصدر إلى المفعول، أصله: فأولئك لهم أن يجازوا الضعف، ثم جزاء الضعف، ثم جزاء الضعف. ومعنى جزاء الضعف: أن تضاعف لهم حسناتهم، الواحدة عشرا. وقرئ: {جزاء الضعف} على: فأولئك لهم الضعف جزاء وجزاء الضعف على: أن يجازوا الضعف، وجزاء الضعف مرفوعان: الضعف بدل من جزاء. قرئ {فِي الْغُرُفاتِ} بضم الراء وفتحها وسكونها. و {في الغرفة}.

.[سورة سبأ: آية 39]:

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاء مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)}.
{فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فهو يعوّضه لا معوّض سواه: إما عاجلا بالمال، أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد.
وإما آجلا بالثواب الذي كل خلف دونه. وعن مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإنّ الرزق مقسوم، ولعل ما قسم له قليل وهو ينفق نفقة الموسع عليه، فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقر، ولا يتأولن: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} فإن هذا في الآخرة. ومعنى الآية: وما كان من خلف فهو منه {خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وأعلاهم رب العزة، بأن كل ما رزق غيره: من سلطان يرزق جنده، أو سيد يرزق عبده، أو رجل يرزق عياله: فهو من رزق اللّه، أجراه على أيدى هؤلاء، وهو خالق الرزق وخالق الأسباب التي بها ينتفع المرزوق بالرزق. وعن بعضهم: الحمد للّه الذي أوجدني وجعلني ممن يشتهى، فكم من مشته لا يجد، وواجد لا يشتهى.

.[سورة سبأ: الآيات 40- 41]:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاء إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)}.
هذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار، وارد على المثل السائر:
إيّاك أعنى واسمعي يا جاره

ونحوه قوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين براء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير، والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا، فيكون تقريعهم أشدّ. وتعييرهم أبلغ، وخجلهم أعظم:
وهو أنه ألزم، ويكون اقتصاص ذلك لطفا لمن سمعه، وزاجرا لمن اقتص عليه. والموالاة:
خلاف المعاداة. ومنها: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وهي مفاعلة من الولي وهو القرب، كما أنّ المعاداة من العدواء وهي البعد، والولي: يقع على الموالي والموالي جميعا. والمعنى أنت الذي نواليه من دونهم، إذ لا موالاة بيننا وبينهم، فبينوا بإثبات موالاة اللّه ومعاداة الكفار: براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم، لأنّ من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك {بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} يريدون الشياطين، حيث أطاعوهم في عبادة غير اللّه. وقيل: صوّرت لهم الشياطين صور قوم من الجن وقالوا: هذه صور الملائكة فاعبدوها. وقيل: كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت. فيعبدون بعبادتها. وقرئ: {نحشرهم} ونقول، بالنون والياء.

.[سورة سبأ: آية 42]:

{فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42)}.
الأمر في ذلك اليوم للّه وحده، لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرّة لأحد، لأنّ الدار دار ثواب وعقاب، والمثيب والمعاقب هو اللّه، فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف، والناس فيها مخلى بينهم، يتضارّون ويتنافعون. والمراد: أنه لا ضارّ ولا نافع يومئذ إلا هو وحده، ثم ذكر معاقبته الظالمين بقوله {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} معطوفا على {لا يَمْلِكُ}.

.[سورة سبأ: آية 43]:

{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (43)}.
الإشارة الأولى: إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، والثانية إلى القرآن. والثالثة: إلى الحق، والحق أمر النبوّة كله ودين الإسلام كما هو. وفي قوله {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وفي أن لم يقل وقالوا، وفي قوله {لِلْحَقِّ لَمَّا جاءهُمْ} وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه، وفي لما من المبادهة بالكفر: دليل على صدور الكلام عن إنكار عظيم وغضب شديد، وتعجيب من أمرهم بليغ، كأنه قال: وقال أولئك الكفرة المتمرّدون بجراءتهم على اللّه ومكابرتهم لمثل ذلك الحق النير قبل أن يذوقوه {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} فبتوا القضاء على أنه سحر، ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمّله سماه سحرا.

.[سورة سبأ: الآيات 44- 45]:

{وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45)}.
وما آتيناهم كتبا يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك، ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا، كما قال عز وجل {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} أو وصفهم بأنهم قوم أمّيون أهل جاهلية لا ملة لهم وليس لهم عهد بإنزال كتاب ولا بعثة رسول كما قال {أَمْ آتَيْناهُمْ كِتابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} فليس لتكذيبهم وجه متشبث، ولا شبهة متعلق، كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا مبطلين: نحن أهل كتب وشرائع، ومستندون إلى رسل من رسل اللّه. ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله {وَكَذَّبَ الَّذِينَ} تقدّموهم من الأمم والقرون الخالية كما كذبوا، وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوّة الأجرام وكثرة الأموال، فحين كذبوا رسلهم جاءهم إنكارى بالتدمير والاستئصال، ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم به مستظهرون، فما بال هؤلاء؟ وقرئ: {يدرّسونها} من التدريس وهو تكرير الدرس. أو من درّس الكتاب، ودرّس الكتب: و {يدّرسونها} بتشديد الدال: يفتعلون من الدرس. والمعشار كالمرباع، وهما: العشر، والربع. فإن قلت: ما معنى {فَكَذَّبُوا رُسُلِي} وهو مستغنى عنه بقوله {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؟ قلت: لما كان معنى قوله {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وفعل الذين من قبلهم التكذيب، وأقدموا عليه: جعل تكذيب الرسل مسببا عنه ونظيره أن يقول القائل: أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، ويجوز أن ينعطف على قوله: وما بلغوا، كقولك: ما بلغ زيد معشار فضل عمرو فتفضل عليه {فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} أي للمكذبين الأوّلين، فليحذروا من مثله.

.[سورة سبأ: آية 46]:

{قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46)}.
{بِواحِدَةٍ} بخصلة واحدة، وقد فسرها بقوله {أَنْ تَقُومُوا} على أنه عطف بيان لها، وأراد بقيامهم: إما القيام عن مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتفرّقهم عن مجتمعهم عنده وإما القيام الذي لا يراد به المثول على القدمين، ولكن الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة.
والمعنى: إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم: وهي: أن تقوموا لوجه اللّه خالصا. متفرّقين اثنين اثنين، وواحدا واحدا {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم وما جاء به، أمّا الاثنان: فيتفكران ويعرض كلّ واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه متصادقين متناصفين، لا يميل بهما اتباع هوى ولا ينبض لهما عرق عصبية، حتى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح على جادة الحق وسننه، وكذلك الفرد: يفكر في نفسه بعدل ونصفة من غير أن يكابرها ويعرض فكره على عقله وذهنه وما استقرّ عنده من عادات العقلاء ومجارى أحوالهم، والذي أوجب تفرّقهم مثنى وفرادى: أنّ الاجتماع مما يشوّش الخواطر، ويعمى البصائر، ويمنع من الروية، ويخلط القول، ومع ذلك يقل الإنصاف، ويكثر الاعتساف، ويثور عجاج التعصب. ولا يسمع إلا نصرة المذهب، وأراهم بقوله {ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} أن هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة جميعا، لا يتصدّى لا دعاء مثله إلا رجلان: إمّا مجنون لا يبالى باقتضاحه إذا طولب بالبرهان فعجز، بل لا يدرى ما الافتضاح وما رقبة العواقب. وإمّا عاقل راجح العقل مرشح للنبوّة، مختار من أهل الدنيا، لا يدعيه إلا بعد صحته عنده بحجته وبرهانه، وإلا فما يجدى على العاقل دعوى شيء لا بينة له عليه، وقد علمتم أنّ محمدا صلى اللّه عليه وسلم ما به من جنة، بل علمتموه أرجح قريش عقلا، وأرزنهم حلما وأثقبهم ذهنا وآصلهم رأيا، وأصدقهم قولا، وأنزههم نفسا، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحون به، فكان مظنة لأن تظنوا به الخير، وترجحوا فيه جانب الصدق على الكذب، وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم بآية، فإذا أتى بها تبين أنه نذير مبين. فإن قلت: {ما بِصاحِبِكُمْ} ثم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يكون كلاما مستأنفا تنبيها من اللّه عز وجل على طريقة النظر في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ويجوز أن يكون المعنى: ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة، وقد جوّز بعضهم أن تكون ما استفهامية {بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ} كقوله عليه الصلاة والسلام: «بعثت في نسم الساعة».

.[سورة سبأ: آية 47]:

{قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)}.
{فَهُوَ لَكُمْ} جزاء الشرط الذي هو قوله {ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} تقديره: أي شيء سألتكم من أجر فهو لكم، كقوله تعالى {ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} وفيه معنيان، أحدهما: نفى مسألة الأجر رأسا، كما يقول الرجل لصاحبه: إن أعطيتنى شيئا فخذه، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا ولكنه يريد به البت، لتعليقه الأخذ بما لم يكن. والثاني: أن يريد بالأجر ما أراد في قوله تعالى {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا} وفي قوله {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} لأنّ اتخاذ السبيل إلى اللّه نصيبهم وما فيه نفعهم، وكذلك المودّة في القرابة، لأنّ القرابة قد انتظمته وإياهم {عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} حفيظ مهيمن، يعلم أنى لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه، ولا أطمع منكم في شيء.

.[سورة سبأ: آية 48]:

{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (48)}.
القذف والرمي: تزجية السهم ونحوه بدفع واعتماد، ويستعاران من حقيقتهما لمعنى الإلقاء ومنه قوله تعالى {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} ومعنى {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} يلقيه وينزله إلى أنبيائه. أو يرمى به الباطل فيدمغه ويزهقه {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} رفع محمول على محل إن واسمها، أو على المستكن في يقذف، أو هو خبر مبتدإ محذوف. وقرئ بالنصب صفة {لربي} أو على المدح. وقرئ: {الغيوب} بالحركات الثلاث، فالغيوب كالبيوت. والغيوب كالصبور وهو الأمر الذي غاب وخفى جدا.

.[سورة سبأ: آية 49]:

{قُلْ جاء الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49)}.
والحىّ إمّا أن يبدئ فعلا أو يعيده فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة، فجعلوا قولهم: لا يبدئ ولا يعيد مثلا في الهلاك. ومنه قول عبيد:
أقفر من أهله عبيد ** فاليوم لا يبدي ولا يعيد

والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل، كقوله تعالى: {جاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ} وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه: دخل النبي صلى اللّه عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بعود نبعة ويقول {جاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا} {جاء الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} والحق: القرآن. وقيل: الإسلام. وقيل: السيف. وقيل الباطل: إبليس لعنه اللّه، أي: ما ينشيء خلقا ولا يعيده، المنشيء والباعث: هو اللّه تعالى. وعن الحسن: لا يبدئ لأهله خيرا ولا يعيده، أي: لا ينفعهم في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج: أي شيء ينشيء إبليس ويعيده، فجعله للاستفهام. وقيل للشيطان: الباطل، لأنه صاحب الباطل، أو لأنه هالك كما قيل له: الشيطان، من شاط إذا هلك.

.[سورة سبأ: آية 50]:

{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)}.
قرئ {ضللت} أضلّ، بفتح العين مع كسرها. وضللت أضلّ، بكسرها مع فتحها، وهما لغتان، نحو: ظللت أظلّ، وظللت أظلّ. وقرئ {إضلّ} بكسر الهمزة مع فتح العين. فإن قلت: أين التقابل بين قوله {فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي} وقوله {فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} وإنما كان يستقيم أن يقال: فإنما أضل على نفسي، وإن اهتديت فإنما أهتدى لها، كقوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساء فَعَلَيْها} فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها. أو يقال: فإنما أضل بنفسي. قلت: هما متقابلان من جهة المعنى، لأنّ النفس كل ما عليها فهو بها، أعنى: أن كل ما هو وبال عليها وضار لها فهو بها وبسببها: لأن الأمّارة بالسوء، وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه، وهذا حكم عامّ لكل مكلف، وإنما أمر رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يسنده إلى نفسه، لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلالة حمله وسداد طريقته كان غيره أولى به {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} يدرك قول كل ضالّ ومهتد، وفعله لا يخفى عليه منهما شيء.