فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: ما بلغ الذين من قبلهم معشار ما أعطينا هؤلاء من الحُجَّة والبرهان.
والثالث: ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم، حكاهما الماوردي.
والمِعشار: العُشر.
والنَّكير: اسم بمعنى الإِنكار.
قال الزجاج: والمعنى: فكيف كان نكيري؛ وإِنما حُذفت الياء، لأنَّه آخر آية.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَعِظُكم} أي: آمُرُكم وأُوصيكم {بواحدة} وفيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها لا إِله إِلا الله، رواه ليث عن مجاهد.
والثاني: طاعة الله، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثالث: أنها قوله: {أن تَقُوموا لله مثنى وفُرادى} قاله قتادة.
والمعنى: أن التي أَعِظُكم بها، قيامُكم وتشميركم لطلب الحق، وليس بالقيام على الأقدام.
والمراد بقوله: {مثنى} أي: يجتمع اثنان فيتناظران في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمراد ب {فُرادى} أن يتفكَّر الرجل وحده، ومعنى الكلام: لِيتفكرِ الإِنسانُ منكم وحده، ولْيَخْلُ بغيره، ولْيُناظِر، ولْيَسْتَشِر، فَيَسْتَدِلَّ بالمصنوعات على صانعها، ويُصدِّق الرسول على اتبّاعه، ولْيَقُل الرجلُ لصاحبه: هَلُمَّ فلْنَتَصادق هل رأينا بهذا الرجل جِنَّة قَطّ، أو جرَّبْنا عليه كَذِبًا قَطّ.
وتم الكلام عند قوله: {ثم تتفكَّروا ما بصاحبكم من جِنَّة} وفيه اختصار تقديره: ثم تتفكَّروا لتعلموا صِحَّة ما أمرتُكم به وأنَّ الرسول ليس بمجنون، {إِنْ هو إِلاَّ نذير لكم بين يَدَيْ عذابٍ شديدٍ} في الآخرة.
قوله تعالى: {قل ما سألتُكم مِنْ أَجْر} على تبليغ الرسالة {فَهُو لكم} والمعنى: ما أسألكم شيئًا؛ ومثله قول القائل: ما لي في هذا فقد وهبتُه لك، يريد: ليس لي فيه شيء.
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ربِّي يَقْذِفُ بالحقِّ} أي يُلقي الوحي إِلى أنبيائه {عَلاَّمُ الغُيوبِ} وقرأ أبو رجاء: {عَلاَّمَ} بنصب الميم.
{قُلْ جاء الحقُّ} وهو الإِسلام والقرآن.
وفي المراد بالباطل ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الشيطان، لا يخلُق أحدًا ولا يبعثُه، قاله قتادة.
والثاني: أنه الأصنام، لا تُبدئ خَلْقًا ولا تُحيي، قاله الضحاك.
وقال أبو سليمان: لا يبتدىء الصنم من عنده كلامًا فيُجاب، ولا يرُدُّ ما جاء من الحق بحُجَّة.
والثالث: أنه الباطل الذي يُضادُّ الحق؛ فالمعنى: ذهب الباطل بمجيء الحقِّ، فلم تَبْقَ منه بقيَّة يُقبِل بها أو يُدبِر أو يُبدىء أو يعيد، ذكره جماعة من المفسرين.
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فانَّما أَضِلُّ على نفسي} أي: إِثم ضلالتي على نفسي، وذلك أنَّ كُفَّار مكَّة زعموا أنه قد ضَلَّ حين ترك دين آبائه، {وإِنِ اهتَديتُ فَبِما يوحي إِليَّ ربِّي} من الحكمة والبيان.
قوله تعالى: {ولو تَرى إِذْ فَزِعوا} في زمان هذا الفزع قولان.
أحدهما: أنه حين البعث من القبور، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه عند ظهور العذاب في الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
وقال سعيد بن جبير: هو الجيش الذي يُخسف به بالبيداء، يبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقُوا، وهذا حديث مشروح في التفسير، وأن هذا الجيش يؤمُّ البيت الحرام لتخريبه، فيُخسف بهم.
وقال الضحاك وزيد ابن أسلم: هذه الآية فيمن قُتل يوم بدر من المشركين.
قوله تعالى: {فلا فَوْتَ} المعنى: فلا فَوْتَ لهم، أي: لا يُمكنهم أن يفوتونا {وأُخِذوا من مكان قريب} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: من مكانهم يوم بدر، قاله زيد بن أسلم.
والثاني: من تحت أقدامهم بالخسف، قاله مقاتل.
والثالث: من القبور، قاله ابن قتيبة.
وأين كانوا، فهُم من الله قريب.
قوله تعالى: {وقالوا} أي: حين عاينوا العذاب {آمَنَّا به} في هاء الكناية أربعة أقوال.
أحدها: أنها تعود إِلى الله عز وجل، قاله مجاهد.
والثاني: إِلى البعث، قاله الحسن.
والثالث: إِلى الرسول، قاله قتادة.
والرابع: إِلى القرآن، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {وأنَّى لهم التَّنَاوُشُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {التَّنَاوُشُ} غير مهموز.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، والمفضل عن عاصم: بالهمز.
قال الفراء: من همز جعله من نأشْتُ، ومن لم يهمز، جعله من نُشْتُ، وهما متقاربان؛ والمعنى: تناولتُ الشيء، بمنزلة: ذِمْتُ الشيءَ وذأمْتُه: إِذا عِبْتَه؛ وقد تناوش القومُ في القتال: إِذا تناول بعضُهم بعضًا بالرِّماح، ولم يتدانَوا كُلَّ التداني، وقد يجوز همز التَّنَاؤش وهي من نُشْتُ لانضمام الواو، مثل قوله: {وإِذا الرُّسُّل أُقِّتَتْ} [المرسلات: 11].
وقال الزجّاج: من همز التَّنَاؤش فلأنّ واو التَّنَاوُش مضمومة، وكُلُّ واو مضمونة ضمَّتُها لازمة، إِن شئت أبدلت منها همزة، وإِن شئت لم تبدل، نحو: أدؤر.
وقال ابن قتيبة: معنى الآية: وأنَّى لهم التَّناوُشُ لِمَا أرادوا بلوغَه وإِدراكُ ما طلبوا من التَّوبة {من مكانٍ بعيدٍ} وهو الموضع الذي تُقْبَل فيه التوبةُ.
وكذلك قال المفسرون: أنَّى لهم بتناول الإِيمان والتوبة وقد تركوا ذلك في الدنيا والدنيا قد ذهبت؟!
قوله تعالى: {وقد كَفَروا به} في هاء الكناية أربعة أقوال قد تقدَّمت في قوله: {آمنَّا به} [سبأ: 52].
ومعنى {مِنْ قَبْلُ} أي: في الدنيا من قبل معاينة أهوال الآخرة {ويَقْذِفون بالغيب} أي: يَرْمُون بالظّنِّ {مِنْ مكانٍ بعيدٍ} وهو بُعدهم عن العلم بما يقولون.
وفي المراد بمقالتهم هذه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم يظُنُّون أنهم يُرَدُّون إِلى الدنيا، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنه قولهم في الدنيا: لا بعث لنا ولا جنة ولا نار، قاله الحسن، وقتادة.
والثالث: أنه قولهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو ساحر، هو كاهن، هو شاعر، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {وحِيل بينهم وبين ما يَشتهون} أي: مُنع هؤلاء الكفار مما يشتهون، وفيه ستة أقوال.
أحدها: انه الرجوع إِلى الدنيا، قاله ابن عباس.
والثاني: الأهل والمال والولد، قاله مجاهد.
والثالث: الإِيمان، قاله الحسن.
والرابع: طاعة الله، قاله قتادة.
والخامس: التوبة، قاله السدي.
والسادس: حيل بين الجيش الذي خرج لتخريب الكعبة وبين ذلك بأن خُسف بهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {كما فُعِلَ} وقرأ ابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وأبو عمران: {كما فَعَل} بفتح الفاء والعين {بأشياعهم مِنْ قَبْلُ} قال الزجّاج: أي بمن كان مذهبُه مذهبَهم.
قال المفسرون: والمعنى: كما فُعل بنُظَرائهم من الكفار مِنْ قَبْل هؤلاء، فانهم حِيل بينهم وبين ما يشتهون.
وقال الضحاك: هم أصحاب الفيل حين أرادوا خراب الكعبة {إِنَّهم كانوا في شَكّ} من البعث ونزول العذاب بهم {مُرِيبٍ} أي: مُوقِعٍ لِلرِّيبة والتُّهمة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {قل من يرزقكم من السموات والأرض} يعني المطر والنبات {قل الله} يعني إن لم يقولوا إن رزاقنا هو الله فقل: أنت إن رازقكم هو الله {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} معناه ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال، وهذا ليس على طريق الشك بل جهة الإلزام والإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى ومن خالفه في ضلال فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب ومنه بيت حسان:
أتهجوه ولست له بكفء ** فشركما لخيركما الفداء

وقيل أو بمعنى الآية إنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين {قل لا تسألون عما أجرمنا} أي تؤاخذون به {ولا نسأل عما تعملون} أي من الكفر والتكذيب وقيل أراد بالإجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن وبالعمل الكفر والمعاصي العظام {قل يجمع بيننا ربنا} أي يوم القيامة {ثم يفتح} يعني يقضي ويحكم {بيننا بالحق} يعني بالعدل {وهو الفتاح} يعني القاضي {العليم} يعني بما يقضي {قل أروني} أعلموني {الذين ألحقتم به} يعني بالله {شركاء} يعني الأصنام التي أشركوها معه في العبادة هل يخلقون أو يرزقون وأراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله {كلا} كلمة ردع لهم عن مذهبهم والمعنى أرتدعوا فإنهم لا يخلقون ولا يرزقون {بل هو العزيز} أي الغالب على أمره {الحكيم} أي تدبير خلقه فأنى يكون له شريك في ملكه.
قوله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} يعني للناس كلهم عامة أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم وقيل الرسالة عامة لهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد ق عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهور، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» في الحديث بيان الفضائل التي خص الله بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء، وأن هذه الخمسة لم تكن لأحد ممن كان قبله من الأنبياء، وفيه اختصاصه بالرسالة العامة لكافة الخلق الإنس والجن وكان النبي قبله يبعث إلى قومه أو إلى أهل بلده فعمت رسالة نبينا صلى الله عليه سلم، جميع الخلق وهذه درجة خص بها دون سائر الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وقيل في المعنى كافة أي كافأتكفهم عما هم عليه من الكفر فتكون الهاء للمبالغة {بشيرًا} أي لمن آمن بالجنة {ونذيرًا} أي لمن كفر بالنار {ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} يعني يوم القيامة {قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون ساعة ولا تستقدمون} معناه لا تتقدمون على يوم القيامة وقيل: عن يوم الموت ولا تتأخرون عنه بأن يزاد في آجالهم أو ينقص منها {وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} يعني التوراة والإنجيل {ولو ترى} أي يا محمد {إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول} معناه ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب {يقول الذين استضعفوا} وهم الأتباع {للذين استكبروا} وهو القادة والأشراف {لولا أنتم لكنا مؤمنين} يعني أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.
{قال الذين استكبروا} أي أجاب المتبوعون في الكفر {للذين استضعفوا أنحن صددناكم} أي منعناكم {عن الهدى} أي عن الإيمان {بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين} أي بترك الإيمان {وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار} أي مكركم بنا في الليل والنهار وقيل مكر الليل والنهار هو طول السلام في الدنيا وطول الأمل فيها {إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادًا} أي هو قول القادة للأتباع إن ديننا الحق وإن محمد كذاب ساحر وهذا تنبيه للكفار أن تصير طاعة بعضهم لبعض في الدنيا سبب عداوتهم في الآخرة {وأسروا الندامة} أي أظهروها وقيل: أخفوها وهو من الأضداد {لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} أي في النار الأتباع والمتبوعين جميعًا {هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} أي من الكفر والمعاصي في الدنيا.
قوله: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها} أي رؤساؤها وأغنياؤها {إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا} يعني المترفين والأغنياء للفقراء الذين آمنوا {نحن أكثر أموالًا وأولادًا} يعني لو لم يكن الله راضيًا بما نحن عليه من الدين والعمل الصالح لم يخولنا أموالًا ولا أولادًا {وما نحن بمعذبين} أي إن الله قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يعني أنه تعالى يبسط الرزق ابتلاء وامتحانًا ولا يدل البسط على رضا الله تعالى ولا التضييق على سخطه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أي إنها كذلك {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} أي بالتي تقربكم عندنا تقريبًا {إلا} أي لكن {من آمن وعمل صالحًا} قال ابن عباس يريد إيمانه وعلمه يقربه مني {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} أي يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة {وهم في الغرفات آمنون والذين يسعون في آياتنا} أي يعملون في إبطال حججنا {معاجزين} أي معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتنا {أولئك في العذاب محضرون}.
قوله تعالى: {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} أي يعطي خلفه إذا كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ويعوضه لا معوض سواه إما عاجلًا بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، وإما بالثواب في الاخرة الذي كل خلف دونه، وقيل ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم من خير فهو يخلفه على المنفق.
قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقره، ولا يتأولن وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فإن هذا في الآخرة ومعنى الآية ما كان من خلف فهو منه ق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى: أنفق ينفق عليك» ولمسلم «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك» ^ق عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا» م عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا وما تواضع لله إلا رفعه الله» {وهو خير الرازقين} أي خير من يعطي ويرزق لأن ما رزق غيره من سلطان يرزق جنده أو سيد يرزق مملوكه أو رجل يرزق عياله فهو من رزق الله أجراه الله على أيدي هؤلاء وهو الرزاق الحقيقي الذي لا رازق سواه.
قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا} يعني هؤلاء الكفار {ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} أي في الدنيا وهذا استفهام تقريع وتقرير للكفار فتتبرأ الملائكة منهم من ذلك وهو قوله تعالى: {قالوا سبحانك} أي تنزيها لك {أنت ولينا من دونهم} أي نحن نتولاك ولا نتولاهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم {بل كانوا يعبدون الجن} يعني الشياطين.
فان قلت قد عبدوا الملائكة فكيف وجه قوله بل كانوا يعبدون الجن.
قلت أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فأطاعوهم في ذلك فكانت طاعتهم للشياطين عبادة لهم وقيل صوروا لهم صورًا وقالوا لهم هذه صور الملائكة فاعبدها فعبدوها وقيل كانوا يدخلون في أجواف الأصنام فيعبدون بعبادتها {أكثرهم بهم مؤمنون} يعني مصدقون للشياطين قال الله تعالى: {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعًا} أي شفاعة {ولا ضرًا} أي بالعذاب يريد أنهم عاجزون ولا نفع عندهم ولا ضر {ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم {يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى} يعنون القرآن {وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين وما آتيناهم} يعني هؤلاء المشركين {من كتب يدرسونها} أي يقرءونها {وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا أنزل إليهم كتاب {وكذب الذين من قبلهم} أي من الأمم السالفة رسلنا {وما بلغوا} يعني هؤلاء المشركين {معشار} أي عشر {ما آتيناهم} أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول الأعمار {فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} أي إنكاري عليهم يحذر بذلك كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية.