فصل: قال الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الغزنوي:

ومن سورة الملائكة:
1- {مَثْنى وَثُلاثَ}: هذه الأوزان لتكرير تلك الأعداد ولذلك عدل عن البناء الأول، ف ثُلاثَ هي ثلاث ثلاث فتكون ثلاثة أجنحة من جانب ومثله من جانب فيعتدل، فلا يصح قول الطاعن: إنّ صاحب الأجنحة الثلاثة لا يطير ويكون كالجادف. أو يجوز أن يكون موضع الجناح الثالث بين الجناحين فيكون عونا لهما فتستوي القوى والحصص.
3- {هَلْ مِنْ خالِقٍ}: لا أحد يطلق له صفة خالق، أو لا خالق على هذه الصّفة إلّا هو.
5- {الْغَرُورُ}: الشّيطان. ويقرأ {الغرور} أي: الأباطيل، جمع غار ك قاعد وقعود.
10- {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}: التوحيد والعمل الصالح يرفعه، أي: يرتفع الكلم الطّيّب بالعمل الصالح، أو العمل الصالح يرفعه الكلم الطّيّب إذ لا يقبل العمل إلّا من موحد.
11- {وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ}: أي: من عمر آخر غير الأول كقولك: عندي درهم ونصفه، بل لا يمتنع أن يزيد اللّه في العمر أو ينقصه. كما روي أنّ صلة الرحم تزيد في العمر. على أنّ الأحوال مستقرة في سابق العلم.
13- {قِطْمِيرٍ}: لفافة النّواة، والنّقير: النقرة التي في ظهرها، والفتيل: الذي في وسطها.
14- {يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}: بعبادتكم إياهم.
27- {جُدَدٌ}: طرائق، جمع جدّة ك مدة ومدد.
والمقتصد: المتوسط في الطاعة، والسّابق: أهل الدرجة القصوى منها، والظالم: مرتكب الصغيرة، كقوله في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ} فكان لهؤلاء الجنّة.
قال عمر رضي اللّه عنه: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.
45- {عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}: لأنّها خلقت للنّاس. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة فاطر:
عدد 43- 35.
نزلت بمكة بعد سورة الفرقان.
وهي خمس وأربعون آية.
وتسعمائة وسبعون كلمة.
وثلاثة آلاف ومائة وثلاثون حرفا.
وتسمى سورة الملائكة.
وقد ذكرنا في أول سورة الفاتحة المارة ما يتعلق بأولها.
ومثلها في عدد الآي سورة ق.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} المحمود بكل مكان، المعبود في كل زمان، حمد نفسه بنفسه، جلت عظمة ذاته وقسمه تكريما لقدره، وتعليما لعباده، كي يمجّدوا خالقهم ورازقهم ومانحهم نعمه {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} بفتقها بعضها عن بعض، لأن الفاطر معناه الشاق وأصل الفطر الشق طولا، تقول فطره أي شقه قال تعالى: {أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما} الآية 20 من سورة الأنبياء في ج 2 راجع تفسيرها لأنها من معجزات القرآن والأمور الغيبية.
ثم تجوز فيه لكل شق، والمعنى أنه موجد خلقهما والعوالم التي فيهما لكونهما من الممكن، والأصل في كل ممكن العدم ليشير إليه قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} الآية من آخر سورة القصص الآتية، ونظيرتها الآية 37 من سورة الرحمن في ج 3 من حيث المعنى وقوله صلى اللّه عليه وسلم «ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن»، وقد صرح بذلك فلاسفة الإسلام بقولهم:
الممكن في نفسه ليس ** وهو عن علته ايس

فذلك الإله الذي ابتدعها على غير مثال سابق، وشقها بعضها عن بعض، هو المستحق وحده للحمد.
قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى فاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما إني فطرتها أي ابتدأتها بالشق يعني هو الذي حفرها أولا وهو أحق بها.
وهو كذلك شرعا إذا كانت الأرض التي فيها غير مملوكة للغير وإلا فلا {جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا} منه إلى أنبيائه يبلغونهم أوامره ونواهيه وغيرها بالوحي والتكليم، أما الإلهام والرؤيا الصادقة اللذان من جملة أقسام الوحي فليسا بواسطة الرسل- راجع بحث الوحي والإرهاص والفرق بين الوحي والإلهام في المقدمة.

.مطلب جواز إضمار الموصول ولا مجال في طلب الرزق:

وقرئ فطر وجعل ماضيين، على إضمار اسم الموصول على مذهب الكوفيين، وأجازه الأخفش وذهب إليه ابن مالك، وحجتهم قال تعالى: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} الآية 46 من سورة العنكبوت في ج 2 أي والذي أنزل إليكم وقول حسان:
أمن يهجو رسول اللّه منكم ** وينصره ويمدحه سواء

أي ومن ينصره ومن يمدحه، ومثله قول الآخر:
ما الذي دأبه احتياط وعزم ** وهواه أطاع يستويان

أي الذي هواه أطاع.
ولم يجز البصريون حذف الموصول الاسمي البتة، وان ابن مالك اشترط لجوازه أن يكون معطوفا على موصول آخر موجود، كما هو في الآية والبيتين وما نحن فيه ليس كذلك، لعدم وجود هذا الشرط في هذه الآية، تدبّر.
ثم وصف اللّه تعالى ملائكته هؤلاء بكونهم {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى} اثنين اثنين {وَثُلاثَ} ثلاثة ثلاثة {وَرُباعَ} أربعة أربعة.
واعلم أن العدد هنا ليس للتقييد، فالآية على حد قوله تعالى {فمنهم من يمشي على رجلين} الآية 49 من سورة النور في ج 3 لأن من الملائكة من له ستمائة جناح كما روى عن جبريل عليه السلام، ويوجد في الحيوانات من لها سبع وسبعون رجلا، ولكن العمدة على أربع.
هذا، واعلم أنه لا يستنبط من هذا أن من الملائكة من له تسع أجنحة، وإن كان يجوز وجوده، وعليه فلا يصح الجمع هنا بين الأصناف الثلاثة ويجزم يكون ملكا له تسعة أجنحة على رأي من ضم هذه الأعداد بعضها لبعض في سورة النساء الآية 3 في ح 3، إذ لا يصح أن يجمع أحد بين تسع نسوة، راجع تفسيرها هناك تجد ما يقنعك على أن اللغة العربية تأبى الجمع في مثل هذا، تأمل قدرة القادر فإنه {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} لم يتقيد بعدد ونوع مخصوص أو جنس من أجناس الخلق كله من حسن وقبيح، وهذه الزيادة تتفاوت في الخلق والخلق والصوت والملاحة في العين والأنف والوجه وخفة الروح وجعودة الشعر وفلج الأسنان وطلاقة الوجه وبشاشته وحلاوة المنطق والطول وأضداد ذلك، وفي الصنعة من خياطة وصياغة وحياكة وتجارة وحجامة ونجارة وغيرها، وفي الصفة في الدين والفقر والغنى والمال والعلم والجهل والعقل، وغيرها من كل شيء، لأن الآية عامة تشمل الأوصاف الحسية والمعنوية {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وهذا تعليل بطريق التحقيق للحكم المذكور، أي أن شمول قدرته تعالى بجميع الأشياء مما يوجب قدرته جل شأنه على الزيادة في الخلق كله قال تعالى: {ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} رزق وصحة وولد ومطر وغيره من جميع ما يشمله معنى الرحمة {فَلا مُمْسِكَ لَها} من أحد ما البتة {وَما يُمْسِكْ} من تلك الرحمة الشاملة {فَلا مُرْسِلَ لَهُ} أبدا إذ لا يستطيع أحد إمساك ما يرسل كما لا يقدر أن يرسل ما يمسك {مِنْ بَعْدِهِ} كيف يجرؤ أحد أو يقدر على شيء من ذلك {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على كل أحد وعمله {الْحَكِيمُ} الذي لا يعمل إلا ما تقتضيه حكمته من إعطاء ومنع ووضع ورفع، روى مسلم عن المغيرة بن شعبة «أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
والجد هنا الغنى والبخت أي الحظ، فلا ينفع الغني والمبخوت حظه وغناه، لأنها منك، وإنما ينفعه الإخلاص والعمل بطاعتك.
انظر رعاك اللّه ما أدعى هذه الآية إلى الانقطاع إلى اللّه تعالى، والإعراض عما سواه والإجمال في طلب الرزق اتباعا لأمر الرسول فيه القائل: أجملوا في طلب الدنيا فإن كلا ميسر لما كتب له منها.
فإذا علم هذا وكان من المؤمنين مال إلى إراحة نفسه وسكون باله عن التخيلات الموجبة للتهويش وسهر الليالي.
أخرج ابن المنذر عن عامر ابن عبد قيس قال: أربع آيات من كتاب اللّه إذا قرأتهن فما أبالي ما أصبح عليه وأمسي: هذه الآية، وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} الآية 108 من سورة يونس، وقال تعالى: {ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها} الآية 7 من سورة هود في ج 2، وقال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} الآية 8 من سورة الطلاق في ج 2.
هذا، وبعد أن بين اللّه تعالى بأنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإطلاق كيفما يشاء أمر أهل مكة قوم نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم بشكر نعمه التي من جملتها اختصاصهم به، فقال: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} التي من جملتها تشريفكم بنبي منكم وجعلكم من أمته، وأسكنكم حرمه، وأمنكم بمنع غارات الناس عليكم، فأنتم محميّون بحمايته ويتخطف الناس من حولكم فانظروا وتفكروا {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} غيثا ونباتا لكم ولأنعامكم.
وهذا استفهام إنكاري لإنكار التصديق وإنكار الحكم، وهو جائز كما في المطول وحواشيه، أما قول الرضي بأن هل لا تستعمل للإنكار فإنه يريد الإنكار على مدعي الوقوع كما في قال تعالى: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ} الآية 40 من سورة الإسراء الآتية، والمعنى هل خالق مغاير له تعالى موجود لكم أو لغيركم؟ كلا، لا خالق سواه البتة {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} 3 أي من أين يأتيكم البهت والافتراء والاختلاق بإنكار البعث والتوحيد مع أن اللّه يأمركم بهما ومع اعترافكم بأنه خالقكم ورازقكم، فكيف يتوقع منكم التكذيب والإنكار، وما سبب صدوره منكم؟ قال تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} يا سيد الرسل فلا يهمنك شأنهم ولا يكن تكذيبهم عليك غمّة {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} من قبل أقوامهم وفي هذه الآية تعزية لحضرة الرسول بقومه وتسلية بمن قبله من الأنبياء الكثيرين الذين كذبتهم أقوامهم وأهينوا وقوتلوا مثله، فله أسوة بهم، وفي قال تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} 4 تهديد للكفار، لأن اللّه تعالى يقول لا تعبأ بهم فمصيرهم إلينا وإنا سنجازي المكذب منهم بما يستحقه.
وفيها نعي لكفار قريش بعدم تلقيهم آيات اللّه بالقبول {يا أَيُّهَا النَّاسُ} ثقوا وتيقنوا {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ثابت واقع لا محالة لا يجوز تخلفه، وهذا الوعد هو الملمع إليه بجملة: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} بزخارفها وطول الأمل فيها والصحة في الأبدان وكثرة الأرزاق والأمن {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ} من حيث أنه غفور رحيم رءوف كريم عطوف لطيف مما يمليه عليكم {الْغَرُورُ} 5 من النفس والجن والإنس، فكلها تغركم وكل مبالغ في العزة والأنفة فهو غرور، وأغر كل غرور هو الشيطان الذي يستولي على قلوبكم بوسوسته، لغفلتكم عن ذكر اللّه في أعمالكم وأقوالكم، فاحذروا خداعه ومكره، ولا تلتفتوا إلى إغوائه وإغرائه، ولا تركنوا إلى الدنيا التي يزيّنها لكم.
ثم صرح بذلك الغرور فقال: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} قديم تأصلت عداوته فيكم، فلا تكاد تزول حتى يزول هو وليس بزائل إلا عند الأجل الذي ضربه اللّه له، ولستم بمدركيه لأن موعده النفخة الأولى التي لا يحضرها إلّا شرار الناس، فاهجروه رحمكم اللّه وقوا أنفسكم من عذاب اللّه، وإذا أردتم التغلب عليه {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} مبين العداوة واعفوه في كل ما يوسوس به إليكم، لأنه لا يأمر بخير، وعليكم بطاعة ربكم الموجه لفوزكم في الدنيا والآخرة، لأن الشيطان عليه اللعنة {إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ} أشياعه وأنصاره الذين يصغون لوساوسه {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ} معه جزاء عصيانه وعداوته المتتابعة من لدن أبيكم آدم عليه السلام وهذا تنبيه على أن غاية غرضه من دعوة إتباعه إلى اتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا، لتوريطهم باقتراف المعاصي فيستحقون معه التخليد في العذاب في تلك النار المسعرة، فالذين يوافقونه ويجيبون دعوته هم {الَّذِينَ كَفَرُوا} باللّه ورسوله وكتابه وهؤلاء {لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} لا يطيقه البشر، راجع الآية 33 من سورة لقمان في ج 2 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} فيخالفون المغرور وأعوانه ويلجئون إلى ربهم ليعصمهم منهم ويحفظهم من دسائسهم فأولئك {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} 7 على إيمانهم الصادق وأعمالهم الصالحة، وقد زادهم اللّه على المغفرة الأجر، لأنهم زادوا على إيمانهم أعمالا صالحة فهم المؤمنون حقا المستحقون لكرم اللّه وإيفاء وعده بما لهم من الكرامة.
وهو وعد حقّ ثابت.
هذا ما يئول إليه حال المؤمن، أما ما يئول إليه حال الكفرة كأبي جهل وأضرابه الذين هم على شاكلته إلى يوم القيامة، الذين يستحلون دماء المؤمنين وأموالهم ويهينونهم فهم المعنيون بقال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} بسبب التزيين وقد حذف الخبر وهو كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح أي ما هما متساويان لدلالة الكلام عليه واقتضاء النظم إياه ونظير هذه الآية من جهة عدم حذف الخبر قال تعالى: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} الآية 65 من سورة محمد ونظيرتها الآية 113 من آل عمران، ومثلها من سورة الرعد في ج 3، وقال تعالى: {أَ وَمَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ} الآية 123 من سورة الأنعام في ج 2 وغيرها هذا، وإن شأن هذا الكافر المزين له سوء عمله وهو أبو جهل على قول بعض المفسرين بأن هذه الآية نزلت فيه، وهي بعمومها تشمل كل من هو على شاكلته شأن المغلوب على عقله الحائر في أمره مسلوب التمييز، الذي يأتمر برشد ولا يطيع المرشد، وهو أحد الأصناف الثلاثة.
والثاني رجل ترد عليه الأمور فيسدّها برأيه، والثالث رجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي، وكأن أبو نواس أشار إلى الأول بقوله:
اسقني حتى تراني ** حسنا عند القبيح

وذلك نهاية في الضلال {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ} حتى يكون كذلك فتحق عليه الكلمة فيدخل فيهم {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} فيريه الأمور على حقائقها الحسن حسنا فيتبعه والقبيح قبيحا فيتجنبه فيوفق إلى ما وعده اللّه من المغفرة والأجر فيدخل الجنة.