فصل: قال ابن عجيبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حكي- أنه كان سبب خروج إبراهيم بن أدهم عن أهله وماله وجاهه ورياسته وكان من أبناء الملوك أنه خرج يومًا يصطاد فأثار ثعلبًا ثم أرنبًا فبينما هو في طلبه إذ هتف به هاتف ألهذا خلقت أم بهذا أمرت ثم هتف به من قربوس سرجه والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت فنزل عن مركوبه وصادف راعيًا لأبيه فأخذ جبة الراعي من صوف فلبسها وأعطاه فرسه وما معه ثم دخل البادية وكان من شأنه ما كان.
وحكي- أن الشيخ أبا الفوارس شاهين بن شجاع الكرماني رضي الله عنه خرج للصيد وهو ملك كرمان فأمعن في الطلب حتى وقع في برية مقفرة وحده فإذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا إليه سلم عليه وقال له: يا شاه ما هذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك إنما أعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة إلى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه إذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيها إلى الشاه فشربه فقال: ما شربت شيئًا الذّ منه ولا أبرد ولا أعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب: هذه الدنيا وكلها الله إلى خدمتي فما احتجت إلى شيء إلا أحضرته إليّ حين يخطر ببالي أما بلغك أن الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها: يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب وكان منه ما كان فهذان الملكان بالكسر صارا ملكين بالفتح بقدرة الله تعالى فجاء في حقهما يزيد في الخلق ما يشاء والله الموفق.
{مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ}.
ما شرطية في محل النصب بيفتح.
والفتح في الأصل إزالة الاغلاق وفي العرف الظفر ولما كان سببًا للإرسال والاطلاق استعير له بقرينة لا مرسل له مكان الفاتح.
وفي الإرشاد عبر عن إرسالها بالفتح إيذانًا بأنها أنفس الخزائن وأعزها منالًا وتنكيرها للإشاعة والإبهام أي: أي شيء يفتح الله من خزائن رحمته أية رحمة كانت من نعمة وصحة وعلم وحكمة إلى غير ذلك.
{فَلا مُمْسِكَ لَهَا} أي: لا أحد من المخلوقات يقدر على إمساكها وحبسها فإنه لا مانع لما أعطاه.
قيل: الفتح ضربان: فتح الهي وهو النصرة بالوصول إلى العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة فذلك قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (الفتح: 1) وقوله: {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} (المائدة: 52) والثاني فتح دنيوي وهو النصرة في الوصول إلى اللذات البدنية وذلك قوله: {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} وقوله: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأرض} (الأعراف: 96) {وَمَا يُمْسِكْ} أي: أي شيء يمسكه ويحبسه ويمنعه {فَلا مُرْسِلَ لَهُ} أي: لا أحد من الموجودات يقدر على إرساله وإعطائه فإنه لا معطي لما منعه.
واختلاف الضمير بالتذكير والتأنيث لما أن مرجع الأول مفسر بالرحمة ومرجع الثاني مطلق في كل ما يمسكه من رحمته وغضبه.
ففي التفسير الأول وتقييده بالرحمة إيذان بأن رحمته سبقت غضبه أي: في التعلق وإلا فهما صفتانتعالى لا تسبق إحداهما الأخرى في ذاتهما {مِّنا بَعْدِهِ} على تقدير المضاف أي: من بعد إمساكه ومنعه كقوله: {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ} أي: من بعد هداية الله {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك فلا أحد ينازعه {الْحَكِيمُ} الذي يفعل ما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان النبي عليه السلام يقول في دبر الصلاة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» وهو بالفتح الحظ والإقبال في الدنيا أي: لا ينفع الفتى المحظوظ حظه منك أي: بدل طاعتك وإنما ينفع العمل والطاعة.
وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعًا «لا تزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برّهم فاجرهم ويعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا نزع الله يده عنهم».
فعلى العاقل أن يجتهد حتى يأتي رزقه الصوري والمعنوي بلا جهد ومشقة وتعب.
روي- عن الشيخ أبي يعقوب البصري رضي الله عنه أنه قال جعت مرة في الحرم عشرة أيام فوجدت ضعفًا فحدثتني نفسي أن أخرج إلى الوادي لعلي أجد شيئًا يسكن به ضعفي فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فأخذتها فإذا برجل جاء فجلس بين يديّ ووضع قمطرة وقال هذه لك فقلت كيف خصصتني بها؟ فقال: اعلم إنا كنا في البحر منذ عشرة أيام فأشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذرًا إن خلصنا الله أن يتصدق بشيء ونذرت أنا إن خلصني الله أن أتصدق بهذه على أول من يقع عليه بصري من المجاورين وأنت أول من لقيته قلت: افتحها ففتحها فإذا فيها كعك ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضة من ذا وقلت: ردّ الباقي إلى صبيانك هدية مني إليهم وقد قبلتها ثم قلت في نفسي رزقك يسير إليك منذ عشرة أيام وأنت تطلبه في الوادي.
اللهم افتح لنا خير الباب وارزقنا مما رزقت أولى الألباب إنك مفتح الأبواب.
{يا أَيُّهَا النَّاسُ}.
عامة فاللام للجنس أو يا أهل مكة خاصة فاللام للعهد {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} نعمه رسمت بالتاء في أحد عشر موضعًا من القرآن ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب أي: إنعامه عليكم إن جعلت النعمة مصدرًا وكائنة عليكم إن جعلت اسمًا أي: راعوها واحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وتخصيص العبادة والطاعة بمعطيها سواء كانت نعمة خارجة كالمال والجاه أو نعمة بدنية كالصحة والقوة أو نعمة نفسية كالعقل والفطنة ولما كان ذكر النعمة مؤديًا إلى ذكر المنعم قال بطريق الاستفهام الإنكاري {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} أي: هل خالق مغاير له تعالى موجود أي: لا خالق سواه على أن خالق مبتدأ محذوف الخبر زيدت عليه من تأكيدا للعموم وغير الله نعت له باعتبار محله كما أنه نعت له في قراءة الجر باعتبار لفظه.
قال في الأسئلة المقحمة: أي: حجة فيها على المعتزلة الجواب أنه تعالى أخبر بأن لا خالق غيره وهم يقولون: نحن نخلق أفعالنا وقوله من صلة وذلك يقتضي غاية النفي والانتفاء {يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأرض} أي: المطر من السماء والنبات من الأرض وهو كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب ولا مساغ لكونه صفة أخرى لخالق لأن معناه نفي وجود خالق موصوف بوصفي المغايرة والرازقية معًا من غير تعرق لنفي وجود ما اتصف به المغايرة فقط ولا لكونه خبرًا للمبتدأ لأن معناه نفي رازقية خالق مغاير له من غير تعرض لنفي وجوده رأسًا مع أنه المراد حتمًا وفائدة هذا التعريف أنه إذا عرف أنه لا رازق غيره لم يعلق قلبه بأحد في طلب شيء ولا يتذلل للإنفاق لمخلوق وكما لا يرى رزقه من مخلوق لا يراه من نفسه أيضًا فيتخلص من ظلمات تدبيره واحتياله وتوهم شيء من أمثاله وأشكاله ويستريح بشهود تقديره.
قال شيخي وسندي روّح الله روحه من بعض تعليقاته يا مهمومًا بنفسه كنت من كنت لو ألقيتها إلينا وأسقطت تدبيرها وتركت تدبيرك لها واكتفيت بتدبيرنا لها من غير منازعة في تدبيرنا لها لاسترحت جعلنا الله وإياكم هكذا بفضله آمين {لا إله إِلا هُوَ} وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية {فَأَنَّى} فمن أي: وجه {تُؤْفَكُونَ} تصرفون عن التوحيد إلى الشرك وعن عبادته إلى عبادة الأوثان فالفاء لترتيب إنكار عدولهم عن الحق إلى الباطل على ما قبلها.
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} أي: وإن استمر المشركون على أن يكذبوك يا محمد فيما بلغت إليهم فلا تحزن واصبر {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} أولوا شأن خطير وذووا عدد كثير {مِّن قَبْلِكَ} فصبروا وظفروا {وَإِلَى اللَّهِ} لا إلى غيره {تُرْجَعُ الأمُورُ} من الرجع وهو الرد أي: ترد إليه عواقبها فيجازي كل صابر على صبره وكل مكذب على تكذيبه.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلّم وأولياء أمته وتسهيل الصبر على الأذية إذا علم أن الأنبياء عليهم السلام استقبلهم مثل ما استقبله وأنهم لما صبروا كفاهم علم أنه يكفيه بسلوك سبيلهم والاقتداء بهم وليعلم أرباب القلوب أن حالهم مع الأجانب من هذه الطريقة كأحوال الأنبياء مع السفهاء من أممهم وأنهم لا يقبلون منهم إلا القليل من أهل الإرادة وقد كان أهل الحقائق أبدًا منهم في مقاساة الأذية ولا يتخلصون إلا بستر حالهم عنهم والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من القراء المتقشفين والعلماء الذين هم لهذه الأصول منكرون وإقرار المقرين وإنكار المنكرين ليس يرجع إليهم بل يرجع إلى تقدير عليم حكيم يعلم المبدأ والمعاد ويدبر على وفق إرادته الأحوال.
فعلى العاقل أن يختار طريق العشق والإقرار وإن كان فيه الأذى والملامة ويجتنب عن طريق النفي والإنكار وإن كان فيه الراحة والسلامة فإن ذرة من العشق خير للعاشقين من كثير من أعمال العابدين.
وطريق العشق هو التوحيد وإثبات الهوية بالتفريد كما قال: {لا إله إِلا هُوَ} وهو كناية عن موجود غائب والغائب عن الحواس الموجود في الأزل هو الله تعالى وهو ذكر كل من المبتدى والمنتهى أما المبتدي ففي حقه غيبة لأنه من أهل الحجاب وأما المنتهى ففي حقه حضور لأنه من أهل الكشف فلا يشاهد إلا الهوية المطلقة وهو مركب في الحس من حرفين وهما: هـ و وفي العقل من حرفين أيضًا وهما اى فكانت حروفه في الحس والعقل أربعة لتدل على الإحاطة التربيعية التي هي إحاطة هو الأول: والآخر والظاهر والباطن ولما كانت الأولية والآخروية اعتبارين عقليين دل عليهما بالألف والياء ولما كانت الظاهرية والباطنية اعتبارين حسيين دل عليهما بالهاء والواو فألف هو غيب في هائه وياؤه غيب في واوه.
واعلم أن الذكر خير من الجهاد فإن ثواب الغزو والشهادة في سبيل الله حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال: «أنا جليس من ذكرني» وشهود الحق أفضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وشرط الذكر الحضور بالقلب والروح وجميع القوى. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}.
بِسْمِ الله الرحمن الرحيم.
قلت: {أولِي}: اسم جمع، كذُو، وهو بدل من {رسلًا}، أو نعت له، و{مثْنَى وثُلاثَ ورُباع}: نعوت لأجنحة، وهو غير منصرف؛ لأنه معدول عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وهو باعتبار الأشخاص، أي: منهم مَن له اثنان، ومنهم مَن له ثلاثة، هذا ظاهر الكشاف.
يقول الحق جلّ جلاله: {الحمدُ لله}، حمد نفسه؛ تعليمًا وتعظيمًا، {فاطرِ السماواتِ والأرض} مبديهما ومبدعهما. قال ابن عباس رضي الله عنه: ما كنت أدري معنى فاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي: ابتدأتها. قال البيضاوي: من الفطر، بمعنى الشق، كأنه شق العدم بإخراجهما منه. قلت: وكأنه شق النور الكثيف من النور اللطيف، فنور السموات والأرض من نوره الأزلي، وسره الخفي.
{جاعلِ الملائكةِ رسلًا} إلى عباده، أي: وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده، فيُبلغون إليهم رسالاته بالوحي، والإلهام، والرؤيا الصادقة.
{أُولي أجنحةٍ} متعددة {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع} أي: منهم ملائكة لهم اثنان؛ لكل واحد جناحان، ومنهم مَن له ثلاثة، ومنهم مَن له أربعة، بتفاوت ما لهم من المراتب، ينزلون بها، ويعرجون، أو: يُسرعون نحو ما وكلهم الله عليه، يتصرفون فيه على ما أمرهم به، ولعله تعالى لم يرد الحصر ونفى ما زاد عليها، لِمَا رُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة المعراج، وله ستمائة جناح. وَرُويَ أنه طلب منه أن يريه صورته التي خلقه اللهُ عليها، فلما رآه كذلك خرّ مغشِيًا عليه. وقال: ما كنت أرى شيئًا من الخلق هكذا. فقال له: لو رأيت إسرافيل، إِنَّ له لاثني عشر جناحًا بالمشرق، واثني عشر جناحًا بالمغرب، وإنَّ العرش لعلى كاهله، وإنه ليتضاءل لعظمة الله تعالى. اهـ.
{يَزيدُ في الخلق ما يشاء} أي: يزيد في خَلْق الأجنحة وغيره ما يريد. وقيل: هو الوجه الحسن، والشَعْر الحسن، والصوت الحسن، والحظّ الحسن. والملاحة في العينين. والآية مطلقة تتناول كلَّ زيادة في الخلق، من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوة في البطش، وحصافة العقل، وجزالة في الرأي، وفصاحة في اللسان، وحُسن خلق في المعاشرة، ومحبة في قلوب المؤمنين وغير ذلك.
{إِن الله على كل شيءٍ قدير} فيقدر على ما يشاء، من زيادةٍ في الخلق، ونقصان فيها، على حسب المشيئة السابقة.
الإشارة: الحمدُ في القرآن وقع على أربعة أقسام: حمد مطلق، وهو الواقع على عظمة ذاته، من غير أن يكون في مقابلة شيء، وهو قوله: {قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]، {الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 75] وحمدٌ وقع في مقابلة تنزيه ذاته عن النقائص، وهو قوله: {وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] الآية. وحمدٌ وقع في مقابلة نعمة الإيجاد، وهو قوله: {الْحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام: 1]، وحمدٌ وقع في مقابلة نعمة الإمداد الحسي، كقوله: {الحمد لله رب العالمين}، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاواتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الجاثية: 36]، فإن التربية تقتضي وصول ما يحتاج إليه المربّي، أو الإمداد المعنوي، وهو إمداد القلوب والأرواح بالهداية، وهو قوله: {الْحَمْدُ للهِ الذي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] {الْحَمْدُ للهِ الذي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43] فهذه أربعة: حمد مطلق، أو مقيد بشأن التنزيه، أو بنعمة الإيجاد، أو الإمداد، وما وقع هنا في إظهار تجلياته، من أرضه وسماواته، ولطائف ملائكته، فإن ذلك كله من نور جبروته.
وقوله تعالى: {يَزِيدُ في الخلق ما يشاء} قال القشيري: يقال: هو الفهم عن الله، أو السخاء والجود، أو: الرضا بالتقدير، أو: علو الهمة، أو: التواضع في الشرف، أو: العفة في الفقر، أو: الظَرفُ أي: الظرافة في الشمائل، أو: أن يكون مُحَببًا في القلوب، أو: خفة الروح، أو: تحرُّر القلب عن رِقِّ الحرمان أي بالوقوف مع الأكوان أو: ألا يطْلُب لنفسه منزلةً في الدارين أي: بأن يكون عبد الله حقيقة. اهـ. ملخصًا.
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}.
الحق جلّ جلاله: {ما يَفْتَح اللهُ للناسِ من رحمة} أي: ما يطلق ويرسل من رحمة، كنعمة، ومطر، وأمن، وعافية، ورزق، وعلم، ومعرفة، ونبوة، وغيرها، {فلا مُمسِكَ لها} فلا أحد يقدر على إمساكها وردها، واستعير الفتح للإطلاق؛ لأنه مسبب عنه. ونكّر الرحمة للإشاعة والإبهام، كأنه قال: من أيّ رحمة كانت، فتشمل نعمة الدفع والجلب، كدفع المحن وجلب المنن. والاعترافُ بالمنعم من تمام النعمة، والأمران مدرجان في الفتح والإمساك، {وما يُمْسِكْ} أي: يمنع ويحبس من ذلك {فلا مُرسل له} فلا مُطلق له {من بعده} من بعد إمساكه. وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمِّن معنى الشرط على معنى الرحمة، وذكّره؛ حملًا على لفظ المرجوع إليه؛ إذ لا تأنيث فيه؛ لأن الأول فسّر بالرحمة، فحسن اتباع الضمير التفسير، ولم يفسر الثاني فتُرك على أصل التذكير.
وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعًا: «لا تزال يدُ الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفُقْ خيارُهم بشرارهم، ويُعظّمْ بَرُّهُم فاجرَهم، وتعِنْ قراؤهم أمراءهم على معصية الله. فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم» قال ابن عرفة: يُؤخذ من قوله تعالى: {وما يُمسك} أن العدم السابق الإضافي متعلق للقدرة، وجعله بعض الأصوليين متعلقًا للإرادة أيضًا، وذلك لأن المصحح للتعلُّق الإمكان. اهـ.