فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفرع عليه: {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.
وفرع على هذا قوله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} أي فلا تفعل ذلك، أي لا ينبغي لك ذلك فإنهم أوقعوا أنفسهم في تلك الحالة بتزيين الشيطان لهم ورؤيتهم ذلك حسنًا وهو من فعل أنفسهم فلماذا تتحسر عليهم.
وهذا الخبر مما دلت عليه المقابلة في قوله: {الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير} [فاطر: 7] فقد دل ذلك على أن الكفر سوء وأن الإِيمان حسن، فيكون من زين له سوء عمله هو الكافر، ويكون ضده هو المؤمن، ونظير هذا التركيب قوله تعالى: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار} في سورة الزمر (19)، وتقدم عند قوله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} في سورة الرعد (33).
والتزيين: تحسين ما ليس بحسن بعضه أو كله.
وقد صرح هنا بضده في قوله: {سوء عمله}، أي صورت لهم أعمالهم السيِئة بصورة حسنة ليُقْدِموا عليها بشرَه وتقدم في أوائل سورة النمل.
وجملة {فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} مفرّعة، وهي تقرير للتسلية وتأييس من اهتداء من لم يخلق الله فيه أسباب الاهتداء إلى الحق من صحيح النظر وإنصاف المجادلة.
وإسناد الإِضلال والهداية إلى الله إسناد بواسطة أنه خالق أسباب الضلال والاهتداء، وذلك من تصرفه تعالى بالخلق وهو سر من الحكمة عظيم لا يدرك غوره وله أصول وضوابط سأبينها في رسالة القضاء والقدر إن شاء الله تعالى.
وجملة {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} مفرعة على المفرع على جملة {أفمن زين له سوء عمله} الخ فتؤول إلى التفريع على الجملتين فيئول إلى أن يكون النظم هكذا: أفتتحسر على من زُيّن لهم سوء أعمالهم فرأوها حسناتتٍ واختاروا لأنفسهم طريق الضلال فإن الله أضلهم باختيارهم وهو قد تصرف بمشيئته فهو أضلهم وهدى غيرهم بمشيئته وإرادته التي شاء بها إيجاد الموجودات لا بأمره ورضاه الذي دعا به الناس إلى الرشاد، فلا تذهبْ نفسك عليهم حسرات وإنما حسرتهم على أنفسهم إذ رضوا لها باتباع الشيطان ونبذوا اتباع إرشاد الله كما دلّ على ذلك قوله: {إن الله عليم بما يصنعون} تسجيلًا عليهم أنهم ورطوا أنفسهم فيما أوقعوها فيه بصنعهم.
فالله أرشدهم بإرسال رسوله ليهديهم إلى ما يرضيه، والله أضلهم بتكوين نفوسهم نافرة عن الهدى تكوينًا متسلسلًا من كائنات جمّة لا يحيط بها إلا علمه وكلها من مظاهر حكمته ولو شاء لجعل سلاسل الكائنات على غير هذا النظام فلهَدَى الناس جميعًا، وكلّهم ميسّر بتيْسيره إلى ما يعلم منهم فعدل عن النظم المألوف إلى هذا النظم العجيب.
وصيغ بالاستفهام الإِنكاري والنهي التثبيتي، ونظير هذه الآية في هذا الأسلوب قوله تعالى: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار} في سورة الزمر (19)، فإن أصل نظمها: أفمن حق عليه كلمة العذاب أنت تنقذه من النار، أفأنت تنقذ الذين في النار.
إلا أن هذه الآية زادت بالاعتراض وكان المفرع الأخير فيها نهيًا والأخرى عَريت عن الاعتراض وكان المفرع الأخير فيها استفهامًا إنكاريًا.
والنهي موجه إلى نفس الرسول أن تذهب حسرات على الضالّين ولم يوجه إليه بأن يقال: فلا تذهب عليهم حسرات، والرسول ونفسه متحدان فتوجيه النهي إلى نفسه دون أن يقال فلا تذهب عليهم حسرات للإِشارة إلى أن الذهاب مستعار إلى التلف والانعدام كما يقال: طارت نفسه شعاعًا، ومثله في كلامهم كثير كقول الأعرابي من شعراء الحماسة:
أقول للنفس تأْساءٍ وتعْزية ** إحدى يديّ أصابتْني ولم تُرِد

لتحصل فائدة توزيع النهي والخطاب على شيئين في ظاهر الأمر فهو تكرير الخطاب والنهي لكليهما.
وهي طريقة التجريد المعدود في المحسنات، وفائدة التكرير الموجب تقرير الجملة في النفس.
وقد تقدم قريب من هذا عند قوله تعالى: {وما يخادعون إلا أنفسهم} في سورة البقرة (9).
والحسرة تقدمت في قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} من سورة مريم (39).
وانتصب {حسرات} على المفعول لأجله، أي لا تَتْلِفْ نفسك لأجل الحسرة عليهم، وهو كقوله: {لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين} [الشعراء: 3]، وقوله: {وابيضت عيناه من الحزن} [يوسف: 84] أي من حُزن نفسه لا من حزن العينين.
وجُمعت الحسرات مع أن اسم الجنس صالح للدلالة على تكرار الأفراد قصدًا للتنبيه على إرادة أفراد كثيرة من جنس الحسرة لأن تلف النفس يكون عند تعاقب الحسرات الواحدة تلوَ الأخرى لدوام المتحسّر منه فكل تحسر يترك حزازة وكمدًا في النفس حتى يبلغ إلى الحد الذي لا تطيقه النفس فينفطر له القلب فإنه قد علم في الطب أن الموت من شدة الألم كالضرب المبرح وقطع الأعضاء سببه اختلال حركة القلب من توارد الآلام عليه.
وقرأ الجمهور {فلا تذهب نفسك} بفتح الفوقية والهاء ورفع {نفسك} على أنه نهي لنفسه وهو كناية ظاهرة عن نهيه.
وقرأه أبو جعفر بضم الفوقية وكسر الهاء ونصب {نفسَك} على أنه نهي الرسول أن يذهب نفسَه.
وقد اشتملت هذه الآية على فاآت أربع كلها للسببية والتفريع وهي التي بلغ بها نظم الآية إلى هذا الإِيجاز البالغ حد الإِعجاز وفي اجتماعها محسن جمع النظائر.
وجملة {إن الله عليم بما يصنعون} تصلح لإفادة التصبر والتحلم، أي أن الله عليم بصنعهم في المخالفة عن أمره فكما أنه لحلمه لم يعجل بمؤاخذتهم فكن أنت مؤتسيًا بالله ومتخلقًا بما تستطيعه من صفاته وفي ضمن هذا كناية عن عدم إفلاتهم من العذاب على سوء عملهم، وليس في هذه الجملة معنى التعليل لِجملة {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} لأن كَمَد نفس الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لأجل تأخير عقابهم ولكن لأجل عدم اهتدائهم.
وتأكيد الخبر ب {إنَّ} إما تمثيل لحال الرسول صلى الله عليه وسلم بحال من أغفله التحسر عليهم عن التأمل في إمهال الله إياهم فأكد له الخبر ب {إن الله عليم بما يصنعون}، وإمّا لجعل التأكيد لمجرد الاهتمام بالخبر لتكون {إنّ} مغنية غناء فاء التفريع فتتمخض الجملة لتقرير التسلية والتعريض بالجزاء عن ذلك.
وعبر ب {يصنعون} دون: يعملون، للإِشارة إلى أنهم يدبرون مكائد للنبيء صلى الله عليه وسلم وللمسلمين فيكون هذا الكلام إيذانًا بوجود باعث آخر على النزع عن الحسرة عليهم.
وعن ابن عباس: أن المراد به أبو جهل وحزبه. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}.
الألف واللام في {الحمد} لاستغراق الجنس على أتم عموم، لأن {الحمد} بالإطلاق على الأفعال الشريفة والكمال هو لله تعالى والشكر مستغرق فيه لأنه فصل من فصوله، و{فاطر} معناه خالق لكن يزيد في المعنى الانفراد بالابتداء لخلقها، ومنه قول الأعرابي المتخاصم في البئر عند ابن عباس: أنا فرطتها، أراد بدأت حفرها. قتال ابن عباس ما كنت أفهم معنى {فاطر} حتى سمعت قول الأعرابي، وقرأ الجمهور {الحمد لله فطر} وقرأ جمهور الناس {جاعلِ} بالخفض، وفرأت فرقة {جاعلُ} بالرفع على قطع الصفة، وقرأ خليد بن نشيط {جعل} على صيغة الماضي {الملائكة} نصبًا، فأما على هذه القراءة الأخيرة فنصب قوله: {رسلًا} على المفعول الثاني، وأما على القراءتين المتقدمتين فقيل أراد ب {جاعل} الاستقبال لأن القضاء في الأزل وحذف التنوين تخفيفًا وعمل عمل المستقبل في {رسلًا}، وقالت فرقة {جاعل} بمعنى المضي و{رسلًا} نصب بإضمار فعل، و{رسلًا} معناه بالوحي وغير ذلك من أوامره، فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل رسل، والملائكة المتعاقبون رسل، والمسددون لحكام العدل رسل وغير ذلك، وقرأ الحسن {رسْلًا} بسكون السين، و{أولي} جمع واحده ذو، تقول ذو نهية والقوم أولو نهي، وروي عن الحسن أنه قال في تفسير قول مريم {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} [مريم: 18] قال علمت مريم أن التقي ذو نهية، وقوله: {مثنى وثلاث ورباع} ألفاظ معدولة من اثنين وثلاثة وأربعة عدلت في حال التنكير فتعرفت بالعدل، فهي لا تنصرف للعدل والتعريف، وقيل للعدل والصفة، وفائدة العدل الدلالة على التكرار لأن {مثنى} بمنزلة قولك اثنين اثنين، وقال قتادة: إن أنواع الملائكة هي هكذا منها ما له جناحان، ومنها ما له ثلاثة، ومنها ما له أربعة، ويشذ منها ما له أكثر من ذلك، وروي أن لجبريل ستمائة جناح منهِا اثنان تبلغ من المشرق إلى المغرب، وقالت فرقة المعنى أن في كل جانب من الملك جناحين، ولبعضهم ثلاثة في كل جانب، ولبعضهم أربعة، وإلا فلو كانت ثلاثة لكل واحد لما اعتدلت في معتاد ما رأيناه نحن من الأجنحة، وقيل بل هي ثلاثة لكل واحد كالحوت والله أعلم بذلك، وقوله تعالى: {يزيد في الخلق ما يشاء} تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب عن الخبر بالملائكة أولي الأجنحة، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله تعالى فإنه يزيد في خلقه ما يشاء، وروي عن الحسن وابن شهاب أنهما قالا المزيد هو حسن لصوت قال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرًا، وقيل الزيادة الخط الحسن، وقال النبي عليه السلام: «الخط الحسن يزيد الحق وضوحًا»، وقال قتادة الزيادة ملاحة العينين.
قال القاضي أبو محمد: وقيل غير هذا وهذه الإشارة إنما ذكرها من ذكرها على جهة المثال لا أن المقصود هي فقط، وإنما مثل بأشياء هي زيادات خارجة عن الغالب الموجود كثيرًا وباقي الآية بين، وقوله: {ما يفتح الله} {ما} شرط، و{يفتح} جزم بالشرط، وقوله: {من رحمة} عام في كل خير يعطيه الله تعالى للعباد جماعتهم وأفذاذهم، وقوله: {من بعده} فيه حذف مضاف أي من بعد إمساكه، ومن هذه الآية سمت الصوفية ما تعطاه من الأموال والمطاعم وغير ذلك الفتوحات، ومنها كان أبو هريرة يقول مطرنا بنوء الفتح، وقرأ الآية، وقوله: {يا أيها الناس} خطاب لقريش وهو متجه لكل كافر، ولاسيما لعباد غير الله، وذكرهم تعالى بنعمة الله عليهم في خلقهم وإيجادهم، ثم استفهمهم على جهة التقرير والتوقيف بقوله: {هل من خالق غير الله} أي فليس إله إلا الخالق لا ما تعبدون أنتم من الأصنام، وقرأ حمزة والكسائي {غيرِ} بالخفض نعتًا على اللفظ وخبر الابتداء {يرزقكم} وهي قراءة أبي جعفر وشقيق وابن وثاب، وقرأ الباقون غير نافع بالرفع، وهي قراءة شيبة بن نصاح وعيسى والحسن بن أبي الحسن، وذلك يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها النعت على الموضع والخبر مضمر تقديره في الوجود أو في العالم وأن يكون {غيرُ} خبر الابتداء الذي هو في المجرور والرفع على الاستثناء، كأنه قال هل خالق إلا الله، فجرت {غير} مجرى الفاعل بعد {إلا}، وقوله: {من السماء} يريد بالمطر ومن {الأرض} يريد بالنبات، وقوله: {فأنى تؤفكون} معناه فلأي وجه تصرفون عن الحق، ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بما سلف من حال الرسل مع الأمم، و{الأمور} تعم جميع الموجودات المخلوقات إلى الله مصير جميع ذلك على اختلاف أحوالها، وفي هذا وعيد للكفار ووعد للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم وعظ عز وجل جميع العالم وحذرهم غرور الدنيا بنعيمها وزخرفها الشاغلة عن المعاد الذي له يقول الإنسان: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] ولا ينفعه ليت يومئذ، وحذر غرور الشيطان، وقوله: {إن وعد الله} عبارة عن جميع خبره عز وجل في خير وتنعم أو عذاب أو عقاب، وقرأ جمهور الناس {الغَرور} بفتح الغين وهو الشيطان قاله ابن عباس، وقرأ سماك العبدي وأبو حيوة {الغُرور} بضم الغين وذلك يحتمل أن يكون جمع غار كجالس وجلوس، ويحتمل أن يكون جمع غر وهو مصدر غره يغره غرًا، ويحتمل أن يكون مصدرًا وإن كان شاذًا في الأفعال المتعدية أن يجيء مصدرها على فعول لكنه قد جاء لزمه لزومًا ونهكه المرض نهوكًا فهذا مثله وكذلك هو مصدر في قوله: {فدلاهما بغرور} [الأعراف: 22].
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)}.
قوله تعالى: {إن الشيطان} الآية، يقوي قراءة من قرأ {الغَرور} بفتح الغين، وقوله: {فاتخذوه عدوًا} أي بالمباينة والمقاطعة والمخالفة له باتباع الشرع، و الحزب الحاشية والصاغية، واللام في قوله: {ليكونوا} لام الصيرورة لأنه لم يدعهم إلى السعير إنما اتفق أن صار أمرهم عن دعائه إلى ذلك، و{السعير} طبقة من طبقات جهنم وهي سبع طبقات، وقوله: {الذين كفروا} في موضع رفع بالابتداء وهذا هو الحسن لعطف {الذين آمنوا} عليه بعد ذلك فهي جملتان تعادلتا، وجوز بعض الناس في {الذين} أن يكون بدلًا من الضمير في {يكونوا} وجوز غيره أن يكون {الذين} في موضع نصب بدلًا من {حزبه} وجوز بعضهم أن يكون في موضع خفض بدلًا من {أصحاب} وهذا كله محتمل، غير أن الابتداء أرجح. وقوله تعالى: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا} توقيف وجوابه محذوف تقديره عنده الكسائي تذهب نفسك حسرات عليهم، ويمكن أن يتقدر كمن اهتدى ونحو هذا من التقدير، وأحسنها ما دل اللفظ بعد عليه، وقرأ طلحة {أمن زين} بغير فاء، وهذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن كفر قومه، ووجب التسليم لله تعالى في إضلال من شاء وهداية من شاء، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن أمرهم وأن لا يبخع نفسه أسفًا عليهم، وقرأ جمهور الناس {فلا تذهَبُ} بفتح التاء والهاء {نفسُك} بالرفع، وقرأ أبو جعفر وقتادة وعيسى والأشهب {تُذهِبَ} بضم التاء وكسر الهاء نفسك بالنصب، ورويت عن نافع، و الحسرة هم النفس على فوات أمر، واستشهد ابن زيد لذلك بقوله تعالى: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 56] ثم توعد تعالى الكفرة بقوله: {إن الله عليم بما يصنعون}. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}.
هذه السورة مكية.
ولما ذكر تعالى في آخر السورة التي قبلها هلاك المشركين أعداء المؤمنين، وأنزلهم منازل العذاب، تعين على المؤمنين حمده تعالى وشكره لنعمائه ووصفه بعظيم آلائه، كما في قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} وقرأ الضحاك والزهري: فطر، جعله فعلًا ماضيًا ونصب ما بعده.
قال أبو الفضل الرازي: فأما على إضمار الذي فيكون نعتًا لله عز وجل، وأما بتقدير قد فيما قبله فيكون بمعنى الحال. انتهى.
وحذف الموصول الاسمي لا يجوز عند البصريين، وأما الحال فيكون حالًا محكية، والأحسن عندي أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي هو فطر، وتقدم شرح {فاطر السموات والأرض}، وأن المعنى خالقها بعد أن لم تكن، والسموات والأرض عبارة عن العالم.
وقال أبو عبد الله الرازي: الحمد يكون في غالب الأمر على النعمة، ونعم الله عاجلة، و{الحمد لله الذين خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} إشارة إلى أن النعمة العاجلة ودليله: {هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلًا} و{الحمد لله الذين أنزل على عبده الكتاب} إشارة إليها أيضًا، وهي الاتقاء، فإن الاتقاء والصلاح بالشرع والكتاب.
والحمد في سورة سبأ إشارة إلى نعمة الإيجاد والحشر، ودليله: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها} منها، وقوله: {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة} وهنا إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة، ودليله: {وتتلقاهم الملائكة} ففاطر السموات والأرض شاقهما لنزول الأرواح من السماء، وخروج الأجساد من الأرض دليله: {جاعل الملائكة رسلًا أولي أجنحة}: أي في ذلك اليوم.