فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ}.
أي أن هؤلاء المشركين إنما يتخذون هذه الآلهة التي يعبدونها من دون اللّه، ليكونوا لهم شفعاء عند اللّه، ولينالوا بهم عزا وجاها، كما يقول سبحانه: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81] ولقد أخطأ هؤلاء المشركون الطريق إلى العزة.. إن العزة للّه جميعا، لا يملك أحد منها شيئا، فمن أراد العزة ولم يلتمسها من اللّه، فلن ينال منها شيء.
وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}. إشارة إلى أن اللّه طيب لا يقبل إلا طيبا، ولا يرد موارد عزّته إلا الطيبون.. والمشركون نجس، وإذن فلا طريق لهم إلى اللّه، ولا شيء لهم من العزة التي هي ملك يمين.
وأنهم إذا أرادوا أن يأخذوا طريقهم إلى اللّه، وإلى العزة التي بين يديه، فليتطهروا من شركهم، وليؤمنوا باللّه، وبغير الإيمان باللّه لن يكون لهم طريق إلى اللّه.. فالكلم الطيب هو كلمة التوحيد: «لا إله إلا اللّه» وقال تعالى: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} إشارة إلى الإيمان باللّه يقيم صاحبه على أول الطريق إلى اللّه، ثم تكون الأعمال الصالحة التي تقوم وراء الإيمان هي التي ترفع صاحبها إلى اللّه، وتدنيه منه.. فإن الإيمان- مجرد الإيمان- دون عمل صالح، هو خير معطل، أشبه بالنبتة الصالحة في الأرض الطيبة، لا يصيبها ماء! فإذا أصابها الماء اهتزت لها الأرض وربت وأنبتت من كل زوج بهي.
«فالعمل الصالح» يزكى الإيمان، وينميه، ويثبت دعائمه، ويرفع بنيانه وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}.
مكر السيئات: تدبيرها، والاحتيال في التمكين لها.
وفي هذا تهديد للمشركين الذي يغرسون في مغارس السوء، ويعملون في مجال الضلال، إنهم لا يجنون من غرسهم هذا إلا أنكد الثمر وأخبثه.. إنه العذاب الشديد في الآخرة، والحسرة والوبال في الدني.
وفي قوله تعالى: {وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ} حكم قاطع على هذا المكر السيّء الذي يمكره المشركون بالنبي وبدعوته، بأنه إلى بوار وضياع، لا ينالون به من الذين يمكرون به، وهو هذا الدين الذين يدعون إليه- لا ينالون منه منالا، بل سيبطل اللّه مكرهم به، ويكتب لهذا الدين الغلب والنصر، ولأهله العزة والتمكين.
قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجًا وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} هو عرض لبعض سلطان اللّه، وقدرته، وأن له سبحانه العزة جميعا.
فهو- سبحانه- بقدرته، خلق الناس من هذا التراب الهامد. فهذا التراب هو الأصل الذي تخلقت منه النطف، التي تخلّق منها الأجنة في بطون الأمهات، ومن الأجنّة كانت المواليد، وكان الناس.
وهذا التراب، الذي يبدو أنه أصل أول في خلق الإنسان، هو في حقيقته، قد مرّ في أطوار كثيرة، حتى صار هذا التراب.. تماما كما مر الإنسان في أطوار الخلق، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة.. إلى آخر ما هنا لك من صور وأطوار في الخلق.
وفي قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجًا} إشارة إلى تنويع خلق الإنسان، فكان منه الذكر والأنثى.. كما يقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} (37- 39: القيامة).
وفي قوله تعالى: {وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} إشارة إلى أن قدرة اللّه سبحانه وتعالى، ليست واقفة عند هذا الحد من خلق هذا الإنسان من تراب، بل إن تلك القدرة قائمة على كل مخلوق، قبل خلقه، وبعد خلقه، وفي كل لحظة من لحظات وجوده وقبل وجوده.. فما تحمل من أنثى من حمل، ولا تضع من مولود، إلا وعلم اللّه قائم عليه، محيط به، ومقدر له العمر الذي يلبسه في هذه الحياة، من طول أو قصر.. فهذا كله في كتاب مبين، كتبه اللّه بعلمه، وأودعه في كتاب مبين، هو اللوح المحفوظ.
والنقص من العمر، ليس نقصا في العمر المقدّر في كتاب اللّه للكائن الحي، وإنما هو نقص بالإضافة إلى من طال عمره.. فالذى قدر له أن يعيش أياما، أو شهورا، أو بضع سنين، إنما يعيش هذا العمر المقدر له في علم اللّه، والمسطور في كتابه، وهذا العمر، هو عمر يبدو ناقصا بالنسبة لمن يعيش عشرات السنين.. أما عمره فلم ينقص منه شىء.. وذلك كله يسير على اللّه، الذي لا يئوده حفظ هذا الوجود!. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا}.
لما قدم في أول السورة الاستدلال بأن الله فطر السماوات والأرض وما في السماوات من أهلها وذلك أعظم دليل على تفرده بالإِلهية ثنّي هنا بالاستدلال بتصريف الأحوال بين السماء والأرض وذلك بإرسال الرياح وتكوين السحاب وإنزال المطر، فهذا عطف على قوله: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1].
وإظهار اسم الجلالة في مقام الإِضمار دون أن يقول وهو الذي أرسل الرياح فيعود الضمير إلى اسم الله من قوله: {إن الله عليم بما يصنعون} [فاطر: 8].
واختير من دلائل الوحدانية دلالة تجمع أسباب المطر ليفضي من ذلك إلى تنظير إحياء الأموات بعد أحوال الفناء بآثار ذلك الصنع العجيب وأن الذي خلق وسائل إحياء الأرض قادر على خلق وسائل إحياء الذين ضمنتهم الأرض على سبيل الإِدماج.
وإذ قد كان القصد من الاستدلال هو وقوع الإِحياء وتقرر وقوعه جيء بفعل الماضي في قوله: {أرسل}.
وأما تغييره إلى المضارع في قوله: {فتثير سحابًا} فلحكاية الحال العجيبة التي تقع فيها إثارة الرياح السحابَ وهي طريقة للبلغاء في الفعل الذي فيه خصوصية بحال تستغرب وتهم السامع.
وهو نظير قول تأبط شرًّا:
بأني قد لَقيت الغول تهوي ** بسَهب كالصحيفة صَحْصَحان

فأَضرِبُها بلا دهش فخرت ** صريعًا لليدين وللجِرَان

فابتدأ بلقيت لإِفادة وقوع ذلك ثم ثنى بأضربها لاستحضار تلك الصورة العجيبة من إقدامه وثباته حتى كأنهم يبصرونه في تلك الحالة.
ولم يؤت بفعل الإِرسال في هذه الآية بصيغة المضارع بخلاف قوله في سورة الروم (48) {الله الذي يرسل الرياح} الآية لأن القصد هنا استدلال بما هو واقع إظهارًا لإِمكان نظيره وأما آية سورة الروم فالمقصود منها الاستدلال على تجديد صنع الله ونعمه.
والقول في الرياح والسحاب تقدم غير مرة أولاها في سورة البقرة.
وفي قوله: {فسقناه} بعد قوله: {الله الذي أرسل الرياح} التفاوت من الغيبة إلى التكلم.
وقوله: {كذلك النشور} سبيله سبيل قوله: {يا أيها الناس إن وعد الله حق} [فاطر: 5] الآيات من إثبات البعث مع تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عنه، إلا أن ما قبله كان مأخوذًا من فحوى الدلالة لما ظهرت في برهان صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من توحيد أخذ من طريق دلالة التقريب لوقوع البعث إذ عسر على عقولهم تصديق إمكان الإِعادة بعد الفناء ليحصل من بارقة صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وبارقة الإِمكان ما يسوق أذهانهم إلى استقامة التصديق بوقوع البعث.
والإِشارة في قوله: {كذلك النشور} إلى المذكور من قوله: {فأحيينا به الأرض}.
والأظهر أن تكون الإِشارة إلى مجموع الحالة المصورة، أي مثل ذلك الصنع المحكم المتقن نصنع صنعًا يكون به النشور بأن يهيّىء الله حوادث سماوية أو أرضية أو مجموعة منهما حتى إذا استقامت آثارها وتهيأت أجسام لقبول أرواحها أمر الله بالنفخة الأولى والثانية فإذا الأجساد قائمة ماثلة نظير أمرِ الله بنفخ الأرواح في الأجنة عند استكمال تهيئها لقبول الأرواح.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم تقريب ذلك بمثل هذا مما رواه أحمد وابن أبي شيبة وقريب منه في صحيح مسلم عن عروة بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل لرسول الله: كيف يُحْيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: «هل مررتَ بوادٍ أُهْلِكَ ممحلًا ثم مررتَ به يهتزُ خَضِرًا؟ قيل: نعم قال: فكذلك يَحيِي الله الموتى وتلك آيته في خلقه» وفي بعض الروايات عن أبي رزين العقيلي أن السائل أبو رزين.
وقرأ الجمهور {الرياح} بصيغة الجمع.
وقرأ حمزة والكسائي {الريح} بالإِفراد، والمعرّف بلام الجنس يستوي فيه المفرد والجمع.
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}.
مضى ذكر غرورين إجمالًا في قوله تعالى: {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} [فاطر: 5]، {ولا يغرنكم بالله الغرور} [فاطر: 5] فأُخذ في تفصيل الغرور الثاني من قوله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو} [فاطر: 6] وما استتبعه من التنبيه على أَحجار كيده وانبعاث سموم مكره والحذرِ من مَصارع متابعته وإبداء الفرق بين الواقِعين في حبائله والمعافَيْن من أدوائه، بدارًا بتفصيل الأهم والأصللِ، وأبقى تفصيل الغرور الأول إلى هنا.
وإذ قد كان أعظم غرور المشركين في شركهم ناشئا عن قبول تعاليم كبرائهم وسادتهم وكان أعظم دواعي القادة إلى تضليل دهمائهم وصنائعهم، هو ما يجدونه من العزة والافتنان بحب الرئاسة فالقادة يجلبون العزة لأنفسهم والأتباعُ يعتزُّون بقوة قادتهم، لا جرم كانت إرادة العزّة مِلاك تكاتف المشركين بعضهم مع بعض، وتألبهم على مناوأة الإِسلام، فوُجّه الخطاب إليهم لكشففِ اغترارهم بطلبهم العزة في الدنيا، فكل مستمسك بحبل الشرك معرضضٍ عن التأمل في دعوة الإِسلام، لا يُمَسِّكُه بذلك إلا إرادة العزة، فلذلك نادى عليهم القرآن بأن من كان ذلك صارفَه عن الدين الحق فليعلم بأن العزة الحق في اتباع الإِسلام وأن ما هم فيه من العزةِ كالعدم.
و{مَن} شرطية، وجعل جوابها {فلله العزة جميعًا}، وليس ثبوت العزة لله بمرتب في الوجود على حصول هذا الشرط فتعين أن ما بعد فاء الجزاء هو علة الجواب أقيمت مُقامه واستُغني بها عن ذكره إيجازًا، وليحصل من استخراجه من مطاوي الكلام تقرُّره في ذهن السامع، والتقديرُ: من كان يريد العذاب فليستجِبْ إلى دعوة الإِسلام ففيها العزة لأن العزة كلها لله تعالى، فأما العزة التي يتشبثون بها فهي كخيط العنكبوت لأنها واهية بالية.
وهذا أسلوب متبع في المقام الذي يراد فيه تنبيه المخاطب على خطأ في زعمه كما في قول الربيع بن زياد العبسي في مقتل مالك بن زهير العبسي:
من كَان مسرورًا بمقتل مالك ** فليأتتِ نسوتنا بوجه نهار

يجد النساء حواسرًا يندبْنَه ** بالليل قبل تبلُّج الإِسفار

أراد أن من سَرَّه مقتل مالك فلا يتمتع بسروره ولا يحسب أنه نال مبتغاه لأنه إن أتى ساحة نسوتنا انقلب سروره غمًّا وحزنًا إذ يجد دلائل أخذ الثأر من قاتِله بادية له، لأن العادة أن القتيل لا يندبه النساء إلا إذا أُخذ ثأره.
هذا ما فسره المرزوقي وهو الذي تلقيتُه عن شيخنا الوزير وفي البيتين تفسير آخر.
وقد يكون بالعكس وهو تثبيت المخاطب على علمه كقوله تعالى: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآتٍ} [العنكبوت: 5].
وقريب من هذا الاستعمال ما يقصد به إظهار الفرق بين من اتصف بمضمون الشرط ومن اتصف بمضمون الجزاء كقول النابغة:
فمن يكن قد قضى من خُلّةٍ وطرًا ** فإنني منككِ ما قضَّيْتُ أوطاري

وقول ضابىء بن الحارث:
ومن يك أمسى بالمدينة رَحله ** فإني وَقَيَّار بها لغريب

وقول الكلابي:
فمن يُكلَم يَغْرَضْ فإني ونَاقتي ** بحَجْرٍ إلى أهل الحِمى غَرِضَان

فتقديم المجرور يفيد قصرًا وهو قصر ادعائي، لعدم الاعتداد بما للمشركين من عزة ضئيلة، أي فالعزة لله لا لهم.
ومنه ما يكون فيه ترتيب الجواب على الشرط في الوقوع، وهو الأصل كقوله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء} [الإسراء: 18] الآية، وقوله: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها} [هود: 15].
و{جميعًا} أفادت الإِحاطة فكانت بمنزلة التأكيد للقصر الادعائي فحصلت ثلاثة مؤكدات؛ فالقصر بمنزلة تأكيدين و{جميعًا} بمنزلة تأكيد.
وهذا قريب من قوله: {أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعًا} [النساء: 139] فإن فيه تأكيدين: تأكيدًا ب إنّ وتأكيدًا ب {جميعًا} لأن تلك الآية نَزَلت في وقت قوة الإِسلام فلم يحتج فيها إلى تقوية التأكيد.
وتقدم الكلام على {جميعًا} عند قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا} في سورة سبأ (40).
وانتصب {جميعًا} على الحال من {العزة} وَكأنه فعيل بمعنى مفعول، أي العزة كلها لله لا يَشذ شيء منها فيثبتُ لغيره، لأن العزة المتعارفة بين الناس كالعدم إذ لا يخلو صاحبها من احتياج ووهن والعزة الحق لله.
وتعريف {العزة} تعريف الجنس.
والعزة: الشرف والحصانة من أن ينال بسوء.
فالمعنى: من كان يريد العزة فانصرف عن دعوة الله إبقاء على ما يخاله لنفسه من عزة فهو مخطىء إذ لا عزة له فهو كمن أراق ماء للمع سراب.
والعزة الحق لله الذي دعاهم على لسان رسوله.
وعزة المولى ينالُ حِزبَه وأولياءَه حظ منها فلو اتبعوا أمر الله فالتحقوا بحزبه صارت لهم عزة الله وهي العزة الدائمة؛ فإن عزة المشركين يعقبها ذلّ الانهزام والقتل والأسر في الدنيا وذلّ الخزي والعذاب في الآخرة، وعزة المؤمنين في تزايد الدنيا ولها درجات كمال في الآخرة.
{العزة جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل}.
كما أتبع تفصيل غرور الشيطان بعواقبه في الآخرة بقوله: {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر: 6] الآية، وبذكر مقابل عواقبه من حال المؤمنين، كذلك أتبع تفصيل غرور الأنفس أهلها بعواقبه وبذكر مقابله أيضًا ليلتقيَ مآلُ الغرورين ومقابلهما في ملْتقىً واحدٍ، ولكن قدم في الأول عاقبة أهل الغرور بالشيطان ثم ذُكرت عاقبة أضدادهم، وعكس في ما هنا لجريان ذكر عزة الله فقدم ما هو المناسب لآثار عزة الله في حزبه وجنده.
وجملة {إليه يصعد الكلم الطيب} مستأنفة استئنافًا ابتدائيًا بمناسبة تفصيل الغرور الذي يوقع فيه.
والمقصود أن أعمال المؤمنين هي التي تنفع ليعلم الناس أن أعمال المشركين سعي باطل.