فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله: {هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله} برفع {غَيْرُ} على الوصف لأن {خالق} مبتدأ خبره محذوف أي لكم.
وبالجر: علي وحمزة على الوصف لفظًا {يَرْزُقُكُمْ} يجوز أن يكون مستأنفًا ويجوز أن يكون صفة ل {خالق} {مِّنَ السماء} بالمطر {والأرض} بأنواع النبات {لآ إله إِلاَّ هُوَ} جملة مفصولة لا محل لها {فأنى تُؤْفَكُونَ} فبأي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك.
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات الله وتكذيبهم بها، وسلى رسوله بأن له في الأنبياء قبله أسوة ولهذا نكر {رُسُل} أي رسل ذوو عدد كبير وأولو آيات ونذر وأهل أعمال طوال وأصحاب صبر وعزم لأنه أسلى له، وتقدير الكلام وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك لأن الجزاء يتعقب الشرط، ولو أجرى على الظاهر يكون سابقًا عليه.
ووضع {فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} موضع فتأس استغناء بالسبب عن المسبب أي بالتذكيب عن التأسي {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} كلام يشتمل على الوعد والوعيد من رجوع الأمور إلى حكمه ومجازاة المكذّب والمكذّب بما يستحقانه، {ترجع} بفتح التاء: شامي وحمزة وعلي ويعقوب وخلف وسهل.
{يأَيُّهَا الناس إِنَّ وَعْدَ الله} بالبعث والجزاء {حَقٌّ} كائن {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا} فلا تخدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} أي الشيطان فإنه يمنِّيكم الأمانيّ الكاذبة ويقول إن الله غني عن عبادتك وعن تكذيبك.
{إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ} ظاهر العداوة فعل بأبيكم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله {فاتخذوه عَدُوًّا} في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجَدنّ منكم إلا ما يدل على معاداته في سركم وجهركم.
ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله: {إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أصحاب السعير}.
ثم كشف الغطاء فبنى الأمر كله على الإيمان وتركه فقال: {الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أي فمن أجابه حين دعاه فله عذاب شديد لأنه صار من حزبه أي أتباعه {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} ولم يجيبوه ولم يصيروا من حزبه بل عادوه {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} لكبر جهادهم.
ولما ذكر الفريقين قال لنبيه عليه السلام {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَنًا} بتزيين الشيطان كمن لم يزين له فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا، فقال: {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} وذكر الزجاج أن المعنى: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة، فحذف الجواب لدلالة {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ} عليه، أو أفمن له سوء عمله كمن هداه الله فحذف لدلالة {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء} عليه.
{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ}: يزيد أي لا تهلكها {حسرات} مفعول له يعني فلا تهلك نفسك للحسرات و{عَلَيْهِمْ} صلة {تَذْهَبْ} كما تقول: هلك عليه حبًا ومات عليه حزنًا.
ولا يجوز أن يتعلق ب {حسرات} لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم {والله الذي أَرْسَلَ الرياح} {الريح}: مكي وحمزة وعلي {فَتُثِيرُ سحابا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} بالتشديد: مدني وحمزة وعلي وحفص، وبالتخفيف: غيرهم.
{فَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر لتقدم ذكره ضمنًا {الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها.
وإنما قيل {فَتُثِيرُ} لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصورة الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها.
لما كان من الدليل على القدرة الباهرة قيل فسقنا وأحيينا معدولًا بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه {كَذَلِكَ النشور} الكاف في محل الرفع أي مثل إحياء الموت نشور الأموات قيل يحيي الله الخلق بما يرسله من تحت العرش كمني الرجال تنبت منه أجساد الخلق.
{مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعًا} أي العزة كلها مختصة، بالله عزة الدنيا وعزة الآخرة وكان الكافرون يتعززون بالأصنام كما قال: {واتخذوا مِن دُونِ الله ءَالِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81].
والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين كما قال: {الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139].
فبين أن لا عزة إلا بالله.
والمعنى فليطلبها عند الله فوضع قوله: {لِلَّهِ العزة جَمِيعًا} موضعه استغناء عنه به لدلالته عليه لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه وماله ونظير قولك: من أراد النصيحة فهي عند الأبرار.
تريد فليطلبها عندهم إلا أنك أقمت مايدل عليه مقامه، وفي الحديث «إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز» ثم عرف أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} ومعنى قوله: {إِلَيْهِ} إلى محل القبول والرضا وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود، أو إلى حيث لا ينفذ فيه إلا حكمه والكلم الطيب كلمات التوحيد أي لا إله إلا الله.
وكان القياس الطيبة ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يذكر ويؤنث.
والعمل الصالح العبادة الخالصة يعني والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب فالرافع الكلم والمرفوع العمل لأنه لا يقبل عمل إلا من موحد.
وقيل: الرافع الله والمرفوع العمل أي العمل الصالح يرفعه الله، وفيه إشارة إلى أن العمل يتوقف على الرفع والكلم الطيب يصعد بنفسه.
وقيل: العمل الصالح يرفع العامل ويشرفه أي من أراد العزة فليعمل عملًا صالحًا فإنه هو الذي يرفع العبد {والذين يَمْكُرُونَ السيئات} هي صفة لمصدر محذوف أي المكرات السيئات لأن مكر فعل غير متعدٍ، لا يقال مكر فلان عمله.
والمراد مكر قريش به عليه السلام حين اجتمعوا في دار الندوة كما قال الله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: 130] الآية {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ} مبتدأ {هُوَ} فصل {يَبُورُ} خبر أي ومكر أولئك الذين مكروا هو خاصة يبور أي يفسد ويبطل دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم جميعًا حقق بهم.
قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله والله خَيْرُ الماكرين} [الأنفال: 30] وقوله: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
{والله خَلَقَكُمْ} أي أباكم {مّن تُرَابٍ ثُمَّ} أنشأكم {مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزواجا} أصنافًا أو ذكرانًا وإناثًا {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} هو في موضع الحال أي معلومة له {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} أي وما يعمر من أحد.
وإنما سماه معمرًا بما هو صائر إليه {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب} يعني اللوح أو صحيفة الإنسان ولا ينقص زيد.
فإن قلت: الإنسان إما معمر أي طويل العمر أو منقوص العمر أي قصيره، فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال فكيف صح قوله: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} قلت: هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة في تأويله بأفهام السامعين واتكالًا على تسديدهم معناه بعقولهم وأنه لا يلتبس عليهم إحالة الطول والقصر في عمر واحد وعليه كلام الناس يقولون: لا يثيب الله عبدًا ولا يعاقبه إلا بحق.
أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي على آخره فذلك نقصان عمره.
وعن قتادة: المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة {إِنَّ ذلك} أي إحصاءه أو زيادة العمر ونقصانه {عَلَى الله يَسِيرٌ} سهل.
{وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا} أي أحدهما {عَذْبٌ فُرَاتٌ} شديد العذوبة.
وقيل: هو الذي يكسر العطش {سَآئِغٌ شَرَابُهُ} مريء سهل الانحدار لعذوبته وبه ينتفع شرّابه {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} شديد الملوحة.
وقيل: هو الذي يحرق بملوحته {وَمِن كُلِّ} ومن كل واحد منهما {تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} وهو السمك {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} وهي اللؤلؤ والمرجان {وَتَرَى الفلك فِيهِ} في كل {مَوَاخِرَ} شواقّ للماء بجريها.
يقال: مخرت السفينة الماء أي شقته وهي جمع ماخرة {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} من فضل الله ولم يجر له ذكر في الآية ولكن فيما قبلها ولو لم يجر لم يشكل لدلالة المعنى عليه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على ما أتاكم من فضله.
ضرب البحرين العذب والملح مثلين للمؤمن والكافر.
ثم قال على سبيل الاستطراد في صفة البحرين وما علّق بهما من نعمته وعطائه، ويحتمل غير طريق الاستطراد وهو أن يشبه الجنسين بالبحرين ثم يفضّل البحر الأجاج على الكافر بأنه قد شارك العذب في منافع من السمك واللؤلؤ وجري الفلك فيه.
والكافر خلو من النفع فهو في طريقة قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذلك فَهِىَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} ثم قال: {وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خشية الله} [البقرة: 74].
{يُولِجُ الليل في النهار وَيُولِجُ النهار في الليل} يدخل من ساعات أحدهما في الآخر حتى يصير الزائد منهما خمس عشرة ساعة والناقص تسعًا {وَسَخَّرَ الشمس والقمر} أي ذلل أضواء صوره لاستواء سيره {كُلٌّ يَجْرِى لأَِجَلٍ مُّسَمًّى} أي يوم القيامة ينقطع جريهما {ذلكم} مبتدأ {الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك} أخبار مترادفة أو {الله رَبُّكُمُ} خبر إن و{لَهُ الملك} جملة مبتدأة واقعة في قران قوله: {والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني الأصنام التي تعبدونها من دون الله يدعون قتيبة {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} هي القشرة الرقيقة الملتفة على النواة {إِن تَدْعُوهُمْ} أي الأصنام {لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ} لأنهم جماد {وَلَوْ سَمِعُواْ} على سبيل الفرض {مَا استجابوا لَكُمْ} لأنهم لا يدّعون ما تدّعون لهم من الإلهية ويتبرءون منها {وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} بإشراككم لهم وعبادتكم إياهم ويقولون ما كنتم إيانا تعبدون {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} ولا ينبئك أيها المفتون بأسباب الغرور كما ينبك الله الخبير بخبايا الأمور، وتحقيقه ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل خبير عالم به يريد أن الخبير بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به، والمعنى أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لأني خبير بما أخبرت به. اهـ.

.قال البيضاوي:

{الحمد للَّهِ فَاطِرِ السموات والأرض} مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه، والإِضافة محضة لأنه بمعنى الماضي.
{جَاعِلِ الملائكة رُسُلًا} وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده، يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإِلهام والرؤيا الصادقة، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه.
{أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مثنى وثلاث ورباع} ذوي أجنحة متعددة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون، أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على أمرهم به، ولعله لم يرد به خصوصية الإِعداد ونفي ما زال عليها، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح {يَزِيدُ في الخلق مَا يَشَاءُ} استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدى حكمته لا أمر تستدعيه ذواتهم، لأن اختلاف الأصناف، والأنواع بالخواص والفصول إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال، والآية متناولة زيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وحصافة العقل وسماحة النفس.
{إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} وتخصيص بعض الأشياء بالتحصيل دون بعض، إنما هو من جهة الإرادة.
{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ} ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب.
{مِن رَّحْمَةِ} كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة.
{فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} يحبسها.
{وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} يطلقه، واختلاف الضميرين لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب، وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه.
{مِن بَعْدِهِ} من بعد إمساكه.
{وَهُوَ العزيز} الغالب على ما يشاء ليس لأحد أن ينازعه فيه.
{الحكيم} لا يفعل إلا بعلم وإتقان. ثم لما بين أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإِطلاق أمر الناس بشكر إنعامه فقال: {يا أيها الناس اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} احفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاعة موليها، ثم أنكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل فيستحق أن يشرك به بقوله: {هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مّنَ السماء والأرض لاَ إله إِلاَّ هُوَ فأنى تُؤْفَكُونَ} فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به، ورفع {غَيْر} للحمل على محل {مِنْ خالق} بأنه وصف أو بدل، فإن الاستفهام بمعنى النفي، أو لأنه فاعل {خالق} وجره حمزة والكسائي حملًا على لفظه، وقد نصب على الاستثناء، و{يَرْزُقُكُمْ} صفة ل {خالق} أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ، وعلى الأخير يكون إطلاق {هَلْ مِنْ خالق} مانعًا من إطلاقه على غير الله.
{وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ} أي فتأس بهم في الصبر على تكذيبهم، فوضع {فَقَدْ كُذّبَتْ} موضعه استغناء بالسبب عن المسبب، وتنكير رسل للتعظيم المقتضي زيادة التسلية والحث على المصابرة.
{وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب.
{يا أيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله} بالحشر والجزاء.
{حَقٌّ} لا خلف فيه.
{فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا} فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها.
{وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإِصرار على المعصية، فإنها وإن أمكنت لكن الذنب بهذا التوقع كتناول السم اعتمادًا على دفع الطبيعة. وقرىء بالضم وهو مصدر أو جمع كقعود.
{إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ} عداوة عامة قديمة.
{فاتخذوه عَدُوًّا} في عقائدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم.
{إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أصحاب السعير} تقرير لعداوته وبيان لغرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى الدنيا.