فصل: قال ابن عجيبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفيه إشارة إلى أن الله تعالى في خلق كل واحد من الخلق سرًا مخصوصًا به وله مع كل واحد شأن آخر فكل مطالب بما حمل كما أن كل بذر ينبت بنبات قد أودع فيه ولا يطالب بنبات بذر آخر لأنه لا يحمل إلا ما حمل عليه كما في التأويلات النجمية.
{وَإِن تَدْعُ} صيغة غائبة أي: ولو دعت، وبالفارسية: واكر بخواند {مُثْقَلَةٌ} أي: نفس أثقلتها الأوزار والمفعول محذوف أي: أحدًا.
قال الراغب: الثقل والخفة متقابلان وكل ما يترجح عما يوزن به أو يقدّر به يقال هو ثقيل وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني أثقله الغرم والوزر انتهى.
فالثقل الإثم سمي به لأنه يثقل صاحبه يوم القيامة ويثبطه عن الثواب في الدنيا {إِلَى حِمْلِهَا} الذي عليها من الذنوب ليحمل بعضها.
قيل في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشيء المحمول على الظهر حمل بالكسر وفي الأثقال المحمولة في الباطن كالولد في البطن حمل بالفتح كما في المفردات {لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ} لم تجب لحمل شيء منه {وَلَوْ} للوصل {كَانَ} أي: المدعو المفهوم من الدعوة وترك ذكره ليشمل كل مدعو {ذَا قُرْبَى} ذا قرابة من الداعي كالأب والأم والولد والأخ ونحو ذلك إذ لكل واحد منهم يومئذٍ شأن يغنيه وحمل يعجزه.
ففي هذا دليل أنه تعالى لا يؤاخذ بالذنب إلا جانيه وأن الاستغاثة بالأقربين غير نافعة لغير المتقين عن ابن عباس رضي الله عنهما يلقى الأب والأم ابنه فيقول يا بني احمل عني بعض ذنوبي فيقول: لا أستطيع حسبي ما عليّ وكذا يتعلق الرجل بزوجته فيقول لها: إني كنت لك زوجًا في الدنيا فيثني عليها خيرًا فيقول قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترين فتقول ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق إني أخاف مثل ما تخوفت.
قال في الإرشاد: هذه الآية نفي للتحمل اختيارًا والأولى نفي له إجبارًا.
والإشارة أن الطاعة نور والعصيان ظلمة فإذا اتصف جوهر الإنسان بصفة النور أو بصفة الظلمة لا تنقل تلك الصفة من جوهره إلى جوهر إنسان آخر أيًا ما كان ألا ترى أن كل أحد عند الصراط يمشي في نوره لا يتجاوز منه إلى غيره شيء وكذا من غيره إليه {إِنَّمَا تُنذِرُ} يا محمد بهذه الإنذارات.
والإنذار الإبلاغ مع التخويف {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} يخافون {رَبِّهِمْ} حال كونهم {بِالْغَيْبِ} غائبين عن عذابه وأحكام الآخرة أو عن الناس في خلواتهم يعني: در خلوتها أثر خشيت برايشان ظاهرت نه در صحبتها فهو حال من الفاعل أو حال كون ذلك العذاب غائبًا عنهم فهو حال من المفعول {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} أي: راعوها كما ينبغي وجعلوها منارًا منصوبًا وعلمًا مرفوعًا.
قال في كشف الأسرار وغاير بين اللفظين لأن أوقات الخشية دائمة وأوقات الصلاة معينة منقضية.
والمعنى إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والفساد وإن كنت نذيرًا للخلق كلهم وخص الخشية والصلاة بالذكر لأنهما أصلا الأعمال الحسنة الظاهرية والباطنية.
أما الصلاة فإنها عماد الدين.
وأما الخشية فإنها شعار اليقين وإنما يخشى المرء بقدر علمه بالله كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (فاطر: 28) فقلب لم يكن عالمًا خاشيًا يكون ميتًا لا يؤثر فيه الإنذار كما قال تعالى: {لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} (يس: 70) ومع هذا جعل تأثير الإنذار مشروطًا بشرط آخر وهو إقامة الصلاة وامارة خشية قلبه بالغيب محافظة الصلاة في الشهادة وفي الحديث «إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» {وَمِنَ تَزَكَّى} تطهر من أوضار الأوزار والمعاصي بالتأثر من هذه الإنذارات وأصلح حاله بفعل الطاعات {فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} لاقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها ويقال: من يعطي الزكاة فإنما ثوابه لنفسه {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أي: الرجوع لا إلى غيره استقلالًا واشتراكًا فيجازيهم على تزكيهم أحسن الجزاء.
واعلم أن ثواب التزكي عن المعاصي هو الجنة ودرجاتها وثواب التزكي عن التعلق بما سوى الله تعالى هو جماله تعالى كما أشار إليه بقوله: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} فمن رجع إلى الله بالاختيار لم يبق له بما دونه قرار، والأصل هو العناية.
وعن إبراهيم المهلب السائح رضي الله عنه قال: بينا أنا أطوف وإذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول بحبك لي ألا رددت عليّ قلبي فقلت: يا جارية من أين تعلمين أنه يحبك قالت بالعناية القديمة جيش في طلبي الجيوش وأنفق الأموال حتى أخرجني من بلاد الشرك وأدخلني في التوحيد وعرفني نفسي بعد جهلي إياها فهل هذا يا إبراهيم إلا لعناية أو محبة؟ قلت: وكيف حبك له؟ قالت: أعظم شيء وأجله قلت: وكيف هو؟ قالت: هو أرق من الشراب وأحلى من الجلاب.
وإنما تتولد معرفة الله من معرفة النفس بعد تزكيتها كما أشار إليه: من عرف نفسه فقد عرف ربه ففي هذا أن الولد يكون أعظم في القدر من الوالد فافهم رحمك الله وإياي بعنايته. اهـ.

.قال ابن عجيبة:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}.
يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها الناس أنتم الفقراءُ إِلى الله} في دقائق الأمور وجليلها، في كل لحظة لا يستغني أحد عنه طرفة عين، ولا أقل من ذلك؛ إذ لا قيام للعبد إلا به، فهو مفتقر إلى الله، إيجادًا وإمدادًا. قال البيضاوي: وتعريف الفقراء؛ للمبالغة في فقرهم، كأنهم لشدة افتقارهم، وكثرة احتياجهم، هم الفقراء دون غيرهم، وأن افتقار سائر الخلق بالإضافة إلى فقرهم غير مُعتد به، ولذلك قال: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] قلت: ويمكن أن يكون الحصر باعتبار الحق تعالى، أي: أنتم فقراء دون خالقكم، بدليل وصله بقوله: {والله هو الغنيُّ الحميدُ}.
وقال ذو النون رضي الله عنه: الخلقُ محتاجون إليه في كل نَفَسٍ، وطرفة، ولحظة، وكيف لا ووجودهم به، وبقاؤهم به؟ {والله هو الغنيُّ} عن الأشياء كلها، {الحميدُ} أي: المحمود بكل لسان. ولم يَسمِّهم بالفقر للتحقير، بل للتعظيم؛ لأن العبد إذا أظهر فقره لسيده الغني؛ أغناه عن أشكاله وأمثاله. وذكر {الحيمد} ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خَلْقه، والجواد المنعم عليهم؛ إذ ليس كلّ غنيّ نافعًا بغناه، إلا إذا كان الغنيُّ جوادًا منعمًا، وإذا جاد وأنعم، حمده المُنعَم عليهم.
ولَمَّا ذكر افتقارم إلى نعمة الإيجاد، ذكر افتقارهم إلى نعمة الإمداد، بقوله: {إِن يشأ يُذهبكم} أي: إن يشأ يُفنيكم كلكم، ويردكم إلى العدم؛ فإنَّ غناه بذاته، لا بكم، {ويأتِ بخلقٍ جديدٍ} يكون أطوع منكم، أو بعالَم آخر غير ما تعرفون.
{وما ذلك} أي: الإفناء والإنشاء {على الله بعزيز} بممتنع. وعن ابن عباس: يخلق بعدكم مَن يعبده، لا يشرك به شيئًا. قال القشيري: فقر الخِلْقَة عام لكلِّ أحدٍ، في أول حال وجوده؛ ليُبديه وينْشيه، وفي ثاني حال بقائه؛ ليُديمَه ويُبقيَه. اهـ.
قلت: وإليه أشار في الحِكَم بقوله: نعمتان ما خلا موجود عنهما، ولابد لكل موجود منهما: نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، أنعم أولًا بالإيجاد، وثانيًا بتوالي الإمداد.
الإشارة: الفقر على أربعة أقسام: فقر من الدين، وفقر من اليقين، وفقر من المال، وفقر مما سوى الله. فالأولان مذمومان، وصاحبهما موسوم بالإفلاس والهلع، ومنهما وقع التعوُّذ في الحديث. والثالث: إن صحبه الرضا فممدوح، وفيه وردت الأحاديث النبوية، وإلاَّ فمذموم، ويشمله التعوُّذ في الحديث. الرابع: هو مطلب القاصدين والعارفين، وهو الغيبة عما سوى الله، والغنى بالله، كما قال الشيخ أبو الحسن: أسألك الفقر عما سواك، والغنى بك، حتى لا نشهد إلا إياك وهو ينشأ عن التحقُّق بالفقر ظاهرًا وباطنًا؛ لأن الفقر من وصف العبد، والغنى من وصف الرب، فمَن تحقق بوصفه أمدّه الله بوصفه، تحقق بوصفك يُمدك بوصفه، تحقق بفقرك يمدك بغناه، تحقق بذُلِّك يمدك بعزه.
وقال القشيري: بعد كلام: والفقراءُ على أقسام: فقير إلى الله، وفقير إلى شيء هو من الله؛ معلومٍ ومرسوم. ومَن افتقر إلى شيءٍ استغنى بوجود ذلك الشيء، فالفقير إلى الله هو الغني بالله، فالافتقار إلى الله لا يخلو من الاستغناء بالله. فالفقير إليه مُسْتَغْنٍ به، والمستغنى به فقيرٌ إليه. ومن شرف الفقر اقترانه بالتواضع والخشوع، ومن آفات الغنى امتزاجُه بالتكبُّر. وشَرَفُ العبد وعزه في فقره، وذُلُّه وصغاره في توهمه الغنى، وأنشدوا:
وإذا تذلّلَت الرقابُ تَقَرُّبًا ** منَّا إليكَ فعِزُّها في ذُلِّها

ومن شرط الفقير: ألا يملك شيئًا، ولا يملكه شيء. ومن آداب الفقير الصادق: إظهارُ التكثُّر عند وجود التقتُّر، والشكر على البلوى، والبُعد عن الشكوى. ويقال: الفقر المحمود: العيش مع الله براحة الفراغ على سَرْمَدِ الوقت، من غير استكراه شيء منه بكلِّ وجْهٍ. اهـ. ملخصًا.
قال الورتجبي: فطرة الإنسانية وقعت من الغيب مضطربة متحركة إلى الأزل، بنعت الافتقار إليه، كانجذاب الحديد إلى المغناطيس؛ لأنها وقعت بنعت العشق، والعاشق مفتقر إلى معشوقه، انفعالًا، فمَن عرفه بالأزلية والأبدية يفتقر إليه افتقارًا قطعيًّا؛ لأن بقاءه لا يكون إلا به. وإذا كان كذلك صار غنيًّا بالله، متصفًا بغناه، غنيًّا به عن غيره، مفتقرًا إليه. فإذا كان في محل الصحو يكون مفتقرًا إليه، وإذا كان في محل السكر بقي في رؤية غناه عنه، فصار محجوبًا عنه، ولا يدري. اهـ.
وقال سهل رضي الله عنه: لَمَّا خلق الله الخلقَ حَكَمَ لنفسه بالغِنى، ولهم بالفقر، فمَن ادّعى الغِنى، حُجب عن الله، ومَن أظهر فقره أوصله فَقْرُه إليه. فينبغي للعبد أن يكون مفتقرًا بالسرّ إليه، ومنقطعًا عن الغير إليه، حتى يكون عبوديّته لله محضة، فالعبودية هي الذل والخضوع. اهـ.
وقال الواسطي: مَن استغنى بالله لا يفتقر، ومَن يتعزّز بالله لا يَذل. وقال يحيى بن معاذ: الفقرُ خير للعبد من الغِنى؛ لأن الذلة في الفقر، والكبر في الغِنى، والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بكثرة الأعمال. وقيل: صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء، والفقر إليه في كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء.
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
قلت: {وازرة}: صفة لمحذوف، أي: نفس آثمة. و{إن تدع}: شرط، و{لا يُحمل}: جواب، و لا النافية لا تمنع الجواب من الجزم.
يقول الحق جلّ جلاله: {ولا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أُخرى} أي: ولا تحمل نفس آثمة إثمَ نَفْسٍ أخرى، والوزر والوِقر أخوان، ووزَر الشيء: حمله. والمعنى: أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته، فلا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى، كما تأخذ جبابرةُ الدنيا الظلمةُ الجارَ بجريمة الجار، والقريبَ بالقريب، فذلك ظلم محض. وأما قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] ففي الضالّين المضلّين، فإنهم يحملون أثقال إضلالهم وأثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم، ليس فيها شيء من أوزار غيرهم. ألا ترى كيف كذّبهم الله تعالى في قوله: {اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت: 12].
قال ابن عطية: مَن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة كفعل زياد ونحوه، فإن ذلك، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة، أو مواصلة، أو اطلاع على حاله، أو تقرير له، فهذا قد أخذ من الجُرم بنصيب. وهذا هو المعنى بقوله تعالى: {وليحملن أثقالهم} الآية؛ لأنهم أغروهم، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن سنَّ سُنَّة حسنة» الحديث، فراجعه. قلت: لا يجوز الإقدام على ظلم أحد بمجرد الظن، فالصواب حسم هذا الباب، والتصريح بتحريمه؛ لكثرة جوز الحُكام.
ثم قال تعالى: {وإِن تَدْعُ} نفس {مثقلةً} بالذنب أحدًا {إِلى حِمْلِها} أي: إلى حمل ثِقل ذنوبها، ليتحمل عنها بعض ذلك، {لا يُحْمَل منه شيءٌ ولو كان} المدعو، المفهوم من قوله: {وإِن تدع}، {ذا قُربى} ذا قرابة قريبة، كأب، وولد، وأخ. والفرق بين معنى قوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وبين قوله: {إِن تدع مثقلة إلى حِمْلها لا يُحمل منه شيء} أنَّ الأول دالّ على عدل الله في حكمه، وأنه لا يؤاخذ نفسًا بغير ذنبها، والثاني: في بيان أنه لا غياث يومئذ لمَن استغاث، فمَن أثقلته ذنوبه ثم استغاث بأحد لم يُغثه، وهذا غاية الإنذار.
ثم بيّن مَن ينتفع به بقوله: {إِنما تُنذِرُ الذين يخشون ربهم} أي: إنما ينتفع بإنذارك مَن خشي ربه {بالغيب} أي: يخشون ربهم غائبين عنه، أو: يخشون عذابه غائبًا عنهم، فهو حال، إما من الفاعل أو المفعول المحذوف. أو: يخشون ربهم في حال الغيب، حيث لا اطلاع للغير عليهم، فيتقون الله في السر، كما يتقون في العلانية.
{وأقاموا الصلاةَ} أتقنوها في مواقيتها، {ومَن تزكَّى} أي: تطهّر بفعل الطاعات، وترك المنهيات، {فإِنما يتزكَّى لنفسه} إذ نفعه يعود لها، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم، وإقامتهم الصلاة؛ لأنها من جملة التزكي.
{وإِلى الله المصيرُ} المرجع، فيجازيهم على تزكيتهم، وهو وعد للمتزكِّين بالثواب.
الإشارة: وبال الوزر خاص بصاحبه، إلا إذا كان مقتدى به، فإنَّ عيبه أو نقصه يسري في أصحابه، حتى يطهر منه؛ أن الصحبة صيرت الجسدين واحدًا. وراجع ما تقدّم عند قوله: {واتَّقُوا فِتْنَةً} [الأنفال: 25] الآية. قال القشيري: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} كلٌّ مُطَالَبٌ بعمله، ومحاسبٌ عن ديوانه. ولكلٍّ معه شأن، وله مع كلِّ أحدٍ شأن، ومن العبادات ما تجري فيها النيابة، ولكن في المعارف لا تجري النيابة؛ ولو أن عبدًا عاصيًا منهمكًا في غوايته فاتته صلاةٌ مفروضةٌ، فلو قضى عنه ألفُ وليٍّ، وألفُ صَفِيٍّ، تلك الصلاة الواحدة، عن كل ركعةٍ ألف ركعةٍ لم تُقْبَلْ. اهـ.
وقال في قوله تعالى: {إِنما تُنذر} الخ: الإنذار هو الإعلام بموضع المخافة. والخشيةُ هي المخافة، فمعنى الآية: لا ينتفع بالتخويف إلا صَاحِبُ الخوف طيرُ السماء على إلافها تقع. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} كشفت الآيات السابقة عن وجه الأرباب التي يتعبد لها المشركون، وأنها لا تسمع دعاء، ولو سمعت ما استجابت لداعيها، لأنها لا تملك شيئا.
وفي قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ} دعوة للناس أن يتجهوا بحاجاتهم إلى من يملك كل شىء، ومن بيده الخير كله.. والناس جميعا في حاجة دائمة إلى من يعينهم، ويقضى حوائجهم، وهم يتوسلون إلى هذا بكثير من الوسائل، ومنها عبادة الأصنام، والملائكة والجنّ، والملوك وأصحاب الجاه والسلطان، يبغون بذلك الخير منهم.. وكلهم إنما يتناولون ما بين أيديهم من جاء، أو سلطان، أو مال- من عطاء اللّه.. إنهم فقراء إلى اللّه.
إن حبس عنهم العطاء، كانوا أفقر الفقراء، وأضعف الضعفاء.. وإذن فالناس جميعا- غنيّهم وفقيرهم- فقير إلى اللّه.. {كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} (20: الإسراء) وقال تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} حثّ للناس على الطلب من اللّه، والرغب إليه فيما عنده.. فإنه سبحانه غنىّ، لا تنفذ خزائنه، ولا تنقص بالعطاء أبدا.. {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (32: النساء) فهو سبحانه يستجيب لمن سأله، ويعطيه ما شاء من فضله.. وهو سبحانه حميد أي يحمد لعباده ما يلقون به عطاءه، من حمد وشكر، أيّا كان هذا العطاء، قليلا أو كثير.
إنه فضل من فضل وإحسان من إحسانه.. وإن من لا يشكر على القليل لا يشكر على الكثير.
قال تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أي إن من فقركم إلى اللّه، أيها الناس، هو احتياجكم إليه في حفظ حياتك.