فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير} أي الكافرُ والمؤمنُ {وَلاَ الظلمات وَلاَ النور} أي ولا الباطلُ ولا الحقُّ وجمع الظلمات مع أفرادِ النُّورِ لتعدُّدِ فنونِ الباطلِ واتِّحاد الحقِّ {وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} أي ولا الثَّوابُ ولا العقابُ. وإدخالُ لا على المتقابلينِ لتذكيرِ نفيِ الاستواءِ وتوسيطُها بينهُما للتَّأكيدِ. والحرَرورُ فَعولٌ من الحرِّ غلب على السَّمومِ وقيل: السَّمومُ ما يهبُّ نهارًا والحَرورُ ما يهبُّ ليلًا {وَمَا يَسْتَوِى الاحياء وَلاَ الاموات} تمثيلٌ آخرُ للمؤمنينَ والكافرينَ أبلغُ من الأوَّلِ ولذلك كُرِّر الفعلُ وأُوثر صيغةُ الجمعِ في الطَّرفينِ تحقيقًا للتَّباينَ بين أفرادِ الفريقينِ وقيل: تمثيلٌ للعُلماءِ والجَهَلةِ {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء} أنْ يُسمَعه ويوفِّقه لفهم آياتِه والاتَّعاظِ بعظاتِه {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن في القبور} ترشيحٌ لتمثيل المصرِّينَ على الكُفرِ بالأمواتِ وإشباعٌ في إقناطِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من إيمانِهم.
{إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} ما عليكَ إلا الإنذارُ وأمَّا الإسماعُ ألبتةَ فليس من وظائِفك ولا حليةَ لك إليه في المطبوعِ على قلوبهم {إِنَّا أرسلناك بالحق} أي محقَّين أو محقًّا أنتَ أو إرسالًا مصحُوبًا بالحقِّ ويجوزُ أنْ بتعلَّق بقوله: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي بشيرًا بالوعدِ الحقِّ ونذيرًا بالوعيدِ الحقِّ {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ} أي ما من أمةٍ من الأممِ الدَّارجةِ في الأزمنةِ الماضيةِ {إِلاَّ خَلاَ} أي مَضَى {فِيهَا نَذِيرٌ} من نبيَ أو عالمٍ يُنذرهم. والاكتفاءُ بذكرهِ للعلمِ بأنَّ النَّذارةَ قرينةُ البشارةِ لاسيما وقد اقترنا آنِفًا ولأنَّ الإنذارَ هو الأنسبُ بالمقَامِ {وَإِن يُكَذّبُوكَ} أي تموا على تكذيبكَ فلا تُبالِ بهم وبتكذيِبهم {فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأممِ العاتيةِ {جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي المعجزاتِ الظَّاهرةِ الدَّالةِ على نُبوُّتهم {وبالزبر} كصُحفِ إبراهيمَ {وبالكتاب المنير} كالتَّوارةِ والإنجيلِ والزَّبورِ على إرادةِ التَّفصيلِ دُون الجمعِ وبجوزُ أنْ يُرادَ بهما واحدٌ والعطفُ لتغايرِ العُنوانينِ {ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ} وضعَ الموصولَ موضعَ ضميرِهم لذمِّهم بما في حيِّزِ الصَّلةِ والإشعارِ بعلَّةِ الأخذِ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكارِي بالعقوبة وفيه مزيدُ تشديدٍ وتهويلٍ لها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)}.
عطف على قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِى البحران} [فاطر: 12] والأعمى والبصير مثلان للكافر والمؤمن كما قال قتادة والسدى وغيرهما.
وقيل: هما مثلان للصنم عز وجل فهو من تتمة قوله تعالى: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك} [فاطر: 3 1] والمعنى لا يستوي الله تعالى مع ما عبدتم.
{وَلاَ الظلمات وَلاَ النور} أي ولا الباطل ولا الحق.
{وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} ولا الثواب ولا العقاب، وقيل: ولا الجنة ولا النار، والحرور فعول من الحر وأطلق كما حكى عن الفراء على شدة الحر ليلًا أو نهارًا، وقال أبو البقاء: هو شدة حر الشمس، وفي الكشاف الحرور السموم إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار، وقيل: بالليل.
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}.
تمثيل آخر للمؤمنين الذين دخلوا في الدين بعد البعثة والكافرين الذين أصروا واستكبروا فالتعريف كما قال الطيبي للعهد، وقيل: للعلماء والجهلاء.
والثعالبي جعل الأعمى والبصير مثلين لهما وليس بذاك {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء} أي يسمعه ويجعله مدركاف لللأصوات، وقال الخفاجي: وغيره: ولعل في الآية ما يقتضي أن المراد يسمع من يشاء سماع تدبر وقبول لآياته عز وجل: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن في القبور} ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات واشباع في إقناطه عليه الصلاة والسلام من إيمانهم، والباء مزيدة للتأكيد أي وما أنت مسمع، والمراد بالسماع هنا ما أريد به في سابقه، ولا يأبى إرادة السماع المعروف ما ورد في حديث القليب لأن المراد نفي الإسماع بطريق العادة وما في الحديث من باب {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} [الأنفال: 7 1] وإلى هذا ذهب البعض، وقد مر الكلام في ذلك فلا تغفل.
وما ألطف نظم هذه التمثيلات فقد شبه المؤمن والكافر أولا بالبحرين وفضل البحر الأجاج على الكافر لخلوه من النفع ثم بالأعمى والبصير مستتبعًا بالظلمات والنور والظل والحرور فلم يكتف بفقدان نور البصر حتى ضم إليه فقدان ما يمده من النور الخارجي وقرن إليه نتيجة ذلك العمى والفقدان فكان فيه ترق من التشبيه الأول إليه ثم بالأحياء والأموات ترقيًا ثانيًا وأردف قوله سبحانه: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن في القبور} [فاطر: 22].
وذكر الطيبي أن إخلاء الثاني من لا المؤكدة لأنه كالتهيد لقوله تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [فاطر: 22] ولهذا كرر {وما يستوي} وأما ذكرها في التمثيلين بعده فلأنهما مقصودان في أنفسهما إذ ما فيهما مثلان للحق والباطل وما يؤديان إليه من الثواب والعقاب دون المؤمن والكافر كما في غيرهما، وإنما حملت على أنها زائدة للتأكيد إذ ليس المراد أن الطلمات في نفسها لا تستوي بل تتفاوت فمن ظلمة هي أشد من أخرى مثلًا وكذا يقال فيما بعد بل المراد أن الظلمات لا تساوي النور والظل لا يساوي الحرور والأحياء لا تساوي الأموات.
وزعم ابن عطية أن دخول لا على نية التكرار كأنه قيل: ولا الظلمات والنور ولا النور والظلمات وهكذا فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ودل مذكور الكلام على متروكه، والقول بأنها مزيد لتأكيد النفي يغني عن اعتبار هذا الحذف الذي لا فائدة فيه.
وقال الإمام: كررت لا فيما كررت لتأكيد المنافاة فالظلمات تنافي النور وتضاده والظل والحرور كذلك لأن المراد من الظل عدم الحر والبرد بخلاف الأعمى والبصير فإن الشخص الواحد قد يكون بصيرًا.
ثم يعرض له العمى فلا منافاة إلا من حيث الوصف، وأما الأحياء والأموات فيهما وإن كانا كالأعمى والبصير من حيث أن الجسم الواحد قد يكون حيًا ثم يعرض له الموت لكن المنافاة بين الحي والميت أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير فإنهما قد يشتركان في إدراك أشياء ولا كذلك الحي والميت كيف والميت مخالف الحي في الحقيقة على ما تبين في الحكمة الإلهية، وقيل لم تكرر قبل وكررت بعد لأن المخاطب في أول الكلام لا يقصر في فهم المراد، وقيل كررت فيما عدا الأخير لأنه لو قيل وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات والنور مثلًا لتوهم نفي الاستواء بين مجموع الأعمى والبصير ومجموع الظلمات والنور، وفي الأخير للاعتناء وإدخال {لا} على المتقابلين لتذكير نفي الاستواء، وقدم الأعمى على البصير مع أن البصير أشرف لأنه إشارة إلى الكافر وهو موجود قبل البعثة والدعوة إلى الإيمان، ولنحو هذا قدم الظلمات على النور فإن الباطل كان موجودًا فدمغه الحق ببعثته عليه الصلاة والسلام، ولم يقدم الحرور على الظل ليكون على طرز ما سبق من تقديم غير الأشرف بل قدم الظل رعاية لمناسبته للعمى والظلمة من وجه أو لسبق الرحمة مع ما في ذلك من رعاية الفاصلة.
وقدم الأحياء على الأموات ولم يعكس الأمر ليوافق الأولين في تقديم غير الأشرف لأن الأحياء إشارة إلى المؤمنين بعد الدعوة والأموات إشارة إلى المصرين على الكفر بعدها ولذا قيل بعد {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء} الخ ووجود المصرين بوصف الأصرار بعد وجود المؤمنين، وقيل قدم ما قدم فيما عدا الأخير لأنه عدم وله مرتبة السبق وفي الأخير لأن المراد بالأموات.
فاقدو الحياة بعد الاتصاف بها كما يشعر به إرداف ذلك بقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن في القبور} فيكون للحياة مع أنها وجوديّة رتبة السبق أيضًا، وقيل إن تقديم غير الأشرف مع انفهام أنه غير أشرف على الأشرف للإشارة إلى أن التقديم صورة لا يخل بشرف الأشرف.
فالنار يعلوها الدخان وربما ** يعلو الغبار عمائم الفرسان

وجمع الظلمات مع إفراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق، وقيل لأن الظلمة قد تتعدد فتكون في محال قد تخلل بينهما نور والنور في هذا العالم وإن تعدد إلا أنه يتحد وراء محل تعدده، وجمع الأحياء والأموات على بابه لتعدد المشبه بهما ولم يجمع الأعمى والبصير لذلك لأن القصد إلى الجنس والمفرد أظهر فيه مع أن في البصراء ترك رعاية الفاصلة وهو على الذوق السليم دون البصير، فتدبر جميع ذلك والله تعالى أعلم بأسرار كتابه وهو العليم الخبير.
وقرأ الأشهب والحسن {بِمُسْمِعٍ مَّن} بالإضافة.
{إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر فإن كان المنذر ممن أراد الله تعالى هدايته سمع واهتدى وإن كان ممن أراد سبحانه ضلاله وطبع على قلبه فما عليك منه تبعة.
{إِنَّا أرسلناك بالحق} أي محقين على أنه حال من الفاعل أو محقًا على أنه حال من المفعول أو إرسالًا مصحوبًا بالحق على أنه صفة لمصدر محذوف، وجوز الزمخشري تعلقه بقوله سبحانه: {بَشِيرًا} ومتعلق قوله تعالى: {وَنَذِيرًا} محذوف لدلالة المقابل على مقابله أي بشيرًا بالوعد الحق ونذيرًا بالوعيد الحق.
{وَإِن مّنْ أُمَّةٍ} أي ما من جماعة كثيرة أهل عصر وأمة من الأمم الدارجة في الأزمنة الماضية {إِلاَّ خَلاَ} مضى {فِيهَا نَذِيرٌ} من نبي أو عالم ينذرها، والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قريبة البشارة لاسيما وقد اقترنا آنفًا مع أن الإنذار أنسب بالمقام، وقيل خص النذير بالذكر لأن البشارة لا تكون إلا بالسمع فهو من خصائص الأنبياء عليهم السلام فالبشير نبي أو ناقل عنه بخلاف النذارة فإنها تكون سمعًا وعقلًا فلذا وجه النذير في كل أمة، وفيه بحث.
واستدل بعض الناس بهذه الآية مع قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} [الأنعام: 8 3] على في البهائم وسائر الحيوانات أنبياء أو علماء ينذرون، والاستدلال بذلك باطل لا يكاد ينفي بطلانه على أحد حتى على البهائم، ولم نسمع القول بنبوة فرد من البهائم ونحوها إلا عن الشيخ محيي الدين ومن تابعه قدس الله سره، ورأيت في بعض الكتب أن القول بذلك كفر والعياذ بالله تعالى.
{وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم العاتية فلا تحزن من تكذيب هؤلاء إياك.
{جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} في موضع الحال على ما قال أبو البقاء إما بدون تقدير قد أو بتقديرها أي كذب الذين من قبلهم وقد جاءتهم رسلهم {بالبينات} أي بالمعجزات الظاهرة الدالة على صدقهم فيما يدعون {وبالزبر} كصحف إبراهيم عليه السلام {وبالكتاب المنير} كالتوراة والإنجيل على إرادة التفصيل يعني أن بعضهم جاء بهذا وبعضهم جاء بهذا لا على إرادة الجمع وأن كل رسول جاء بجميع ما ذكر حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب وعدد الرسل أكثر بكثير من عدد الكتب كما هو معروف، ومآل هذا إلى منع الخلو، ويجوز أن يراد بالزبر والكتاب واحد والعطف لتغاير العنوانين لكن فيه بعد.
{ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ} وضع الظاهر موضع ضميرهم لذمهم بما حيز الصلة والإشعار بعلة الأخذ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكاري عليهم بالعقوبة، وفيه مزيد تشديد وتهويل وقد تقدم الكلام في نظير هذا في سبأ (45) فتذكر.
وفي الآية من تسليته صلى الله عليه وسلم ما فيها. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

الإيحاء النفسي.. وأسلوب الدعوة:
قوله تعالى: {وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.
فى هذه الآيات عرض لما بين الأشياء ونقيضها من تفاوت بعيد، واختلاف شديد.. وأن الشيء ونقيضه لا يستويان أبدا.
فالأعمى.. والبصير.. لا يستويان.. هذا أعمى، وذاك مبصر.
والظلمات.. والنور. لا يستويان كذلك. هذه ظلمات، وذاك نور.
والظل.. والحرور.. لا يستويان أيضا.. هذا ظل بارد، وذاك سموم حار.
والأحياء.. والأموات.. على رفى نقيض.. هؤلاء أحياء، وأولئك أموات هامدون.
ويلاحظ هنا أمران:
أولهما: جمع الظلمات، وإفراد النور.
وذلك لأن الظلمات هي ظلال أشباح، داخلة إلى عالم النور، إذ كان العالم كله نورا من نور اللّه، كما يقول سبحانه: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فالعالم كيان واحد من نور، وهذا الظلام الذي يرى في العالم، إنما هو من ظلال تلك الأشباح الكثيفة الداخلة عليك.
ومن جهة أخرى، فإن الذي يعيش في النور، إنما يأخذ طريقا واحدا فيه إلى غايته، أما الذي يعيش في الظلمات، فإنه لا يعرف له طريقا.. بل يتحرك مضطربا على طرق شتى.
وثانيهما: تقديم الظل على الحرور، والأحياء على الأموات.. وكان النظم يقضى بتقديم الحرور على الظل، والأموات، على الأحياء، لتتسق ألوان الصورة كلها، فيكون الأسود المعتم {الأعمى} {والظلمات} {والحرور} {والأموات} في جانب، والأبيض المشرق {البصير} {والنور} {والأحياء} {والظل} في جانب آخر! فما حكمة هذا؟.
نقول- واللّه أعلم- إن الجواب على هذا من وجهين:
أولا: أنالظل هو نعمة، في مقابلة الحرور، وكذلك الحياة نعمة، في مقابلة الموت.
فقدمت هنا نعمتان، على حين قدمت قبلهما آفتان، هما العمى والظلمات.
وفى هذا التوزيع توازن لألوان الصورة، حيث جاءت هكذا:
آفتان تقابلان نعمتين.. العمى والبصر، والظلام والنور.
ونعمتان تقابلان آفتين.. الظل والحرور، والحياة والموت.
وثانيا: أن الأصل في نفى الاستواء- وهو التوازن بين الشيئين- أن يقع أولا على الناقص منهما، فيقدّم المفضول على الفاضل، كما في قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ} (29: الحشر) وقوله سبحانه: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (95: النساء) هذا هو الاستعمال في أصل اللغة، فإذا خرج الاستعمال عن هذا الأصل، كان ذلك لغاية يراد لها.. كما في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (9: الزمر) وذلك حين لا يكون المراد هو تقرير حكم في المفاضلة بين أمرين، وإنما المراد هو الإلفات إلى أن الأمور ليست على وجه واحد، وإنما لكل أمر وجهان.. وجه، وضدّ لهذا الوجه.