فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {وما أنت بمسمع من في القبور} إشارة إلى الذين لم يشأ الله أن يسمعهم إنذارك.
واستعير {من في القبور} للذين لم تنفع فيهم النذر، وعبر عن الأموات ب {من في القبور} لأن من في القبور أعرق في الابتعاد عن بلوغ الأصوات لأن بينهم وبين المنادي حاجز الأرض.
فهذا إطناب أفاد معنى لا يفيده الإِيجاز بأن يقال: وما أنت بمسمع الموتى.
وجيء بصيغة الجمع {الأحياء} و{الأموات} تفننًا في الكلام بعد أن أورد الأعمى والبصير بالإِفراد لأن المفرد والجمع في المعرف بلام الجنس سواء إذا كان اسمًا له أفراد بخلاف النور والظل والحرور، وأما جمع {الظلمات} فقد علمت وجهه آنفًا.
وجملة {إن أنت إلا نذير} أفادت قصرًا إضافيًا بالنسبة إلى معالجة تسميعهم الحقَ، أي أنت نذير للمشابهين مَن في القبور ولسْت بمُدْخِل الإِيمان في قلوبهم، وهذا مسوق مساق المعذرة للنبيء صلى الله عليه وسلم وتسليته إذ كان مهتَمًّا من عدم إيمانهم.
والنذير: المنبىء عن توقع حدوث مكروه أو مؤلم.
والاقتصار على وصفه بالنذير لأن مساق الكلام على المصمِّمين على الكفر.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)}.
استئناف ثناء على النبي صلى الله عليه وسلم وتنويه به وبالإِسلام.
وفيه دفع توهم أن يكون قصره على النذارة قصرًا حقيقًا لتبيّن أن قصره على النذارة بالنسبة للمشركين الذين شابَه حالُهم حالَ أصحاب القبور، أي أن رسالتك تجمع بشارة ونذارة؛ فالبشارة لمن قَبِل الهدى، والنذارة لمن أعرض عنه، وكل ذلك حقّ لأن الجزاء على حسب القبول، فهي رسالة ملابسة للحق ووضع الأشياء مواضعها.
فقوله: {بالحق} إما حال من ضمير المتكلم في {أرسلناك} أي مُحقّين غير لاَعبين، أو من كاف الخطاب، أي مُحِقًّا أنتَ غير كاذب، أو صفةٌ لمصدر محذوف، أي إرسالًا ملابسًا بالحق لا يشوبه شيء من الباطل.
وتقدم نظير هذه الجملة في سورة البقرة.
وقوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} إبطال لاستبعاد المشركين أن يرسل الله إلى الناس بشرًا منهم، فإن تلك الشبهة كانت من أعظم ما صدّهم عن التصديق به، فلذلك أُتبعت دلائل الرسالة بإبطال الشبهة الحاجبة على حدّ قوله تعالى: {قل ما كنت بدعًا من الرسل} [الأحقاف: 9].
وأيضًا في ذلك تسفيه لأحلامهم إذ رضُوا أن يكونوا دون غيرهم من الأمم التي شُرّفت بالرسالة.
ووجه الاقتصار على وصف النذير هنا دون الجمع بينه وبين وصف البشير هو مراعاة العموم الذي في قوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}، فإن من الأمم من لم تحصل لها بشارة لأنها لم يؤمن منها أحد، ففي الحديث: «عُرضت عليّ الأمم فجَعَل النبي يمرّ معه الرهط، والنبي يمرّ معه الرجل الواحد، والنبي يمرّ وحده» الحديث، فإن الأنبياء الذين مرّوا وحدهم هم الأنبياء الذين لم يستجب لهم أحد من قومهم، وقد يكون عدم ذكر وصف البشارة للاكتفاء بذكر قرينة اكتفاء بدلالة ما قبله عليه، وأُوثر وصف النذير بالذكر لأنه أشد مناسبة لمقام خطاب المكذبين.
ومعنى الأمة هنا: الجذم العظيم من أهل نسب ينتهي إلى جدّ واحد جامع لقبائل كثيرة لها مواطن متجاورة مثل أمة الفُرس وأمة الروم وأمة الصين وأمة الهند وأمة اليونان وأمة إسرائيل وأمة العرب وأمة البرْبر؛ فما من أمة من هؤلاء إلا وقد سبق فيها نذير، أي رسول أو نبيء يُنذرهم بالمهلكات وعذاب الآخرة.
فمن المنذِرين من علمناهم، ومنهم من أنذروا وانقرضوا ولم يبق خبرهم قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصُصْ عليك} [غافر: 78].
والحكمة في الإِنذار أن لا يبقى الضلال رائجًا وأن يتخول الله عباده بالدعوة إلى الحق سواء عملوا بها أو لم يعملوا فإنها لا تخلو من أثر صالح فيهم.
وإنما لم يسم القرآن إلا الأنبياء والرسل الذين كانوا في الأمم الساميّة القاطنة في بلاد العرب وما جاورها لأن القرآن حين نزوله ابتدأ بخطاب العرب ولهم علم بهؤلاء الأقوام فقد علموا أخبارهم وشهدوا آثارهم فكان الاعتبار بهم أوقع، ولو ذكرت لهم رسل أمم لا يعرفونهم لكان إخبارهم عنهم مجرد حكاية ولم يكن فيه استدلال واعتبار.
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)}.
أعقب الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم بتسليته على تكذيب قومه وتأنيسه بأن تلك سنة الرسل مع أممهم.
وإذ قد كان سياق الحديث في شأن الأمم جعلت التسلية في هذه الآية بحال الأمم مع رسلهم عكس ما في آية آل عمران (184): {فإن كذبوك فقد كذّب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} لأن سياق آية آل عمران كان في ردّ محاولة أهل الكتاب إفحام الرسول لأن قبلها {الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار} [آل عمران: 183].
وقد خولف أيضًا في هذه الآية أسلوب آية آل عمران إذ قرن كل من {الزبر والكتاب المنير} هنا بالباء، وجُرّدا منها في آية آل عمران وذلك لأن آية آل عمران جرت في سياق زعم اليهود أن لا تقبل معجزة رسول إلا معجزة قُربان تأكله النار، فقيل في التفرد ببهتانهم: قد كُذّبت الرسل الذين جاء الواحد منهم بأصناف المعجزات مثل عيسى عليه السلام ومن معجزاتهم قرابين تأكلها النار فكذبتموهم، فترك إعادة الباء هنالك إشارة إلى أن الرُسل جاءوا بالأنواع الثلاثة.
ولما كان المقام هنا لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ناسب أن يذكر ابتلاء الرسل بتكذيب أممهم على اختلاف أحوال الرسل؛ فمنهم الذين أتَوا بآيات، أي خوارق عادات فقط مثل صالح وهود ولوط، ومنهم من أتوا بالزبر وهي المواعظ التي يؤمر بكتابتها وزَبرها، أي تخطيطها لتكون محفوظة وتردد على الألسن كزبور داود وكتب أصحاب الكتب من أنبياء بني إسرائيل مثل أرمياء وإيلياء، ومنهم من جاءوا بالكتاب المنير، يعني كتاب الشرائع مثل إبراهيم وموسى وعيسى، فذكر الباء مشير إلى توزيع أصناف المعجزات على أصناف الرسل.
فزبور إبراهيم صُحُفه المذكورة في قوله تعالى: {صحف إبراهيم وموسى} [الأعلى: 19].
وزبور موسى كلامه في المواعظ الذي ليس فيه تبليغ عن الله مثل دعائه الذي دعا به في قادش المذكور في الإِصحاح التاسع من سفر التثنية، ووصيته في عَبر الأردن التي في الإِصحاح السابع والعشرين من السفر المذكور، ومثل نشيده الوعظي الذي نطق به وأمر بني إسرائيل بحفظه والترنّم به في الإِصحاح الثاني والثلاثين منه، ومثل الدعاء الذي بارك به أسباط إسرائيل في عَربات مُؤاب في آخر حياته في الإِصحاح الثالث والثلاثين منه.
وزبور عيسى أقواله المأثورة في الأناجيل مما لم يكن منسوبًا إلى الوحي.
فالضمير في {جاءوا} للرسل وهو على التوزيع، أي جاء مجموعهم بهذه الأصناف من الآيات، ولا يلزم أن يجيء كل فرد منهم بجميعها كما يقال بنو فلان قتلوا فلانًا.
وجواب {إن يكذبوك} محذوف دلت عليه علته وهي قوله: {فقد كذبت رسل من قبلك} [فاطر: 4].
والتقدير: إن يكذبوك فلا تحزن، ولا تحسبهم مفلِتين من العقاب على ذلك إذ قد كذب الأقوام الذين جاءتهم رسل من قبل هؤلاء وقد عاقبناهم على تكذيبهم.
فالفاء في قوله: {فقد كذب الذين من قبلهم} فاء فصيحة أو تفريع على المحذوف.
وجملة {جاءتهم} صلة {الذين}، و{من قبلهم} في موضع الحال من اسم الموصول مقدّم عليه أو متعلق ب {جاءتهم}.
و{ثمّ} عاطفة جملة {أخذت} على جملة {جاءتهم} أي ثمّ أخذتهم، وأُظهر {الذين كفروا} في موضع ضمير الغيبة للإِيماء إلى أن أخذهم لأجل ما تضمنته صلة الموصول من أنهم كفروا.
والأخذ مستعار للاستئصال والإِفناء؛ شبه إهلاكهم جزاءً على تكذيبهم بإتلاف المغيرين على عدوّهم يقتلونهم ويغنمون أموالهم فتبقى ديارهم بَلْقَعًا كأنهم أخذوا منها.
و{كيف} استفهام مستعمل في التعجيب من حالهم وهو مفرع بالفاء على {أخذت الذين كفروا}، والمعنى: أخذتهم أخذًا عجيبًا كيف ترون أعجوبته.
وأصل {كيف} أن يستفهم به عن الحال فلما استعمل في التعجيب من حال أخذهم لزم أن يكون حالهم معروفًا، أي يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم وكلّ من بلغتْه أخبارهم فعلى تلك المعرفة المشهورة بني التعجيب.
والنَّكير: اسم لشدة الإِنكار، وهو هنا كناية عن شدة العقاب لأن الإِنكار يستلزم الجزاء على الفعل المنكر بالعقاب.
وحذفت ياء المتكلم تخفيفًا ولرعاية الفواصل في الوقف لأن الفواصل يعتبر فيها الوقت، وتقدم في سبأ. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)}.
هذه آية موعظة وتذكير، والإنسان فقير إلى الله تعالى في دقائق الأمور وجلائلها لا يستغني عنه طرفة عين، وهو به مستغن عن كل واحد، والله تعالى غني عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته غني على الإطلاق، و{الحميد} المحمود بالإطلاق، وقوله تعالى: {بعزيز} أي بممتنع، و{تزر} معناه تحمل، والوزر الثقل، وهذه الآية في الذنوب والآثام والجرائم، قاله قتادة وابن عباس ومجاهد، وسببها أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين اكفروا بمحمد وعلي وزركم، فحكم الله تعالى بأنه لا يحملها أحد عن أحد، ومن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة كفعل زيادة ونحوه فإنما ذلك لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة ومواصلة أو اطلاع على حاله وتقرير لها، فهو قد أخذ من الجرم بنصيب، وهذا هو المعنى في قوله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] لأنهم أغووهم، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة بعده، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده» وأنثت {وازرة} لأنه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك أجريت {مثقلة}، و الحمل ما كان على الظهر في الأجرام، ويستعار للمعاني كالذنوب ونحوها، فيجعل كل محمول متصلًا بالظهر، كما يجعل كل اكتساب منسوبًا إلى اليد، واسم {كان} مضمر تقديره ولو كان الداعي، ثم أخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إنما ينذر أهل الخشية وهم الذي يمنحون العلم، أي إنما ينتفع بالإنذار هم وإلا فلنذارة جميع العالم بعثه، وقوله: {بالغيب} أي وهو بحال غيبة عنهم إنما هي رسالة، ثم خصص من الأعمال إقامة الصلاة تنبيهًا عليها وتشريفًا لها، ثم حض على التزكي بأن رجى عليه غاية الترجية، وقرأ طلحة {ومن أزكى فإنما يزكي} ثم توعد بعد ذلك بقوله: {وإلى الله المصير}.
قال القاضي أبو محمد: وكل عبارة مقصرة عن تبيين فصاحة هذه الآية، وكذلك كتاب الله كله، ولكن يظهر الأمر لنا نحن في مواضع أكثر منه في مواضع بحسب تقصيرنا.
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)}.
مضمن هذه الآية طعن على الكفرة وتمثيل لهم بالعمى والظلمات وتمثيل المؤمنين بآرائهم بالبصراء والأنوار، وقوله: {ولا النور} ودخول {لا} فيها وفيما بعدها إنما هو على نية التكرار كأنه قال: {ولا الظلمات} والنور، {ولا النور} ولا الظلمات، فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ودل مذكور الآية على متروكه، و{الحرور} شدة حر الشمس، وقال رؤبة بن العجاج {الحرور} بالليل والسموم بالنهار، وليس كما قال وإنما الأمر كما حكى الفراء وغيره أن السموم يختص بالنهار و{الحرور} يقال في حر الليل وفي حر النهار، وتأول قوم {الظل} في هذه الآية الجنة، و{الحرور} جهنم، وشبه المؤمنين ب {الأحياء} والكفرة ب {الأموات} من حيث لا يفهمون الذكر ولا يقبلون عليه، ثم رد الأمر إلى مشيئة الله تعالى بقوله: {إن الله يسمع من يشاء}، وقوله: {وما أنت بمسمع من في القبور} تمثيل بما يحسه البشر ويعهده جميعنا من أن الميت الذي في القبر لا يسمع، وأما الأرواح فلا نقول إنها في القبر بل تتضمن الأحاديث أن أرواح المؤمنين في شجر عند العرش وفي قناديل وغير ذلك، وأن أرواح الكفرة في سجين ويجوز في بعض الأحيان أن تكون الأرواح عند القبور فربما سمعت وكذلك أهل قليب بدر إنما سمعت أرواحهم، وكذلك سماع الميت خفق النعال إنما هو برد روحه عليه عند لقاء الملكين.
قال القاضي أبو محمد: فهذه الآية لا تعارض حديث القليب لأن الله تعالى رد على أولئك أرواحهم في القليب ليوبخهم، وهذا على قول عمر وابنه عبد الله وهو الصحيح إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما أنتم بأسمع منهم»، وأما عائشة فمذهبها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمعهم وأنه إنما قصد توبيخ الأحياء من الكفرة، وجعلت هذه الآية أصلًا واحتجت بها، فمثل الله تعالى في هذه الآية الكفرة بالأشخاص التي في القبور، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {بمسمع من} على الإضافة، ثم سلاه بقوله: {إن أنت إلا نذير} أي ليس عليك غير ذلك، والهداية والإضلال إلى الله تعالى و{بشيرًا} معناه بالنعيم الدائم لمن آمن، {ونذيرًا} معناه بالعذاب الأليم لمن كفر، وقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} معناه أن دعوة الله تعالى قد عمت جميع الخلق، وإن كان فيهم من لم تباشره النذارة فهو ممن بلغته لأن آدم بعث إلى بنيه ثم لم تنقطع النذارة إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم، والآيات التي تتضمن أن قريشًا لم يأتهم نذير، معناه نذير مباشر، وما ذكره المتكلمون من فرض أصحاب الفترات ونحوهم فإنما ذلك بالفرض لا أنه توجد أمة لم تعلم أن في الأرض دعوة إلى عبادة الله، ثم سلى نبيه بما سلف من الأمم لأنبيائهم، و{البينات والزبر والكتاب المنير} شيء واحد، لكنه أكد أوصافه بعضها ببعض وذكره بجهاته و{الزبر} من زبرت الكتاب إذا كتبته، ثم توعد قريشًا بذكره أخذ الأمم الكافرة. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)}.
هذه آية موعظة وتذكير، وأن جميع الناس محتاجون إلى إحسان الله تعالى وإنعامه في جميع أحوالهم، لا يستغنى أحد عنه طرفة عين، وهو الغني عن العالم على الإطلاق.
وعرّف الفقراء ليريهم شديد افتقارهم إليه، إذ هم جنس الفقراء، وإن كان العالم بأسره مفتقر إليه، فلضعفهم جعلوا كأنهم جميع هذا الجنس؛ ولو نكر لكان المعنى: أنتم، يعني الفقراء، وقوبل الفقراء بالغني، ووصف بالحميد دلالة على أنه جواد منعم، فهو محمود على ما يسديه من النعم، مستحق للحمد.
ولما ذكر أنه الغني على الإطلاق، ذكر ما يدل على استغنائه عن العالم، وأنه ليس بمحتاج إليهم فقال: {إن يشأ يذهبكم}: أي إن يشأ إذهابكم يذهبكم، وفي هذا وعيد بإهلاكهم.
{وما ذلك}: أي إذهابكم، والإتيان بخلق جديد {بعزيز}، أي بممتنع عليه، إذ هو المتصف بالقدرة التامة، فلا يمتنع عليه شيء مما يريده.
ومعنى: {بخلق جديد}: بدلكم لقوله: {وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم} وعن ابن عباس: يخلق بعدكم من يعبده، لا يشرك به شيئًا.