فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وثانيها: أن المسلمين إنما أورثهم اللّه القرآن الكريم، بعد أن تخيرهم له من بين الناس.. فهم أهله، وأولى الناس به.. ولن يكونوا أهله وأولياءه إلا إذا حفظوه، وعملوا بأحكامه، وتأدبوا بآدابه.. إنه ميراثهم من فضل اللّه، فإذا لم يحسنوا القيام عليه، والرعاية له، أفلت من أيديهم هذا الميراث، كما يفلت الميراث من يد الوارث السفيه.. كما يقول سبحانه: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} (38: محمد).
وثالثها: أن كل مسلم له نصيبه في هذا الميراث، وهو ميراث يسع المسلمين جميعا، فردا فردا، وجماعة جماعة.. وجيلا جيلا.. يسلمه السّلف إلى الخلف.
فهو أمانة في عنق كل إنسان، وهو أمانة في أعناق المسلمين جميعا.. وعلى هذا فإن هذا الميراث لن يضيع أبدا.. إذ لو بقي فرد واحد من المسلمين، لكان هذا الكتاب ميراثا له ولكان أمانة في عنقه، ولكان مطالبا بحمل الأمانة، مطالبا بأدائه.
وقدم الظالم لنفسه، لأن الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي هم الكثرة في المسلمين، ثم جاء بعدهم المقتصدون، وهم أقل منهم عددا، ثم جاء السابقون بالخيرات بإذن ربهم، لأنهم قلة في المسلمين، وصفوة صفوتهم.. وقيل إن هذا الترتيب منظور فيه إلى الأحوال التي تعترى الناس في هذا المقام، وهى ثلاث: معصية، ثم توبة، ثم قربة.. فإذا عصى العبد فهو ظالم، فإذا تاب، فهو مقتصد، فإذا صحت توبته وكثرت مجاهدته، فهو سابق.. وقيل قدم الظالم، لئلا يبئس من رحمة اللّه، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله، فتعيّن توسط المقتصد.
وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ} {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بدل من قال تعالى: {الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}. فالفضل الكبير الذي يتلقاه المؤمنون من ربهم، هو {جنات عدن} أي جنات خلود، لا يخرجون منها أبد.
وقال تعالى: {يَدْخُلُونَها} خبر لجنات أي جنات عدن يدخلها المؤمنون.
وقال تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ}.
هو حال من الفاعل في قوله تعالى: {يَدْخُلُونَها} وهذه الحلىّ التي يلبسها المؤمنون في جنات عدن، هي من بعض ما كانوا يشتهون في دنياهم، أو مما كانوا يتمتعون به، ويجدون المسرّة منه.. فيكون من تمام النعمة عليهم أن ينالوا كلّ شيء كان مشتهى لهم في دنياهم، وقصرت عنه أيديهم، أو كان متعة من متعهم في هذه الدني.
وليس هذا كل نعيم أهل الجنة، بل هو شيء لا يكاد يذكر إلى ما هناك من نعيم لم تره عين، ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر.. ولكنه من شهوات النفس في دنياها، فلا نحرم منه إذا هي نزلت منزل الإحسان المطلق، والنعيم الشامل.. تماما كما يجىء إنسان من أقاصى الريف إلى مدينة كالقاهر.
إن كل ما في نفسه أن ينال شيئا مما كان يراود خياله، ويطرق أمله، كأن يدخل «السينما» أو يجلس في مطعم فيأكل حتى يشبع، أو يلبس بدلة! أو نحو هذا.
إن آماله وهو في عيشه الضيق الضنك، لا تتسع لأكثر من هذ.
ولك في هذا مثل تجده في طوارق الأحلام.. إن كل إنسان يقع له في أحلامه، ما يشتهيه في يقظته، وتقصر عنه يد.
وفى عالم الأحلام متسع لكل شىء.. ومع هذا فإن المحروم من الشيء لا يكاد يحلم إلّا به، وإن كان عند غيره تافها لا يلتفت إليه في يقظة أو منام.. وفي المثل:
«الجوعان يحلم بالرغيف» فمخطىء أولئك الذين يتهمون الإسلام من هذا الجانب، ويحقرون الجنة التي وعد اللّه المتقين بها، ويقولون إنها جنّة حسيّة، تستجيب لشهوات الجسد، أكثر من استجابتها لمطالب الروح.. ثم إنها من جهة أخرى جنّة تافهة، لا تستحق أنه يعمل لها الإنسان في دنياه هذا العمل الشاق الطويل، كى يلبس حريرا، أو يحلّى بذهب أو لؤلؤ، أو يشرب من نهر خمر، أو لبن، أو عسل، أو ينال من لحم طير أو نحوه.. إن ذلك كله موجود في الدنيا، بل هو أقلّ ما يوجد فيها.. هكذا.. يقولون! ويردّ على هذا من وجو.
فأولا: ليس هذا هو كلّ نعيم الجنة التي وعد به المتقون، وإنما هو- كما قلنا- شيء قليل قليل إلى كثير كثير، لا حصر له، مما لم تره عين في هذه الدنيا، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بش.
وثانيا: أن هذا الذي يساق إلى أهل الجنة من نعيم الدنيا، ليس فرضا عليهم، وإلزاما لهم، بل هو استجابة لمطلب كان لهم في الدنيا، وعزّ عليهم الحصول عليه.. وأنه لكى تتم سعادتهم، ولكى يدركوا أن ما فاتهم في دنياهم لم يكن إلا شيئا تافها إلى هذا النعيم الذي أعدّه اللّه لهم- كان وضع هذا المتاع الدنيوي بين أيديهم، إزاء ما في الجنة من نعيم.
وثالثا: ليس هذا النعيم جسديّا، بل إن الرّوح لتجد راحتها وسعادتها في حصولها على ما حرمت منه، ولو كان أمرا ماديا في ذاته.. كما يقع ذلك للروح في عالم الأحلام.. إن ما يقع في الأحلام من أمور تستجيب لرغبة الإنسان، هي مما يسعد نفسه، ويرضى مشاعر.
قال تعالى: {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} بهذا الحمد الخالص المطلق، يستقبل أهل الجنة هذا النعيم الذي هم في.
فهم يحمدون اللّه مع كل نعمة تطلع عليهم من نعيم الجنة التي لا ينقطع نعيمها لحظة.. لقد أذهب اللّه عنهم في هذا المقام الكريم الحزن الذي كان قد وقع في نفوسهم لما فاتهم من متاع الدنيا، ولما ابتلوا به فيها من مصائب وفتن.. ولقد غفر اللّه لهم ما كان منهم من ذنب، وما فعلوه من منكر، وستره عنهم، فلم يروه، حتى لا يسوءهم وجهه، وهم في رضوان اللّه، وفي رحاب فضله وإحسانه، وشكر لهم اللّه القليل من صالح أعمالهم فجزاهم عليه هذا الجزاء العظيم.
قال تعالى: {الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ}.
النّصب: التّعب من العمل والجهد.. واللغوب: الإعياء والفتو.
أي وإنهم ليحمدون اللّه سبحانه، أن أنزلهم هذه الدار الكريمة الطيبة من فضله، والتي لا يتحولون عنها أبدا، والتي لا يمسهم فيها تعب أبدا، ولا ينالهم أدنى عناء أو مشقة.. لأنهم ينالون ما شاءوا من نعيم. وينعمون بما اشتهوا من طيبات، دون أن يبذلوا لذلك جهدا، أو يعملوا له عملا.. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}.
{ثمّ} للترتيب الرتبي كما هو شأنها في عطفها الجمل فهي هنا لعطف الجمل عطفًا ذكريًا، فالمتعاطفات بها بمنزلة المستأنفات، فهذه الجملة كالمستأنفة، و{ثم} للترقي في الاستئناف.
وهذا ارتقاء في التنويه بالقرآن المتضمن التنويه بالرسول صلى الله عليه وسلم وعروج في مسرّته وتبشيره، فبعد أن ذُكِّر بفضيلة كتابه وهو أمر قد تقرر لديه زيد تبشيرًا بدوام كتابه وإيتائه أمة هم المصطَفون من عباد الله تعالى، وتبشيره بأنهم يعملون به ولا يتركونه كما ترك أمم من قبله كتبهم ورسلهم، لقوله: {فمنهم ظالم لنفسه} الآية، فهذه البشارة أهم عند النبي صلى الله عليه وسلم من الإخبار بأن القرآن حق مصدق لما بين يديه، لأن هذه البشارة لم تكن معلومة عنده فوقعها أهمّ.
وحمل الزمخشري {ثم} هنا على التراخي الزمني فاحتاج إلى تكلف في إقامة المعنى.
والمراد ب {الكتاب} الكتاب المعهود وهو الذي سبق ذكره في قوله: {والذي أوحينا إليك من الكتاب} [فاطر: 31] أي القرآن.
و{أورثنا} جعلنا وارثِين.
يقال: ورث، إذا صار إليه مال ميت قريب.
ويستعمل بمعنى الكسب عن غير اكتساب ولا عوض، فيكون معناه: جعلناهم آخذين الكتاب منا، أو نَجعَل الإِيراث مستعملًا في الأمر بالتلقي، أي أمرنا المسلمين بأن يرثوا القرآن، أي يتلقوه من الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الاحتمالين ففي الإِيراث معنى الإِعطاء فيكون فعل {أورثنا} حقيقًا بأن ينصب مفعولين.
وكان مقتضى الظاهر أن يكون أحد المفعولين الذي هو الآخذُ في المعنى هو المفعولَ الأول والآخر ثانيًا، وإنما خولف هنا فقُدِّم المفعول الثاني لأمْننِ اللبس قصدًا للاهتمام بالكتاب المعطى.
وأما التنويه بآخذي الكتاب فقد حصل من الصلة.
والمراد بالذين اصطفاهم الله: المؤمنون كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} إلى قوله: {هو اجتباكم} [الحج: 77، 78].
وقد اختار الله للإِيمان والإِسلام أفضل أمة من الناس، وقد رويت أحاديث كثيرة تؤيد هذا المعنى في مسند أحمد بن حنبل وغيره ذكرها ابن كثير في تفسيره.
ولما أريد تعميم البشارة مع بيان أنهم مراتب فيما بُشروا به جيء بالتفريع في قوله: {فمنهم ظالم لنفسه} إلى آخره، فهو تفصيل لمراتب المصطفَيْن لتشمل البشارة جميع أصنافهم ولا يظن أن الظالم لنفسه محروم منها، فمناط الاصطفاء هو الإِيمان والإِسلام وهو الانقياد بالقول والاستسلام.
وقدم في التفصيل ذكر الظالم لنفسه لدفع توهم حرمانه من الجنة وتعجيلًا لمسرَّته.
والفاء في قوله: {فمنهم ظالم لنفسه} الخ تفصيل لأحوال الذين أورثوا الكتاب أي أعطوا القرآن.
وضمير منهم الأظهر أنه عائد إلى {الذين اصطفينا}، وذلك قول الحسن وعليه فالظالم لنفسه من المصطفَيْن.
وقيل هو عائد إلى {عبادنا} أي ومن عبادنا علمه والإطلاق.
وهو قول ابن عباس وعكرمة وقتادة والضحاك، وعليه فالظالم لنفسه هو الكافر.
ويسري أثر هذا الخلاف في محْمل ضمير {جنات عدن يدخلونها} [فاطر: 33] ولذلك يكون قول الحسن جاريًا على وفاق ما روي عن عمر وعثمان وابن مسعود وأبي الدرداء وعقبة بن عمرو وما هو مروي عن عائشة وهو الراجح.
والظالمون لأنفسهم هم الذين يجرُّون أنفسهم إلى ارتكاب المعصية فإن معصية المرء ربَّه ظلم لنفسه لأنه يورطها في العقوبة المعينة للمعاصي على تفصيلها وذلك ظلم للنفس لأنه اعتداء عليها إذ قصر بها عن شيء من الخيرات قليل أو كثير، وورطها فيما تجد جزاء ذميمًا عليه.
قال تعالى حكاية عن آدم وحواء حين خالفا ما نُهِيا عنه من أكل الشجرة {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: 23] وقال: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا} [النساء: 110] وقال: {إلا من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء فإني غفور رحيم} في سورة النمل (11)، وقال: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إن اللَّه يغفر الذنوب جميعًا} في سورة الزمر (53).
واللام في لنفسه لام التقوية لأن العامل فرع في العمل إذ هو اسم فاعل.
والمقتصد: هو غير الظالم نفسه كما تقتضيه المقابلة، فهم الذين اتقوا الكبار ولم يحرموا أنفسهم من الخيرات المأمور بها وقد يلمون باللمم المعفو عنه من الله، ولم يأتوا بمنتهى القربات الرافعة للدرجات، فالاقتصاد افتعال من القصد وهو ارتكاب القصد وهو الوسط بين طرفين يبينه المقام، فلما ذكر هنا في مقابلة الظالم والسابق عُلم أنه مرتكب حالة بين تينك الحالتين فهو ليس بظالم لنفسه وليس بسابق.
والسابق أصله: الواصل إلى غاية معينة قبلَ غيره من الماشين إليها.
وهو هنا مجاز لإِحراز الفضل لأن السابق يحرز السَبق بفتح الباء، أو مجاز في بذل العناية لنوال رضى الله، وعلى الاعتبارين في المجاز فهو مكنّى عن الإِكثار من الخير لأن السبْق يستلزم إسراع الخطوات، والإِسراع إكثار.
وفي هذا السبق تفاوت أيضًا كخيل الحلبة.
والخيرات: جمع خير على غير قياس، والخير: النافع.
والمراد بها هنا الطاعات لأنها أعمال صالحة نافعة لعاملها وللناس بآثارها.
والباء للظرفية، أي في الخيرات كقوله: {يسارعون في الإِثم والعدوان} [المائدة: 62].
وفي ذكر الخيرات في القسم الآخر دلالة على أنها مرادة في القسمين الأولين فيئول إلى معنى ظالم لنفسه في الخيرات ومقتصد في الخيرات أيضًا، ولك أن تجعل معنى {ظالم لنفسه} أنه ناقصها من الخيرات كقوله: {كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلِم منه شيئًا أي لم تنقص عن معتادها في الإِثمار} في سورة الكهف (33).
والإِذن مستعمل في التيسير على سبيل المجاز، والباء للسببية متعلقة بسابق، وليس المراد به الأمر لأن الله أمر الناس كلهم بفعل الخير سواء منهم من أتى به ومن قصّر به.
ولك أن تجعل الباء للملابسة وتجعلها ظرفًا مستقرًا في موضع الحال من {سابق} أي متلبسًا بإذن الله ويكون الإِذن مصدرًا بمعنى المفعول، أي سابق ملابس لما أذن الله به، أي لم يخالفه.
وعلى الوجه الأول هو تنويه بالسابقين بأن سبقهم كان بعون من الله وتيسير منه.
وفيما رأيتَ من تفسير هذه المراتب الثلاث في الآية المأخوذِ من كلام الأيمة، مع ضميمةٍ لابد منها.
تستغني عن التيه في مهامه أقوال كثيرة في تفسيرها تجاوزت الأربعين قولًا.
والإِشارة في قوله: {ذلك هو الفضل الكبير} إلى الاصطفاء المفهوم من {اصطفينا} أو إلى المذكور من الاصطفاء وإيراث الكتاب.
و{الفضل}: الزيادة في الخير، و{الكبيرُ} مراد به ذو العظم المعنوي وهو الشرف وهو فضل الخروج من الكفر إلى الإِيمان والإِسلام.
وهذا الفضل مراتب في الشرف كما أشار إليه تقسيم أصحابه إلى: ظالم، ومقتصد، وسابق.
وضمير الفصل لتأكيد القصر الحاصل من تعريف الجزأين، وهو حقيقي لأن الفضل الكبير منحصر في المشار إليه بذلك لأن كل فضل هو غير كبير إلا ذلك الفضل.
ووجه هذا الانحصار أن هذا الاصطفاء وإيراث الكتاب جمع فضيلة الدنيا وفضل الآخرة قال تعالى: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97]، وقال: {وعد اللَّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55].
{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)}.
الأظهر أنه بدل اشتمال من قوله: {ذلك هو الفضل الكبير} [فاطر: 32] فإن مما يشتمل عليه الفضل دخولهم الجنة كما علمت وتخصيص هذا الفضل من بين أصنافه لأنه أعظم الفضل لأنه أمارة على رضوان الله عنهم حين إدخالهم الجنة، {ورضوانٌ من الله أكبر} [التوبة: 72].
ويجوز أن يكون استئنافًا بيانيًا لبيان الفضل الكبير وقد بيّن بأعظم أصنافه.
والمعنى واحد.
وضمير الجماعة في {يدخلونها} راجع إلى {الذين اصطفينا} [فاطر: 32] المقسم إلى ثلاثة أقسام: ظالممٍ، ومقتصدٍ، وسابققٍ، أي هؤلاء كلهم يدخلون الجنة لأن المؤمنين كلهم مآلهم الجنة كما دلت عليه الأخبار التي تكاثرت.
وقد روى الترمذي بسند فيه مجهولان عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} [فاطر: 32] قال: «هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة» قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.