فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال البيهقي: إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلًا. اهـ. وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمتي ثلاثة أثلاث: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابًا يسيرًا، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون، ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون: لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله: أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي: التي قال الله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} فجعلهم ثلاثة أفواج فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف، ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حسابًا يسيرًا ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعًا».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث: غريب جدًّا. اهـ.
وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضًا، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد: {فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ} الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة» وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال: قلت لعائشة: أرأيت قول الله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} الآية، قالت: أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة.
وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم.
وأما الظالم لنفسه، فمثلي، ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة: ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ: أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب: أنه كان إذا نزع بهذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} قال: ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.
وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعًا.
وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعًا.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان: أنه نزع بهذه الآية، ثم قال: ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا.
وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله: {فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ} الآية قال: أشهد على الله أنه يدخلهم جميعًا الجنة.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} قال: كلهم ناج، وهي هذه الأمة.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال: هي مثل التي في الواقعة {أصحاب الميمنة}، و{أصحاب المشأمة}.
و{السابقون}: صنفان ناجيان، وصنف هالك.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله: {فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ} قال: هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث: أن ابن عباس سأل كعبًا عن هذه الآية، فقال: نجوا كلهم، ثم قال: تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله: {جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا}، فقال: إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَقَالُواْ الحمد للَّهِ} الآية قال: هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا، وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها {قَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال: حزن النار. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قوله: {فَاطِرِ السماوات}: إنْ جَعَلْتَ إضافتَه مَحْضَةً كان نعتًا لله، وإنْ جَعَلْتَها غيرَ محضةٍ كان بدلًا. وهو قليلٌ من حيث إنه مشتقٌّ. وهذه قراءةُ العامَّةِ: {فاطر} اسمَ فاعلٍ. والزهريُّ والضحَّاك {فَطَر} فعلًا ماضيًا. وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه صلةٌ لموصولٍ محذوفٍ أي: الذي فَطَر، كذا قَدَّره أبو الفضل. ولا يَليق بمذهب البصريين؛ لأنَّ حَذْفَ الموصولِ الاسميِّ لا يجوزُ. وقد تقدَّمَ هذا الخلافُ مُسْتَوْفَى في البقرة. الثاني: أنه حال على إضمار قد قاله أبو الفضل أيضًا. الثالث: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هو فَطَر. وقد حكى الزمخشري قراءةً تؤيِّد ما ذَهَبَ إليه الرازيُّ فقال: وقُرِئَ {الذي فَطَر وجعل} فصَرَّح بالموصولِ.
قوله: {جاعل} العامَّةُ أيضًا على جَرِّه نعتًا أو بدلًا. والحسن بالرفعِ والإِضافةِ، وروي عن أبي عمروٍ كذلك، إلاَّ أنَّه لم يُنَوِّنْ، ونَصَبَ {الملائكة}، وذلك على حَذْفِ التنوينِ لالتقاء الساكنين، كقولِه:
ولا ذاكرَ اللَّهَ إلاَّ قليلًا

وابن يعمر وخليد بن مشيط {جَعَلَ} فعلًا ماضيًا بعد قراءة {فاطر} بالجر، وهذه كقراءةِ {فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل} [الأنعام: 96]. والحسن وحميد {رُسْلًا} بسكونِ السين، وهي لغةُ تميم.
وجاعل يجوز أَنْ يكونَ بمعنى مُصَيِّر أو بمعنى خالق. فعلى الأول يجري الخلاف: هل نَصْبُ الثاني باسم الفاعل، أو بإضمار فعلٍ، هذا إن اعْتُقِد أنَّ جاعلًا غيرُ ماضٍ، أمَّا إذا كان ماضيًا تَعَيَّن أن يَنتصبَ بإضمار فعلٍ. وقد حُقِّق ذلك في الأنعام. وعلى الثاني ينتصِبُ على الحالِ. و{مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} صفةٌ ل {أجنحة}. و{أُوْلي} صفة ل {رُسُلًا}. وقد تقدَّم تحقيقُ الكلامِ في {مَثْنى} وأختيها في سورة النساء مستوفى. قال الشيخ: وقيل: {أُوْلي أجنحة} معترضٌ و{مَثْنَى} حالٌ، والعاملُ فعلٌ محذوفٌ يَدُلُّ عليه {رسلًا} أي: يُرْسَلون مَثْنى وثلاثَ ورباع وهذا لا يُسَمَّى اعتراضًا لوجهين، أحدهما: أنَّ {أُولي} صفةٌ ل {رُسُلًا}، والصفةُ لا يُقال فيها معترضةٌ. والثاني: أنها لَيسَتْ حالًا من {رُسُلًا} بل من محذوفٍ فكيف يكون ما قبلَه معترضًا؟ ولو جعله حالًا من الضمير في {رسلًا} لأنه مشتقٌّ لَسَهُلَ ذلك بعضَ شيءٍ، ويكون الاعتراضُ بالصفةِ مَجازًا، مِنْ حيث إنه فاضلٌ في السورة.
قوله: {يزيدُ} مستأنَفٌ. وما {يَشاء} هو المفعولُ الثاني للزيادة، والأولُ لم يُقْصَدْ، فهو محذوفٌ اقتصارًا، لأنَّ ذِكْرَ قولِه: {في الخَلْق} يُغْني عنه.
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}.
قوله: {مِن رَّحْمَةٍ}: تبيينٌ أو حالٌ مِنْ اسمِ الشرطِ، ولا يكون صفةً ل ما؛ لأنَّ اسمَ الشرط لا يُوْصَفُ. قال الزمخشري: وتنكيرُ الرحمة للإِشاعةِ والإِبهامِ، كأنه قيل: أيَّ رحمةٍ كانت سماويةً أو أرضيَّةً. قالَ الشيخ: والعمومُ مفهومُ من اسمِ الشرطِ و{مِنْ رحمة} بيانٌ لذلك العامِّ من أي صنف هو، وهو مِمَّا اجْتُزِئَ فيه بالنكرة المفردة عن الجمعِ المعرَّفِ المطابِقِ في العمومِ لاسمِ الشرطِ، وتقديرُه: مِنَ الرَّحَمات. و من في موضع الحال. انتهى.
قوله: {وما يُمْسِكْ} يجوز أَنْ يكونَ على عمومه، أي: أيَّ شيءٍ أَمْسَكه، مِنْ رحمةٍ أو غيرِها. فعلى هذا التذكيرُ في قوله: {له} ظاهرٌ؛ لأنه عائدٌ على ما يُمْسِك. ويجوزُ أَنْ يكونَ قد حُذِفَ المبيَّن من الثاني لدلالةِ الأولِ عليه تقديرُه: وما يُمْسِكْ مِنْ رحمةٍ. فعلى هذا التذكيرُ في قولِه: {له} على لفظِ ما وفي قولِه أولًا {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} التأنيثُ فيه حُمِل على معنى ما، لأنَّ المرادَ به الرحمةُ فحُمِل أولًا على المعنى، وفي الثاني على اللفظِ. والفتحُ والإِمساكُ استعارةٌ حسنةٌ.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}.
قوله: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله}: قرأ الأخَوان {غيرِ} بالجر نعتًا ل {خالقٍ} على اللفظِ. و{مِنْ خالق} مبتدأٌ مُزادٌ فيه مِنْ. وفي خبرِه قولان، أحدُهما: هو الجملةُ مِنْ قوله: {يَرْزُقُكم}. والثاني: أنه محذوفٌ تقديرُه: لكم ونحوُه، وفي {يَرْزُقكم} على هذا وجهان، أحدهما: أنَّه صفةٌ أيضًا ل {خالق} فيجوزُ أن يُحْكَمَ على موضعِه بالجرِّ اعتبارًا باللفظ، وبالرفعِ اعتبارًا بالموضع. والثاني: أنه مستأنفٌ.
وقرأ الباقون بالرفع. وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه خبرُ المبتدأ. والثاني: أنه صفةٌ ل {خالق} على الموضعِ. والخبرُ: إمَّا محذوفٌ، وإمَّا {يَرْزُقُكم}. والثالث: أنه مرفوعٌ باسم الفاعل على جهةِ الفاعليةِ؛ لأنَّ اسمَ الفاعلِ قد اعْتَمَدَ على أداةِ الاستفهام. إلاَّ أنَّ الشيخَ تَوَقَّفَ في مثلِ هذا؛ من حيث إنَّ اسم الفاعل وإن اعتمدَ، إلاَّ أنه لم تُحْفَظْ فيه زيادةُ مِنْ قال: فيُحتاج مثلُه إلى سَماعٍ ولا يَظهرُ التوقُّف؛ فإنَّ شروط الزيادةِ والعملِ موجودةٌ. وعلى هذا الوجهِ ف {يَرْزُقُكم}: إمَّا صفةٌ أو مستأنَفٌ. وجَعَل الشيخُ استئنافَه أَوْلَى قال: لانتفاءِ صِدْقِ {خالق} على {غير الله} بخلافِ كونِه صفةً فإنَّ الصفةَ تُقَيِّد، فيكون ثَمَّ خالقٌ غيرُ اللَّهِ لكنه ليس برازق.
وقرأ الفضل بن إبراهيم النَّحْوِيُّ {غيرَ} بالنصبِ على الاستثناء. والخبر {يَرزُقكم} أو محذوفٌ و{يَرْزُقكم} مستأنفٌ، أو صفةٌ. وقوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} مستأنفٌ.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)}.
قوله: {الغرور}: العامَّةُ بالفتح، وهو صفةُ مبالغةٍ كالصَّبورِ والشَّكورِ. وأبو السَّمَّال وأبو حيوةَ بضمِّها: إمَّا جمع غارّ كقاعِد وقُعود، وإمَّا مصدرٌ كالجُلوس.
{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)}.
قوله: {الذين كَفَرُواْ}: يجوزُ رَفْعُه ونصبُه وجَرُّه. فرفعُه مِنْ وجهين، أقواهما: أَنْ يكونَ مبتدًا. والجملةُ بعده خبرُه. والأحسنُ أَنْ يكونَ {لهم} هو الخبرَ، و{عذابٌ} فاعلَه. الثاني: أنه بدلٌ مِنْ واوِ {ليكونوا}. ونصبُه مِنْ أوجهٍ: البدلِ مِنْ {حزبَه}، أو النعتِ له، وإضمارِ فعلِ أَذُمُّ ونحوِه.
وجرُّه مِنْ وجهَين: النعتِ أو البدليةِ من {أصحابِ}. وأحسنُ الوجوهِ: الأولُ لمطابقةِ التقسيم. واللامُ في {ليكونوا}: إمَّا للعلَّةِ على المجازِ، مِنْ إقامةِ المُسَبَّبِ مُقام السببِ، وإمَّا للصيروة.
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}.
قوله: {أَفَمَن}: موصولٌ مبتدأٌ. وما بعدَه صلتُه، والخبرُ محذوفٌ. فقدَّره الكسائيُّ {تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} لدلالةِ {فلا تَذْهَبْ} عليه. وقَدَّره الزجَّاجُ وأضلَّه اللَّهُ كمَنْ هداه. وقَدَّره غيرُهما: كمن لم يُزَيَّن له، وهو أحسنُ لموافقتِه لفظًا ومعنىً. ونظيرُه: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} [هود: 17]، {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى} [الرعد: 19].
والعامَّةُ على {زُيِّن} مبنيًا للمفعولِ {سوءُ} رُفِعَ به. وعبيد بن عمير {زَيَّنَ} مبنيًا للفاعلِ وهو اللَّهُ تعالى، {سُوْءَ} نُصِبَ به. وعنه {أَسْوَأُ} بصيغةِ التفضيلِ منصوبًا. وطلحة {أمَنْ} بغيرِ فاءٍ.
قال أبو الفضل: الهمزةُ للاستخبارِ بمعنى العامَّةِ، للتقرير. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى حرفِ النداء، فَحَذَفَ التمامَ كما حَذَفَ مِن المشهورِ الجوابَ. يعني أنه يجوزُ في هذه القراءةِ أَنْ تكونَ الهمزةُ للنداء، وحُذِف التمامُ، أي: ما نُوْدي لأَجْلِه، كأنه قيل: يا مَنْ زُيِّن له سوءُ عملِه ارْجِعْ إلى الله وتُبْ إليه. وقوله: كما حُذِفَ الجوابُ يعني به خبرَ المبتدأ الذي تقدَّم تقريرُه.
قوله: {فلا تَذْهَبْ} العامَّة على فتح التاءِ والهاءِ مُسْندًا ل {نفسُك} مِنْ بابِ لا أُبَيْنَّك هاهنا أي: لا تَتَعاطَ أسبابَ ذلك. وقرأ أبو جعفر وقتادة والأشهبُ بضمِّ التاء وكسرِ الهاء مُسْندًا لضميرِ المخاطب {نَفْسَك} مفعولٌ به.
قوله: {حَسَراتٍ} فيه وجهان، أحدُهما: أنه مفعولٌ مِنْ أجلِه أي: لأجلِ الحَسَرات. والثاني: أنه في موضعِ الحالِ على المبالغةِ، كأنَّ كلَّها صارَتْ حَسَراتٍ لفَرْطِ التحسُّرِ، كما قال:
مَشَقَ الهَواجِرُ لَحْمَهُنَّ مع السُّرى ** حتى ذَهَبْنَ كَلاكِلًا وصُدورا

يريد: رَجَعْنَ كَلاكِلًا وصدورًا، أي: لم تَبْقَ إلاَّ كلاكلُها وصدورها كقولِه:
فعلى إثْرِهِمْ تَسَاقَطُ نَفْسي ** حَسَراتٍ وذكْرُهُمْ لي سَقامُ

وكَوْنُ كلاكِل وصدور حالًا قولُ سيبويه، وجَعَلهما المبردُ تمييزَيْنِ منقولَيْنِ من الفاعلية.
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)}.
قوله: {فَتُثِيرُ}: عَطْفٌ على {أَرْسَلَ}؛ لأنَّ أَرْسَلَ بمعنى المستقبل، فلذلك عَطَفَ عليه، وأتى بأَرْسَلَ لتحقُّقِ وقوعِه و{تُثير} لتصوُّرِ الحالِ واستحضارِ الصورة البديعةِ كقوله: {أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] كقول تأَبَّط شرًَّا:
ألا مَنْ مُبْلِغٌ فِتْيانَ فَهْمٍ ** بما لاقَيْتُ عند رَحا بِطانِ

بأنِّي قد لَقِيْتُ الغُوْلَ تَهْوِيْ ** بسَهْبٍ كالصحيفةِ صَحْصَحانِ

فقلت لها كِلانا نَضْوُ أرضٍ ** أخو سَفَرٍ فَخَلِّي لي مكانِي

فشَدَّتْ شَدَّةً نَحْوي فأهْوَتْ ** لها كَفِّي بمَصْقولٍ يَمانِ

فأَضْرِبُها بلا دَهْشٍ فَخَرَّتْ ** صَريعًا لليدَيْن وللجِرانِ

حيث قال: فَأَضْرِبُها ليصَوِّرَ لقومِه حالَه وشجاعتَه وجرأتَه.
وقوله: {فَسُقْناه} و{أَحْيَيْنا} مَعْدولًا بهما عن لفظِ الغيبة إلى ما هو أَدْخَلُ في الاختصاصِ وأَدَلُّ عليه.
قوله: {كذلك النُّشورُ} مبتدأٌ، وخبرُه مقدَّمٌ عليه، والإِشارةُ إلى إحياءِ الأرضِ بالمطرِ، والتشبيهُ واضحٌ بليغٌ.