فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{إِنَّ الله عالم غَيْبِ السموات والأرض} أي كل غيب فيهما أي لا يخفى عليه سبحانه خافية فيهما فلا تخفى عليه جل شأن أحوالهم التي اقتضت الحكمة أن يعاملوا بهذا هذه المعاملة ولا يخرجوا من النار، وقرأ جناح بن حبيش {عالم} بالتنوين {غَيْبُ} بالنصب على المفعولية لعالم {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} قيل إنه تعليل لما قبله لأنه تعالى إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفى ما يكون كان عز وجل أعلم بغيرها، وفيه نوع خفاء، وقال الإمام: إن قوله تعالى: {إِنَّ الله} الخ تقرير لدوامهم في العذاب مع أنهم ما كفروا إلا أيامًا معدودة فكأن سائلًا يسأل عن وجه ذلك فقيل: إن الله تعالى لا يخفى عليه غيب السماوات والأرض فلا يخفى عليه ما في الصدور فكان يعلم سبحانه من الكافر أن الكفر قد تمكن في قلبه بحيث لو دام إلى الأبد لما أطاع الله تعالى ولا عبده انتهى، وظاهره أن الجملة الأولى تعليل للثانية على عكس ما قيل، ويمكن أن يقال: قوله تعالى: {فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ} [فاطر: 37] متضمن نفي أن يكون لهم نصير على سبيل الاستمرار ومستدع خلودهم في العذاب فكان مظنة أن يقال كيف ينفي ذلك على سبيل الاستمرار والعادة في الشاهد قاضية بوجود نصير لمن تطول أيام عذابه فأجيب بأن الله عالم غيب السماوات والأرض على معنى أنه تعالى محيط بالأشياء علمًا فلو كان لهم نصير في وقت من الأوقات لعلمه ولما نفى ذلك على سبيل الاستمرار، وكذا مظنة أن يقال: كيف يخلدون في العذاب وهم قد ظلموا في أيام معدودة؟ فأجيب بأنه عليم بذات الصدور على معنى أنه تعالى يعلم ما انطوت عليه ضمائرهم فيعلم أنهم صمموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد فكل من الجملتين مستأنف استئنافًا بيانيًا فتأمل.
{هُوَ الذي جَعَلَكُمْ خلائف في الأرض} ملقى إليكم مقاليد التصرف وانتفاع بما فيها أو جعلكم خلفاء ممن قبلكم من الأمم وأورثكم ما بأيديكم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة أو جعلكم بدل من كان قبلكم من الأمم الذين كذبوا الرسل فهلكوا فلم تتعظوا بحالهم وما حل بهم من الهلاكح، والخطاب قيل عام، واستظهره في البحر، وقيل: لأهل مكة، والخلائف جمع خليفة وقد اطرد جمع فعيلة على فعائل وأما الخلفاء فجمع خليف ككريم وكرماء، وجوز الواحدي كونه جمع خليفة أيضًا وهو خلاف المشهور {فَمَن كَفَرَ} منكم مثل هذه النعمة السنية وغمطها أو فمن استمر على الكفر وترك الايمان بعد أن لطف به وجعل له ما ينبهه على ما يترتب على ذلك {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي وبال كفره وجزاؤه لا على غيره.
{وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إلا مقتا} أشد الاحتقار والبغض والغضب.
{وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَارًا} في الآخرة، وجملة {وَلاَ يَزِيدُ} الخ بيان وتفسير لقوله سبحانه: {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} ولزيادة تفصيله نزل منزلة المغاير له ولولا ذلك لفصل عنه، والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على أن اقتضاء الكفر لكل واحد واحد من الأمرين الأمرين المقت والخسارة مستقل باقتضاء قبحه ووجود التجنب عنه بمعنى أنه لو لم يكن الكفر مستوجبًا لشيء سوى مقت الله تعالى لكفى ذلك في قبحه وكذا لو لم يستوجب شيئًا سوى الخسار لكفى.
{قُلْ} تبكيتًا لهم {قُلْ أَرَءيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ} أي آلهتكم، والإضافة إليهم لأدنى ملابسة حيث أنهم هم الذين جعلوهم شركاء الله تعالى واعتقدوهم كذلك من غير أن يكون له أصل ما أصلًا.
وقيل: الإضافة حقيقية من حيث أنهم جعلوهم شركاء لأنفسهم فيما يملكونه أوجعلهم الله تعالى شركاء لهم في النار كما قال سبحانه {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 89] والصفة عليهما مقيدة لا مؤكدة، وسياق النظم الكريم وسباقه ظاهران فيما تقدم {أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} بدل اشتمال من {أَرَءيْتُمْ} لأنه بمعنى أخبروني كأنه قيل: أخبروني عن شركائكم أروني أي جزء خلقوا من الأرض حتى يستحقوا الإلهية والشركة.
وجوز أن يكون بدل كل، وقال أبو حيان: لا تجوز البدلية لأنه إذا بدل مما دخل عليه الاستفهام فلابد من دخول الاداة على البدل، وأيضًا إبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل على نية تكرار العامل ولا يتأنى ذلك هاهنا لأنه لا عامل لا رأيتم ثم قال: والذي أذهب إليه أن {أَرَءيْتُمْ} بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الاستفهام كقول العرب أرأيت زيدًا ما صنع فالأول هنا {شُرَكَاؤُكُمُ} والثاني {مَاذَا خَلَقُواْ} و{أَرُونِىَ} جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد، ويحتمل أن يكون ذلك أيضًا من باب الأعمال لأنه توارد على {مَاذَا خَلَقُواْ} أرأيتم.
وأروني لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأي التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم.
أما ترى أي برق هاهنا ويكون قد اعمل الثاني على المختار عند البصريين انتهى، وما ذكره احتمال في الآية الكريمة كما أن ما ذكر أولًا احتمال وما قاله في رده ليس بشيء، أما الأول فلأن لزوم دخول الاداة على البدل فيما إذا كان الاستفهام باق على معناه أما إذا نسخ عنه كام هنا فليس ذلك بلازم، وأما الثاني فلأن أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله:
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ** وإلا فكن في السر والجهر مسلمًا

وأما الثالث فلأن كون البدل على نية تكرار العامل إنما هو كما نقل الخفاجي عنهم في بدل المفردات.
وليس لك أن تقول العامل هنا موجود وهو {قُلْ} لأن العبرة بالمقول ولا عامل فيه إذ يقال وهو ظاهر، وجوز أن لا يكون {أَرَءيْتُمْ} بمعنى أخبروني بل المراد حقيقة الاستفهام عن الرؤية وأروني أمر تعجزي للتبيين أي أعلمتم هذه التي تدعونها ما هي وعلى ما هي عليه من العجز أو تتوهمون فيها قدرة فإن كنتم تتعلمونها عاجرة فكيف تعبدونها أو كنتم توهمتم فيها قدرة فأروني أثرها، وما تقدم أظهر {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السموات} أي بل ألهم شركة مع الله عز وجل في خلق السماوات حتى يستحقوا ما زعمتم فيهم، وقال بعضهم: الأولى أن لا يقدر مضاف على أن المعنى أم لهم شركة معه سبحانه في السماوات خلقًا وإبقاء وتصرفًا لأن المقصود نفي آيات الإلهية عن الشركاء وليست محصورة في الخلق والتقدير أوفق بما قبله، والكلام قيل من باب التدرج من الاستقلال إلى إلى الشركة ثم منها إلى حجة وبينة مكتوبة بالشركة كأنه قيل: أخبروني عن الذين تدعون من دون الله هل استبدوا بخلق شيء من الأرض حتى يكونوا معبودين مثل الله تعالى بل ألهم شركة معه سبحانه في خلق السماوات {قُلْ أَرَءيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ} أي بل آتيناهم كتابًا ينطق بأنا اتخذناهم شركاء {فَهُمْ على بينات مِنْهُ} أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة معنا.
وقال في الكشف الظاهر أن الكلام مبني على الترقي في إثبات الشركة لأن الاستبداد بخلق جزء من الأرض شركة ما معه عز وجل والاشتراك معه سبحانه في خلق السماوات أدل على إثباتها ثم إيتاء كتاب منه تعالى على أنهم شركاؤه أدل وأدل، وقيل: هم في {ءاتيناهم} للمشركين وكذا في فنهم كما في قوله تعالى: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا} [الروم: 5 3] الخ ففي الكلام التفات من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة إعراضا عن المشركين وتنزيلًا لهم منزلة الغيب.
والمعنى أن عبادة هؤلاء إما بالعقل ولا عقل يحكم بصحة عبادة من لا يخلق جزأ ما من الأرض دلالة شرك في السماء وإما بالنقل ولم نؤت المشركين كتابًا فيه الأمر بعبادة هؤلاء، وفيه تفكيك للضمائر، وقال بعضهم: ضمير {ءاتيناهم} للشركاء كالضمائر السابقة وضمير {فَهُمْ على بَيّنَةٍ} للمشركين وأم منقطعة للاضراب عن الكلام السابق وزعم أن لا التفات حينئذ ولا تفكيك فتأمل.
وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر {على بينات} بالجمع فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لابد فيه من تعاضد الدلائل وهو ضرب من التهكم {بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا} لما نفى سبحانه ما نفى من الحجج في ذلك أضرب عز وجل عنه بذكر ما حملهم على الشرك وهو تقرير الأسلاف للاخلاف وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم شفعاء عند الله تعالى يشفعون لهم بالتقرب إليهم، والآية عند الكثير في عبدة الأصنام وحكمها عام؛ وقيل: في عبدة غير الله عز وجل صنمًا كان أو ملكًا أو غيرهما. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جملة {إن الله عالم غيب السماوات والأرض} استئناف واصل بين جملة {إن الله بعباده لخبير بصير} [فاطر: 31] وبين جملة {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض} [فاطر: 40] الآية، فتسلسلت معانيه فعاد إلى فذلكة الغرض السالف المنتقل عنه من قوله: {وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم} إلى قوله: {إن اللَّه بعباده لخبير بصير} [فاطر: 25 31]، فكانت جملة {إن الله عالم غيب السماوات والأرض} كالتذييل لجملة {إن اللَّه بعباده لخبير بصير}.
وفي هذا إيماء إلى أن الله يجازي كل ذي نية على حسب ما أضمره ليزداد النبي صلى الله عليه وسلم يقينًا بأن الله غير عالم بما يكنه المشركون.
وجملة {إنه عليم بذات الصدور} مستأنفة هي كالنتيجة لِجملة {إن الله عالم غيب السماوات والأرض} لأن ما في الصدور من الأمور المغيبة فيلزم من علم الله بغيب السموات والأرض علمه بما في صدور الناس.
وذات الصدور ضمائر الناس ونِيَّاتهم، وتقدم عند قوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} في سورة الأنفال (43).
وجيء في الإِخبار بعلم الله بالغيب بصيغة اسم الفاعل، وفي الإِخبار بعلمه بذات الصدور بصيغة المبالغة لأن المقصود من إخبار المخاطبين تنبيههم على أنه كناية عن انتفاء أن يفوت علمَه تعالى شيءٌ.
وذلك كناية عن الجزاء عليه فهي كناية رمزية.
وجملة {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} معترضة بين جملة {إن الله عالم غيب السماوات والأرض} الآية وبين جملة {فمن كفر فعليه كفره}.
والخلائف: جمع خليفة، وهو الذي يخلف غيره في أمرٍ كانَ لذلك الغير، كما تقدم عند قوله تعالى: {ني جاعل في الأرض خليفة} في سورة البقرة (30)، فيجوز أن يكون ون بعدَ أمم مضت كما في قوله: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم} في سورة يونس (14) فيَكون هذا بيانًا لقوله: {إن الله عالم غيب السماوات والأرض} أي هو الذي أوجدكم في الأرض فكيف لا يعلم ما غاب في قلوبكم كما قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14] ويكون مَا صْدَف ضمير جماعة المخاطبين شاملًا للمؤمنين وغيرهم من الناس.
ويجوز أن يكون المعنى: هو الذي جعلكم متصرفين في الأرض، كقوله تعالى: {ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} [الأعراف: 129]، فيكون الكلام بشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله قدّر أن يَكون المسلمون أهل سلطان في الأرض بعد أمم تداولت سيادة العالم ويُظهر بذلك دين الإِسلام على الدين كله.
والجملة الاسمية مفيدة تقوّي الحكم الذي هو جعل الله المخاطبين خلائف في الأرض.
وقد تفرّع على قوله: {عليم بذات الصدور} قولُه: {فمن كفر فعليه كفره} وهو شرط مستعمل كناية عن عدم الاهتمام بأمر دَوامهم على الكفر.
وجملة {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا} بيان لجملة {فمن كفر فعليه كفره} وكان مقتضى ظاهر هذا المعنى أن لا تعطف عليها لأن البيان لا يعطف على المبيَّن، وإنما خولف ذلك للدلالة على الاهتمام بهذا البيان فجعل مستقلًا بالقصد إلى الإِخبار به فعطفت على الجملة المبيَّنة بمضمونها تنبيهًا على ذلك الاستقلال، وهذا مقصد يفوت لو ترك العطف، أما ما تفيده مِن البيان فهو أمر لا يفوت لأنه تقتضيه نسبة معنى الجملة الثانية من معنى الجملة الأولى.
والمقت: البغض مع خزي وصغار، وتقدم عند قوله تعالى: {إنه كان فاحشةً ومقتًا وساء سبيلًا} في سورة النساء (22)، أي يزيدهم مقتَ الله إياهم، ومقت الله مجاز عن لازمه وهو إمساك لطفه عنهم وجزاؤهم بأشد العقاب.
وتركيب جملة: {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا} تركيب عجيب لأن ظاهره يقتضي أن الكافرين كانوا قبل الكفر ممقوتين عند الله فلما كفروا زادهم كفرهم مقتًا عنده، في حال أن الكفر هو سبب مقت الله إياهم، ولو لم يكفروا لما مقتهم الله.
فتأويل الآية: أنهم لمَّا وصفوا بالكفر ابتداءً ثم أخبر بأن كفرهم يزيدهم مقتًا عُلم أن المراد بكفرهم الثاني الدوام على الكفر يومًا بعد يوم، وقد كان المشركون يتكبّرون على المسلمين ويُشاقونهم ويؤيسونهم من الطماعية في أن يقبَلوا الإِسلام بأنهم أعظم من أن يتبعوهم وأنهم لا يفارقون دين آبائهم، ويحسبون ذلك مقتًا منهم للمسلمين فجازاهم الله بزيادة المقت على استمرار الكفر، قال تعالى: {إن الذين كفروا ينادون لمقت اللَّه أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون} [غافر: 10]، يعني: ينادَون في المحشر، وكذلك القول في معنى قوله: {ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارًا}.
والخَسار: مصدر خسر مثل الخسارة، وهو: نقصان التجارة.
واستعير لخيبة العمل؛ شبه عملهم في الكفر بعمل التاجر والخاسر، أي الذي بارت سلعته فباع بأقل مما اشتراها به فأصابه الخسار فكلما زاد بيعًا زادت خسارته حتى تفضي به إلى الإِفلاس، وقد تقدم ذلك في آيات كثيرة منها ما في سورة البقرة.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}.
لم يزل الكلام موجهًا لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم ولما جرى ذكر المشركين وتعنتهم وحسبان أنهم مقتوا المسلمين عاد إلى الاحتجاج عليهم في بطلان إلهية آلهتهم بحجة أنها لا يوجد في الأرض شيء يدَّعي أنها خلقته، ولا في السماوات شيء لها فيه شرك مع الله فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحاجهم ويوجه الخطاب إليهم بانتفاء صفة الإِلهية عن أصنامهم، وذلك بعد أن نفى استحقاقها لعبادتهم بأنها لا ترزقهم كما في أول السورة، وبعد أن أثبت الله التصرف في مظاهر الأحداث الجوية والأرضية واختلاف أحوالها من قوله: {واللَّه الذي أرسل الرياح} [فاطر: 9]، وذكرهم بخلقهم وخلق أصلهم وقال عقب ذلك {ذلكم اللَّه ربكم له الملك} [فاطر: 13] الآية عاد إلى بطلان إلهية الأصنام.
وبنيت الحجة على مقدمة مُشاهدة انتفاء خصائص الإِلهية عن الأصنام، وهي خصوصية خلق الموجودات وانتفاء الحجة النقلية بطريقة الاستفهام التقريري في قوله: {أرأيتم شركاءكم} يعني: إن كنتم رأيتموهم فلا سبيل لكم إلا الإِقرار بأنهم لم يخلقوا شيئًا.