فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأما الظالم لنفسه ها هنا ففيه خمسة أوجه:
أحدها: أنهم أهل الصغائر من هذه الأمة، روى شهر بن حوشب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.
الثاني: أنهم أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، قاله السدي.
الثالث: أنهم المنافقون وهم مستثنون.
الرابع: أنهم أهل الكتاب، قاله الحسن.
الخامس: أنه الجاحد، قاله مجاهد.
وأما المقتصد ففيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه المتوسط في الطاعات وهذا معنى حديث أبي الدرداء، روى ابراهيم عن أبي صالح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية فقال: «أَمَّا السَّابِقُ فَيدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا المُقْتَصِدُ فَيُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا، وَأمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فِيُحْصَرُ فِي طُولِ الحِبْسِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنهُ».
الثاني: أنهم أصحاب اليمين، قاله السدي.
الثالث: أنهم أصحاب الصغائر وهو قول متأخر.
الرابع: أنهم الذين اتبعوا سنن النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، قاله الحسن.
{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم المقربون، قاله مجاهد.
الثاني: أنهم المستكثرون من طاعة الله تعالى، وهو مأثور.
الثالث: أنهم أهل المنزلة العليا في الطاعات، قاله علي بن عيسى.
الرابع: أنه من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة.
روى عقبة بن صهبان قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية فقالت: كلهم من أهل الجنة، السابق من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالحياة والرزق، والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به، والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا.
قوله عز وجل: {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: أنه خوف النار، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه حزن الموت، قاله عطية.
الثالث: تعب الدنيا وهمومها، قاله قتادة.
الرابع: حزن المنّة، قاله سمُرة.
الخامس: حزن الظالم لما يشاهد من سوء حاله، قاله ابن زيد.
السادس: الجوع حكاه النقاش.
السابع: خوف السلطان، حكاه الكلبي.
الثامن: طلب المعاش، حكاه الفراء.
التاسع: حزن الطعام، وهو مأثور.
ويحتمل عاشرًا: أنه حزن التباغض والتحاسد لأن أهل الجنة متواصلون لا يتباغضون ولا يتحاسدون.
وفي وقت قولهم لذلك قولان:
أحدهما: عند إعطاء كتبهم بأيمانهم لأنه أول بشارات السلامة، فيقولون عندها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}.
الثاني: بعد دخول الجنة، قاله الكلبي، وهو أشبه لاستقرار الجزاء والخلاص من أهوال القيامة فيقولون ذلك عند أمنهم شكرًا.
قوله عز وجل: {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمَقَامَةِ مِن فَضْلِهِ} أي دار الإقامة وهي الجنة.
وفي الفرق بين المقامة بالضم والفتح وجهان:
أحدهما: أنها بالضم دار الإقامة، وبالفتح موضع الإقامة.
الثاني: أنها بالضم المجلس الذي يجتمع فيه للحديث.
{لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} فيه وجهان:
أحدهما: تعب، قاله ابن عيسى.
الثاني: وجع، قاله قتادة.
{وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه العناء، قاله أبو جعفر الطبري.
الثاني: أنه الإعياء، قاله قطرب وابن عيسى.
قوله عز وجل: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} قال ابن جريج: وهم يستغيثون فيها {رَبَّنَآ أخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} أي نؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية.
{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أنه البلوغ، قاله الحسن لأنه أول زمان التذكر.
الثاني: ثماني عشرة سنة.
الثالث: أربعون سنة، قاله ابن عباس ومسروق.
الرابع: ستون سنة، قاله علي بن أبي طالب مرفوعًا.
الخامس: سبعون سنة لأنه آخر زمان التذكر، وما بعده هرم. روى أبو هريرة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إلَى عَبدٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتّىَ بلَغَ سِتِيّنَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً».
قوله عز وجل: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن زيد.
الثاني: الشيب، حكاه الفراء والطبري.
الثالث: الحمى.
الرابع: موت الأهل والأقارب.
ويحتمل خامسًا: أنه كمال العقل.
{فَذُوقُواْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: حسرة الندم.
الثاني: عذاب جهنم.
قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْض} قال قتادة خلفًا بعد خلف قرنًا بعد قرن، والخلف هو الثاني للمتقدم، ولذلك قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله، فقال لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا راضٍ بذلك. وقال بعد السلف إنما يستخلف من يغيب أو يموت، والله تعالى لا يغيب ولا يموت.
{فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي فعليه عقاب كفره.
قوله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دَونِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: شركاءكم في الأموال التي جعلتم لهم قسطًا منها الأوثان.
الثاني: الذين أشركتموهم في العبادة.
{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ} قاله السدي يعني في الأرض.
{أَمْ لَهُمْ شرْكٌ فِي السَّموَاتِ} حتى صاروا شركاء في خلقها.
{أَمْ ءَآتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنهُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أم أنزلنا عليهم كتابًا بأن لله تعالى شركاء من الملائكة والأصنام فيهم مستمسكون به، وهذا قول ابن زياد.
الثاني: أم أنزلنا عليهم كتابًا بأن الله لا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به، وهو معنى قول الكلبي.
{بَلْ إن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إلاَّ غُرُورًا} فيه وجهان:
أحدهما: وعدوهم بأن الملائكة يشفعون.
الثاني: وعدوهم بأنهم ينصرون عليهم.
قوله عز وجل: {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله تعلى رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فلعنوا من كذب نبيه منهم، وحلفوا بالله جل اسمه يمينًا.
{لَئِن جَاءَهُم نَذِيرٌ} أي نبي.
{لَّيَكُوننَّ أَهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَمْ} يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
{مَّا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُورًا} فيه وجهان:
أحدهما: نفورًا عن الرسول.
الثاني: نفورًا عن الحق.
قوله عز وجل: {اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: استكبارًا عن عبادة الله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: استكبارًا بمعاصي الله، وهذا قول متأخر.
{وَمَكْرَ السَّيِّىءِ} فيه وجهان:
أحدهما: الشرك بالله، قاله يحيى.
الثاني: أنه المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه كما قال تعالى: {وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ} [الأنفال: 30] الآية.
{وَلاَ يَحِيقُ الْمُكْرُ السَّيِّىءُ إلاَّ بِأَهْلِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: قاله الكلبي، يحيق بمعنى يحيط.
الثاني: قاله قطرب، يحيق بمعنى ينزل، وأنشد قول الشاعر:
وقد دفعوا المنية فاستقلت ** ذراعًا بعدما كادت تحيقُ

قال فعاد ذلك عليهم بقتلهم يوم بدر.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ} يعني سنة الله في الأولين، وفيها وجهان:
أحدهما: نزول العذاب بهم عند إصرارهم في التكذيب.
الثاني: لا تقبل منهم التوبة عند نزول العذاب.
قوله عز وجل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ} يعني من الذنوب.
{مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} قال يحيى بن سلام بحبس المطر عنهم وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني جميع الحيوان مما دب ودرج، قاله ابن مسعود، قال قتادة: وقد فعل ذلك زمان نوح عليه السلام.
الثاني: من الإنس والجن دون غيرهما لأنهما مكلفان بالعقل، قاله الكلبي.
الثالث: من الناس وحدهم، قاله ابن جريج.
{وَلكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} فيه قولان:
أحدهما: الأجل المسمى الذي وعدهم في اللوح المحفوظ، قاله مقاتل.
الثاني: إلى يوم القيامة، قاله يحيى.
{فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُم} فيه قولان:
أحدهما: نزول العذاب.
الثاني: البعث في القيامة.
{فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} يحتمل وجهين:
أحدهما: بصيرًا بأجلهم.
الثاني: بصيرًا بأعمالهم، والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا أيها الناس أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله والله هُوَ الغني الحميد إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}، سئل الحسين بن الفضل عن الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه وتعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] فقال: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} طوعًا {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] كرهًا.
{وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ} يعني وإن تدع نفس مثقلة بذنوب غيرها إلى حملها، أي حمل ما عليها من الذنوب {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى}: ولو كان المدعوّ ذا قربى له: ابنه أو أُمه أو أباه أو أخاه.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا عن أحمد بن محمد بن رزمة القزويني عن محمد بن عبد ابن عامر السمرقندي قال: حدّثنا إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: قوله سبحانه: {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} قال: يعني الوالدة تلقي ولدها يوم القيامة فتقول: يا بني ألم تكن بطني لك وعاء؟ ألم يكن لك ثديي سقاء؟ فيقول: بلى يا أُماه. فتقول: يا بُني قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني ذنبًا واحدًا. فيقول: يا أُماه إليكِ عني، فإني اليوم عنكِ مشغول.
{إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} أي يخافونه ولم يروه، {وَأَقَامُواْ الصلاة وَمَن تزكى} صلح عمل خيرًا وصالحًا {فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير}.
{وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير} يعني: الجاهل والعالم، {وَلاَ الظلمات وَلاَ النور} يعني: الكفر والإيمان، {وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} يعني: الجنة والنار، والحرور: الريح الحارة بالليل، والسموم بالنهار، وقال بعضهم: الحرور: بالنهار مع الشمس، {وَمَا يَسْتَوِي الأحياء وَلاَ الأموات} يعني: المؤمنين والكفار.
{إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ}، حتى يتعظ ويجيب {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور} يعني: الكفار شبههم بالأموات، وقرأ أشهب العقيلي: {بمسمع من في القبور} بلا تنوين على الإضافة.
{إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير} كرر وهما واحد لاختلاف اللفظين.
{ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} قدم النعت على الاسم فلذلك نصب.
{وَمِنَ الجبال جُدَدٌ}: طرق، واحدها جُدّة نحو مدة ومدد، وأما جمع الجديد فجدُد بضم الدال مثل: سرير وسُرُر {بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ}، قال الفراء: فيه تقديم وتأخير، مجازه: سود غرابيب، وهي جمع غربيب، هو الشديد السواد يشبّهها بلون الغراب قال الشاعر يصف كرمًا:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ** البعضُ منها ملاحيٌّ وغربيب