فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن جرير الطبري: ومعنى ذلك: أورثهم الإِيمانَ بالكتب كلِّها- وجميع الكتب تأمر باتِّباع القرآن- فهم مؤمنون بها عاملون بمقتضاها؛ واستدل على صحة هذا القول بأن الله تعالى قال في الآية التي قبل هذه: {والذي أَوْحَيْنَا إِليكَ من الكتاب هو الحَقُّ} وأتبعه بقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنا الكتاب} فعلمنا أنهم أُمَّةٌ محمد، إِذ كان معنى الميراث: انتقال شيء من قوم إِلى قوم، ولم تكن أُمَّةٌ على عهد نبينا انتقل إِليهم كتابٌ من قوم كانوا قبلهم غير أُمَّته.
فإن قلنا: هم الأنبياء وأتباعهم، كان المعنى: أَورثْنا كلَّ كتاب أُنزل على نبيٍّ ذلك النبيَّ وأتباعَه.
والقول الثاني: أن المراد بالكتاب القرآن.
وفي معنى {أَوْرَثْنا} قولان.
أحدهما: أَعْطَيْنا، لأنَّ الميراث عطاء، قاله مجاهد.
والثاني: أخَّرْنا، ومنه الميراث، لأنه تأخّر عن الميت؛ فالمعنى: أخَّرْنا القرآنَ عن الأُمم السالفة وأعطيناه هذه الأُمَّة، إِكرامًا لها، ذكره بعض أهل المعاني.
قوله تعالى: {فمِنهم ظالم لنفسه} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه صاحب الصغائر؛ روى عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سابقُنا سابق، ومقتصدُنا ناجٍ، وظالمُنا مغفورٌ له» وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، قال: «كلُّهم في الجنة».
والثاني: أنه الذي مات على كبيرة ولم يَتُب منها، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أنه الكافر، رواه عمرو بن دينار عن ابن عباس، وقد رواه ابن عمر مرفوعًا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلى هذا يكون الاصطفاء لجملة من أُنزل عليه الكتاب، كما قال: {وإِنُّه لَذِكْرٌ لَك ولِقَومِكَ} [الزخرف: 44] أي: لَشَرف لكم، وكم من مُكْرَم لم يَقبل الكرامة!
والرابع: أنه المنافق، حكي عن الحسن.
وقد روي عن الحسن أنه قال: الظالم الذي ترجح سيئاته على حسناته، والمقتصد: الذي قد استوت حسناته وسيِّئاته، والسابق: من رَجَحت حسناتُه.
وروي عن عثمان بن عفان أنه تلا هذه الآية، فقال: سابقُنا أهل جهادنا، ومقتصدِنا أهل حَضَرنا، وظالمُنا أهل بدونا.
قوله تعالى: {ومنهم سابِقٌ} وقرأ أبو المتوكل، والجحدري، وابن السميفع: {سَبَّاقٌ} مثل: فَعَّال {بالخيرات} أي: بالأعمال الصالحة إِلى الجنة، أو إِلى الرَّحمة {باذن الله} أي: بارادته وأمره {ذلك هو الفضل الكبير} يعني إِيراثهم الكتاب.
ثم أخبر بثوابهم، فجمعهم في دخول الجنة فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها} قرأ أبو عمرو وحده: {يُدْخَلُونَها} بضم الياء؛ وفتحها الباقون، وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: {ولُؤْلُؤًا} بالنصب.
وروى أبو بكر عن عاصم أنه كان يهمز الواو الثانية ولا يهمز الأولى، وفي رواية أخرى أنه كان يهمز الأولى ولا يهمز الثانية.
والآية مفسرة في سورة [الحج: 23].
قال كعب: تحاكت مناكبُهم وربِّ الكعبة، ثم أُعطوا الفضل بأعمالهم.
ثم أخبر عمَّا يقولون عند دخولها، وهو قوله: {الحمدُ لله الذي أَذهب عنَّا الحَزَنَ} الحَزَن والحُزْن واحد، كالبَخَل والبُخْل.
وفي المراد بهذا الحزن خمسة أقوال.
أحدها: أنه الحزن لطول المقام في المحشر.
روى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أمَّا السابق، فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصِد، فيحاسَب حسابًا يسيرًا، وأما الظَّالم لنفسه، فانه حزين في ذلك المقام» فهو الحزن والغم، وذلك قوله تعالى: {الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَن}.
والثاني: أنه الجوع، رواه أبو الدرداء أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح، وبه قال شمر بن عطية.
وفي لفظ عن شمر أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز، وكذلك روي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز في الدنيا.
والثالث: أنه حزن النار، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
والرابع: حزنهم في الدنيا على ذُنوب سلفت منهم، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والخامس: حزن الموت، قاله عطية.
والآية عامَّة في هذه الأقوال وغيرها، ومن القبيح تخصيص هذا الحزن بالخبز وما يشبهه، وإِنما حزنوا على ذُنوبهم وما يوجبه الخوف.
قوله تعالى: {الذي أحلَّنا} أي: أنزلنا {دارَ المُقامة} قال الفراء: المُقامة هي الإِقامة، والمَقامة: المجلس، بالفتح لا غير، قال الشاعر:
يَوْمَانِ يَوْمُ مَقامَاتٍ وأنْدِيَةٍ ** وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلى الأعْدَاءِ تأْوِيبِ

قوله تعالى: {مِنْ فَضْلِه} قال الزجاج: أي: بتفضُّله، لا بأعمالنا.
والنَّصَبُ: التَّعَب.
واللُّغوب: الإِعياء من التَّعب.
ومعنى {لُغُوب}: شيء يُلْغِب؛ أي: لا نتكلّف شيئًا نُعَنّى منه.
قوله تعالى: {لا يُقْضى عليهم فيموتوا} أي: لايهلكون فيستريحوا ممَّا هُمْ فيه، ومثله: {فوكزه موسى فقضى عليه} [القصص: 51].
قوله تعالى: {كذلك نَجْزي كُلِّ كَفورٍ} وقرأ أبو عمرو: {يُجزى} بالياء {كُلُّ} برفع اللام.
وقرأ الباقون: {نَجزي} بالنون كُلَّ بنصب اللام.
قوله تعالى: {وهم يَصْطَرِخُون فيها} وهو افتعال من الصُّراخ: والمعنى: يستغيثون، فيقولون: {ربَّنا أَخْرِجنا نعملْ صالحًا} أي: نوحِّدك ونُطيعك {غيرَ الذي كُنَّا نَعملُ} من الشِّرك والمعاصي؛ فوبَّخهم الله تعالى بقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكم} قال أبو عبيدة: معناه التقرير، وليس باستفهام؛ والمعنى: أولم نعمِّركم عُمُرًا يتذكرَّ فيه من تَذَكَّر؟!
وفي مقدار هذا التعمير أربعة أقوال.
أحدها: أنه سبعون سنة، قال ابن عمر: هذه الآية تعبير لأبناء السبعين.
والثاني: أربعون سنة.
والثالث: ستون سنة، رواهما مجاهد عن ابن عباس، وبالأول منهما قال الحسن، وابن السائب.
والرابع: ثماني عشرة سنة، قاله عطاء، ووهب بن منبّه، وأبو العالية، وقتادة.
قوله تعالى: {وجاءكم النَّذير} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الشيب، قاله ابن عمر، وعكرمة، وسفيان بن عيينة؛ والمعنى: أَوَلَمْ نعمِّرْكم حتى شِبتم؟!.
والثاني: النبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة، وابن زيد، وابن السائب، ومقاتل.
والثالث: موت الأهل والأقارب.
والرابع.
الحمّى ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: {فذُوقوا} يعني: العذاب {فما للظالمين من نصير} أي: من مانع يَمنع عنهم.
وما بعد هذا قد تقدم بيانه [المائدة: 7] إِلى قوله: {خلائفَ في الأرض} وهي الأُمَّة التي خَلَفَتْ مَنْ قَبْلها ورأت فيمن تقدَّمها ما ينبغي أن تَعتبر به {فمن كَفَر فعليه كُفره} أي: جزاء كفره.
قوله تعالى: {أرأيتُم شركاءكم} المعنى: أَخبِروني عن الذين عبدتم من دون الله واتخذتموهم شركاء بزعمكم، بأيّ شيءٍ أوجبتم لهم الشركة في العبادة؟! أبشيءٍ خلقوه من الأرض، أم شارَكوا خالق السموات في خَلْقها؟! ثم عاد إِلى الكفار فقال: {أم آتيناهم كتابًا} يأمرهم بما يفعلون {فَهُمْ على بيِّنة منه}؟! قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وحفص عن عاصم: {على بيِّنةٍ} على التوحيد.
وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {بيِّناتٍ} جمعًا.
والمراد: البيان بأنَّ مع الله شريكًا {بل إِنْ يَعِدُ الظَّالمون} يعني المشركين يَعِدُ {بعضُهم بعضًا} أنَّ الأصنام تَشفع لهم، وأنّه لا حساب عليهم ولا عقاب.
وقال مقاتل: ما يَعِدُ الشيطانُ الكفَّار من شفاعة الآلهة إِلاَّ باطلًا.
قوله تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمواتِ والأرضَ أنْ تَزُولا} أي: يمنعهما من الزوال والذهاب والوقوع.
قال الفراء: {ولئن} بمعنى ولو، و أن بمعنى ما، فالتقدير: ولو زالتا ما أمسكهما من أحد.
وقال الزجاج: لمَّا قالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، كادت السمواتُ يتفطَّرْن والجبالُ أن تَزُول والأرضُ أن تنشقَّ، فأمسكها الله عز وجل؛ وإِنَّما وحَّد {الأرض} مع جمع {السموات}، لأن الأرض تدل على الأَرَضِين.
{ولَئِن زالتا} تحتمل وجهين.
أحدهما: زوالهما يوم القيامة.
والثاني: أن يقال تقديرًا: وإِن لم تزولا، وهذا مكان يَدُلُّ على القدرة، غير أنه ذكر الحِلْم فيه، لأنه لمَّا أمسكهما عند قولهم: {اتخذ الرحمن ولدًا} [مريم: 88]، حَلُم فلم يُعَجِّل لهم العقوبة.
قوله تعالى: {وأقسَموا بالله جَهْدَ أَيْمانهم} يعني كفار مكة، حلفوا بالله قبل إِرسال محمد صلى الله عليه وسلم {لَئِن جاءهم نذير} أي: رسول {لَيَكُونُنَّ أَهدى} أي: أَصْوَبَ دِينًا {مِنْ إِحدى الأُمم} يعني: اليهود والنصارى الصابئين {فلمَّا جاءهم نذير} وهو محمد صلى الله عليه وسلم {ما زادهم} مجيئُه {إِلاَّ نُفُورًا} أي: تباعُدًا عن الهُدى، {استكبارًا في الأرض} أي: عتوًّا على الله وتكبُّرًا عن الإِيمان به.
قال الاخفش: نصب {استكبارًا} على البدل من النفور.
قال الفراء: المعنى: فعلوا ذلك استكبارًا {ومَكْرَ السَّيِّءِ}، فأضيف المكر إِلى السَّيِّءِ، كقوله: {وإِنَّه لَحَقُّ اليَقين} [الحاقة: 51]، وتصديقه في قراءة عبد الله: {ومَكْرًا سَيِّئًا}، والهمزة في {السَّيِّءِ} مخفوضة، وقد جزمها الأعمش وحمزة، لكثرة الحركات؛ قال الزجّاج: وهذا عند النحويِّين الحُذَّاق لَحْن، إِنّما يجوز في الشِّعر اضطرارًا.
وقال أبو جعفر النحاس: كان الأعمش يقف على {مَكْرَ السَّيّ} فيترك الحركة، وهو وقف حَسَنٌ تامّ، فغَلِط الراوي؛ فروى أنه كان يَحْذِفُ الإِعراب في الوصل، فتابع حمزة الغالط، فقرأ في الإِدراج بترك الحركة.
وللمفسرين في المراد ب {مكر السَّيِّءِ} قولان.
أحدهما: أنه الشِّرك.
قال ابن عباس: عاقبة الشِّرك لا تَحُلُّ إِلا بمن أشرك.
والثاني: أنه المَكْر برسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {فهل ينظُرون} أي: ينتظِرون {إِلاَّ سُنَّةَ الأوَّلِين} أي: إِلاَّ أن يَنْزِل العذاب بهم كما نَزَل بالأمم المكذِّبة قبلهم {فلن تَجِد لِسُنَّةِ الله} في العذاب {تبديلًا} وإِن تأخَّر {ولن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تحويلًا} أي: لا يَقْدِر أحدٌ أن يحوِّل العذاب عنهم إِلى غيرهم.
قوله تعالى: {ولو يؤاخِذ اللّهُ النَّاسَ بما كَسَبوا} هذا عامٌّ، وبعضهم يقول: أراد بالناس المشركين.
والمعنى: لو واخذهم بأفعالهم لعجَّل لهم العقوبة.
وقد شرحنا هذه الآية في [النحل: 61].
وما أخللنا به فقد سبق بيانه [يوسف: 109، الروم: 9، الأعراف: 34، النحل: 61].
قوله تعالى: {فإنَّ اللّهَ كان بِعِباده بَصيرًا} قال ابن جرير: بصيرًا بمن يتسحقُّ العُقوبة ومَن يستوجب الكرامة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} يعني إلى فضله وإحسانه والفقير المحتاج إلى من سواه والخلق كلهم محتاجون إلى الله فهم الفقراء {والله هو الغني} عن خلقه لا يحتاج إليهم {الحميد} يعني المحمود في إحسانه إليهم المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه {إن يشأ يذهبكم} لاتخاذكم أندادًا وكفركم بآياته {ويأت بخلق جديد} يعني يخلق بعدكم من يعبده ولا يشرك به شيئًا {وما ذلك على الله بعزيز} أي يمتنع {ولا تز وازرة وزر أخرى} يعني أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الي اقترفته لا تؤاخذ بذنب غيرها فان قلت كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم.
قلت هذه الآية في الضالين وتلك في المضلين أنهم يحملون أثقال من أضلوه من الناس مع أثقال أنفسهم وذلك كله من كسبهم {وإن تدع مثقلة إلى حملها} معناه وإن تدع نفس مثقلة بذنوبها إلى حمل ذنوب غيرها {ولا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى} يعني ولو كان المدعو ذا قرابة كالأب والأم والابن والأخ قال ابن عباس يعلق الأب والأم بالابن فيقول يا بني احمل عني بعض ذنوبي فيقول لا أستطيع حسبي ما علي {إنما تنذر الذي يخشون ربهم بالغيب} يعني يخافون ربهم {بالغيب} يعني لم يروه والمعنى وإنما ينفع إنذارك الذين يخشون ربهم بالغيب {وأقاموا الصلاة ومن تزكى} يعني أصلح وعمل خيرًا {فانما يتزكى لنفسه} يعني لها ثوابه {وإلى الله المصير وما يستوي الأعمى والبصير} يعني الجاهل والعالم وقيل الأعمى عن الهدى وهو الشرك والبصير بالهدى وهو المؤمن.
{ولا الظلمات ولا النور} يعني الكفر والإيمان {ولا الظل ولا الحرور} يعني الجنة والنار وقال ابن عباس: الحرور الريح الحارة بالليل والسموم بالنهار {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} يعني المؤمنين والكفار وقيل العلماء والجهال {إن الله يسمع من يشاء} يعني حتى يتعظ ويجيب {وما أنت بمسمع من في القبور} يعني الكفار شبههم بالأموات في القبور لأنهم لا يجيبون إذا دعوا {إن أنت إلا نذير} أي ما أنت إلا منذر تخوفهم النار {إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا} يعني بشيرًا بالثواب لمن آمن ونذيرًا بالعقاب لمن كفر {وإن من أمة} أي من جماعة كثيرة فيما مضى {إلا خلا} أي سلف {فيها نذير} أي نبي منذر.
فان قلت كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يخل فيها نذير.
قلت: إذا كانت آثار النذارة باقية لم تخل من نذير إلا أن تندرس، وحين اندرست آثار رسالة عيسى عليه السلام بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم وآثار نذارته باقية إلى يوم القيامة لأنه لا نبي بعده {وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات} أي بالمعجزات الدالة على نبوتهم {وبالزبر} أي الصحف {وبالكتاب المنير} أي الواضح قيل أراد بالكتاب التوراة والإنجيل والزبور وقيل ذكر الكتاب بعد الزبر تأكيدًا {ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء} يعني المطر {فأخرجنا به ثمرات مختلفًا ألوانها} يعني أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب والرطب ونحوها وقيل يعني ألوانها في الحمرة والصفرة والخضرة وغير ذلك مما لا يحصر ولا يعد {ومن الجبال جدد بيض وحمر} يعني الخطط والطرق في الجبال {مختلف ألوانها} يعني منها ما هو أبيض ومنها ما هو أحمر ومنها ما هو أصفر {وغرابيب سود} يعني شديدة السواد كما يقال أسود غربيب تشبيهًا بلون الغراب {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه} يعني خلق مختلف ألوانه {كذلك} يعني كاختلاف الثمرات والجبال وتم الكلام ها هنا، ثم ابتدأ فقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال ابن عباس يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني وقيل: عظموه وقدروا قدره وخشوه حق خشيته ومن ازداد به علمًا ازداد به خشية ق عن عائشة قالت صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية» قولها فرخص فيه أي لم يشدد فيه قولها فتنزه عن أقوام أي تباعد عنه وكرهه قوم ق عن أنس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا» فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوههم لهم خنين الخنين بالخاء المعجمة، هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف وقال مسروق كفى بخشية الله علمًا وكفى بالاغترار بالله جهلًا وقال رجل للشعبي أفتني أيها العالم فقال الشعبي إنما العالم من خشي الله وقال مقاتل أشد الناس خشية لله أعلمهم به، وقال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم {إن الله عزيز} أي من ملكه {غفور} يعني لذنوب عباده وهو تعليل لوجوب الخشية لأنه المثيب المعاقب وإذا كان كذلك فهو أحق أن يخشى ويتقى.