فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لَّن تَبُورَ} لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة وقوله: {لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} علة لمدلوله أي ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها أجور أعمالهم، أو لمدلول ما عد من امتثالهم نحو فعلوا ذلك {لِيُوَفّيَهُمْ} أو عاقبة ل {يَرْجُونَ}.
{وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} على ما يقابل أعمالهم.
{إِنَّهُ غَفُورٌ} لفرطاتهم.
{شَكُورٍ} لطاعاتهم أي مجازيهم عليها، وهو علة للتوفية والزيادة أو خبر إن ويرجون حال من واو وأنفقوا.
{والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} يعني القرآن و{مِنْ} للتبيين أو الجنس و{مِنْ} للتبعيض.
{هُوَ الحق مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أحقه مصدقًا لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لأن حقيته تستلزم موافقته إياه في العقائد وأصول الأحكام.
{إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} عالم بالبواطن والظواهر فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب، وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية.
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} حكمنا بتوريثه منك أو نورثه فعبر عنه بالماضي لتحققه، أو أورثناه من الأمم السالفة، والعطف على {إِنَّ الذين يَتْلُونَ} {والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} اعتراض لبيان كيفية التوريث.
{الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} يعني علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم، أو الأمة بأسرهم فإن الله اصطفاهم على سائر الأمم {فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ} بالتقصير في العمل به.
{وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} يعمل به في غالب الأوقات.
{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله} بضم التعليم والإِرشاد إلى العمل، وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم. وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيء والسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام «أما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابًا يسيرًا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته» وقيل الظالم الكافر على أن الضمير للعباد، وتقدميه لكثرة الظالمين ولأن الظلم بمعنى الجهل والركون إلى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان.
{ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} إشارة إلى التوريث أو الاصطفاء أو السبق.
{جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} مبتدأ وخبر والضمير للثلاثة أو ل {الذين} أو لل {مُّقْتَصِدٌ} وال {سَابِقُ}، فإن المراد بهما الجنس وقرىء: {جنة عدن} و{جنات عَدْنٍ} منصوب بفعل يفسره الظاهر، وقرأ أبو عمرو {يَدْخُلُونَهَا} على البناء للمفعول.
{يُحَلَّوْنَ فِيهَا} خبر ثان أو حال مقدرة، وقرىء: {يُحَلَّوْنَ} من حليت المرأة فهي حالية.
{مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} {مِنْ} الأولى للتبعيض والثانية للتبيين.
{وَلُؤْلُؤًا} عطف على {ذَهَبَ} أي {مّن ذَهَبٍ} مرصع باللؤلؤ، أو {مّن ذَهَبٍ} في صفاء اللؤلؤ ونصبه نافع وعاصم رحمهما الله تعالى عطفًا على محل {مِنْ أَسَاوِرَ}.
{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
{وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} همهم من خوف العاقبة، أو همهم من أجل المعاش وآفاته أو من وسوسة إبليس وغيرها، وقرىء {الحزن}.
{وَإِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} للمذنبين.
{شَكُورٍ} للمطيعين.
{الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة} دار الإِقامة.
{مِن فَضْلِهِ} من إنعامه وتفضله إذ لا واجب عليه.
{لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} تعب.
{وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} كلا إذ لا تكليف فيها ولا كد، أتبع نفي النصب نفي ما يتبعه مبالغة.
{والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ} لا يحكم عليهم بموت ثان.
{فَيَمُوتُواْ} فيتسريحوا، ونصبه بإضمار أن، وقرىء: {فيموتون} عطفًا على {يقضى} فقوله تعالى: {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} {وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا} بل كلما خبت زيد إسعارها.
{كذلك} مثل ذلك الجزاء.
{نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} مبالغ في الكفر أو الكفران، وقرأ أبو عمرو {يجزى} على بناء المفعول وإسناده إلى {كُلٌّ}، وقرئ {يجازي}.
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} يستغيثون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته.
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به، والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه وأنهم كانوا يحسبون أنه صالح والآن تحقق لهم خلافه.
{أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النذير} جواب من الله وتوبيخ لهم و{مَّا يَتَذَكَّرُ} فيه متناول كل عمر يمكن المكلف فيه من التفكر والتذكر، وقيل ما بين العشرين إلى الستين. وعنه عليه الصلاة والسلام «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة» والعطف على معنى {أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ} فإنه للتقرير كأنه قال: عمرناكم وجاءكم النذير وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو الكتاب، وقيل العقل أو الشيب أو موت الأقارب.
{فَذُوقُواْ فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ} يدفع العذاب عنهم.
{إِنَّ الله عالم غَيْبِ السموات والأرض} لا يخفى عليه خافية فلا يخفى عليه أحوالهم.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} تعليل له لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفى ما يكون كان أعلم بغيرها.
{هُوَ الذي جَعَلَكُمْ خلائف في الأرض} ملقى إليكم مقاليد التصرف فيها، وقيل خلفًا بعد خلف جمع خليفة والخلفاء جمع خليف.
{فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} جزاء كفره.
{وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إلا مقتا وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَارًا} بيان له، والتكرير للدلالة على عن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه، والمراد بالمقت وهو أشد البغض مقت الله وبالخسار خسار الآخرة.
{قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} يعني آلهتهم والإِضافة إليهم لأنهم جعلوهم شركاء الله أو لأنفسهم فيما يملكونه.
{أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} بدل من {أَرَءَيْتُمْ} بدل الاشتمال لأنه بمعنى أخبروني كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء أروني أي جزء من الأرض استبدوا بخلقه.
{أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السموات} أم لهم شركة مع الله في خلق السموات فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية.
{أَمْ ءَاتَيْنَاهُم كِتَابًا} ينطق على أنا اتخذناهم شركاء.
{فَهُمْ على بَيّنَةٍ مّنْهُ} على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية، ويجوز أن يكون هم للمشركين كقوله تعالى: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا} وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والكسائي {على بينات} فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لابد فيه من تعاضد الدلائل.
{بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم إِلاَّ غُرُورًا} لما نفى أنواع الحجج في ذلك أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الأسلاف الأخلاف، أو الرؤساء الأتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقرب إليه.
{إِنَّ الله يُمْسِكُ السموات والأرض أَن تَزُولاَ} كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لابد له من حافظ، أو يمنعهما أن تزولا لأن الإِمساك منع.
{وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ} ما أمسكهما.
{مِن بَعْدِهِ} من بعد الله أو من بعد الزوال، والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى زائدة والثانية للابتداء.
{إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هدًا كما قال تعالى: {تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض}.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم}. وذلك أن قريشًا لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن الله اليهود والنصارى لو أتانا رسول لنكونن {أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم}، أي من واحدة من الأمم اليهود والنصارى وغيرهم، أو من الأمة التي يقال فيها هي {إِحْدَى الأمم} تفضيلًا لها على غيرها في الهدى والاستقامة.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} يعني محمدًا عليه الصلاة والسلام.
{مَّا زَادَهُمْ} أي النذير أو مجيئه على التسبب.
{إِلاَّ نُفُورًا} تباعدًا عن الحق.
{استكبارا في الأرض} بدل من نفورًا أو مفعول له.
{وَمَكْرَ السيىء} أصله وإن مكروا المكر السيء فحذف الموصوف استغناء بوصفه، ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر، ثم أضيف. وقرأ حمزة وحده بسكون الهمزة في الوصل.
{وَلاَ يَحِيقُ} ولا يحيط.
{المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} وهو الماكر وقد حاق بهم يوم بدر، وقرىء {وَلاَ يَحِيقُ المكر} أي ولا يحيق الله.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ} ينتظرون.
{إِلا سُنَّتُ الأولين} سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم.
{فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلًا} إذ لا يبدلها بجعله غير التعذيب تعذيبًا ولا يحولها بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم، وقوله: {أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} استشهاد علم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين.
{وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْءٍ} ليسبقه ويفوته.
{فِي السموات وَلاَ في الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا} بالأشياء كلها.
{قَدِيرًا} عليها.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ} من المعاصي.
{مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} ظهر الأرض {مِن دَابَّةٍ} من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم، وقيل المراد بالدابة الإِنس وحده لقوله: {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} هو يوم القيامة.
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} فيجازيهم على أعمالهم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة: أن أدخل من أي باب شئت». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}.
التفسير: لما بين دلائل الوحداينة بطريق الإخبار ذكر دليلًا آخر بطريق الاستخبار لأن الشيء إذا كان خفيًا ولا يراه من بحضرتك كان معذورًا، أما إذا كان بارزًا مكشوفًا فإنك تقول: أما تراه. والمخاطب إما كل أحد أو النبي صلى الله عليه وسلم لأن السيد إذا نصح بعض العباد ولم ينفعهم الإرشاد قال لغيره. اسمع ولا تكن مثل هذا ويكرر معه ما ذكره مع الأول. والالتفات في {فأخرجنا} لأن نزول الماء يمكن أن يقال: إنه بالطبع ولكن الإخراج لا يمكن إلا بإرادة الله. وأيضًا الإخراج أتم نعمة من الإنزال لأن إنزال المطر لفائدة الإخراج. واختلاف ألوان الثمرات اختلاف أصنافها أو هيئاتها، والجدد الخطط، والطرائق فعلة بمعنى مفعول والجد القطع. قال جار الله: لابد من تقدير مضاف أي ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر مختلف ألوانها في البياض والحمرة، لأن الأبيض قد يكون على لون الجص وقد يكون أدنى من ذلك، وكذلك الحمرة. والغرابيب تأكيد للسود إلا أنه أضمر المؤكد أوّلًا ثم أظهر ثانيًا على طريقة قوله:
والمؤمن العائذات الطير

وإنما لم يتصوّر اختلاف الألوان هاهنا لأن السواد إذا كان في الغاية لم يكن بعدها لون.
يقال: أسود غربيب للذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب. ويمكن أن يقال: إن المختلف صفة الحمر فقط. وحين فرغ من دلائل النبات وما يشبه المعادن شرع في الاستدلال بالحيوان، وقدّم الإنسان لشرفه، ثم ذكر الدواب على العموم، ثم خصص الأنعام، أو أراد بالدابة الفرس فجعله لشرفه رديف الإنسان. وقوله: {مختلف} اي بعض مختلف {ألوانه} وذكر الضمير تغليبًا للإنسان أو نظرًا إلى البعض. وقوله: {كذلك} أي كاختلاف الجبال والثمرات، وفيه ن هذه الأجناس كما أنها في أنفسها دلائل فهي باختلافها أيضًا دلائل. وحين خاطب نبيه بقوله: {ألم تر} بمعنى ألم تعلم أتبعه قوله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} كأنه قال: إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن نظر في دلائله فعرفه حق معرفته، أو أراد أن يعرّفه كنه معرفته لأن الخشية على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله. وفي الحديث «أعلمكم بالله أشدّكم خشية له» وفائدة تقديم المفعول أن يعلم أن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، ولو أخر المفعول كان معنى صحيحًا وهو أنهم لا يخشون أحدًا إلا الله إلا أن ذلك غير مراد ههنا. وعن عمر بن عبد العزيز ويحكى عن أبي حنيفة قرءا برفع الله ونصب العلماء فتكون الخشية مستعارة للتعظيم اي لا يعظم الله ولا يجل من الرجال إلا العلماء به. ثم بين السبب الباعث على الخشية بقوله: {إن الله عزيز غفور} فالعزة توجب الخوف من أليم عقابه والمغفرة توجب الطمع في نعيمه وثوابه، وفيه أن خوف المؤمن ينبغي أن يكون مخلوطًا برجائه. ثم مدح العالمين العاملين بقوله: {إن الذين يتلون} الآية. قال أهل التحقيق: قوله: {إنما يخشى الله} إشارة إلى عمل القلب، وقوله: {إن الذين يتلون} أي يداومون على التلاوة إشارة إلى عمل اللسان. وقوله: {وأقاموا الصلاة} إشارة إلى عمل الجوارح، والكل أقسام التعظيم لأمر الله.
ثم اشار إلى الشفقة على خلق الله بقوله: {وأنفقوا مما رزقناكم} وقوله: {يرجون} وهو خبر أن إشارة إلى الإخلاص في العقائد والأعمال أي نفقون من الأموال لا ليقال إنه كريم أو لغرض آخر بل لتجارة لا كساد فيها ولا بوار وهي طلب مرضاة الله.؟ وقوله: {ليوفيهم} متعلق ب {لن تبور} أي تنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها عنده أجورهم. وجوّز جار الله أن يجعل {يرجون} في موضع الحال واللام متعلق بالأفعال المتقدّمة اي فعلوا جميع ما ذكر من التلاوة والإقامة والإنفاق لغرض التوفية. وخبر أن قوله: {إنه غفور} لهم {شكور} لأعمالهم. وحين ذكر دلائل الوحدانية أتبعه بيان الرسالة وذكر حقيقة الكتاب المتلوّ والكتاب للجنس ف من للتبعيض أو هو القرآن، و من للتبيين أو هو اللوح المحفوظ و من للابتداء وقد مرّ في البقرة أن قوله: {مصدقًا} حال مؤكدة.