فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أمام هذه الوقفة يوجه حسهم إلى قوة الله الكبرى. القوة التي لا يغلبها شيء ولا يعجزها شيء؛ والتي أخذت الغابرين وهي قادرة على أخذهم كالأولين: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض}.
ويعقب على هذه الحقيقة بما يفسرها ويعرض اسانيدها:
{إنه كان عليمًا قديرًا}.
يحيط علمه بكل شيء في السماوات والأرض؛ وتقوم قدرته إلى جانب علمه. فلا يند عن علمه شيء، ولا يقف لقدرته شيء. ومن ثم لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض. ولا مهرب من قدرته ولا استخفاء من علمه: {إنه كان عليمًا قديرًا}.
الدرس السادس 45 حلم الله بالناس وتأخير حسابهم ليوم القيامة وأخيرًا يجيء ختام السورة، يكشف عن حلم الله ورحمته إلى جانب قوته وقدرته؛ ويؤكد أن إمهال الناس عن حلم وعن رحمة، لا يؤثر في دقة الحساب وعدل الجزاء في النهاية: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرًا}.
إن ما يرتكبه الناس من كفر لنعمة الله، ومن شر في الأرض وفساد، ومن ظلم في الأرض وطغيان. إن هذا كله لفظيع شنيع ولو يؤاخذ الله الناس به، لتجاوزهم- لضخامته وشناعته وبشاعته- إلى كل حي على ظهر هذه الأرض. ولأصبحت الأرض كلها غير صالحة للحياة إطلاقًا. لا لحياة البشر فحسب، ولكن لكل حياة أخرى!
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)}.
والتعبير على هذا النحو يبرز شناعة ما يكسب الناس وبشاعته وأثره المفسد المدمر للحياة كلها لو آخذهم الله به مؤاخذة سريعة.
غير أن الله حليم لا يعجل على الناس: {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى}.
يؤخرهم أفرادًا إلى أجلهم الفردي حتى تنقضي أعمارهم في الدنيا. ويؤخرهم جماعات إلى أجلهم في الخلافة المقدرة لهم حتى يسلموها إلى جيل آخر. ويؤخرهم جنسًا إلى أجلهم المحدد لعمر هذا العالم ومجيء الساعة الكبرى. ويفسح لهم في الفرصة لعلهم يحسنون صنعًا.
{فإذا جاء أجلهم} وانتهى وقت العمل والكسب، وحان وقت الحساب والجزاء، فإن الله لن يظلمهم شيئًا: {فإن الله كان بعباده بصيرًا}.
وبصره بعباده كفيل بتوفيتهم حسابهم وفق عملهم وكسبهم، لا تفوت منهم ولا عليهم كبيرة ولا صغيرة.
هذا هو الإيقاع الأخير في السورة التي بدأت بحمد الله فاطر السماوات والأرض.
{جاعل الملائكة رسلًا أولي أجنحة} يحملون رسالة السماء إلى الأرض. وما فيها من تبشير وإنذار فإما إلى جنة وإما إلى نا.
وبين البدء والختام تلك الجولات العظام في تلك العوالم التي طوفت بها السورة. وهذه نهاية المطاف. ونهاية الحياة. ونهاية الإنسان. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)}.
بيّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أنّه غنيّ عن خلقه وأنّ خلقه مفتقر إليه: أي فهو يأمرهم وينهاهم لا لينتفع بطاعتهم، ولا ليدفع الضرّ بمعصيتهم، بل النفع في ذلك كله لهم، وهو جلّ وعلا الغنيّ لذاته الغنيّ المطلق.
وما دّلت عليه هذه الآية الكريمة مع كونه معلومًا من الدّين بالضرورة، جاء في مواضع كثيرة، من كتاب الله كقوله تعالى: {والله الغني وَأَنتُمُ الفقراء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد: 38] الآية. وقوله تعالى: {فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ واستغنى الله والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: 6] وقوله تعالى: {وَقَالَ موسى إِن تكفروا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعًا فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8] إلى غير ذلك من الآيات.
وبذلك تعلم عظم افتراء الذين قالوا إن الله فقير ونحن الأغنياء، وقد هدّدهم الله على ذلك بقوله: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} [آل عمران: 181].
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}.
قد قدمنا الايات الموضحة له في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ الله على ذلك قَدِيرًا} [النساء: 133].
قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له مع الجواب عن بعض الأسئلة الواردة على الآية في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الأسراء: 15].
قوله تعالى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25] ووجه الجمع بين أمثال هذه الآية وبين قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] ونحوها من الآيات.
قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنّ إنذاره صلى الله عليه وسلم محصورة في الذين يخشون ربهم بالغيب، وأقاموا الصلاة، وهذا الحصر الإضافي، لأنهم هم المنتفعون بالإنذار، وغير المنتفع بالإنذار، كأنه هو والذي لم ينذر سواء بجامع عدم النفع في كلّ منهما.
وهذا المعنى جاء موضحًا في آيات من كتاب الله تعالى كقوله تعالى: {وَسَوَاءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر وَخشِيَ الرحمن بالغيب} [يس: 1011] الآية. وقوله: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [النازعات: 45] ويشبه معنى ذلك في الجملة قوله تعالى: {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] وقد قدمنا معنى الإنذار وأنواعه موضحًا في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2].
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)}.
قد قدمنا إيضاحه بالآيات في أوّل سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع} [هود: 24] الآية.
قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأحياء وَلاَ الأموات}.
الأحياء هنا المؤمنون والأموات الكفار، فالحياة هنا حياة إيمان والموت موت كفر.
وهذا المعنى جاء موضحًا في غير هذا الموضع كقوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} [الأنعام: 122] فقوله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا}: أي موت كفر فأحييناه حياة إيمان، وكقوله تعالى: {لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين} [يس: 70] فيفهم من قوله: {مَن كَانَ مَيْتًا} أي وهي حياة إيمان أن الكافرين الذين حق عليهم القول ليسوا كذلك، وقد أطبق العلماء على أن معنى قوله: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ والموتى يَبْعَثُهُمُ الله} [الأنعام: 36] أن المعنى والكفار يبعثهم الله.
وقد قدّمنا هذا موضحًا بالآيات القرآنية في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} [النمل: 80] الآية.
قوله تعالى: {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له وما جاء في سماع الموتى في سورة النمل، في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} [النمل: 80] الآية.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ}.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة الروم في الكلام على قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] الآية، وبيّنا هناك دلالة الآيات على أنّه جل وعلا هو المؤثر وحده، وأنّ الطبائع لا تأثير لها إلا بمشيئته تعالى.
قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} إلى قوله: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
قد قدمنا الكلام على هذه الآية، مع نظائرها من آيات الرجاء استطرادًا، وذكرنا معنى الظالم والمقتصد والسابق، ووجه تقديم الظالم عليهما بالوعد في الجنات في سورة النور في الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى} [النور: 22] الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} قد قدّمناه مع الآيات المماثلة. والمشابهة له في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14].
قوله تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْملُ} [الأعراف: 53] الآية.
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} الآية.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفرقان، في الكلام على قوله تعالى: {واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3]، وفي سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] الآية.
قوله تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} الآية.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [الحج: 65].
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى مِنْ إِحْدَى الأمم}.
قد قدّمنا الكلام عليه في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّآ أهدى مِنْهُمْ} [الأنعام: 157] الآية.
قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} الآية.
قد قدمنا الآيات الموضحة له وشواهده العربية في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ} [النحل: 61] الآية. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}.
أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني في الافراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وقع في نفس موسى عليه السلام هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله ملكًا إليه، فارقه ثلاثًا، وأعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، وأمره أن يتحفظ بهما، فجعل ينام وتكاد يداه يلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس احداهما عن الأخرى حتى نام نومة، فاصطقت يداه وانكسرت القارورتان قال: ضرب الله له مثلًا أن الله تبارك وتعالى لو كان ينام، ما كان يمسك السماء ولا الأرض».
وأخرج ابن أبي حاتم عن خرشة بن الحر رضي الله عنه قال: حدثني عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام قال: يا جبريل هل ينام ربك؟ فقال جبريل: يا رب إن عبدك موسى يسألك هل تنام؟ فقال الله: «يا جبريل قل له فليأخذ بيده قارورتين، وليقم على الجبل من أول الليل حتى يصبح، فقام على الجبل وأخذ قارورتين فصبر، فلما كان آخر الليل غلبته عيناه، فسقطتا فانكسرتا فقال: يا جبريل انكسرت القارورتان فقال الله: يا جبريل قل لعبدي إني لو نمت لزالت السموات والأرض».
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق عن عكرمة قال: أسر موسى عليه السلام إلى الملائكة هل ينام رب العزة؟ قال: فسهر موسى أربعة أيام ولياليهن، ثم قام على المنبر يخطب، ورفع إليه قارورتين في كل يد قارورة، وأرسل الله عليه النعاس، وهو يخطب إذ أدنى يده من الأخرى، وهو يضرب القارورة على الأخرى، ففزع ورد يده ثم خطب، ثم أدنى يده، فضرب بها على الأخرى، ففزع ثم قال: {لا إله إلا الله الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255] قال عكرمة: السنة التي يضرب برأسه وهو جالس والنوم الذي يرقد.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه، أن موسى عليه السلام قال له قومه: أينام ربك؟ قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فأوحى الله إلى موسى: أن خذ قارورتين، فاملأهما ماء. ففعل، فنعس، فنام، فسقطتا من يده، فانكسرتا، فأوحى الله إلى موسى اني: أمسك السموات والأرض أَنْ تزولا ولو نِمْتُ لزالتا قال البيهقي رضي الله عنه: هذا أشبه أن يكون هو المحفوظ.
وأخرج الطبراني في كتاب السنة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام: هل ينام ربنا؟ إلخ.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أتيت سلطانًا مهيبًا تخاف أن يسطو عليك فقل: الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعًا، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه، من شر عبدك فلان، وجنوده، وأتباعه، وأشياعه من الجن والإِنس.
اللهم كن لي جارًا من شرهم. جل ثناؤك، وعز جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك، ثلاث مرات.
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا دخل بيته، وأوى إلى فراشه، ابتدره ملكه وشيطانه. يقول شيطانه: اختم بشر. ويقول الملك: اختم بخير. فإن ذكر الله وحده طرد الملك الشيطان، وظل يكلؤه، وإن هو انتبه من منامه، ابتدره ملكه وشيطانه. يقول له الشيطان: افتح بشر. ويقول الملك: افتح بخير. فإن هو قال الحمد لله الذي رد إليَّ نفسي بعد موتها، ولم يمتها في منامها. الحمد لله الذي {يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليمًا غفورًا} وقال الحمد لله الذي {يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم} [الحج: 56] قال: فإن خرج من فراشه فمات كان شهيدًا، وإن قام يصلي صلّى».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الأرض على حوت، والسلسلة على أذن الحوت في يد الله تعالى، فذلك قوله: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} قال: من مكانهما.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن كعبًا كان يقول: إن السماء تدور على نصب مثل نصب الرحا. فقال حذيفة بن اليمان: كذب كعب {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا}.